زاوية شهرية جديدة نقدّمها، بعنوان “رادار”، نهدف من خلالها إلى الإضاءة على بعض المقالات والدراسات التي تشكّل فتحاً لنقاشٍ جديد أو سجالٍ منطقي، وتقدّم مادة معرفية يستعصي أحياناً على المرء الإلمام بها وفقاً لمعطيات الواقع.

في زمنٍ نحن فيه شهودٌ على الفورة المعلوماتية والنقدية، وفي خضم الأبحاث والمقالات التي تنشر يومياً على الشبكة العنكبوتية، نُحرم مجبرين من الوصول إلى كثيرٍ من القراءات الثرية، ونضيع هائمين باحثين بين هذا المقال وذاك، عسى أن نجد ما يروي ظمأنا المعرفي. لذلك، قررنا في “باب الواد” إطلاق زاوية شهرية، بعنوان “رادار”، نهدف من خلالها إلى الإضاءة على بعض المقالات والدراسات التي تشكّل فتحاً لنقاشٍ جديد أو سجالٍ منطقي، وتقدّم مادة معرفية يستعصي أحياناً على المرء الإلمام بها وفقاً لمعطيات الواقع.

سنستهل الزاوية بهذه المقالة التي تتضمن خمس مقالات اختارها فريق التحرير، بموضوعات مختلفة وروحٍ للكتابة تختلف فيها الواحدة عن الأخرى، متنقّلين بين إعادة صكّ المحرقة في سياقها التاريخي الحقيقي، واقتفاء خيوط مواجهة أصحاب البلاد للبطريركية اليونانية، وهزيمة الحصار في ستالينغراد، وصورة القدس ورمزيتها لدى الفلاسفة الأوروبيين، والمواجهة التي تمكّن بعضنا من معايشتها في الانتفاضة الأولى.

المحرقة: “الابنة الشرعية للدولة الحديثة”

عادةً ما تحتكر الصهيونية التكلّم باسم المحرقة وضحاياها، مطوّعةً إياها لشرعنة وجودها بالمحصلة، مقابل أداء طقوس سنوية بتكفير الذات الأوروبية عن ذنبها إزاء ذلك، على اعتبار أن ما حصل مسارٌ استثنائيٌّ لا يعبّر عن الحداثة الغربية إجمالًا. في خضم ذلك، يعود الكاتب شاكر جرار في مقالته “المحرقة: الابنة الشرعية للدولة الحديثة” المنشورة على موقع “حبر”، ليستأنف على كل ما سبق، بخوض محاججة نظرية مهمة، اعتماداً على كتاب “الحداثة والهولوكست” لعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان، مستخلصاً أن المحرقة لم تكن مسألة استثنائية في مسار الحداثة أو حرفاً عنها، بل هي نتاجٌ لها، كما لا يمكن تصويرها كعمل فرداني يمكن وصم صاحبه باللوثة العقلية أو الشر الجذري فيه، إنما هي عقلانية سياسية ومنظومة بيروقراطية تحكم بامتياز وكفاءة عالية.

يشير جرار إلى تمييز باومان في كتابه بين أشكال القتل الجماعي التقليدي وبين الإبادة في عهد الحداثة، ويرى بأن ما فعلته الدولة الحديثة هو أن استبدلت الغوغائية بالبيروقراطية ومشاعر الغضب بالسلطة والتحكم، موضحاً أن ما يميّز المحرقة هو منهجية القتل والقصدية بتحديد الضحايا، والتي دعمتها الدولة الغربية الحديثة في ضبطها لجودة العنف وفاعليته داخل النظام الاجتماعي والسياسي، موثقةً العلاقة بين العنف والحداثة. يفسر باومان العملية الممنهجة التي تقوم بها الدولة الحديثة بما أسماها “الانضباط المؤسسي” الذي يفصل العنف عن الحسابات الأخلاقية، وينزع أي صفة إنسانية عن ضحايا العنف، جاعلاً من طاعة الأوامر المسؤولية الأخلاقية الوحيدة المترتبة على مواطن الدولة الحديثة.

يوجّه جرار في نهاية مقاله نقداً إلى باومان، بخصوص تجاهله لدور الرأسمالية والاستعمار في نشوء الدولة الحديثة وعلاقتهما بالمحرقة، ويحاجج بأن إغفال محورية الاستعمار في الوصول إلى المحرقة يتقاطع مع الخطاب الذي نزعها عن تاريخيتها وخصوصيتها الأوروبية، وهو خطاب يوظفه الكيان الصهيوني بشكل مستمر كمبرر أساسي لوجوده. ينهي جرار مقاله باقتباس لإيمي سيزار نضعه بين أيديكم: “ما لا يستطيعون مسامحة هتلر عليه هو ليس الجريمة بحد ذاتها، الجريمة بحق الإنسان، ليس إذلال الإنسان بحد ذاته، إنما الجريمة بحق الإنسان الأبيض، إذلال الإنسان الأبيض، وحقيقة أنه طبق على أوروبا الاستعمارية الأفعال التي كانت إلى ذلك الحين محفوظة حصريًا على العرب والهنود والأفارقة”.

