اُستخدمت العملات النقدية منذ آلاف السنين لتسهيل المقايضة، إذ كانت تُحدد قيمة العملة عبر قيمتها المادية، وهدفت الدولة من نقش العملات إلى السيطرة على تداول العملة وقيمتها، ومنع التلاعب في كيميائيات العملة (مقدار ما يُدمج فيها من الذهب أو المعادن الأخرى).  

كانت العملة النقدية الذهبية تساوي وزنها من الذهب، ومن هنا جاءت عبارات القيمة. على سبيل المثال، تعني كلمة “الشيقل” الثقل في الآرامية والعبرية؛ أي ثقل المعدن المستخدم لصنعه. ولكن في أيامنا هذه، ورغم كون المعادن الثمينة إحدى محددات قيمة اقتصاد الدولة، إلا أن النقود لم تعد مرتبطة بمخزون الدولة من المعادن الثمينة، كما أنها لم تعد تساوي قيمة المعدن الذي صُنعت منه (الحديد مثلاً)، فورقة المائة شيقل- مثلاً- لا تساوي إلا ثمن الورقة. لذا فالنقود الوطنية هي مجرد صكوك دين؛ أي أن الحكومة تحدد قيمةً للعملة، فيما تثبت ثقة الناس بالحكومة هذه القيمة.

آفاق العملات الرقمية

على خلاف العملات النقدية، يعمل المستخدمون على تحديد قيمة العملة الرقمية، إذ يوضح مبدأ السجل العام (Public Ledger) هذه الفكرة، كما يشرح كيفية تعديل هذا السجل وصك العملات الجديدة. لا تحتاج العملات الرقمية -حتى يتم استخدامها كنقود- إلى دَين لتكون ذات قيمة لدى البنك المركزي كسائر العملات؛ الأمر الذي يميزها عن باقي العملات التي تصنعها الدول.

تُعتبر عملة “البيتكوين” أول عملة رقمية مشفرة وأكثرها انتشاراً، إذ قامت مجموعة مبرمجين (ساتوشي ناكاموتو) بإطلاقها إلى الفضاء الإلكتروني في عام 2009. في البداية، استخدمها أشخاص راغبون بإخفاء هوياتهم، نظراً لصعوبة رصد السلطات لها. لكن ذلك لم يطول كثيراً، إلى أن باتت العملة متداولةً بين العامة، وظلت العملة الأوسع انتشاراً على الرغم من تطوير عملات رقمية أخرى بجودات وخاصيات متفاوتة.

وقد يتبادر سؤالٌ إلى ذهن القارئ، مفاده: ما الذي يجعل البتكوين مثارَ اهتمامٍ لكثيرين؟ تكمن ميزة البيتكوين الأساسية في اعتمادها على التشفير في المقايضة، كاسرةً بذلك أي سلطة مركزية منوطة بذاك الدور، مثلما يحصل في النظام المالي التقليدي، إذ يتم تسوية المبالغ بين الأشخاص عن طريق تلك السلطة. ولتوضيح الفكرة، سنضرب المثال التالي.

فمثلاً، إذا أراد شخصٌ ما (أ) تحويل مبلغ ١٠٠ دينار لشخص آخر (ب)، تتم العملية كالتالي: إن كان الشخصان مُعتمدَين لدى البنك نفسه، يسحب البنك ١٠٠ دينار من حساب( أ) وإضافتها إلى حساب (ب)، ليكون البنك بهذه العملية هو السلطة المركزية. لكن بالمقابل، إذا كان بنك( أ) مختلفاً عن بنك (ب)، يكونان في هذه الحالة بحاجة إلى سلطة مركزية أخرى، بحيث يكون بنك( أ) ممتلكاً حساباً في البنك المركزي، والحال نفسها تنسحب على بنك (ب) – ما داما في نفس الدولة- فيحول البنك المركزي ١٠٠ دينار من حساب بنك( أ) إلى حساب بنك (ب).

تبلور نظام السلطة المركزية المالي في القرن السادس عشر في هولندا من قبل صائغي الذهب. ومنذ ذلك الحين، لم يخضع لتغيير كبير؛ فقد كان التجار في تلك الأوقات يخزنون ثرواتهم بالذهب لدى صائغي الذهب، كونهم كانوا يملكون أنظمةً للحماية وخزائنَ مُحكمةً لطبيعة عملهم.

