تسعى هذه المقالة إلى الإجابة على تساؤلات عدة؛ منها: لماذا فشلت مساعي جابوتنسكي ووايزمان وبن غوريون في إنشاء جيش يهودي وتعبئة اليهود الأمريكيين في الحركة الصهيونية؟ وكيف بالمقابل ساهمت هذه الزيارات في تعبئة يهود أمريكا لمصلحة أهداف الحركة الصهيونية، على مستويي “إنقاذ يهود أوروبا” وهزيمة هتلر، وترسيخ الدولة اليهودية في فلسطين؟

صدر، مؤخراً، كتاب جديد بعنوان “سباق ضد التاريخ: حملة 1940 للجيش اليهودي لمكافحة    هتلر”[1] من تأليف ريك ريتشمان. يبحث الكتاب وثائقياً وتحليلياً في رحلة قام بها ثلاثة من قادة الحركة الصهيونية إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1940. تم تحرير الكتاب من وجهة نظر صهيونية، بهدف دعائي، يهدف إلى تعظيم دور هؤلاء الثلاثة في السياق الصهيوني وإعادة اكتشافهم، وإظهار قيمة ما أنتجوه لمصلحة مشروعهم، وكشف جهودهم التي وُصفت بـ”البطولية والمأساوية” في آن معاً، والتي للمفارقة كانت على يد شخصيات متناقضة ومتحاربة فيما بينها، وإن جمعها الهدف نفسه[2].

تنبع أهمية الكتاب، أيضاً، من إلقائه نظرة جديدة على تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة، منعكساً بالضرورة على النقاش المحتدم حالياً بين الكيان الصهيوني ويهود أميركا. يعتمد هذا النص، في منهجيته، على توثيق هذه الزيارات في الصحافة الأمريكية واليهودية التي تمكنا من الوصول إليها، وعلى مراجعات مسبقة[3]، ونصوص مستخلصة من الكتاب.

نسعى، من خلال هذه المقالة، إلى الإجابة على تساؤلات عدة؛ منها:  لماذا فشلت مساعي جابوتنسكي ووايزمان وبن غوريون في إنشاء جيش يهودي وتعبئة اليهود الأمريكيين في الحركة الصهيونية؟ وكيف بالمقابل ساهمت هذه الزيارات في تعبئة يهود أمريكا لمصلحة أهداف الحركة الصهيونية، على مستويي “إنقاذ يهود أوروبا” وهزيمة هتلر، وترسيخ الدولة اليهودية في فلسطين؟

 ورغم أن الهدف المُعلن لهذه الرحلات المنفصلة كان السعي لحشد وتعبئة يهود الولايات المتحدة لإنشاء جيش يهودي في خضم الحرب العالمية الثانية، إلا أنه كان لها ولوقائعها آثارٌ مهمةٌ، سواءً على صعيد تطور الحركة الصهيونية نفسها في مسعاها للاستيلاء على فلسطين، أو في صهينة الواقع اليهودي الأمريكي وتجنيده، كما أسست بشكل عميق للعلاقات اللاحقة بين اليهود الأمريكيين والكيان الصهيوني.

بين الهدفين المعلن والمُضمر

  قام كلٌّ من فلاديمير زئيف جابوتنكسي، وحاييم وايزمان ، وديفيد بن غوريون على التوالي بهذه الرحلة الأمريكية، التي كان الغرض المعلن منها محاربة هتلر والمشاركة في هزيمته في أوروبا، غير أن وثائقَ أخرى، كما يبين ريتشمان، تُظهر أن الهدف الحقيقي هو الاستيلاء على فلسطين وإقامة استيطان يهودي فيها يتجاوز مرحلة “اليشوف” إلى مرحلة إقامة دولة يهودية في فلسطين.

ومن نافل القول التأكيد أن مساعي الحركة الصهيونية لتشكيل قوة مسلحة، ذات طابع نظامي، هي مساعٍ قديمة تعود، ربما، لما قبل وعد بلفور والحرب العالمية الأولى. وهذا لا يبدو مستغرباً في حال تتبعنا جميع النصوص التأسيسية للحركة الصهيونية، التي تعتمد على فكرة التحرر بالقوة، ومواجهة الاندماج، وضرورة أن يكون لليهود “جيشهم الخاص”. ويذكر ريتشمان أنه بعد أسبوع واحد من اندلاع الحرب العالمية الثانية، قدم الزعيم الصهيوني ديفيد بن غوريون (1886-1973) إلى الهاغاناه اقتراحه بإنشاء دولة يهودية في فلسطين بقوة السلاح.

من البديهي اعتبار أن زيارة بن غوريون كانت الأكثر أهميةً، بسبب بروزه حينها كزعيم صهيوني كبير في واشنطن ولندن، بل كان كذلك قد مهد لزيارته تلك منذ عام 1939، عندما أنشأ المكتب الصهيوني-الأمريكي بمساعدة عدد من النشطاء من أتباعه في الولايات المتحدة، وذلك بالتضامن مع عدد من المنظمات الصهيونية هناك، بهدف تجنيد اليهود وجمع الأموال، وكان مدفوعاً في توجهه الأمريكي بالسياسات البريطانية تجاه فلسطين وصدور الكتاب الأبيض الذي اعتبرته الأوساط الصهيونية نوعاً من الارتداد عن وعد بلفور[4].

كانت تلك الزيارات التي كانت منفصلة، ومتتالية، وغير منسقة بين الثلاثة، في إطار جهود الحركة الصهيونية لإنشاء قوات عسكرية يهودية مستقلة تحت علم يهودي خاص، بما يضمن حصول اليهود على مكانة طرف ضمن الحلفاء، وبالتالي يحوزون القدرة على التفاوض مع باقي المنتصرين بحجة مشاركتهم كغيرهم في الحرب. ومن المعروف أن بن غوريون ووايزمان قدما قبلها طلباً لنيفيل تشامبرلين، رئيس وزراء بريطانيا حينها، لتشكيل فرقتين عسكريتين؛ إحداهما من يهود “اليشوف”[5] في فلسطين، والثانية من اليهود المقيمين في البلاد الأخرى.

ورغم أن الحكومة وافقت في  13/9/1940 على إنشاء “قوة مقاتلة يهودية” من عشرة آلاف رجل، منهم 3 آلاف من اليهود المستوطنين في فلسطين، إلا أنه تم تأجيل الأمر لفترة من الزمن، طالت 6 سنوات كاملة حتى عام 1946، فيما تظهر المسألة كارتباط مباشر بنية تسليم فلسطين للحركة الصهيونية، وربما تكون المماطلة البريطانية مرتبطة بالخبرة السلبية في إنشاء الكتائب اليهودية التي آلت جميعها إلى الفشل، كما سنفصل أكثر في القسم الأخير من هذا النص.

لم يُرضِ هذا التأجيل قيادة الحركة الصهيونية التي كانت تهدف إلى تشكيل وحدات يهودية مقاتلة ومدربة، وذات خبرة قتالية جيدة تشترك في العمليات الحربية، وتكون نواةً للجيش الصهيوني النظامي. إثر ذلك، ضاعفت الحركة الصهيونية مساعيها وضغوطها حتى قبلت الحكومة البريطانية في 19/9/1944 بإنشاء “لواء يهودي” يشترك في العمليات الحربية، ويعتبر وحدة قتالية مستقلة لها علمها الخاص، في مسعى من الحركة الصهيونية للاعتراف بها كدولة شريكة في الحرب حتى قبل تأسيسها، غير أنه من المعروف أيضاً أن هذا اللواء الذي خدم في إيطاليا لم يكن له سوى دور رمزي.