للقراءة: هنا.

قدس الفلاسفة

ظهرت رمزية “أورشليم” وسرديتها في أواخر القرن الثامن عشر، نتاجَ سعي الفلاسفة الأوروبيين لتطوير استعارات جغرافية جديدة وغير يونانية – أثينا وروما- بهدف تعميق وتأصيل الانتماء للذات الأوروبية. ففي مقال بعنوان “قدس الفلاسفة”، والذي كتبه فتحي المسكيني في الملحق الثقافي لصحيفة “الاتحاد” في 25 كانون ثانٍ، بحث الكاتب عن أصل كلمة “أورشليم” والتطورات الفلسفية واللاهوتية والتاريخية التي طرأت عليها، إذ قدم تمهيداً حول خلق الفلاسفة الأوروبيين أيقوناتٍ سرديةً ونماذجَ أخلاقيةً لإعادة بناء الذات الأوروبية الكبرى، مستغلين التراث اليوناني الذي يوفر أدوات التبرير المعياري والأخلاقي لتحويله لخطابٍ غايتُه افتعالُ تاريخٍ إنساني جديد، وهو ما أنتج الحاجة المتخيلة لاستعارة “أورشليم” لمنافسة استعارات التنوير الأخرى التي كانت سائدة، ثم بدأ تنشيط تناول اسم “أورشليم” بغرض أسلوبي يهدف إلى تأكيد إمكانية إنجاز “تنوير يهودي” في أوروبا.

ويبين المقال أنه بعد فشل برنامج التنوير القائم على رمزية روما وأثينا، وتحوّل الحداثة إلى آلة استعمارية وتغوّل الذات الأوروبية، ظهرت نزعة ثقافيّة ونقديّة وعرقيّة عُرفت تحت مسمّى “معاداة السامية”، وهو مصطلح يتناقض مع العلاقة الأدبية أو التنويرية أو الرومانسية مع أورشليم، وهو ما استدعى إعادة رمزية “أورشليم” إلى التأسيس الفلسفي لكسب معركة الانتماء إلى الغرب.

وقبل ختام المقال، يعود الكاتب باحثاً في المفارقة التي استعرضها في المقدمة حول “قدسنا” و”أورشليمهم”، إذ ينبغي لحل هذا اللغز في الأفق الإنساني البحث في شخص إبراهيم وليس سقراط – كشخصيّتين مفهوميّتين وأدبيّتين وليستا تاريخيتين- وتحديد “الانتماء إلى المدينة العربية الفلسطينية أو الانتماء إلى الذاكرة المجروحة للإنسان الغربي في لحظة البحث عن علاج لأزمة الحداثة في جغرافية الروح”.

للقراءة، هنا.

ستالينغراد 43: كيف تهزم الحصار [1]

يصادف الثاني من شباط الذكرى الخامسة والسبعين لاستسلام قوات الجيش السادس النازية  “فيرماخت” أمام الهجوم السوفيتي المضاد في مدينة “ستالينغراد”، وإعلان هزيمة الجيش الألماني رغم الخسائر البشرية والمادية العظيمة التي كبدها للسوفييت. في الجزء الأول من سلسلة مقالات  “ستالينجراد 43: كيف تهزم الحصار [1]” التي نشرتها صحيفة “الأخبار” اللبنانية، يحكي لنا عامر محسن عن معركة وحصار “ستالينجراد” خلال الحرب العالمية الثانية وصوابية اختيار هتلر للمدينة السوفيتية كهدف للهجوم الألماني.

يتناول المقال السرديات المختلفة التي تحيط بمعركة ستالينغراد، ما بين التأريخ الغربي الحذر والمتوجس من مدح النظام الستاليني، وبين السردية البطولية لصناعة نصرٍ غير متوقع. تُفضي المقارنات التي خاض محسن غمارها في المقالة إلى الإقرار بأنّ القصص الأهم حول “ستالينجراد” هي تلك التي تخصّ “الناس العاديين”، ولم تجد طريقها إلينا، قائلاً: “هذه من معضلات تاريخ الحروب، إذ إنّ أفضل النّاس والشجعان هم عادةً من يموت فيها، وحين يأتي المؤرّخون بعد عقودٍ، لتسجيل الأحداث، يجمعون الروايات من ذاك الذي أبقى رأسه منخفضاً في الخندق”.

يخلص محسن إلى أنّ هتلر أخطأ بالتعويل على قوته العسكرية ونظرياته حول “قوة الإرادة”، كما أخطأ باعتقاده أن الاتحاد السوفيتي خيارٌ سهل الانهيار، وبالذات بعد انضمام الولايات المتحدة للحرب. كما يضعنا أمام حقيقة أن المقاومة السوفياتية صعدت رغم الكراهية والحقد والخسائر الفادحة التي واجهتها مع حربها  القاسية ضد النازيين، إذ إنّه ليس ممكناً التعامل مع هذه الحرب بنسبوية على الإطلاق، فقد كان لدى النظام النازي مشروعٌ عنصريٌ إباديٌّ ممنهجٌ جعل من السّلاف أحد أهدافه، ولم يكن الشعب الروسي حينها يحارب دفاعاً عن نظام فحسب، بل “عن نفسه -حرفياً- ضد الإبادة”.

