تهدفُ عروضُ المتحف، التي تَجمعُ بين عروض الفيديو والمؤثرات الصوتية والبصرية والعروض ثلاثية الأبعاد، إلى الاحتفاء بـ”أصدقاء الصهاينة”، أي ممن خدموا المشروع الصهيوني من غير اليهود، إما من خلال الدعم العسكري المباشر، أو الدعم المادي، أو حتى عن طريق أداء الصلاة كل يوم أحد “للدعاء للربّ بأن يُعيدَ اليهودَ إلى أرضِ الميعاد”.
على بعد أمتارٍ قليلةٍ إلى الغرب من البلدة القديمة في القدس، وفي الجهة المقابلة لما يُسمّى “متحف التسامح” الذي بَنَتْهُ سلطات الاحتلال على أجزاء من مقبرة “مأمن الله الإسلامية”، وبالقرب من شارع يافا وشارع “هيلل” اللذين يستقبلان الكثير من السياح والمتجولين، افتتح عام 2015 أولُ متحفٍ تفاعليٍّ متطوّرٍ في دولة العدوّ، هو “متحف أصدقاء صهيون” (Friends of Zion Museum).
تأسس المتحف كمنصةٍ لمحاربة “حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات الدولية من إسرائيل” (BDS) ولمواجهة ما يُسمّيه العدوّ معاداة السامية في الغرب، وبتعبير المتحف “لتكريم أولئك الذين وقفوا بشجاعة مع إسرائيل من المسيحيين الأبطال والذين ساهموا في تحقيق الحلم الصهيوني في أرض الميعاد”.
تهدفُ عروضُ المتحف، التي تَجمعُ بين عروض الفيديو والمؤثرات الصوتيّة والبصريّة والعروض ثلاثية الأبعاد، إلى الاحتفاء بـ”أصدقاء الصهاينة”، ممن خدموا المشروع الصهيوني من غير اليهود، إما من خلال الدعم العسكريّ المباشر، أو الدعم الماديّ، أو حتى عن طريق أداء الصلاة كل يوم أحد “للدعاء للربّ بأن يُعيدَ اليهودَ إلى أرضِ الميعاد”.
تعتمد فكرة المتحف على تذكير الزائر، الأوروبي خاصةً والغربي عامةً، بالعلاقة الحميمة التي جمعت بين المشروع الصهيوني وأوروبا خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وللتأكيد على الترابط الديني العميق بين المشروع الصهيوني والمسيحية الغربية التي آمنت ولا تزال تؤمن أن دولة اليهود يجب أن تقام على أرض فلسطين حتى يعود المسيح.
ويضمّ المتحفُ ضمن مجلس إدارته شخصياتٍ صهيونيةً عسكريّةً وسياسيّةً معروفةً، فقد كان الرئيس الأسبق للكيان “شمعون بيرس” – قبل وفاته – رئيسَ مجلس إدارة المتحف. وفي مجلس أمنائه يخدم ضباطٌ وجنرالاتٌ سابقون في الجيش الصهيوني، مثل الوزير السابق والجنرال “يوسي بيليد”، ورئيس هيئة أركان الجيش الصهيوني سابقاً الجنرال “دان حالوتس”، والجنرال “داني ياتوم” الذي شَغلَ منصب رئيس الموساد بين عام 1999-2001، والوزير السابق البروفيسور “يعكوف نئمان”.
ويحظى المتحف بتقييم عالٍ في المواقع السياحية المختلفة، ومنها (Tripadvisor) حيث يمتدح العديد من الزائرين تطوّر المتحف التكنولوجي؛ كونه متحفاً تفاعلياً، وهو يمثل “طريقة ممتازة” لشكر من ساعد الكيان الصهيوني، حسب تعبيرهم. وعلى الرغم من بعض التعليقات التي تشير للدور الدعائيّ البارز للمتحف، والتي تواجه عادةً بردٍّ من أحد موظفي المتحف، إلا أن المتحف الذي تبلغ تذكرةُ دخوله للبالغين (44 شيكلاً) و للصغار (33 شيكلاً) لا يزال يحافظ على تقييمٍ جيّدٍ من قبل الزائرين.
في هذا المقال سنجولُ أقسام هذا المتحف من خلال الجولة الإفتراضية التي يتيحها موقع المتحف الإلكتروني، لنتعرف على أدواته ونُحلل الخطاب والرسائل التي تقف وراءه.