ومن الجدير بالذكر أن بن غوريون لم يكن وحده قد مهد لزيارته تلك كما  ذكرنا أعلاه، فقبل وصول جابوتنسكي في رحلته، كانت الحركة الصهيونية التنقيحية أو التصحيحية كما تسمى أيضاً، قد أرسلت مبعوثا ترويجياً، هو بن تسيون نتنياهو، والد رئيس الحكومة الصهيونية الحالي، وقد صنع ضجة كبيرة، فنظم مظاهرات، ونشر إعلانات ترويجية على صفحات كاملة، في تحدٍ لإدارة روزفلت ومحاولة إظهار تخليه عن يهود أوروبا و”القضية الأوروبية”[6]. وقال نتنياهو: “إن روزفلت لم يرد الضغط على حليفته بريطانيا العظمى لفتح أبواب فلسطين”، وزعم أنه لم يكن هناك أي مكان في قلب روزفلت “لليهود الذين يعانون من هتلر” وأن ليس لهم مكان في “الحريات الأربعة”[7]، وكانت تلك الحملة التي قام بها تمهيدية كما ذكرنا لزيارة جابوتنسكي[8].

يزعم المؤلف أن جهود الزعماء الثلاثة كانت مدفوعة بسؤال استنكاري، مفاده “لماذا لم يكن هناك جيش يهودي في الحرب العالمية الثانية لمحاربة النازيين؟”، منطلقاً  في ذلك من ذات منطلقات الحركة الصهيونية التي اعتبرت أن يهود أمريكا معنيون تماماً بمصير “إخوتهم في أوروبا”. ربما، يعرف القارئ أن الولايات المتحدة لم تكن قد انخرطت في الحرب في ذلك الوقت، وكانت بانتظار إعادة انتخاب فرانكلين روزفلت  لولاية ثالثة، ليقرر ما يجب فعله، بينما كانت إنكلترا قد أعلنت الحرب على ألمانيا عام 1939 بعد اجتياح الأخيرة لبولندا في تشرين أول من ذلك العام.

بذلك، كانت بريطانيا قد اكتسبت خبرة في إنشاء قوة يهودية شبه مسلحة “كتيبة فرقة البغالة“[9]، منذ الحرب العالمية الأولى، وكانت تخطط لتسليم فلسطين لليهود، وتحتاج اليد العاملة. لذلك، يمكن القول أن جهود الحركة الصهيونية كانت، إضافةً لمآربها الخاصة، تشكل مسعى لإحراج بريطانيا والضغط عليها للتسريع في العملية من جهة، وفتح أبواب الهجرة اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، التي كانت قد أوقفتها بريطانيا في محاولة لاسترضاء العرب أثناء الحرب من جهة أخرى. وكانت وزارة الخارجية والمستعمرات البريطانية لا تريد تنفيرهم عن طريق فضح نواياها تجاه فلسطين، أو إنشاء جيش يهودي يقاتل إلى جانبها وتكون مضطرة لسداد الدين سياسياً بعد الحرب، وهو ما سعى إليه القادة الصهاينة عن طريق الولايات المتحدة.

 

كتاب سباق ضد التاريخ. من تأليف ريك ريتشمان

سباق ضد التاريخ- ريك ريتشمان

جابوتنسكي متطلعاً لجيش كبير

بالمقابل، كانت نظرية فلاديمير جابوتنسكي تتمحور حول ضرورة أن يقاتل اليهود في صف الحلفاء، ولكن تحت رايتهم الخاصة، لكي يتمكنوا من إيجاد مكان لهم على طاولة المفاوضات. ونعلم أن هذا التفكير بدأ منذ الحرب العالمية الأولى، ورأى القادة أن مهمتهم في أمريكا هي وسيلة لممارسة الضغط على إنجلترا للسماح بهذا الجيش وتشجيع اليهود الأمريكيين للانضمام إليه، وكرس جهوده لهذا الأمر حتى أنه مات في نوبة قلبية مفاجئة، بعد إتمام زيارته الأخيرة للولايات المتحدة بعد أن شهد عرضاً عسكرياً في مخيم في نيويورك لمنظمته  العسكرية “بيتار”[10].

تنقل مراجعات الكتاب، عن  ريتشمان، تحليله بأن الوضع الصعب الذي واجهه القادة الصهاينة في الولايات المتحدة، يعود إلى المزاج الانعزالي الذي كانت تعيشه الولايات المتحدة، وارتفاع مستوى “معاداة السامية”، وخوف يهود أمريكا من أن يتم اتهامهم بجر الولايات المتحدة إلى الحرب لمصالحهم الخاصة، فالتزموا الصمت حتى في هوليود، إذ لم تنتج الاستديوهات المملوكة لليهود  هناك أي شيء يستحق الذكر عن النازية، ولكن الأمور تغيرت فيما بعد، فبعد بضعة أشهر على الزيارة، انقلب الحال تماماً بعد الهجوم على بيرل هاربر[11].

يمكن فهم الظرف الخاص الذي جاءت فيه هذه الزيارات، إذا عرفنا أنها جاءت في وقت احتدام سياسي، تَمثّل في معركة انتخابية يخوضها الديمقراطي فرانكلين روزفلت لحيازة ولاية ثالثة، ضد الجمهوري ويندل ويلكي الذي اعتمدت دعايته الانتخابية على تحذير الأمريكيين من أن روزفلت سيجرهم إلى الحرب. وفي المقابل، حرص روزفلت على منع ويلكي من حيازة المجال العام كداعية سلام، ولأن اليهود الأمريكيين في غالبيتهم ديمقراطيون، وكثير منهم في قيادة الحزب، فقد كانوا مترددين في إظهار أي دعاية متعلقة بالمجهود الحربي.

   وقبل يومين من الغزو الألماني لبولندا في أيلول 1939، عرض وايزمان على نيفيل تشامبرلين رئيس وزراء بريطانيا في حينه “للدخول في ترتيبات فورية لاستخدام القوى العاملة اليهودية، والقدرة التقنية والموارد الخ”. ويذكر ريتشمان أن وايزمان تلقى  الشكر على العرض، ولكن مع عدم الموافقة عليه، وبقي وايزمان ينتظر الموافقة على تشكيل وحدة يهودية، ولم يكن تفاؤله مبرراً حسب المؤلف. ولعل هذا التفاؤل هو السبب في امتناعه عن التصريح بمآربه عندما ذهب إلى الولايات المتحدة، ولعله بصفته منتمياً لبريطانيا، فإنه لم يرد أن يُصعِّد معها، ولكن يؤكد ريتشمان أن وايزمان قال  إنه يجب على اليهود الأمريكيين أن يفعلوا كل ما في وسعهم لمساعدة الحلفاء.

إذاَ، وعلى العكس من استراتيجية الصمت عند وايزمان، الذي كان متحفظاً ومرتبطاً بشدة بالقرار البريطاني، فأبدى اهتماماً بـ”مستقبل اليهود المستوطنين في  فلسطين” أكثر مما تحدث عن الجيش، واهتم كثيراً بجمع التبرعات[13]، كان جابوتنسكي يؤمن بالصوت العالي، معتبراً أن الضغط العام هو مفتاح النتائج السياسية، وهكذا وصل إلى أمريكا بعد أسبوع واحد من عودة وايزمان إلى إنجلترا.

