إليكم مختارات قراءات فريق “باب الواد” لشهر آذار، والتي وقعت على أربع مقالاتٍ.

يقدّم لكم فريق “باب الواد” مختارات قراءاته لشهر آذار، والتي وقعت على أربع مقالاتٍ، نبدأها بدور مصر في تحقيق أمن دول الخليج الغذائي، ونظرة على مشاريع التنمية والاستثمارات الخليجية في صحراء مصر الغربيّة، ثمّ نعرّج على البرجوازية المصريّة في أعقاب الحرب العالميّة الأولى، ومهمة مفاوضة الاستعمار البريطاني؛ بين مجابهته ومحاولات التحرّر من سلطته وبين تحسين شروط التفاوض طمعاً في المشاركة فيها. ننتقل بعدها إلى الانتهاكات الصهيونية بحق الأسرى واستحالة السجون الصهيونية إلى مختبرات للطبّ التجريبي الجماعي، ضمن سياسة منح سلطات العدو شركات دوائية تصاريحَ تمكّنهم من تعريض الأسرى لتجاربَ واختباراتٍ سريريةٍ. وأخيراً، نظرةٌ على الطريق الذي قاد منفّذ مجزرة “نيوزلندا” إلى أبواب مسجد النور، ومرورٌ على خلفيته الفكريّة والتكتيكية والسياقات الزمانية والمكانية لعمليّته.

كيف تحقّق مياه مصر أمن دول الخليج الغذائي؟

في مقالٍ نُشر على موقع “مدى مصر” للكاتبَيْن صقر النور وندى عرفات، بعنوان: “كيف تحقّق مياه مصر أمن دول الخليج الغذائي؟”، يحدّثنا الكاتبان عن صحراء مصر الغربية ومشروع “توشكى”، ومشاريع التنمية والاستثمارات الزراعية المُقامة فيها لصالح شركاتٍ استثماريةٍ خليجيةٍ.

يستهلّ الكاتب حديثه عن دول الخليج وأزمة الموارد المائية التي تعاني منها، والخطط التي أعدّتها لضبط زراعتها وتجارتها ومواردها المائية. حيث يخبرنا النصّ عن المملكة العربية السعودية وخطّتها في الاستثمار الزراعي الخارجي، ومبادرتها في تقديم الدعم المالي للمستثمرين السعوديين في الخارج، فضلاً عن تقديم الدعم السياسيّ عبر عقدها اتفاقياتٍ مع دولٍ عديدٍة تمتلك مقوّماتٍ مناسبةً للزراعة، كمصر والسودان وموريتانيا.

في هذا الإطار، كانت السعودية قد عقدت اتفاقية تعاونٍ بينها وبين الإمارات العربية المتحدة لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري بينهما، كما تبنّتا استراتيجيةً موحّدةً في سبيل تحقيق الأمن الغذائي والزراعي. يرجع ذلك إلى أنّ الإمارات، كما السعودية، تعانيان من شحّ الموارد المائية، ما يجعل الزراعة غير المنظمة فيها محلّ تهديدٍ وخطرٍ على موارد المياه.

ينتقل الكاتبان بعد ذلك، للحديث عن مشروع “توشكى” والأهداف الاستراتيجية من إنشائه، أهمّها “خلق دلتا جديدةٍ في جنوب الصحراء الغربية وإضافة مساحاتٍ زراعيةٍ كبيرةٍ تصل إلى مليون فدان، وإنشاء مجتمعاتٍ صناعيةٍ وعمرانيةٍ جديدٍة، وتحريك السكان عبر خلق 45 ألفَ وظيفةٍ سنوياً، بحيث يستوعب المشروع في نهايته من 4 إلى 6 ملايين مواطنٍ خلال عشر سنواتٍ”.

وبعد وضع الخطة الاستراتيجية لمشروع “توشكى”، دعمت الإمارات المشروع بقيمة 100 مليون دولارٍ. وبذلك، بدأت الدخول إلى الأراضي المصرية بهدف الاستثمار الزراعي؛ فبعد أن قرّرت السلطات المصرية حصة مشروع “توشكى” من مياه النيل، والتي وصلت 5.5 مليار مترٍ مكعبٍ، بدأت المياه تصل لأراضي ترعة الشيخ زايد، ما جذب الشركات الإماراتية نحو الأراضي المصرية للاستثمار فيها.