وحين كان يريد تاجرٌ ما أن يدفع لتاجرٍ آخرَ ثمن بضاعة، علماً أن كليهما يودعان ذهبهما لدى نفس الصائغ، كان التاجر الذي يبتغي الدفع يطلب من الصائغ تحويل مبلغ من خزينته إلى خزينة التاجر الثاني. وكَون الصائغ لم يكن يريد حمل الذهب في كل مرة وتخزين الذهب في خزنات متعددة، كان يخزن الذهب كله في خزنة واحدة ويكتب في السجل القيمة التي يملكها كل تاجر.

بناءً على ذلك، إن أراد تاجر أن يحول لآخر مبلغاً ما، يعدّل الصائغ عندئذٍ السجل. ونظراً لعدم تعامل التجار مع صائغ واحد، وعلى اعتبار أن حمل الذهب في المدينة من صائغ لآخر عمل خطير ومتعب، تم تشكيل سلطة مركزية تعمل كـ”صائغ كبير”، إذ يكون فيها لكل صائغ حسابٌ يسمح لتجاره بالمقايضة مع تجار صائغٍ آخر.

وعلى العكس من ذاك النظام، فإن البيتكوين يعتمد على نظام لا مركزي بالكامل، إذ يتم تحويل النقود من حساب إلى آخر دون أي وساطات (صائغ). يتيح نظام السجل المعمم (distributed ledger) أداء ذلك الدور؛ بمعنى أن السجل الذي يعتمده الصائغ أو البنك للتحويل بين الحسابات يكون معمماً للجميع في نظام البتكوين، وتحافظ جهات موثوقة عليه.

ومثالًا على ما ذكرناه آنفًا، فإن المستخدم (أ)  يحوّل المبلغ للمستخدم (ب)، ويبعث برسالة تحديث مشفرة لكل الشبكة، ليتم تحديث السجل حفاظاً على سرية قيمة الحسابات وحمايةً لها من السرقة. بهذه العملية، يتم الاستغناء عن البنوك العادية والبنوك المركزية، والوقت، والعمولة التي يطلبونها.

في نظام البيتكوين، يسهل إرسال أي مبلغ من أي مكان في العالم كسهولة إرسال بريد إلكتروني، ويصل المبلغ بأقل من ١٠ دقائق، وبتكلفة عمولة صغيرة جداً، وذلك على العكس من الحالة التقليدية، حيث تكون كل هذه العوامل مكلفةً ومضنيةً في الوقت ذاته.

لنا أن نتخيّل مثلاً تحويلاً لمبلغ قدره ٧٠٠ دولار من فلسطين إلى اليابان، لتكون النتيجة كالتالي: ستستغرق المسألة أكثر من أربعة أيام بتكلفة لا تقل عن ١٣٥ دولاراً، كما يستوجب على البنك في فلسطين أن يجد حساباً مشتركاً في بنك آخر يمتلك حساباً في البنك الياباني، وغالباً لا يتوفر ذلك، ليضطر البنك في فلسطين للبحث عن بنك أجنبي يمتلك حساباً في البنك الياباني. وبذلك، تمر الحوالة عبر ثلاثة بنوك؛ كلٌّ يأخذ حصته، وله خطواتٌ وفتراتُ انتظارٍ. بينما على المقلب الآخر، ووفقاً لنظام البتكوين، تستغرق الحوالة نفسها بضع دقائق وبتكلفة أقل من دولار.

تكمن فعالية النظام، أيضاً، في حماية مستخدميه، كَون غالبية التعاملات مجهولة الهوية. وعلى الرغم من أن تكلفة عمولة التحويل في البيتكوين صغيرة جداً، إلا أنها ستزداد بشكل محدود في المستقبل، إذ سيُحافَظ على مستوى ضئيل من العمولة عن طريق التنقيب.

يُعتبر التنقيب (mining) طريقةً مكملةً لزيادة عدد البيتكوين في النظام. وبما أن تعاملات إرسال واستقبال البيتكوين مُشفَّرة، فيتوجب فكّ الشيفرات والتأكد من صحتها. وهنا يأتي دور المنجمين، إذ يفك المنقّبون الشيفرات عن طريق حواسيب كبيرة توزع وتخلق “بتكوينات”- أي عملات جديدة- لمكافأتهم على تأكيد التعاملات.