وتتوفر الجولة في المتحف بعدد من اللغات منها اللغة العربية، على الرغم من أن المتحف يخلو من أي شخصية عربية أو مسلمة، ساهمت في إنشاء الكيان وهم كثر. قد لا تظهر أسماء عربية اليوم، إلا أنه ومع موجة التطبيع الحالية، لن يكون من المستغرب أن نرى أسماءً عربية تظهر بمتحف أصدقاء صهيونية باسم السلام والتعايش.
مدخل المتحف
يستقبل المتحف زوّاره بصورةٍ بانوراميةٍ [1] للجانب الغربيّ من البلدة القديمة في القدس، مجرّدة من معالمها الإسلامية البارزة؛ حيث يظهر بها بشكل أساسيّ كنيسُ الخراب وكنيسةُ النياحة وكذلك مقام النبي داود عليه السّلام [2]، كما تظهر في الصورة حارات اليهود والنصارى والأرمن، بينما اقتُطِع الحيّ الإسلامي من الصورة بشكل كامل. يظهر وسط هذا المشهد الرئيس الأسبق للكيان الصهيوني “شمعون بيريس”، يرحب بزائري المتحف، وهو يتحدث عن “معجزة قيام إسرائيل”، وعن مسانديها قائلاً: “لا شيء أعظم من قضية الصداقة بين بني البشر”.
أقسام المتحف
المؤسسون Founders
في القاعة الأولى يسترجع المتحفُ الروايةَ التوراتية لولادة “الشعب اليهودي ودولة إسرائيل”، باسترجاع قصة ابراهيم وسارة والأرض التي وعدها الرب لإبراهيم وأبنائه من بعده، ليستمر السرد التاريخي للقصة لتشمل السبي البابلي، وهجوم الروم على القدس بعد الثورة المكابية وتشتت اليهود في جميع أصقاع الأرض، ولا ينسى العرض الحديث عن “حزقيال” نبي السبي، الذي وعد اليهود بأن تقام دولتهم مرة أخرى كما يحيي الرب الموتى، لتقام الدولة اليهودية مرة أخرى بدعم من الامبرطورية الفارسية، قبل أن تدمر بشكلٍ كليٍّ خلال الثورة المكابية.
هذا القسم، على الرغم من عدم حديثه عن أيّ من أولئك الذين ساعدوا اليهود عملياً في تأسيس دولة العدو اليوم، إلا أنه يضع أساساً للعروض التي تليه، فهو يقول “هذه هي بداية “إسرائيل” الحقيقية”، رابطين إياها بالرواية التوراتية وبتاريخ الأنبياء، بحسب زعمهم. وبذلك فإن ما تلا ذلك من جهود لأولئك الأبطال في مساعدة اليهود، فهو يصب في إطار “العودة إلى أرض إسرائيل”، في إشارة إلى أن تاريخ اليهود في فلسطين بشكل عام، وفي القدس بشكل خاص ممتد لآلاف السنين وليس تاريخاً طارئاً. كما أن البدء بالرواية التوراتية يدغدغ مشاعر أصحاب الفكر المسيحي الصهيوني ويذكرهم بأهدافهم.
الحالمون Dreamers
تُقدّمُ هذه القاعة قصصَ عددٍ من المسيحيين الصهاينة الأوائل، الذين يؤمنون بأن قيام دولة لليهود على أرض فلسطين جزء أساسي ومهم من عقيدتهم المسيحية. تشمل هذه القاعة شخصيات تحدثت عن عودة اليهود إلى أرض فلسطين، حتى قبل قيام ثيودور هرتزل بعرض فكرة إقامة وطن قومي لليهود في نهاية القرن التاسع عشر.
من بين القصص، قصة البروفيسور جورج بوش (1796-1859) الذي بدأ حياته كقسّ، قبل تحوّله إلى بروفيسور في اللغة العبرية والأدب الشرقي. في عام 1844 قام بكتابة كتاب “وادي الرؤية، عظام إسرائيل الجافة تعود للحياة” في إشارة واضحة إلى رؤية نبي السبي “حزقيال” عن عودة اليهود إلى أرض فلسطين. وجورج بوش هو الجدّ الأكبر لكل من رئيسي الولايات المتحدة الأمريكية الذين دخلا بحرب مباشرة في العراق، جورج بوش الأب عام 1991، وجورج بوش الابن عام 2003.
