تتوسط العلم نجمة خماسية إشارة إلى أركان الإسلام الخمسة على خلفية حمراء تشير إلى دماء الشهداء. إن كان هذا هو الحال، فلا أحد يعلم ما الذي تفعله هذه الراية في وسط تل أبيب، في المعرض الدولي للتسليح ISDEF2017 الذي يقام مرة كل عامين، وتبدأ دورته الجديدة غدًا 6 يونيو/ حزيران في تل أبيب، ويستمر حتى الثامن من الشهر نفسه.

في 1915، أصدر الشريف العلوي، مولاي يوسف بن الحسن، السلطان المغربي، مرسومًا ملكيًا يثبّت شكل وألوان العلم المغربي، آملاً من الله أن يحفظ هذه الراية “خفّاقة برياح السعد والإقبال، في الحال وفي المآل”. تتوسط العلم نجمة خماسية إشارة إلى أركان الإسلام الخمسة على خلفية حمراء تشير إلى دماء الشهداء.

إن كان هذا هو الحال، فلا أحد يعلم ما الذي تفعله هذه الراية في وسط تل أبيب، في المعرض الدولي للتسليح ISDEF2017 الذي يقام مرة كل عامين، وتبدأ دورته الجديدة في 6 حزيران في تل أبيب، ويستمر حتى الثامن من الشهر نفسه.

لكي نعرف ما الذي يفعله علم المغرب في تل أبيب، علينا أن ندرك أولاً؛ ما الذي تفعله تل أبيب في المغرب. كيف تتغلغل هذه الـ “تل أبيب” في العالم العربي بشكل مُعلن، بدءاً من إمارات وممالك الخليج (مملكة البحرين مثالاً) وصولاً إلى أقصى المغرب العربي: المغرب وموريتانيا.

غاز النظام في مصر
لا يقتصر التعاون العسكري مع تل أبيب على المغرب وحدها، فكما سنرى لاحقًا، تقوم دول شرق أوسطية غير مُعرّفة باستيراد السلاح والخبرات من الجيش الصهيوني. ولعل واحدًا من دلائل هذا الاعتماد العسكري على الإمداد الصهيوني هو موضوع قنابل الغاز التي تم إطلاقها على متظاهري ميدان التحرير في 2011، حين اكتشف النظام المصري أن ما بحوزته من “وسائل السيطرة على المظاهرات” لا يكفي للسيطرة على الجموع الحاشدة التي اعتصمت في وسط القاهرة. ولم يكن بالإمكان آنذاك انتظار وصول أدوات السيطرة على الجموع من موّرد بعيد، فتعددت شهادات المتظاهرين المصريين عن كون قنابل الغاز الملقاة عليهم تحمل حروفًا عبرية. ما يرجح أن النظام المصري لجأ إلى مصنّع السلاح الأقرب إليه جغرافياً.

في بداية ثورة 25 يناير، توجه ناشطون مصريون إلى زملائهم الفلسطينيين طالبين منهم العون في فهم طريقة عمل الغاز المسيل للدموع الجديد الذي بدأ النظام في استخدامه ضدّهم.

ليس غاز الـCS غريباً على الناشطين المصريين بالطبع، فقد خبروه مثلما خبره زملاؤهم الفلسطينيون، عبر تاريخ طويل من حركة الاحتجاج المدني ضدّ النظام. من السهل التعامل مع هذا الغاز في حالته الأصلية، حيث يكفي تحفيز عمل الغدد الدمعية، باستخدام البصل أو العطور مثلاً، لإزالة أثره عن العيون والأغشية المخاطية.

مهما يكن من أمر، لم يفلح الدواء التقليدي في تخفيف أثر الغاز الجديد. ولاحقاً، ظهر أن “العامل الرافع” المستخدم في داخل المقذوفات، هو ما يعطيها هذه القدرة الخانقة والفتّاكة. إلى جانب المقذوفات نفسها، التي تطلق بشكل مباشر على المتظاهرين وتتسبب في إصابات دامية، بل ومميتة.