اقرأ/ي المزيد في صراعٌ في الوادي: الأرض والفلاح والمستثمر في مصر

كما يأخذنا الكاتبان في جولةٍ مفصّلةٍ على الشركات الخليجية، أكانت سعوديةً أو إماراتيةً، والتي قامت بدورها بشراء أراضٍ في مصر، موضّحَيْن خلال ذلك حصة كلّ شركةٍ من الأراضي وآلية تملّكها. ويبين الكاتبان طبيعة العلاقة بين هذه الشركات، فمثلاً  شركة “الراجحي” السعودية تمتلك عدّة شركاتٍ تعمل في الاستثمار الغذائي، وتمتلك نسباً عاليةً في شركاتٍ مصرية أخرى؛ الأمر الذي أنتج علاقةً مركّبةً ومعقّدةً، سهّلت عليها التهرّب الضريبي وغيره من الإجراءات القانونية.

ويتطرّق الكاتبان إلى طبيعة العقود المعمول بها في شراء الأراضي واستثمارها، حيث إنّ العقود المكتوبة بين الشركات المستثمرة ودولة مصر غيرُ واضحةٍ ويعتريها كثيرٌ من الغموض. فمثلًا، لا يحتوي العقد على تفاصيل حول طبيعة النباتات والأعلاف المزروعة، ولا توجد رقابةٌ على طبيعة المزروعات، والاستيراد والتصدير، فضلاً عن الإعفاء الكامل من الضرائب، و بيع الأراضي بأسعارٍ متدنيّةٍ جداً إذا ما قورنت بسعرها الفعلي، والمُقدّر بـ 11 ألف جنيهٍ للفدان، بينما بِيعَ الأخير بسعر 50 جنيهاً للسعودية والإمارات.

ينتهي المقال بمقابلتيْن مع كلٍّ من جمال صيام وشريف فيّاض، وهما أستاذان في حقل الاقتصاد الزراعي. يُحلّل الأول أسباب فشل المشروع وعدم تلبيته طموحات الشعب المصري، مُقترِحاً عدّة بدائل للحكومة المصرية، بهدف تحقيق أفضل النتائج لصالح دولة مصر وشعبها، بعيداً عن المستثمر الأجنبي. فيما يركّز الآخر على عدم وجود استراتيجيةٍ وسياسةٍ مصريةٍ واضحتَيْن لتطوير الزراعة واقتصادها.

للقراءة، من هنا

آلهة تفشل دوماً: البرجوازية المصرية في مواجهة الاستعمار

يأخذنا الكاتب أمين حمزاوي، في مقاله المنشور على موقع “إضاءات” بعنوان ” آلهة تفشل دوماً: البرجوازية المصرية في مواجهة الاستعمار”، للحديث عن دور البرجوازية المصرية في مفاوضة الاستعمار البريطاني في سبيل التحرر من سلطته، وكسب صلاحياتٍ سياسيةٍ لصالح مصر، مقدّماً بذلك قراءةً في كتاب “البرجوازية المصرية وأسلوب المفاوضة” للكاتب صلاح عيسى.

يشير حمزاوي إلى أنّه بعد اندلاع الحرب بين “المحور” و”الحلفاء”، باتت مصر تحت حماية الاستعمار البريطاني، ومع انتهاء الحرب وهزيمة ألمانيا، تصدّرت المشهد السياسي مجموعةٌ من البرجوازية المصرية، وهم: سعد زغلول باشا، عبد العزيز بك فهمي، علي باشا شعراوي.

آمنت هذه الشخصيات بالمفاوضات كخيارٍ للخروج من وصاية الاستعمار البريطاني، مُعتقدةً بأنّ التحرّر يتحقّق عبر معارك قانونيةٍ ودبلوماسيةٍ؛ فذهب ثلاثتهم للتفاوض مع “ريجنالد وينجت” مندوب الحكومة البريطانية، بيْد أنّهم لم ينجحوا بتحقيق مطالبهم. على إثر ذلك، شكّلوا هيئة الوفد المصري وجمعوا التوكيلات، بهدف خوض صراعٍ دبلوماسيٍّ قانونيٍّ دوليٍّ.