يتذكر المعرض أيضاً رجل الأعمال السويسري ومؤسس الصليب الأحمر “جون هينري دونانت” (1829-1910)، الذي حاول عام 1866، أي قبل 30 عاماً من نشر هرتزل لكتاب الدولة اليهودية، إنشاء ما سمّاه المجتمع الدولي لتجديد المشرق، حيث هدفت خطته إلى إقامة مستعمرة في فلسطين، لكي تستخدم كقاعدة لاستعمار اليهود في فلسطين و”تحرير” الأرض من الإمبراطورية العثمانية.
وبعد فشل خطة دونانت قام عام 1867 بإنشاء مؤسسة استعمار فلسطين، ولم تنجح المؤسسة بالاستمرار طويلاً، أو تنفيذ أي من مشاريعها، ولكنها نجحت في لفت أنظار ثيودور هرتزل الذي قام لاحقاً بدعوة دونانت للمشاركة بالمؤتمر الصهيوني الأول، ليكون واحداً من القلة المختارين من غير اليهود الذين تمت دعوتهم للمؤتمر، وليكون دونانت أول من أُطلق له وصف “المسيحي الصهيوني” من قبل هرتزل. قدّم دونانت أيضاً خطةً لتطوير الساحل الفلسطيني لتشجيع استعمار الساحل من قبل اليهود الأوروبيين، إلا أن مشاريعه الصهيونية الاستعمارية لم تر النور. وقد احتفت به سلطات الاحتلال بإطلاق اسمه على إحدى الحدائق الاستعمارية التي أنشأتها في القدس بعد النكبة، وتحديداً تلك الواقعة بالقرب مما يُسمى اليوم “جبل هرتسل” على أراضي قرية عين كارم.
أصحاب الرؤيا Visionaries
في مدخل هذه القاعة جدارية مرسومة من قبل فريق من الفنانين على عدد من الشاشات المتصلة ببعضها البعض، والتي تعرض الحركة والنصوص في حال لمسها. يعتبر هذا العرض تكميلياً لقاعة العرض الثانية حيث تستمر هذه القاعة بعرض قصص مسيحيين صهاينة آمنوا وعملوا من أجل “إعادة توطين اليهود” في فلسطين.
نُشاهِد في اللوحة شخصيات عدة تنوّعت خدماتهم للقضية الصهيونية، مثل عالم الآثار التوراتي الأمريكي “إدوارد روبنسون” الذي قام باكتشافات عديدة ذات علاقة “بالتاريخ اليهودي”، كما يدعون، في فلسطين والقدس من ضمنها ما يعرف اليوم بقوس روبنسون[3]. وتعتبر المؤسسة الصهيونية اكتشافات روبنسون محفزاً لإعادة اهتمام العالم الغربي المسيحي بأرض فلسطين.
كما يجد الناظر في الجدارية نائباً في البرلمان البريطاني من المدافعين عن الصهيونية، مثل “جوساياه ويدوود الرابع” الذي اعترض على الكتاب الأبيض الذي حدّ من هجرة اليهود إلى فلسطين، كما أيد بشدة تسليح الصهاينة في فلسطين. كما نجد معلومات عن الملكة البريطانية فيكتوريا التي قامت بإنشاء صندوق استكشاف فلسطين؛ أول مؤسسة أسست لدراسة فلسطين وشعبها وأرضها مقدمة معلومات مهمة للمؤسسة الاستعمارية الصهيونية. وتشمل الجدارية أيضاً وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور نفسه، ورئيس وزرائها لنفس الفترة “دافيد لويد جورج”. كما يظهر رئيس وزراء بريطانيا لاحقاً “وينستون تشرشل”، وأيضاً الرئيس الأمريكي الأسبق “ويدرو ويلسون” الذي دعم وعد بلفور بقوة.
كما يظهر أيضا بالجدارية “أنتوني آشلي كوبر”، الذي نجح بإقناع الحكومة العثمانية أن وجود اليهود في فلسطين سيعود بالفائدة الاقتصادية على الإمبراطورية العثمانية، كما نجح بإقناع الحكومة البريطانية بافتتاح قنصلية بالقدس، والتي قامت ومنذ تأسيسها بالعمل لخدمة المشروع الصهيوني عن طريق تغيير نظرة الحكومة البريطانية للشرق الاوسط وعلاقتها به.