يحرص النظام، من خلال هذه العملية، إلى الإبقاء على عمولة صغيرة، نظراً لإنتاج النظام ثمن تأكيد المعاملة كمكافأة. وللحفاظ على عدم التضخم، صُمِّمَ النظام ليُنتِج ٢١ مليون بيتكوين فقط (يقدر وصول هذا الحد بعام ٢٠٣٥)، ما يعني أن المكافأة لتأكيد المعاملة سوف تختفي في يومٍ ما، وبذلك تزداد العمولة لتكافئ المنقّبين على خدماتهم.

وعلى الرغم من أن البيتكوين ُتسهِّل عمليات الدفع والتحويل، غير أن كثيراً من الاقتصاديين ورجال الأعمال يتعاملون معها بحذر؛ إذ يشترون البيتكوين باعتبارها استثماراً، لاعتقادهم بازدياد قيمة العملة مع الوقت. والخطر في ذلك أن ازدياد قيمة العملة مرتبط باستخدامها وتداولها، ففي حال شراء كثيرين للبيتكوين والمحافظة عليها لبيعها لاحقاً، ستنتج عن ذلك فقاعة سوق (قيمة مزيفة)؛ أي أن التخمين في ازدياد قيمة العملة هو الذي يدفعها للازدياد، لا القيمة الحقيقية في استخدامها.

بالمقابل، إن لم تنمُ قيمة العملة بالشكل المطلوب، سيفقد المستثمرون الاهتمام المُبالغ بها، وسيضطرون لبيعها، وبالتالي فقع الفقاعة وتدهور قيمة العملة بشكل فجائي ومتسارع. ثمّة اقتصاديون آخرون يُطمئنون بأن السعر الحالي ربما قد يكون الفقاعة في سعر البيتكوين، إذ هناك ما يرفع القيمة بشكل عضوي، وهو استخدام الشركات المتزايد لها في مجال الدفع، وتطور البنية التحتية لاستخدامها من قبل الأفراد، فثمّة مدن مثل بوينس إيريس وسان فرانسيسكو، المليئة بالمحال التجارية، تستقبل هذه العملة كوسيلة للدفع من مخابز ومتاجر وحتى بسطات.

للبيتكوين فوائدُ اقتصاديةٌ أخرى، مثل عدم تأثرها بالكوارث الاقتصادية التي تحدث في النظام المالي الحالي، خصوصاً بسبب ترابط الأنظمة الاقتصادية ببعضها البعض، فمثلاً أدت الأزمة المالية التي بدأت في أمريكا في عام ٢٠٠٨ إلى كوارث اقتصادية في أوروبا، إذ ضعفت قيمة العملات الأوروبية بشكلٍ منعكسٍ لضعف اقتصاد الدول. أما البيتكوين، وكونها غير مرتبطة بدولة معينة من ناحية، وتعكس قيمتها الخاصة من ناحية أخرى، فترتفع قيمتها في ظل الأزمات المالية كالذهب، إذ يرتفع سعره في ظل فقدان الثقة بعملات الدول.

تحديات العملة فلسطينياً

تبحث سلطة النقد الفلسطينية إمكانية التعامل بعملات جديدة واستخدام إحدى تكنولوجيات التشفير(Blockchain)، ما قد يرفع مستوى الخدمات إجمالاً، وصولاً إلى اعتماد الحكومة العملة الرقمية. لكن بالمقابل، إذا تم استدخال حاجات “الأمن الصهيوني” في هذا التطور، ستشكّل هذه العملة تعقيداً إضافياً، لا وسيلةً للتسهيل.

لا يمكن التعاطي مع هذه المسألة، دون استحضار السياق الخاص بفلسطين، على اعتبار أنّها مجتمع محتل لا يملك سيادة اقتصادية، وما تخمّض عن ذلك من تعدد الأنظمة الاقتصادية والمتحكمين بها، فالقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 1948 تخضع لهيمنة النظام الاستعماري بالكامل، وكذلك الضفة فهي محتلة، وتخضع في الوقت نفسه لإدارة السلطة الفلسطينية. أما غزة فتخضع للحصار الصهيوني والمصري الذي يفرض واقعاً اقتصادياً مختلفاً، وبالتالي لا يوجد رابط اقتصادي واحد يربط بين أبناء الشعب الفلسطيني قاطبةً.