استندت البرجوازية المصرية في مفاوضاتها على عدّة استراتيجياتٍ، كان أهمّها الاعتماد على تناقضات المستعمرين. إذ حاولت استغلال فرنسا وألمانيا الناشطتيْن في أفريقيا ضد بريطانيا، لكن سرعان ما فشل هذا المخطط، حيث قامت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا بتوقيع “الميثاق الودّي” الذي منح بريطانيا حرية التصرّف في مصر، ومنح فرنسا بالمقابل حرية التصرّف في المغرب.

كما يعرّج الكاتب على ثورة 1919 وصعود الوفد، موضّحاً لنا كيف ساهم اعتقال القيادات البرجوازية الوطنية ونفيهم في تشكيل نواة الثورة؛ أهمّهم سعد زغلول باشا ومجموعةٌ من رفاقه. ثمّ ينتقل للحديث عن كيفية تشكّل الثورة ومراحل تطوّرها، وأشكال العنف الجماهيري المستخدمة فيها.

ينتقل الكاتب بعد ذلك، للحديث عن الحزب الوطني وبنيته، والذي انقسم إلى تيارَيْن: الأوّل يمينيٌّ محافظٌ لا يرى في الإطار الشعبي سنداً للتفاوض. أمّا الثاني، فهو جناحٌ تقدميٌّ أقرب للجماهير، ويرى في الفلاحين ضرورةً لتقوية موقفه أثناء التفاوض.

كما يتطرّق حمزاوي إلى مسألة قيادة الجناح التقدمي الحقبةَ الليبراليةَ في مصر، والذي انتقل تدريجياً من الزراعة نحو الصناعة والتجارة ومؤسسات الدولة. ويبيّن الكاتب تأثّر المفاوضات بالانقسام الذي شقّ صفوف الحزب الوطني، وكيف استغلت بريطانيا هذا الانقسام لتعزيز وجودها في مصر وفرض شروطها على الحكومة المصرية.

يختم الكاتب مقالته بالحديث عن البرجوازية الوطنية ودورها الاقتصادي، حيث إنها لم تكن تمتلك تخصصاتٍ صناعيةً وإنتاجيةً، إنما كانت تعتمد على التجارة، حيث تشتري البضائع وتعيد بيعها في الأسواق. وهذا، بنظر الكاتب، جعلها مُفتقدةً للتخصص والاستراتيجية، مما انعكس عليها في المفاوضات، على اعتبار أن  هدف البرجوازية الوطنية طوال فترة التفاوض، كان تحسين شروط التفاوض والطمع في المشاركة بالسلطة، وليس مقاومة الاستعمار البريطاني وسحب السلطة منه.

للقراءة، من هنا

السجون والمعتقلات الإسرائيلية: مختبرات بحثية طبية ودوائية

في مقالها المنشور على جريدة “الأخبار” اللبنانية، تعيد الباحثة ألمى أبو سمرة فتح ملف الانتهاكات غير المنتهية التي يتعرّض لها الأسرى الفلسطينيون، إذ كشفت نادرة شلهوب، البروفيسورة الفلسطينية في القانون في الجامعة العبرية، قضية منح سلطات الاحتلال شركاتٍ دوائيةً كبرى تصاريحَ تُمكّنهم من تعريض الأسرى لتجارب واختباراتٍ سريريةٍ. قوبل فتح هذه القضية بدحض الجامعة العبرية لما أتى من كلامٍ على لسان شلهوب، في الوقت الذي أكّدت فيه تصريحاتٌ سابقةٌ من وزارة العلوم في دولة الكيان على كلامها، فضلاً عن تثنية رئيسة الكنيست عام 1997، على هذه الفكرة، ليقرّ الكنيست لاحقاً زيادةً في مخصّصات وزارة الصحة فيما يتعلّق بتلك التصاريح.