ووفقًا لبحث أجراه الناشطون الفلسطينيون، وجدنا أن الكيان الصهيوني عادة ما يُضيف هذا “العامل الرافع” لقنابل الغاز الأمريكية المستوردة من شركة combined tactical system التي تتعامل معها الحكومة المصرية. حار الفلسطينيون في الردّ على سؤال زملائهم، إذ أن معظم الاشتباكات التي يتعرضون فيها للغاز المسيل تتم في مناطق مكشوفة ومفتوحة، في محاور التماس مع الحواجز العسكرية الصهيونية وفي التلال، وذلك بعد نجاح أوسلو في إخراج الجندي الصهيوني من مصيدة الأزقّة، وتموضعه في المساحات المفتوحة الكاشفة على مداخل المدن. وهنا يتحول حيز التعرض إلى الغاز في فلسطين إلى حيز مفتوح لمهارات القنّاص الصهيوني، كما تقلّ فيه فعالية أدوات “السيطرة على الاحتجاجات”، التي تشمل المطاط الذي يطلق من بعيد، والغاز الذي يتبدد في هواء مفتوح، على العكس مما حدث في اشتباكات داخل المدن، كما هو الحال في القاهرة مثلاً. [1]

ولاحقًا، جاءت النصيحة التونسية لثوار الميدان تحمل الإجابة الشافية: البيبسي كولا لإزالة آثار الغاز، إلى جانب اختراع أقنعة “شعبية” تستخدم فحم مصفّيات الماء، في وقاية الجهاز التنفسي من آثار الغاز.

في تلك الفترة، كان صيدلي فلسطيني شاب، درس في جامعة 6 أكتوبر المصرية، يجري تجاربه على رذاذ مقاوم لنوع آخر من الغاز يستخدمه الصهاينة، إنه غاز الفلفل، مادة زيتية قاتمة ترشّ بشكل مباشر على المحتجين ومن يقاومون الاعتقال، تلتصق بخلايا الجلد وتتسبب في إحداث تهيج في النسيج المخاطي والعيون، بل وتؤدي إلى حدوث حروق في الوجه إن تعرضت البشرة لها بشكل كافٍ. ومقابل الكولا المصرية، وجد الصيدلي ضالته في مادة المالوكس المستخدمة لتخفيف الشعور بحرقان المعدة، بعد تخفيفها بنسبة 50% بالماء المقطّر.

المفارقة التاريخية تمثلت في التالي: استشهد الصيدلاني الشاب في آذار الماضي في اشتباك مسلح مع فرقة إعدام صهيونية، وتم اعتقال جثمانه واحتجازه في معهد “أبو كبير” االصهيوني للطب العدلي عشرة أيام. وقد أصرّ النظام القضائي لسلطة محمود عباس على محاكمة جثمان الشاب بتهمة حيازة سلاح غير قانوني بعد أسبوع على استشهاده. وفي مظاهرة أجريت أمام مجمع المحاكم التابعة لسلطة عباس في رام الله، قمعت كائنات الأمن الفلسطيني المتظاهرين وأهل الشهيد باستخدام قنابل غاز مصنعة صهيونياً.

قبل عقود، كتب الشاعر العراقي مظفّر النواب:

“حبّات الرزّ عليها إسرائيل،

والمسجد، والخمّارة،

والصندوق القومي لتحرير القدس،

بداخله إسرائيل”.

لكن التاريخ قد أثبت أيضاً أن “إسرائيل” هذه لا تكتفي بوجودها على حبّات الرز، فهي بداخل قنابل الغاز أيضًا. ولا يقتصر الأمر على الغاز. خذوا عندكم: الاشتباكات الجارية في سيناء؛ لا تكتفي “إسرائيل” بإمداد النظام بالمعلومات الاستخبارية، بل وتشارك بشكل فعال في عمليات القتال الدائرة هناك.

فتش عن السلاح الصهيوني

وثيقة كشفت عنها صحيفة الغارديان، تفضح عرض حكومة الكيان الصهيوني على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بيعه رؤوسا نووية

مجازر رواندا؟ مثلاً، تمت بسلاح صهيوني؛ أنجولا أو كولومبيا؟ قامت “إسرائيل” بإمداد طرفي الصراع المتناحرين بالسلاح. نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا؟ كانت “إسرائيل” آخر الدول التي ظلّت تتعامل معه، بل وسارعت إلى تقديم العون للنظام في مساعيه لامتلاك قنبلة نووية.