وإذا كان وايزمان قد تكتم على أسباب زيارته ولم يتحدث علناً، فإن جابوتنسكي كان واضحاً حول غرض الزيارة، ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن وصوله، قوله “إذا كانت هناك حرب عسكرية حقيقية، فسيكون هناك جيش يهودي يقاتل تحت علم يهودي إلى جانب الديموقراطيات”. وفي الواقع، تكشف مراجعتنا لجانب من التغطيات الصحافية لهذه الزيارة في الولايات المتحدة عن طابع متناقض، يكشف التعاطف من قبل “اللوبيات اليهودية” مع الصهيونية ومآربها من جهة، والتحفظ تجاه جابوتنسكي باعتباره لم يكن ممثلاً رسمياً للحركة من جهة أخرى. واتسمت هذه التغطيات أيضاً بروح التناقض التي سادت الأوساط الأمريكية حول الانخراط في الحرب[14].  

وكان جابوتنسكي في عمله الرئيسي الأخير، بعنوان “جبهة الحرب اليهودية”، قد كتب أنّ اليهود يجب أن يشكلوا جيشاً يهودياً، ومن الواضح أن جابوتنسكي كان يريد جيشاً كبيراً وليس مجرد وحدات عسكرية، وكان يعتقد أنه من الممكن حشد 80 ألف جندي يهودي من المستوطنين في فلسطين. وفي الواقع، كانت لديه ذات الطموحات في الحرب العالمية الأولى، ولكن آماله تم تخييبها بالكامل، إذ كان عدد اليهود في المستعمرات في فلسطين الذين وافقوا آنذاك على الانضمام إلى الفيلق قليلاً جداً، وما لبثوا أن عادوا من حيث أتوا.

كانت أبرز نشاطات جابوتنسكي نشاطَين أداهما في مركز مانهاتن قرب حديقة ماديسون سكوير، حضر في كلٍّ منهما 4000 شخص تقريباً، كان النشاط الأول يوم 19 آذار/مارس 1940، وقال جابوتنسكي: “إن الحلفاء سوف يضطرون إلى إفساح المجال، على مختلف الجبهات، للجيش اليهودي، تماماً كما حدث في حالة الجيش البولندي”. وألقى الخطاب الثاني يوم 19 حزيران يوم الهجوم النازي عبر أوروبا الغربية، وكانت فرنسا قد سقطت بالفعل في قبضة الألمان. ورغم ذلك، انتهز جابوتنسكي الفرصة لإظهار تفاؤله بتوقع تشكيل الجيش اليهودي بشكل سريع، أكثر مما استغرقه تشكيل الفيلق في الحرب الأولى، وقال: “أنا أتحدى اليهود أينما كانوا للمطالبة بحق محاربة أفعى عملاقة”.

ينقل المؤلف أن هذا الخطاب حظي بتغطية واسعة، وزعم أن كندا كانت على استعداد لتوفير معسكرات التدريب، ولكن جابوتنسكي لم يعش ليحظى بثمار جهوده- التي فشلت طبعاً- حيث مات بنوبة قلبية مفاجئة، بعد أقل من شهرين على خطابه الناري. لكن ذلك لم يكن النهاية، فقد شجع الأمر الزعيم الثالث ديفيد بن غوريون على تجربة حظه، حيث فشل زميلاه، فوصل إلى نيويورك في الثالث من تشرين الأول، وباءت جهوده بالفشل، كما سنلاحظ بتفصيل أكبر في الجزء الثاني من هذا النص.

ديفيد بن غوريون وحاييم وايزمان في سويسرا عام 1945
ديفيد بن غوريون وحاييم وايزمان في سويسرا عام 1945

خيبة “بن غوريون”

يُركّز هذا القسم[15] تحديداً على مهمة بن غوريون، وهو الأخير من بين الثلاثة الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة. وقد عبّر عن آماله من الرحلة في رسالة كتبها إلى زوجته “بولا”، أكّد فيها أنه يريد أن يرى بأمّ عينه ما الذي يُمكِن تَوّقُعُه من أمريكا في وقت الحرب، وبالذات فيما يتعلق باليهود الأمريكيين، إذ يقول: “أريد أن أعرف مقدار ما يمكن أن يساهم به يهود أمريكا لإنقاذ شعبهم”. قضى بن غوريون 4 أشهر كاملة في الولايات المتحدة، وهي نفس المدة التي قضاها زميلاه اللذان سبقاه. وفي رحلته، يذكر بن غوريون أنه اكتشف الكثير عن اليهود الأمريكيين، بل أيضاً عن الزائرَين الصهيونيَين اللذين سبقاه؛ وايزمان وجابوتنسكي.

وصل بن غوريون إلى نيويورك صباح يوم 3 تشرين الأول 1940، قبل شهر من الانتخابات الرئاسية التي كان  فرانكلين روزفلت يسعى عبرها لولاية ثالثة بشكل استثنائي غير مسبوق في الولايات المتحدة، وبعد أسبوع من توقيع اليابان وألمانيا وإيطاليا اتفاقاً للدفاع المشترك، وكانت الدول الثلاث تريد من هذا الاتفاق ردع الولايات المتحدة عن مهاجمة أي منها. وجاءت الزيارة أيضاً قبل 14 شهراً من الهجوم على بيرل هاربر في 7 كانون الأول عام 1941؛ هذا الهجوم الذي- كما هو معروف- اتخذ ذريعة أمريكية لدخول الحرب وقصف مدينتي ناغازاكي وهيروشيما بالسلاح الذري.

وصادف أن مناسبة رأس السنة العبرية كانت يوم وصول بن غوريون، وبالتالي لم يجد أيّاً من الشخصيات اليهودية في استقباله بعد أن عَبَر الأطلسي. ولحسن حظه، كان “برنارد كورنبليث”، الذي يمثل جمعية عون المهاجرين اليهود (هياس)، في الخدمة. ولجأ مسؤول الهجرة إلى كورنبليث وفاتحه بمشكلة مع أحد الركاب الذي رفض التصريح بأسباب رحلته، وكان سيتم ترحيله إلى جزيرة إيليس التي كان يتم فيها تجميع المهاجرين، وهذا الراكب كان ديفيد بن غوريون نفسه.

أوضح كورنبليث لبن غوريون أنه وإن كان زعيماً صهيونياً معروفاً، إلا أن موظف الهجرة يملك صلاحية رفض إدخاله إلى الولايات المتحدة، ويذكر كورنبليث أن بن غوريون بقي على إصراره. وللتخلص من المأزق، تم استدعاء ستيفن.س. والاس، وهو حاخام إصلاحي وناشط صهيوني، توجه إلى رصيف الميناء لإعطاء ضمانة شخصية بأن بن غوريون سيقدم نفسه لاحقاً لمجلس الهجرة بشكل رسمي. وعلى هذا الأساس، سمح لبن غوريون بمغادرة السفينة وبدء مهمته إلى أمريكا.

يقدم بن غوريون، في مذكراته، الكثير من تفاصيل هذه الرحلة، التي كانت مكللة بالهزيمة كما هو مؤكد، وباعترافه بخيبة الأمل، لدرجة أنه لم يخصص لها سوى صفحة واحدة من كتابه “إسرائيل: التاريخ الشخصي” عام 1971، والذي بلغ 762 صفحة. كان بن غوريون يعتقد، رغم مسعاه، أن فكرة الجيش اليهودي التي يريد الحشد لها يجب أن تنتظر موافقة بريطانية، وهو ما لم يره جابوتنسكي الذي أراد استخدام ضغط الرأي العام لفرض الموافقة على بريطانيا.

ظهر النزاع بجلاء على وجه بن غوريون الذي علاه التكدر عندما أخبره صحفي يهودي من نيويورك تايمز أن الجيش كان “فكرة جابوتنسكي”، كما كان في الواقع. وسرعان ما هاجم أيضاً وايزمان، محملاً إياه المسؤولية عن الفشل في دفع بريطانيا لتأييد إنشاء قوة عسكرية يهودية، وفي النهاية كان عليه أن يعود مخذولاً يوم 18كانون الثاني 1941.