فيما يوثّق عبد الناصر فروانة، أسيرٌ سابقٌ وخبيرٌ في شؤون الأسرى، تعرّض أكثر من 45% من الأسرى الفلسطينيين لهذا النوع من الطبّ التجريبيّ الجماعيّ، يزداد خطرها على أسرى النقب الذي يتعرّضون أصلاً للسموم كنتيجةٍ حتميةٍ لمفاعل “ديمونا” المتاخم. يضيف فروانة أنّ وزارة الصحة في حكومة الاحتلال تغطّي كلّ ذلك بغطاءٍ قانونيٍّ، مُناشداً منظمة الصحة العالمية لتتبّع ما يحصل في السجون “الإسرائيلية”، ومشيراً إلى وجوب إجراء فحوصاتٍ دوريةٍ للأسرى المحرّرين لتأكيد ما سبق، فضلاً عن اتّخاذها إجراءاتٍ وقائيةً تحميهم من أيّة عوارض مستقبليةٍ.

 وقد سُجّلت حالاتٌ لأسرى فقدوا أبصارهم، ومنهم من أصيب بتلفٍ في الرئتين وعضلة القلب، وآخرون بالعقم، ومنهم من تعرّض شعر رأسه ووجهه للتساقط. كما تسوق لنا الكاتبة ما حصل مع الأسير “زياد الشعيبات”، فعلى إثر إصابته بالدسك في ظهره، تناول دواءً لمّح له الممرّض بأعراضه الجانبية، ليكتشف لاحقاً، بعد خروجه من السجن، أوراماً تغزو كامل جسده. ليس هذا وحسب، بل إنّ كل ما سبق يضاف إلى قائمةٍ طويلةٍ من الانتهاكات يتعرّض لها الأسرى الفلسطينيون من تعذيبٍ جسديٍّ ونفسيٍّ.

تتخطّى دولة الكيان الأسرى في انتهاكاتها لتطال أيضاً جثامين الشهداء، فقد وُثِّقتْ حالاتٌ ليست بقليلةٍ تثبت قيام قوى الأمن “الإسرائيلية” بسرقة الأعضاء من هذه الجثامين.

وفي محاولةٍ لتتبّع تاريخ الانتهاكات من هذا القبيل، فقد كان إجراء التجارب على “العبيد” شائعاً، في حين رفض أبقراط إجراء مثل هذه التجارب على البشر. كما وثِّقت حالاتٌ كثيرةٌ في التاريخ الحديث قايضت خلالها الولايات المتحّدة بعض سجنائها بإجراء تجارب طبيةٍ عليهم مقابل تخفيض مدّة عقوبتهم، إضافةً إلى حوادث شبيهةٍ في بريطانيا والنمسا. كانت تلك المرتبطة بالنازية أكثرها انتهاكاً، وُثّقت جميعها في سلسلة المحاكم (Nuremburg Trails) الشهيرة، إذ استهدفت المصابين بإعاقاتٍ ذهنيةٍ على اعتبار كونهم أدنى منزلةً من الأصحّاء!

بشكلٍ عامٍّ، تتّجه شركات الأدوية في تجاربها نحو الدول النامية عامةً ودول أفريقيا خاصّةً، إذ تقلّ تكلفة إجراء التجارب في هذه الدول خمسة أضعافها إذا ما قورِنت بالدول المتقدّمة، فضلاً عن احتضان الدول النامية للكثير من الأمراض والأوبئة التي جعلتها “حقلَ تجارب” خصباً من وجهة نظر الأخرى!

أما اليوم، يقف الأسرى موقفاً صارماً تجاه هذه الانتهاكات في حقّهم، والتي تذهب بهم نحو موتٍ بطيءٍ، بعد دخولهم حيّز الإضراب يوم الأحد المنصرم.