مجازر النظام العسكري في الأرجنتين الذي مدّه الكيان الصهيوني بالسلاح والخبرات، واستمرت في التعاون معه حتى نهايته التي نجح قبلها في إخفاء 30 ألف ناشط مناهض للديكتاتورية العسكرية؛ لا تزال محفوظة في السجل الأسود للدولة الصهيونية.

في سريلانكا أصدر دونالد بيريرا، رئيس هيئة الأركان، الذي صار فيما بعد سفير “جمهورية سريلانكا الديمقراطية الاشتراكية” في تل أبيب، وأحد أشد الدبلوماسيين الأجانب حماساً للحرب على غزة، أمراً بقصف ملجأ تعيش فيه 400 طفلة يتيمة، قتل النظام أهاليهن، وهو ما أسفر عن مقتل70 طفلة على الفور. تم القصف بطائرات صهيونية من نوع “كفير” بيعت إلى سريلانكا.

في البرازيل، يقتل البوليس ما معدّله ستة مدنيين في اليوم الواحد، و”يختفي” ستمائة إنسان في العام الواحد في أحياء الفقر (الفافيلاز) التي يُطلق عليها اسم “قطاع غزّة البرازيلي” بسبب معدل القتلى المرتفع فيها. ولا يكتفي الكيان الصهيوني هنا بإمداد الأمن البرازيلي بالطائرات المسيرة والأسلحة، بل إن شركة ISDS الصهيونية هي من قادت مخططات تأمين الألعاب الأوليمبية في 2016، والتي نفذتها السلطة البرازيلية من خلال عمليات إخلاء وقتل واسعة ضدّ سكان أحياء الفقر البرازيلية. وأمثلة كثيرة غيرها منها كردستان وآذربيجان.

ما المشترك في القصص كلّها أعلاه؟ “إسرائيل”! وبالذات: التصنيع الحربي في هذا الكيان.

هذه كلّها مجرد أمثلة، لا غير، على المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني، فاعلاً، لا من حيث الإمداد بالسلاح فحسب، بل من حيث التدريب والتخطيط وإسداء النصح في المجازر التي تُنفّذ في كل يوم ضدّ الفقراء عبر العالم.

في خضم احتفالات الكيان الصهيوني بانتصاره في نكسة 67، تقيم الصناعات الحربية الصهيونية مهرجاناً ضخماً ما بين السادس والثامن من حزيران 2017، على هيئة معرض سلاح. إنه معرض ISDEF، الذي تشارك فيه شركات التصنيع الحربية الصهيونية الثلاث: “رفائيل” و”الصناعات الجوية”، و”الصناعات الحربية”. هذه الشركات الثلاث تنافس الصناعات الأمريكية الحربية على زبائنها عبر العالم. وحولها، هنالك الكثير من الشركات الأخرى. شركة Elbit مثلاً، التي تصنع الطائرات المسيّرة المستخدمة في عاصفة الحزم.

في المعرض أربع وتسعون شركة صهيونية، تغطي مجالات متعددة، إلى جانب عشرات الـ “وكلاء” الذين تعجّ بهم دولة الكيان، من أصحاب الرتب العالية السابقة في الجيش الصهيوني، والعاملين في مجال التدريب والاستشارات وبيع السلاح، سيبيعون بضاعتهم إلى دول العالم.

وبيع السلاح كان رافداً لاقتصاد الكيان الصهيوني بـ 6.5 مليار دولار في العام 2016 وحده (هو حجم العقود الجديدة التي تم التوقيع عليها في ذلك العام)، ما يشكّل ارتفاعاً حادّاً بنسبة 15% مقارنة بالعام 2015.

إن حصة الأسد البالغة 75% من هذه الأرباح هي من نصيب كلّ من “الصناعات الجوية”، “إلبيت”، “رفائيل”، و”الصناعة العسكرية”. أما الـ 25% الباقية من الأرباح والعقود فتتوزع على نحو 700 شركة متوسطة وصغيرة الحجم ورجال أعمال فرادى. هذا كلّه جعل الكيان الصهيوني يتسلل في العام 2015 إلى قائمة الدول العشر الأولى من حيث تصدير السلاح.