ومن أجل تأمين اقتصاد مجتمعي في بلد ذي اقتصادٍ محاصر ويعاني نقصاً في الموارد الطبيعية، من الضروري توفر القدرة على التجارة والمقايضة بشكل ناجح. وبما أن الحكومة الفلسطينية لا تستطيع إصدار عملتها الخاصة، وفقاً لالتزامها باتفاقية باريس، يضطر الشعب الفلسطيني إلى استخدام عملات أجنبية مختلفة للقيام بأنشطته الاقتصادية، ما يحدّ من نمو الاقتصاد الفلسطيني من خلال التأثير على التجارة، ويحدّ كذلك  من الموارد الحكومية والاستقلال الاقتصادي.

وفي الواقع، لا يستخدم الاقتصاد الفلسطيني عملة المحتل فقط، بل يستخدم ثلاث عملات مختلفة، وهي: الدولار الأمريكي والشيقل الصهيوني والدينار الأردني. يستخدم الفلسطينيون الدولار الأمريكي، غالباً، للادخار والاستثمار والتجارة. ووفقاً للبيانات الصادرة عن سلطة النقد الفلسطينية، فإن الدولار الأمريكي يمثل حوالي 50٪ من جميع ودائع العملاء المصرفية.

كما يُستخدم الدينار الأردني في المقام الأول للعقار، ويشكل حوالي 26٪ من ودائع العملاء المصرفية. ومع ذلك، فإن الشيقل يُستخدم أساساً للمعاملات اليومية، إذ يتم دفع معظم الأجور والسلع بالشيقل، بيد أنه يُعتبر أقل استخداماً على صعيد الاستثمار، إذ إن 22٪ فقط من ودائع العملاء المصرفية هي بالشيقل، لكنه بالمقابل يشكل 67٪ من الشيكات، و36٪ من الودائع تحت الطلب، و53٪ من النقد المخزن.

يُخلِّف استخدام ثلاث عملات مختلفة، خاصةً في ظل عدم وجود عملة وطنية، آثاراً ضارةً على الاقتصاد، فضلاً عن كونه مكلفاً للشعب، إذ يضطر الفلسطينيون- وبشكلٍ مستمرٍ- إلى تحويل العملة وفقدان المال بين سعري الشراء والبيع، فيحصل الشخص على راتبه بالدولار الأمريكي، ويشتري من البقالة في الشيقل، ويدفع الرسوم الدراسية لكلية ابنه بالدينار.

يؤثّر استخدام العملات الثلاث، أيضاً، على التجارة والنمو الاقتصادي، فمثلاً كلما ارتفع سعر الدولار الأمريكي مقارنةً بالشيقل الإسرائيلي، ينخفض ​​الاقتصاد الفلسطيني بشكل نسبي، ما يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي المحلي مع مرور الوقت، فضلاً عن التقلبات المستمرة بين أسعار الصرف التي تؤثر على حياة المواطنين، وميزانية الحكومة، ويؤثر على قدرتها على التخطيط والموازنة. كما يجدر الإشارة إلى احتمالية فقد السلطة 530 مليون دولار سنوياً في هذه الحالة، كونها لا تنتج عملةً خاصةً بها، فيما يستفيد الكيان من أرباح استخدام الفلسطينيين للشيقل النقدي.

يؤثر غياب العملة الفلسطينية وسيطرة البنك المركزي الصهيوني على عدة نواحٍ اقتصادية وتجارية. كما تنص اتفاقية باريس على أنه لا يمكن لسلطة النقد إصدار عملة وطنية فلسطينية، إلا بعد الحصول على موافقة الحكومة الصهيونية. وينص الاتفاق، أيضاً، على ضرورة موافقة السلطات الصهيونية على تسجيل البنوك الفلسطينية، إذ يتعين على البنك الفلسطيني إرسال تقارير منتظمة إلى البنك المركزي الإسرائيلي، فضلاً عن ضرورة امتلاكه حساباً لدى مصرف إسرائيلي نظير لتسوية حساباته.