ولكن المقاطع التي اطلعنا عليها من هذا الكتاب تبين المزيد من التفاصيل حول هذه الرحلة، إذ كان خطابه  الذي ألقاه في والدورف– أستوريا في العاشر من تشرين الأول 1940، يمثّل أهم خيباته الكبرى كما يسرد المؤلف، والذي وُصف بأنه خطاب “لم ينتج الوحدة، بل الانقسام”، إذ إنه كان يسبب النفور لكل من يلتقيه، وكان شخصية باردة غير محببة على عكس جابوتنسكي.

حول الغرض من هذه الرحلة، كتب بن غوريون في يومياته “إن العمل الرئيسي في رأيي هو إنشاء الجيش اليهودي”. وبعد ذلك بيومين، كتب مرة أخرى: “شيء واحد فقط يشغل عقلي الآن: جهود بناء جيش يهودي”. وإذا كان بن غوريون لم يكشف عن غرضه لمسؤول الهجرة، غير أنه لم يُخفِه عن الصحافة، وصرح بعد عدة أيام لوكالة “تلغراف” اليهودية بأنه يتوقع أن ينتقل مركز الحرب من أوروبا إلى الشرق الأوسط، وأن “مستقبل فلسطين سيعتمد على تشكيل جيش يهودي”.

قبل يوم من وصول بن غوريون إلى نيويورك، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن كتيبتين قتاليتين يهوديتين في فلسطين قد بدأتا تدريب المشاة على أمل أن تسمح بريطانيا بتشكيل وحدات قتالية إضافية، غير أن المصادر التاريخية لا تقول شيئاً عن هاتين الكتيبتين، والأرجح عندي أنه تم حلهما فيما بعد. ونعرف أن هؤلاء المتدربين قد اندمجوا، لاحقاً، في العصابات الصهيونية التي كانت قد نشطت سابقاً في فلسطين قبل تأسيس الجيش الصهيوني “النظامي”.

وكان بن غوريون، بعد أن قضى أربعة أشهر في بريطانيا، يعلم أن يهود “اليشوف” يريدون الانضمام إلى بريطانيا في قتال النازية، لكن لم يكن يُخيَّل له أن يهود أمريكا لا يحبّذون الانضمام إلى هذا الجهد، نظراً لاقتناعه بأن مصير اليهود واحد أينما كانوا. وينقل عنه ريتشمان أنه كتب في مذكراته “في رأي الجميع، ليس هناك أمل في تجنيد الشباب اليهود في أمريكا لإنشاء جيش يهودي، وهم مشغولون بمشاكلهم الخاصة”، ويكمل مباشرةً: “لا أستطيع أن أقبل هذا”، مصمماً على تغيير هذا الواقع.

في الخامس من تشرين الأول عام 1940، عقد ديفيد بن غوريون لقاءً مع إدموند كوفمان، الزعيم الجديد للمنظمة الصهيونية الأمريكية (ZOA)، الذي قدم له عرضاً عاماً للانقسامات الاجتماعية والاقتصادية بين اليهود الأميركيين والتناقض تجاه الصهيونية. كان هدف كوفمان جذب أغنياء اليهود للصهيونية، لكن كانت هناك فجوة اجتماعية بين هؤلاء والطبقات الدنيا والمتوسطة، الذين يشكلون الجزء الأكبر من الصهاينة الأمريكيين.

في اليوم التالي، التقى بن غوريون بهنري مونتور، نائب الرئيس التنفيذي لـ “نداء فلسطين المتحدة“، الذي أكد له مناهضته لكوفمان في آرائه، قائلاً  لبن غوريون إن “كوفمان مثير للسخرية وإهانة كممثل للصهاينة” ورجل “لا تفاهم سياسي”، كون كوفمان كان يسعى لكي تكون منظمته هي الممثل الرئيسي ليهود أمريكا، خاشياً من المنافسة، ومعتقداً أن الاعتماد على الطبقات الدنيا من اليهود وإهمال جذب الميسورين منهم يعتبر سلوكاً خاطئاً. وبالفعل، بدا ظاهراً أن الانقسامات بين وايزمان وجابوتنسكي وبن غوريون قد انعكست على الصهيونية الأمريكية التي لم تكن تشكل سوى جزء صغير من اليهود الأمريكيين، البالغ عددهم  آنذاك 4.8 مليون.

ما واجهه بن غوريون أن العديد من اليهود ينظرون إلى الصهيونية كتهديد لهويتهم كأمريكيين كاملين، مؤكداً أن هذا تبين له من حرص اليهود الأمريكيين على تبني مقترحات ساذجة لحل “مشكلة العداء العربي”، فبوصوله سُلمت له “مذكرة باردين”، التي كتبها الحاخام شلومو باردين أحد محاوريه اليهود، والتي تنص على أن إنشاء مستوطنة يهودية في فلسطين  يمكن أن يتحقق عن طريق إنشاء اتحاد يهودي عربي وجيش مشترك لقتال هتلر. وقد علق بن غوريون بسخرية على مذكرة باردين في مذكراته ليوم 9 تشرين أول 1940، واصفاً إياها بأنها  “ممتازة” و”مبتكرة” باستثناء “شيء واحد صغير”: لم تعالج المذكرة “كيفية التعامل مع اعتراضات العرب”.

وفي رحلته، كان على بن غوريون الالتفاف على عامِلَين اثنين  يؤخّران جهوده كما كتب؛ العامل الأول هو أن بريطانيا لم توافق بَعَد على تشكيل وحدات قتالية يهودية، والثاني أن رحلته تصادف الانتخابات الأمريكية، حيث الكل منشغل. وكان لدى جابوتنسكي رأي مخالف، مفاده أن بريطانيا لن توافق على قوة عسكرية يهودية، إلا إذا طالب الرأي العام الأمريكي بذلك، لذلك خاض جابوتنسكي نقاشات عامة كبيرة على العكس من بن غوريون الذي اكتفى بالتحدث  سراً عن أهمية وجود الجيش اليهودي، ولكن لم يصل إلى حد إصدار دعوة عامة للعمل، في انتظار الانتخابات والموافقة المأمولة من لندن.

وربما تكون خلفية الرجلين هي السبب وراء الأساليب المختلفة التي اتبعاها، فقد كان بن غوريون منظماً داخلياً أكثر منه داعية، وكان ملتزماً بخط وايزمان وببريطانيا، بينما كان جابوتنسكي صحافياً غلبت عليه المغامرة والشعبوية وتجربته الفاشية في إيطاليا، يضاف إلى ذلك عملية بن غوريون وتفضيل الصهيونيةِ العمليةِ الخطوطَ الدبلوماسيةَ الهادئةَ على الصخب، بينما اعتبر جابوتنسكي أنه لا داعي للمجاملات في البحث عن “مصير اليهود”، خصوصاً أنه كان صارماً وصاحب نظرية “الجدار الحديدي”، ومؤسس الصهيونية التنقيحية.

 ركز بن غوريون حواراته في الولايات المتحدة على ثلاث نقاط، وهي: تشكيل جيش يهودي لمحاربة هتلر و”الدفاع عن أرض إسرائيل”، واقتلاع الخوف من هتلر من قلوب اليهود الأمريكيين، وأخيراً ضرورة توحيد الصهيونية تحت قيادة واحدة شجاعة. غير أن مساعيه خابت للأسباب المذكورة أعلاه، وأيضاً بسبب التعارضات بين الصهاينة الأمريكيين، فبعضهم أراد جيشاً يخدم في فلسطين فقط، بينما رأى آخرون أن القتال في أوروبا ضروري، واعتقد البعض أن خوف اليهود من شأنه أن يحول دون أي تقدم، بينما أصر آخرون أن الفكرة غير عملية أساساً.