يقول تقرير كتبه يوسي ميلمان ونشرته صحيفة “معاريف” بتاريخ 31/3 بعنوان “خطة التنظيم”: إن وزارة الدفاع – وزارة الحرب في الواقع- سمحت للشركات الأمنية بتصدير المعرفة، والخدمات، والمعدات “لدولة ما في الشرق الأوسط”، دون أن تذكرها. حيث يبيع الكيان الصهيوني لتلك الدولة “معدات ذكية”، وهي معدات غالبيتها تعرّف باعتبارها برامج Software لا أدوات، رغم أن تصاريح هنا وهناك قد صدرت للسماح بتصدير الأجزاء الصلبة Hardware، بما يشمل تصدير الطائرات بدون طيار. ويتم استخدام هذه الصادرات في مجالات حفظ الأمن، والمجال الذي يطلق عليه اسم الـ Homeland Security، وهو “مصطلح-مظلّة”، يتم استخدامه أميركيًا، للإشارة إلى جهود الحفاظ على الأمن الوطني في وجه الإرهاب -لا الدول- وفي وجه الكوارث الطبيعية، والاستخبارات، وغيرها.

علينا أن ننتبه، في هذا السياق، أن الكيان الصهيوني لا يعتبر المغرب من “دول الشرق الأوسط” فهي، بحسب اللسانيات المستخدمة صهيونياً تتبع منطقة “ما فوق خط الصحراء الكبرى”، أما الشرق الأوسط، بالمعنى الصهيوني، فهو يعني المنطقة الممتدة من إيران وحتى مصر. وهذا يعني أن الزبون الكبير الشرق أوسطي، هو دولة أخرى غير المغرب، وهذا يعني أيضاً أن دولاً أخرى عربية ستزور تل أبيب في ذكرى النكسة.

تحليل نشره “آلوف بين” في صحيفة هآرتس في 9 كانون الثاني 2014، انتقدت الصحيفة نقص الشفافية في الكشف عن قائمة الدول التي تشتري السلاح من الكيان الصهيوني، لكن القائمة غير الكاملة التي أعادت الصحيفة نشرها نقلاً عن وزارة الدفاع الصهيونية ضمن أسماء دولتين عربيتين، هما المغرب والإمارات العربية المتحدة.

لكن الصحيفة أخرجت من جعبتها تقريراً حكومياً بريطانياً يحوي قائمة طويلة ومفصَّلة بأسماء الدول التي تشتري سلاحاً من الكيان الصهيوني، وضمت القائمة أسماء المزيد من الدول العربية، فإلى جانب الإمارات والمغرب، قالت الحكومة البريطانية إن مصر والجزائر من عملاء الكيان الصهيوني الدائمين. التقرير البريطاني يقول إن فترة التعاون العربي – الصهيوني في شراء السلاح تمتد من 2008 وحتى 2012، وهي الفترة التي يغطيها التقرير. ولا توجد أية دلائل على أن هذا التعاون قد تراجع بعدها.

ليس الأمر مجرد تكريس للاقتصاد الصهيوني، بل هو تحالف قامعين ضدّ الشعوب، وهو تكريس لحالة الاصطفاف الأصلية في منطقتنا: الأنظمة (ممالك، وإمارات، وجمهوريات، وأشباه الدول-أنصاف البلديات) في خندق، والمقموعون في خندق آخر. يترأس الاصطفاف الأول، كما هو واضح: الكيان الصهيوني. أما الاصطفاف الثاني، فليس له حتى اللحظة سوى الله.

**** 

[1] في ذلك العام وحده، تم تسجيل حالتي استشهاد وسبعين حالة إصابة بعاهات مستديمة (معظمها إصابات في العيون والجهاز العصبي) في الضفة الغربية وحدها. وذلك من أصل 5313 حالة موثّقة، تمّ نقلها إلى المشافي بسبب الغاز الصهيوني في منطقة يقطنها ثلاثة ملايين نسمة (أي أقل من ثلث سكان القاهرة وحدها). آخذين بعين الاعتبار الظروف الميدانية المذكورة سابقًا في فلسطين، والتي من المفترض أنّها تخفّف من أثر الغاز.