تكشف هذه القيود عن مدى سيطرة البنوك الإسرائيلية الفعلية على الاقتصاد الفلسطيني وسياساته المالية. ففي كثيرٍ من الأحيان، يحصل نقصٌ في العملات النقدية في السوق الفلسطيني، خاصة في أوقات العدوان، إذ إنه كان شائعاً في الحرب الأخيرة على غزة 2014 أن تفرغ المحلات التجارية من العملات النقدية، خاصةً الصغيرة منها (شيقل، ٥ شواقل، ١٠ شواقل).

وفي عام 2007 وبعد إمساك “حماس” بزمام الحكم في غزة، اعتبر الكيان الصهيوني غزة “أرضاً معادية”، وبذلك قطع اثنان من أكبر المصارف الصهيونية علاقاتهما مع البنوك الفلسطينية في غزة، خوفاً من تداعيات قانونية من حكومة الاحتلال، الأمر الذي جعل من الصعب للغاية على البنوك الفلسطينية تسوية حسابات الشيقل بين التجار الصهاينة والفلسطينيين، وكذلك داخلياً فيما بينها.

بالإضافة إلى ذلك، رفض الجيش الصهيوني مراراً السماح بعمليات نقل كافية وفي وقت مناسب للشيقل من البنوك الفلسطينية في الضفة الغربية إلى فروعها في غزة، ما خَفَّض بشكل كبير من السيولة المتاحة للاستخدام اليومي في فروع غزة، ويُعزى ذلك إلى السيطرة الإسرائيلية على السيولة والقيود المستمرة المفروضة على القطاع المصرفي، وخاصةً في غزة.

التعاملات المالية وبدائلها
يمكن تقليل استخدام الشيقل كعملة للدفع اليومي، من خلال استخدام طرق دفع أخرى (عملة إلكترونية مثلاً)، ما يتيح التحكم في عملية المعاملات النقدية. وبذلك، تتحول السلطة من “إسرائيل”- من خلال سيطرتها على المصارف الفلسطينية- إلى مؤسسات مستقلة قائمة على المجتمع المحلي، أو في استحداث المقايضة وغيرها من طرق التبادل التي لا تحتاج إلى أنظمة السوق الرسمية القائمة على البنوك والمنطوية تحت سيطرة السلطات المتعددة. وبما أن بروتوكول باريس يحظر إصدار عملة وطنية فلسطينية دون موافقة “صهيونية”، ويملي أنظمة الرقابة على البنوك الفلسطينية، فإن إصدار عملة محلية أو إلكترونية لا يخضع لقواعد البروتوكول.

كما يمكن للعملات المحلية- مثلاً- أن توفر درجة من الاستقلال عن الاقتصاد الصهيوني ما يضمن الحفاظ على الموارد داخل المجتمع الفلسطيني، ويشجع المنتجات المحلية، ويقلل الاعتماد على المنتجات الصهيونية ويحقق تمكيناً للمعاملات التي لا يمكن تحقيقها في ظل النظام الحالي.

وبما أن العملة الإلكترونية لا تخضع لإشراف بنك “إسرائيل” المركزي ولا تتعامل مع المصارف الصهيونية، فإن الموارد التي تدخل إلى نظام العملة المحلية تقع خارج سيطرة الكيان. وعلى الرغم من أن الحكومة الفلسطينية لن تحقق أي إيرادات من هذه العملات، إلا أن الفائدة التي تعود على المجتمع المحلي يمكن أن تشكل ملامح بدائل مالية فاعلة للمجتمع الفلسطيني.

وفي ظل عدم توفّر عملة توحد الاقتصاد الفلسطيني بين الداخل الضفة وغزة، ربما علينا التعاطي مع أفكار جريئة، مثل استخدام عملات رقمية أو عملات كثيرة أخرى تعمل بأنظمة مختلفة مثل “الوير”، و”الساردكس”، و”جنية بريستول”، وغيرها. ويمكن أيضا التعويل على طرق أخرى في تسيير المعاملات المالية ما يضمن قدرة المجتمع من الهروب من سطوة النظام المالي القائم واستحداث بدائل فاعلة.

لربما لا تشكل العملات الإلكترونية الطلقة السحرية التي تحل جميع التحديات المرتبطة مع هيمنة النظام المالي القائم، ولكنها ترتقي لتشكل إحدى البدائل الأهم في تنويع ميكانيزمات التعاملات المالية في السياق الفلسطيني، والإفلات قليلاً من هيمنة وسلطة البنك المركزي الصهيوني.