وكتب بن غوريون في مذكراته حول هذا الأمر أنه غير متشائم بشأن اليهود، لكن ثمّة نقصاً في القيادة في أمريكا، و”فيمن يعرف ما يجب القيام به والتصرف بشجاعة “. أيضاً، التقى بن غوريون بقادة المنظمات الشبابية الصهيونية، كما عقد اجتماعات، وأجرى مقابلات صحفية وكتب مقالات عن هذه الفكرة،  لكنه  لم يستطع التغلب على كبار الصهاينة هناك، مثل  ستيفن وايز ولويس ليبسكي (نائب رئيس ZOA)، اللذين كانا  من أتباع وايزمان، أو أولئك الأكثر حزماً من جماعة برانديز. وأكد في مذكراته أنه ركز اهتمامه على “هداسا“، وهي المنظمة الصهيونية النسائية الأمريكية، أكبر جماعة صهيونية في البلاد مع 74000 عضو، ما يقرب من ضعف عدد ZOA.

وفي منتصف تشرين الأول  1940، سافر بن غوريون من نيويورك إلى واشنطن لعقد اجتماعات مع لويس برانديز، وهو يهودي بارز من أشد أنصار التدخل الأمريكي في الحرب وساهم في دفع ويلسون لتأييد وعد بلفور، لذلك كان من الطبيعي أن يجد فيه بن غوريون ومن سبقه داعماً قوياً لطموحاتهم. وكان برانديز قد تقاعد لتوه من المحكمة العليا  التي عينه فيها ويلسون كأول يهودي يصل إلى هذا المنصب.

وعن  لقائه مع برانديز، ينقل ريتشمان عن مذكرات بن غوريون “قلت له ما رأيت في إنكلترا خلال الأشهر الأربعة من الهزائم والصعوبات حول بطولة الشعب الإنجليزي وموقفه الأخلاقي. قلت له، باختصار، عن خططي هنا  حول إنشاء جيش يهودي، وترتيب التدريب الجوي والتدريب الأولي للشباب هنا، وأنني لن أبدأ العمل على ذلك إلا بعد الانتخابات. تكلم الرجل العجوز قليلاً وأعرب عن أسفه لأنه ليس في مثل عمري، وأعرب عن موافقته على الخطة وطلب مني الحضور وزيارته مرة أخرى بعد الانتخابات”.

بعد أن فاز روزفلت بإعادة انتخابه في الخامس من تشرين الثاني 1940، اعتقد بن غوريون أن  أمريكا ستحوز الآن على “دور كبير في هذا النضال الرهيب… لأنه في السنوات الأربع المقبلة سيتقرر كل شيء (حتى على الرغم من إمكانية استمرار الحرب لأكثر من أربع سنوات) “، لكنه أعرب عن قلقه مما وصفها بالعلامات البارزة للصراع الأيديولوجي في أمريكا، وهو حسب ما يقول نفس الصراع الذي استهلك أوروبا،  “لأن هناك أيضاً بعض القوى الفاشية والنازية “.

كان  بن غوريون محبطاً أكثر من أي وقت مضى، كما كتب في رسالة طويلة لزوجته في 9 تشرين الثاني 1940، قائلاً: “يخاف اليهود من أمريكا. يخافون من هتلر، يخشون حلفاء هتلر، يخافون من الحرب، ويخافون من السلام. خلال الانتخابات كانوا يخشون أن ينتخب [المرشح الجمهوري] ويندل ويلكي، وكانوا أيضاً يخشون ​​دعم  روزفلت علناً. الصهيونيون يخافون من غير الصهاينة، وغير الصهيونيين يخافون من غير اليهود. من بين الشباب، قواعد استثناء مريحة: إما السلام أو الإمبريالية، والعالمية، والتطرف الذي لا يلزم نفسه بأي شيء”.

وفي 11 تشرين الثاني من نفس العام، خاطب بن غوريون اتحاد الكرة العبرية، حيث “دعوت [الجمهور] لاقتلاع الخوف من قلب اليهود الأمريكيين والتحضير لحرب ضد هتلر ولحشد قوة يهودية”. وفي  15 تشرين الثاني 1940 نشر في “الكونغرس الأسبوعي” التي ينشرها المؤتمر  اليهودي “من المهم أن نبين أن اليهود غير راضين عن القيام بما هو متوقع من جميع الأميركيين فقط. . . هزيمة هتلر تعني انتصار المثل اليهودية وكذلك هزيمة عدو الديمقراطية. وعلينا أن نطالب بالحق في أن نصنع دورنا الذي يمكن التعرف عليه لقضية الحرية اليهودية والديمقراطية”.

وزعم أن “في قيامنا بواجبنا سنقدم إسهاماً كبيراً في المثالية الأمريكية، وفي الوقت نفسه المساعدة على استعادة شرف الشعب اليهودي”. كما نشرت “نيويورك تايمز” في 23 تشرين الثاني 1940 “اقترح ديفيد بن غوريون رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية في فلسطين الليلة الماضية إرسال 100 الف يهودي أميركي شاب إلى فلسطين، في أسرع وقت ممكن لمساعدة الوطن اليهودي في هذه الساعة الحرجة”. كما قال بن غوريون أن واحداً من كل خمسين يهودي في الولايات المتحدة ينبغي أن يذهب إلى فلسطين، وفي حديثه باسم “الجالية اليهودية الفلسطينية” والمنظمة الصهيونية، أكد أن هذه القوة اليهودية الأمريكية يمكن أن تنجز عملاً هاماً الآن وبعد الحرب[16].

وفي اجتماعات كانون الأول 1940 مع الجماعات الصهيونية الأمريكية، ومرة ​​أخرى في اجتماع ZOA في كانون الثاني 1941، ضغط بن غوريون للاستجابة الفعالة ضد الرفض البريطاني المستمر للاعتراف بالحاجة الماسة “لليهود الفارين من هتلر في الذهاب إلى فلسطين”، ولم يؤيده سوى حاخام واحد، فأدرك حينها أن الوقت قد حان للمغادرة.

توجه بن غوريون  في 13 كانون الثاني 1941 إلى سان فرانسيسكو، إذ كان يستعد للمغادرة عبر المحيط الهادي بعد أن أصبح الأطلسي خطيراً جداً. وفي 16 كانون الثاني، حيث كان يقيم في فندق سانت فرانسيس، كتب رسالة إلى تمار دي سولا بركة، الرئيسة الوطنية لـ “هداسا”، عَبّر فيها عن خيبة أمله، بالقول: “أنا لن أنكر الشعور المزعج الذي أيقظه اليهودي الأمريكي في داخلي، حتى في الدوائر الصهيونية لم أجد الوعي الكافي بخطورة هذه الساعة اليائسة والمأساوية في تاريخ إسرائيل. هل مصير الملايين من أقاربهم في أوروبا يُهمّ اليهود في أمريكا أقل من مصير إنجلترا ويؤثر على شعب أمريكا؟ هل فلسطين عزيزة على خمسة ملايين يهودي في الولايات المتحدة أقل من حب 130 مليون شخص في أمريكا لبريطانيا؟”

كما أضاف بن غوريون “ما المطلوب من اليهود الأمريكيين؟ حشد مواردهم الوطنية والتقليدية المالية لخلاص الوطن اليهودي والشعب اليهودي، والكفاح من أجل وجوده، وهو مهدد بالانقراض في كل مكان في أوروبا؟”، وقد قرأت دي سولا هذه الرسالة في الاجتماع الوطني لهداسا، كما أرسلت نسخاً منها لجميع الفروع.