للقراءة، من هنا

أخرِجوا المسلمين من أرض الغرب! الطريق الطويل الذي قاد برينتون تارانت إلى أبواب مسجد النور

يستعيد سلطان عامر في مقالته المنشورة على منصّة “أعواد قش”، السياقات التي حدثت خلالها مجزرة “كرايستشرش”، والتي نفّذها “برينتون تارانت” عبر بثٍّ مباشرٍ. في محاولةٍ منه لفهم الدوافع الحقيقة خلف تنفيذ المجزرة، إذ غابت هذه النقطة عن موجة ردود الأفعال حول الحادثة، التي اقتصرتْ في معظمها على محاولة تصنيف الفعل باعتباره إرهابياً أم لا، وفتحتْ مجالاً أوسع للجدال حول كيفية تعريف الجرائم المدفوعة بالعنصرية ومقارنتها بتلك التي تنفّذ على خلفيةٍ دينيةٍ. يرى كاتبنا أنّ وصف دافعها باعتبارها عنصريّةً أو تطرّفاً وحسب لهو َتبسيطٌ زائدٌ، إذ تتفشّى العنصرية بغير ذي شكلٍ، لكنّها نادراً ما تُمارَس باللجوء إلى العنف. لهذا، حاول عامر، في مقالته المطوّلة، البحث عن السبب الحقيقيّ وراء لجوء القاتل “تارانت” إلى العنف، من خلال المرور على سياقات عمليّته المكانية والزمانية وخلفية القاتل الفكرية والتكتيكية.

في السياق المكانيّ، يشكّل المسلمون ما نسبته 0.7 % فقط من مجموع سكّان نيوزيلندا. تعود بدايات الإسلام فيها إلى الهنود والأتراك الذين وفدوا إلى نيوزيلاندا بداية القرن العشرين، ثمّ لتفتح نيوزيلندا باب الهجرة لغير الأوروبيين بعد 52 عاماً من صدور “برنامج نيوزيلندا البيضاء”. فيما تكمُن المفارقة الأغرب في أنّ تأسيس الجمعيات الإسلامية، ولاحقاً اتحاد الجمعيات، جاء بمبادرةٍ من مسلمي أوروبا المهاجرين إلى نيوزيلندا.

وفي هذا السياق، لم يكن اختيار “تارانت” لمسرح جريمته اعتباطياً؛ إذ إنّ مسجد النور أقدم مسجدٍ مبنيٍّ في المدينة. أما المسجد الثاني الذي نفّذ فيه جريمته فكان في الأصل كنيسةً، تمّ شراؤها قبل سنةٍ لتُحوّل لاحقاً إلى مسجدٍ، سعياً منه للفت الأنظار إلى مسجد آية صوفيا في تركيا، حاثّاً إلى استعادته ككنيسةٍ، وهذا ما صرّح به في منشوره. كما نلاحظ تكثيفاً رمزياً في هجومه على مكانٍ كالمسجد، يشكّل ملاذاً آمناً للمسلمين، حيث ستفضي مهاجمتهم فيه إلى إرهاب بقية المهاجرين وتدفعهم نحو الهجرة العكسية وتوقف الهجرة إليها.

أما عن أصل “تارانت” فهو مولودٌ لأسرةٍ أستراليةٍ، جاب العالم بعد وفاة والده ليستقّر في مدينة “ديودن” النيوزيلاندية، ويلتحق بنادٍ لتعلّم إطلاق النار، ثمّ ليحصل عام 2017 على تصريحٍ من الشرطة، باعتباره “ملائماً” لحمل الأسلحة، ثمّ ليشتريها لاحقاً بشكلٍ قانونيٍّ.

وفي محاولةٍ لفهم منشوره المعنون بـ”الاستبدال العظيم”، يُظهر “تارانت” تأثّره بمُنظّرين مناهضين لاستقبال المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا، مقتبساً هذا المصطلح من نظريةٍ مؤامراتيةٍ للكاتب الفرنسيّ “رينو كامو” الذي يرى أنّ كلّ ذلك يصبّ في استبدال البيض الأوروبيين بأولئك المهاجرين، ليتعاظم النقاش المجتمعيّ حولهم بوصفهم غزاةً، وربطهم بالجريمة أنّى كانت، وما يشكّلونه من تهديدٍ للهوية الفرنسية الأوروبية.