للقراءة، هنا.

في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية

ليست قضية الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين وليدة اليوم – وإن تكشفت حديثاً ولم تعد مقتصرة على شريحة محددة – بل نتاج تاريخ تراكمي بدأ منذ تأسسيها في البلاد عام 52 ميلادي؛ تاريخ لم ينصف المقهورين من أبناء الطائفة في فلسطين المستمرين في نضالهم منذ ما يزيد عن 500 عام. في مقالٍ نُشر في 13 شباط على موقع مجلة “الآداب” اللبنانية، بعنوان “في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية”، يضعنا الكاتب جلال برهم أمام  خارطة لأهم المحطات التاريخية التي مرت بها الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين، بدءاً من تأسّسها مروراً بالسيطرة اليونانية عليها، ثم تحالفها مع الانتداب البريطاني، فالاحتلال الصهيوني، وصولاً لما آلت إليه اليوم.

استعرض برهم في مقاله ما كانت عليه الكنيسة قبل الحكم العثماني، إذ تعاقب على رئاستها العشراتُ من الأساقفة العرب إلى أن استحالت بطريركيّة في المجمع المسكونيّ الرابع سنة 451 م، مشيراً إلى أنه ومنذ تأسيس الكنيسة الأرثوذكسيّة وحتى العام 1516 لم يذكر التاريخُ صراعاً بين الكهنة والرعيّة العرب من جهة، والرهبانِ من الجنسيّات غير العربيّة من جهةٍ أخرى، إلى أن استقدم العثمانيون رهباناً يونانيين فرضوا الهيمنة اليونانية على الكنائس عبر ضمّ “أخويّة القبر المقدّس” إلى البطريركيّة عام 1537 وسحب الصلاحيات من المطارنة العرب، وفرض سياسات عنصرية وإقصائية على الكنيسة، وهو ما ظل حاضراً حتى يومنا هذا، بهدف تصفية جميع الأراضي التي تتملكها الكنيسة وبيعها للعدو.

ما يميز المقالة إضاءتها على خيار قد يكون مطوياً، وهو خيار المواجهة الذي توجّه إليه الفلسطينيون في مرحلة مبكرة، إذ يقول برهم: “تتدخّل السلطة العثمانية وتقمع المحتجّين كعادتها، فيسقط 4 شهداء في القدس، ويصاب آخرون، ويُعتقل العشرات، ويُبعَد آخرون إلى مقرّ الولاية في بيروت. وتحت الضغط الشعبيّ يعود دميانوس بطريركًا، ولكنّه يتنكّر لعهوده.”

للقراءة، هنا.

دراسة: حفاة في مواجهة الجيبات العسكرية

بعد 30 عاماً على نشره باللغة الإنجليزية، نشرت مجلة “الدراسات الفلسطينية” بحثاً  لحسين البرغوثي بعد أن ترجمه عبد الرحيم الشيخ، تحت عنوان “حفاة في مواجهة الجيبات العسكرية: الانتفاضة الأولى في القرى”. ويتناول البحث الذي اعتمد على مصادر فلسطينية وإسرائيلية، وكُتِبَ بنهج موجه لمخاطبة المجتمع الغربي، تطور الانتفاضة الأولى 1987 – 1993 واتساع رقعتها الشعبية، وما اتخذه الفلسطينيون خلالها من أساليب وأدوات في مواجهة ما حاول الاحتلال فرضه لقمع الانتفاضة ومحاصرتها.

“تتكون هذه الدراسة من مقدمة وخمسة أقسام تزودنا بكرونولوجيا متقَنة ترصد القرى الفلسطينية في أثناء الانتفاضة الأولى منذ انطلاقتها في ٩ كانون الأول/ديسمبر ١٩٨٧ حتى إعلان الاستقلال الفلسطيني في ١٥ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٨٨، وتتخذ من معكوس استعارة ”داود في مواجهة جالوت”، لطفل فلسطيني حافي القدمين يواجه جِيباً عسكرياً إسرائيلياً في بلدة قباطية في جنين، مجازاً للانتفاضة بكاملها، ومقولة سياسية تفيد بانتصار الإرادة الشعبية الفلسطينية على إرادة العدو في تلك الانتفاضة”.

كما أفرد البحث مساحةً كبيرةً للحديث عن الحرب الاقتصادية التي شنها الاحتلال على الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى، وكيف استطاع الفلسطينيون مواجهة هذه الحرب عبر خلق بدائل عديدة والعودة إلى الأرض والاستمرار بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وهو ما ساهم في استمرار الإضرابات التجارية الواسعة. .

للقراءة، هنا.