التحوّل في الوعي الأمريكي

ورغم خيبة مسعى بن غوريون وجابوتنسكي ووايزمان، إلا أن بريطانيا سمحت في الأشهر الأخيرة بتشكيل لواء يهودي يصل إلى 5000 جندي، معظمهم من المستوطنين في فلسطين، وقد خدم هؤلاء في بريطانيا، إلى أن تم حل الفرقة عام 1946. ويعود هذا إلى نشاطات وايزمان وسعيه الدؤوب للتأثير على الوسط السياسي البريطاني، وتحذيره من فقدانهم لقوة الدفع الاقتصادية اليهودية  إذا دخلت أمريكا على الخط.

ورغم فشل البعثات الثلاثة، فإنها شكلت فصلاً في التاريخ الصهيوني الأكبر وتسببت في تعبئة الوعي عند عدد كبير من اليهود الأميركيين بضرورة ربط مصيرهم بمصير يهود أوروبا والآخرين المستوطنين في فلسطين. ومع مرور الوقت، ثبت دور هؤلاء الكبير في دعم وبقاء الدولة الصهيونية.

ورغم أن للحركة الصهيونية تاريخاً طويلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن تلك الجولات، وخصوصاً على صعيد الحرب الدعائية التي شنها جابوتنسكي، وقدرة بن غوريون التنظيمية، ساهمت في حشد التأييد لدخول أمريكا للحرب وتغيير مواقف المنظمات اليهودية الرئيسية من هذا الأمر. ويكفي أن نعلم أن قادة اليهود كانوا قد أعربوا أوائل 1940 عن معارضتهم للدعوة للحرب، خشيةَ أن تعتبر الحرب الأمريكية أو المشاركة الأمريكية فيها مدفوعة بمصالح اليهود، وأصدرت لجنة مكافحة التمييز ضد اليهود تقريراً أعربت فيه عن خوفها من تأثير الدعوة إلى الحرب على أوضاع اليهود في الدول المعنية أو غير المعنية مباشرة بالصراع.

كما اعتمد ذلك على موقف تاريخي يهودي في الولايات المتحدة، إذ أعلن رئيس الحركة الإصلاحية اليهودية ستيفن وايز نهاية القرن التاسع عشر باسم منظمته “أننا نعارض الصهيونية السياسية بحزم وإصرار”، حتى إن وايز بذل جهوداً فاشلة لتحويل الهجرة اليهودية إلى إحدى المستعمرات البريطانية بدلاً من فلسطين، غير أن هذا الأمر تغير، كما قلنا، بفعل الحملات التي قادها القادة الصهاينة من جهة، والرغبة الأمريكية بالخروج من عزلتها العالمية من جهة أخرى، إذ إنها  لم تًرِد أن تكون غريبة في عالم ما بعد الحرب.

تجسّد هذا التغيير في النقلة الأهم بالدعوة إلى عقد مؤتمر بلتيمور من 9 إلى 11 أيار 1942، وهذا المؤتمر وضع، إن صح التعبير، بيض الحركة الصهيونية في السلة الأمريكية عبر شجب السياسة البريطانية تجاه فلسطين كما جاءت في الكتاب الأبيض لعام 1939، والذي كان إحباطه على رأس أجندة قيادة الحركة الصهيونية.

اتخذ المؤتمر قراراً تاريخياً بنقل مقر قيادة نشاط الحركة إلى الولايات المتحدة للضغط على بريطانيا، ولدفع التأثير على الولايات المتحدة، بهدف التركيز على مجتمع اليهود الأمريكيين الذي أصبح أكبر تجمع يهودي متجانس في العالم. ومنذ تلك اللحظة وبدون إطالة في تفاصيل وقائع التاريخ، بدأ التحول الكبير سواء في مواقف اليهود الأمريكيين تجاه الصهيونية، أو في الدعم اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة للحركة وللكيان الصهيوني لاحقا[17].


مناحيم بيجن (أسفل يمين الصورة) في اجتماع لبيتار في بولندا عام 1939

اختلاف الرؤية
وقبل الانطلاق إلى الجزء الأخير من هذه المقالة الذي سيبحث في تأثير مسار هذه الرحلات الأمريكية المتتابعة على تأسيس العصابات الصهيونية، وصولاً لجيش “دولة” العدو،  قد يتساءل القارئ عن السبب في اندفاع ثلاثة من أبرز قادة الحركة الصهيونية، لقيامهم بهذه الرحلة بغرض تحقيق هدف واحد بشكل منفصل وبدون تنسيق فيما بينهم.

تُعزى تلك المسألة، بالدرجة الأولى، إلى أن المشكلات الكبيرة كانت مشتعلة بين الزعماء الثلاثة، إذ شهدت الحركة الصهيونية انشقاقاً بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني السادس عشر عام 1929 في زوريخ، إذ استجاب المؤتمر لطلب وايزمان بتوسيع الوكالة اليهودية، ما أدى لانشقاق حركة «اتحاد الصهيونيين» التصحيحية بقيادة فلاديمير جابوتنسكي الذي كان يعارض التوجهات السياسية ولاقتصادية للصهيونية العملية، وهي السياسة التي أصبحت رسميةً للحركة الصهيونية.

كان جابوتنسكي يؤيد إرغام العرب بالقوة على الاعتراف بالوجود الصهيوني، كما كان يقصد بحـركته إلى تصحيح برنامـج المنظمة الصهيونيـة العالمية والوقـوف في وجـه التفسير الذي ذكـره ونستون تشرشل حينما كان وزيراً للمستعمرات، وأصدر الكتاب الأبيض الذي يُخْرج شرقي الأردن من نطاق سياسة “الوطن القومي اليهودي”. وكان جابوتنسكي يريد أن تكون حدود “الدولة اليهودية” شاملة شرق نهر الأردن وغربه، فضلاً عن تحويل فلسطين إلى جزء من الكومنولث البريطاني، مستعيراً من النازية مصطلحها “المجال الحيوي”  لملايين اليهود على ضفتي الأردن.

بالمقابل، كان وايزمان يرى أنه لا داعي للصدام مع البريطانيين، وأنه يجب العمل على حملهم على إلغاء الكتاب الأبيض، كونه لا يتلاءم مع بنود صك ّالانتداب الذي أقرته عصبة الأمم في 24/7/ 1922. ومن الواضح طبعاً أن وايزمان كان متمسكاً بهذا الصك، كونه تضمن في ديباجته “وعد بلفور” كاملاً. ومن المعروف أن جهود وايزمان انتصرت في هذه النقطة تحديداً، إذ استبدلت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض بكتاب جديد أصدره رئيس الوزراء جي آر مكدونالد في 14/2/1931.

في ذات السياق، يعرف كل مطلع على تاريخ بن غوريون ووايزمان أن العلاقات بينهما لم تكن على ما يرام منذ فترة طويلة، بل كانت مثيرة للجدل في الأوساط الصهيونية، خصوصاً في ما اعتبره بن غوريون موافقة مبكرة من وايزمان على تقسيم فلسطين، واعتباره مرتبطاً أكثر من اللازم بالسياسات البريطانية، غير أن الأمور بين الرجلين لم تصل إلى حد القطيعة. أما جابوتنسكي فقد قطع البرود معه لفترة وجيزة عام 1934، عندما عقد مع ديفيد بن غوريون  16 اجتماعاً في لندن، على مدى شهر، للتفاوض على توحيد الحركة الصهيونية.