ثم جاءت الكاتبة “بات يعور” لتغذّي هذا الخطاب وتمنحه بعداً حضارياً هويّاتياً مرتبطاً بأوروبا، مُستحدثةً مفاهيم من قبيل “الاستذمام”، الذي أخذ ينتشر في أوساط مناهضي المهاجرين المسلمين إبّان 11 سبتمبر. يُشتقّ هذا المصطلح من رؤية الإسلام لأصحاب الديانات الأخرى كونهم “أهل ذمّةٍ”. كما استحدثت “يعور” مفهوم “أورابيا” الذي ناهضت خلاله تحويل أوروبا إلى مكانٍ عربيٍّ “آرابيا Arabia”، مستندةً إلى ادّعائها بوجود خطّةٍ سريةٍ بين الحكومات العربية والأوروبية لأسلمة أوروبا واستذمام أهلها”!

يرى العامر أنّ تلك النظرية كانت مصدر إلهامٍ لـ”بريفيك”، مرتكب التفجير في مبنى الحكومة النرويجيّ الذي ذهب ضحيّته سبعون مهاجراً. وأمثال “يعور” كثرٌ، رأوا بنفس ما رأت، وانطلقوا من معدلات الإنجاب الكبيرة في أوساط المهاجرين مقارنةً بالأوروبيين. يشترك أتباع هذا التيار في أنّ انتماءهم يصبّ في هويةٍ ثقافيةٍ حضاريةٍ كبرى اسمها “أوروبا” تتمايز ضدّ الثقافة الإسلامية وتتفوّق عليها.

في حين منح الإنترنت هذه الأفكار زخماً كبيراً مكثّفاً جعل المؤمنين بها في دائرةٍ مغلقةٍ غذّت كلاً منهم بمزيدٍ من الأفكار ومنحتها بعداً أعمق، مُشعلةً بدورها نار ما تُسمى “الحرب العالميّة على الإرهاب”. فعلى إثر ذلك، بات الإرهاب مُسيّساً بعد دخول الدول غمار هذه الحرب، مستغلةً إياها في إيصال رسائلها السياسة وتبرير أفعالها التعسّفية ضدّ المسلمين. وفي ظلّ اختلافهم حول تعريفٍ معيّنٍ للإرهابيين، يرى كثيرون أن مفهوم الإرهاب واسعٌ يشمل كلّ المنتمين إليه أيّاً كان نشاطهم. فكلّ مسلمٍ مشتبهٌ به حتى يثبت العكس!

ثمّ يعرّج عامر، في مقاله، على تكتيك “الذئب المنفرد” الذي اتّخذه “تارانت” في مجزرته، حيث ينطلق منفّذه من تلقاء نفسه دون خضوعه لعلاقةٍ هرميّةٍ تُملي عليه الأوامر. يُلجأ إلى هذا التكتيك عادةً في الدول ذات المؤسسات الأمنية القوية التي تصعّب أيّ عملٍ جماعيٍّ وتكشفه. يستقي “تارانت” تكتيكه، كما يكشف رقم 14 المدوّن على سلاحه، من أفراد جماعة “النظام” الذي اتّخذوا مبدأً مهمّاً لخصوه بـ 14 كلمة، ترجمتها: “علينا أن نحمي وجود قومنا ومستقبل أبنائنا البيض”، وغيرهم الكثير ممّن اتّخذوه كتيتيكٍ رئيسٍ.

وإذ يقتفي “تارانت” مذهب “بريفيك”، منفّذ أوّل عملية “ذئب منفرد” ضدّ المسلمين في النرويج، يبرّر الأخير لجوءه إلى العنف من خلال منشوره، في إيمانه بأنّ المقاومة المسلّحة ضدّ المهاجرين خيارٌ عقلانيٌّ وحيدٌ لمنع “أسلمة” أوروبا في ظلّ تقاعس الحكومات إزاء منع الهجرة، وتواطؤٍ بين النخبة الثقافية والمهاجرين المسلمين، مقدّماً نفسه بوصفه جزءاً من طليعةٍ أوروبيةٍ لمناهضة مشروع “أورابيا”. ويعلّل “تارانت” لجوءه إلى إلى العنف بأنّ الوقت ليس في صالح الأوروبيين الذين سيتحوّلون إلى أقليةٍ في بلادهم، في ظلّ التناسل السريع للمسلمين.

للقراءة، من هنا