لكن يخبرنا تاريخ الحركة الصهيونية أن هذه الاجتماعات لم تؤتِ ثمارها، إذ ترك جابوتنسكي الحركة الصهيونية في السنة التالية احتجاجاً على رفض رؤيته بتبني الدولة اليهودية كهدف أكثر إلحاحاً للحركة الصهيونية. وبغض النظر عن هذا، فقد كان المؤتمر الصهيوني التاسع عشر قد رفض هذه المساعي بشكل مسبق عام 1935، باعتبارها شخصية وليست ذات صفة رسمية. هَدِفنا من ذكر هذه التفاصيل التأكيد على استحالة القيام برحلة أمريكية واحدة بقيادة ثلاثية موحدة، وتكتيك واحد، وإن كان الهدف في نهاية المطاف يجمع القادة الثلاثة على قاعدة حشد اليهود الأمريكيين وتعبئتهم لإنشاء جيش يهودي مستقل.

الجيش اليهودي: رحلة مبكرة

كان تأسيس جيشٍ يهودي أحد أهم  أولويات الحركة الصهيونية، وإن لم يكن بالمعنى المباشر. وليس غريباً أن تحمل إحدى رايات الجيش الصهيوني عبارة تقول «في البداية صنع جيش الدفاع الإسرائيلي الجندي، والجندي صنع الأمة»[18]. أدرك زعماء الصهيونية مبكراً أن خطتهم ومشروعهم لا يمكن تحقيقه دون اللجوء إلى القوة التي ستتجسد لاحقاً في ممارسات العنف والإرهاب، ولطالما كرر قادة الكيان الصهيوني مقولات من نوع أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، وأن الرد الوحيد على الفلسطينيين هو سحقهم، وكما قال بن زفي وفقاً لعاموس ايلون «لقد سقطت يهودا بالدم والنار، وستنهض ثانيةً بالدم والنار»[19].

ولهذا نرصد في تاريخ الحركة الصهيونية العديد من المنظمات شبه العسكرية والعسكرية بشكل كامل، بعضها فشلت وتم حلها أو قمعها، فيما بعضها الأكثر أهمية تطورت لتندمج في الجيش الصهيوني بعد تأسيس الكيان، ما يدلل على أن فكرة إنشاء جيش يهودي مستقل لم تكن حبيسة الرحلة الأمريكية فحسب، بل امتدت إلى ما قبل ذلك بكثير.

ولعل أولى التجارب الموثقة هي تجربة منظمة “نيلي” التي يتركب اسمها من الأحرف الأولى العبرية لعبارة “نصيح إسرائيل لا يكذب”، وينعكس طابعها الاستخباري من اسمها. تأسست هذه المنظمة إبان الحرب العالمية الأولى من مجموعة من يهود “اليشوف” لجمع المعلومات السرية عن الأتراك ونقلها إلى القوات البريطانية، وكانت مدفوعةً بالقلق من انتصار تركيا ومصير اليهود في فلسطين، وخشية أن يكون مشابهاً لمصير الأرمن. ورغم أنه لا يتضح من المصادر علاقة هذه المنظمة بالحركة الصهيونية، إلا أننا نعلم أن مؤسسها أهارون أهرونسون عمل إلى جانب حاييم وايزمان في مؤتمر فرساي عام 1919.

لكن أول منظمة ذات صلة واضحة وتأسيسية بالصهيونية كانت منظمة “بارغيولا” مطلع القرن العشرين، التي كان هدفها الأساسي تهويد الحراسة في المستعمرات اليهودية  والتخلص من العرب والشركس، وأسسها إسحق بن تسفي، وهو صهيوني بارز وكان مدير المكتب الصهيوني في يافا عام 1907 إضافةً إلى نشطاء من حزب “بوعالي تسيون” (عمال صهيون). ومن تفاصيل التاريخ أن هذا التنظيم تطور إلى منظمة “هشومير هتسعير” (الحارس الشاب) ذات التأثير العسكري السياسي على أرض الواقع.

في سياق عسكري مباشر، كانت أولى الكتائب العسكرية هي كتيبة “فرقة البغالة” التي تأسست بعد إبعاد العثمانيين لأكثر من عشرة آلاف يهودي من فلسطين إلى مصر، وكان معظمهم مستوطنين روساً، جاؤوا إلى فلسطين مطلع الحرب، وتزامن إبعادهم مع وجود جابوتنسكي الذي كان عضواً في اللجنة التنفيذية للمؤتمر الصهيوني، إلى جانب يوسف ترومبلدور وهو ضابط أسبق في الجيش الروسي، ونجحا في إقناع البريطانيين بتشكيل كتيبة لوجستية من اليهود وضعت تحت قيادة ضباط بريطانيين، ولكن هذه الكتيبة فشلت في أولى تجاربها على جبهة غاليبولي وتم حلها نهائياً عام 1916.

تلا هذه الكتيبة تشكيل الفيلق اليهودي بجهود جابوتنسكي أيضاً ومساعدة بنحاس روتنبرغ، العضو الناشط في الحركة الصهيونية، بالتزامن مع جهود وايزمان وسوكولوف لإصدار وعد بلفور[20]، وقد تم إرسال الفيلق إلى فلسطين، ولكن ذلك جاء في نهاية الحرب فلم يشترك بأي قتال.

بعد الفيلق اليهودي، تأسست الكتيبة 39 لرماة الملك، بجهود بنحاس روتنبرغ، ومن المفارقات أن جهوده جوبهت بمعارضة شديدة من بن غوريون وإسحق بن تسفي المنفيين هناك، واللذين طالبا بقصر النشاط الصهيوني على السياسة والاستيطان، ودعم “اليشوف”، لكن حدث تغيير حاسم وأعلنت الحكومة الأمريكية في نيسان 1917 عن دخولها الحرب فتجند آلاف اليهود في هذه الكتيبة، التي أرسلت إلى مصر، ولكنها لم تحارب إطلاقاً كسابقاتها.

في الوقت ذاته، كان جابوتنسكي ينشط في فلسطين، مستفيداُ من كتيبة  “فرقة البغال” في إنشاء الكتيبة 40 لرماة الملك، والتي كُلفت بمهام أمنية ثم أرسلت إلى مصر للمساعدة في إخماد ثورة 1919. تمثّل التطور الأبرز في إعلان جابوتنسكي أن هذه الكتيبة هي النواة الأساسية للجيش اليهودي المستقل الذي سيساهم بفعالية في تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين وشرقي الأردن، حسب رؤية الحركة التصحيحية، ولكنها أيضاً لم تخض أي قتال وأنهى معظم مجنديها خدمتهم، وتم حلها رسمياً عام 1921.

بعد ذلك، كانت الهاجاناه أول قوة عسكرية صهيونية غير مرتبطة بنفوذ أو جيش دولة أخرى، إذ كانت القوة الرئيسية ما بين 1921 و1948، والتي اندمجت لاحقاً بالجيش الصهيوني الحديث، وانبثق عنها ما بين 1941 و1947 “البالماح”، وهي كتائب الصاعقة التي تميزت بأن أعضاءها خضعوا للخدمة في وحدات قتالية بصورة مهنية ونظامية.

إلى جانب الهاغاناه، نشأت “إتسل” وهي “منظمة الجيش القومي”،  وإيجازاً “الإرغون” عام 1937، على يد أعضاء منظمة “بيتار” التي أنشأها جابوتنسكي ونشطاء الحركة التصحيحية، وهدفها مواجهة أسلوب “ضبط النفس” الذي اتبعته الهاغاناه بغرض مواجهة الثورة الفلسطينية، مراعاةً للبريطانيين. انضم إلى هذه المنظمات “لحي”، وتعني “محاربو حرية إسرائيل” نشأت ما بين عامي 1940 و1948، على قاعدة حرب العصابات، وهي أصلاً مجموعة منشقة من “إتسل” برئاسة أبراهام شتيرن، والتي رفضت فكرة جابوتنسكي بالتعاون مع البريطانيين في الحرب العالمية الثانية.

وهكذا شكلت هذه المنظمات العناصر المكونة للأداة العسكرية النهائية للحركة الصهيونية، في الطريق إلى الاستيلاء على فلسطين وتهويدها، وشكلت خصوصاً الهاغاناه أساس جيش “إسرائيل”، ما يشكل خاتمة للجهود التي قام بها زعماء الحركة الصهيونية، وعلى الأخص جابوتنسكي في هذا السياق[21].

ختاماً، بقي أن نقول أن الجهود العسكرية الصهيونية لم تبدأ من الصفر عام 1940، بل كانت مبنية على خبرة وتجارب طويلة، ابتدأت كما لاحظنا حتى قبل الحرب العالمية الثانية. ومن الغريب، وهو ربما ما يحتاج لبحث أكبر، أن الجيش الصهيوني في النهاية اعتمد على العصابات الصهيونية التي كانت موجودة فعلاً في فلسطين واكتسبت خبراتها القيادية من قمع الفلسطينيين والتنكيل بهم، ولكن لا يمكن إنكار أن العلاقات الصهيونية الأمريكية، واستحواذ الحركة الصهيونية على نفوذ شبه مطلق في أوساط يهود أمريكا، أعطيا دفعة كبرى للجهود الصهيونية وتقوية الحركة وأدواتها العسكرية، وصولاً للاستيلاء على فلسطين وتحقيق نقلة النكبة الفلسطينية، وتأسيس الدولة الصهيونية على أنقاض المجتمع الفلسطيني ودمائه.

————-

الهوامش:
[1] مقدمة الكتاب ومعلومات النشر بالإنكليزية على هذا الرابط المستخلص في 18/كانون ثاني /يناير 2018.
[2] يرد ذكر سطحي وغير متعمق لهذه الزيارة في كتاب مارك رايدر المعنون (ناحوم غولدمان: رجل دولة بدون دولة)، حيث يتم التركيز على المفاضلة بين وضعي كل من حاييم وايزمان وديفيد بن غوريون بالمقارنة مع فولدمان، دون ذكر جابوتنسكي: Mark.A.Raider: Nahum Gogldman. Suny press. Mars 2009.
[3] كُتبت الكثير من المراجعات، اعتماداً على اطلاع مسبق على الكتاب قبل نشره؛ منها مثلاً مراجعة ديفيد إيزاك، هنا.
[4] آلون بن غال: ديفيد بن غوريون والمحاذاة الأمريكية، نص إلكتروني، هنا.
[5] “اليشوف”: مصطلح صهيوني، استخدم للدلالة على الوجود اليهودي الفردي والمؤسسي والمنظم الاستيطاني السياسي أو الديني أو غيره في فلسطين قبل إنشاء الكيان الصهيوني كـ”دولة”، ويجري أحياناً الفصل بين يشوف ديني، تحددت أغراضه بالوجود اليهودي المرتبط بفلسطين لأسباب روحية ودينية، وهو ما اصطلح عليه بـ”اليشوف القديم”، وبين المرحلة التالية لتأسيس الحركة الصهيونية والبدء في السعي للاستيلاء على فلسطين، وهي ما سُميت بـ”اليشوف الجديد”.
[6] بنيت رودا. قبل نتنياهو ضد أوباما كان هناك نتنياهو ضد روزفلت، نشر في جويش بريس، على الرابط التالي.
[7] الحريات الأربعة، تنسب إلى خطاب “الحريات الأربعة” الذي ألقاه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في السادس من كانون ثاني 1946، وحُددت فيه أربع حريات ينبغي ألا يحرم منها أي
إنسان، واعتبر أنها ستشكل أساس النظام العالمي بعد الحرب وهي: حرية الرأي، حرية العبادة، التحرر من الحاجة، التحرر من الخوف، وقد تم تضمين هذه المبادئ الأربعة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

[8] “تعقب الخطوات الصهيونية في مانهاتن بنتسيون نتنياهو، هنا.
[9] تأسست الكتيبة بجهود يوسف ترمبلدور وفلاديمير جابوتنسكي، وكان عمادها الأساسي اليهود الذين طردتهم الحكومة العثمانية من فلسطين، باعتبارهم طابوراً خامساً، وأنشأت لهم القوات البريطانية معسكرات في القاهرة والإسكندرية، وتم تكليفهم بمهمات لوجستية، حيث نقلت الكتيبة، بقيادة ضابط بريطاني إلى شبه جزيرة غاليبولي إلا أنها سرعان ما تفككت وفر مجندوها، وأعلن رسمياً عن حلها في شهر أيار 1916.
[10] ديفيد ب غرين: هذا اليوم في تاريخ اليهود: وفاة جابونسكي. هآرتس: 4أب/أغسطس 2013. يمكن قراءة المقال، هنا.
[11]الهجوم على قاعدة بيرل هاربر: نفذته مقاتلات يابانية عمادها طياران “انتحاريان” على القاعدة العسكرية الأمريكية في الميناء الذي يحمل نفس الاسم في جزيرة هاواي، وشكلت نقطة انعطاف تاريخية في مسار الحرب وإعلان الولايات المتحدة دخولها إلى جانب الحلفاء، رغم أن هناك كثيراً من الشكوك المحاطة بحقيقة أنها كانت المبرر الوحيد، نظراً لتصاعد الجدل السياسي أصلاً في الولايات المتحدة حول ضرورة شن الحرب ومساندة الحلفاء  والطموح الأمريكي للانفكاك من العزلة، وإيجاد موطئ قدم لها في استعمار ما بعد الحرب أو ما سُمي النظام العالمي الجديد. يمكن الوصول إلى القصة الأمريكية عن الحدث من هنا.
[12]  ديفيد ب غرين. سبق ذكره.
[13]  نموذج من التغطية الصحافية الأمريكية لزيارة وايزمان في صحيفة بورت سموث هيرالد، 27شباط  1940، على الرابط التالي
[14]  نموذج من التغطية الصحافية لزيارة جابوتنسكي إلى الولايات المتحدة في صحيفة مونتانا ستاندرد، رابط
[15]  اعتمد هذا القسم عموماً على نص تلخيصي لكتاب ريتشمان نشر هنا.
[16]  تم تغطية هذا الخطاب يوم 24 أكتوبر 1940 في الوكالة اليهودية، لقراءة الخطاب هنا.
[17]  انظر تفاصيل أكثر عن هذه الوقائع، من هنا.
[18]  سحر العريفي، الإرهاب الإسرائيلي: التربية العسكرية نموذجاً. شؤون الأوسط 17(بيروت: شتاء 2005) ص 160
[19]  مايكل جانسن. التنافر في صهيون: هل يمكن أن يقوم سلام في الشرق الأوسط. ترجمة كمال السيد. ط1(بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1988) ص 55
[20]  أحمد مصطفى جابر (ترجمة وتحرير). السعي للسيطرة على فلسطين: كواليس وعد بلفور وإصداراته. بوابة الهدف.
[21]  لمزيد من التفاصيل حول المنظمات والكتائب العسكرية اليهودية الصهيونية، يمكن الاطلاع على الفصل الأول من كتاب جوني منصور و فادي نحاس، “المؤسسة العسكرية في إسرائيل”، رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، ط،1 أيلول 2009.