كما يتعرف الزائر على القس الألماني “ويليام هنري هشلر“، الذي قام بجمع عدد من المسيحيين الروس لمساعدة اليهود في الهجرة إلى فلسطين قائلاً إن “عودة اليهود تصبح نعمة لأوروبا، وتضع حدّاً لروح الكراهية ومعاداة السامية والتي تضرّ كثيراً برفاهية الشعوب”.
“أضواء في العتمة”
تخصصُ هذه القاعة هو الحديث عن أولئك الذين ساعدوا اليهود في وسط “عتمة المحرقة النازية”، إذ تعرض رسوماً متحركةً تروي قصص مسيحيين غربيين، قاموا بإنقاذ يهود خلال حرب هتلر وألمانيا النازية في أوروبا في بداية أربعينات القرن الماضي، ممن يوصفوا بـ”الصالحين بين الأمم”، وهو مصطلح اعتمده الكيان الصهيوني لوصف غير اليهود الذي قاموا بمساعدة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وهم في أغلب الأحيان لم يكونوا صهاينة، ولكن مجرد أشخاص معارضين لسياسات النازيين الوحشية.
يروي فيلم الرسوم المتحركة قصة “أوسكار شندلر”، رجل الأعمال الألماني الذي أراد في البداية استغلال اليد العاملة اليهودية الرخيصة في معسكرات الاعتقال، ليجد اليهود في مصانعه ملجأ من القتل والتعذيب، ولينفق جميع أمواله لإنقاذ اليهود من قطارات الموت النازية. كما نتعرف على قصة الممرضة البولندية “ايرينا ساندلير” التي قامت بتهريب أطفال اليهود من “جيتو وارسو” وإيداعهم في بيوت الأيتام المسيحية والأديرة والعائلات المسيحية لحمايتهم من النازيين.
يستمر الفيلم الكرتوني ليروي قصة “شيون سويجار” القنصل الياباني في ليتوانيا الذي قام بإصدار آلاف التأشيرات لليهود الهاربين من جحيم النازية، حيث قام بإصدار أكثر من ست آلاف تأشيرة على الرغم من قرار الحكومة اليابانية بعدم إصدار أية تأشيرة لمن لا يملك تأشيرة دخول إلى بلد آخر.
يروي الفيلم أيضا عائلة “بوم” الهولندية، التي قامت بتوفير الحماية لعائلة الروائية اليهودية “آنا فرانك“، لينتهي الفيديو بقصة الدبلوماسي السويدي “راؤول فالنبرج“، الذي قام بإنقاذ عشرات الآلاف من اليهود في هنجاريا، عن طريق إسكان اليهود في عقارات قام بشرائها كعقارات دبلوماسية سويدية، أو هكذا أقنع النازيين، كما كان يعتلي القطارات المتوجهة إلى معسكرات الاعتقال ويقوم بتوزيع جوازات سفر سويدية ومنهم يطالب الألمان بالافراج عن مواطنيه السويديين.
تجدر الإشارة إلى أن رواية قصص الأوروبيين الذين قاموا بمساعدة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية ووضعهم في الإطار المسيحي الصهيوني على الرغم من أن المذكورين لم يكونوا بالضرورة صهاينة أو حتى مسيحيين في بعض الاحيان، إنما هو تلاعب على مشاعر الأوروبيين وشعورهم بالذنب من الحرب العالمية الثانية وعلاقاتهم مع المجتمعات اليهودية حينها، وتوظيف ذلك لترويج الدعاية الصهيونية.
الشجعان
تأتي هذه القاعة لتروي قصصاً من خدم المشروع الصهيوني عسكرياً، وهي قاعة مغلفة بالظلام والضوء الخافت، ليظهر في حال دخول الزائر جسد بحجم الإنسان الطبيعي على شاشة فيديو معلقة على الحائط تبدأ بسرد قصتها ودورها في دعم المشروع الصهيوني عسكرياً في فلسطين.
من الشخصيات التي يظهرها المتحف بهذا العرض، ضباط بريطانيون وفرنسيون، والرئيس الأمريكي الأسبق “هاري ترومان” الذي اعترف بدولة الاحتلال مباشرة على الرغم من نصح وزير خارجيته بالتروي. ومن أهم المذكورين أيضاً الجنرال الفرنسي “ماري بيير كوينج”، قائد “الفرنسيين الأحرار” في شمال إفريقيا، الذي قاد في معركة “بيرت حكيم” في ليبيا عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية كتيبةً يهوديةً قادمةً من فلسطين، والتي كانت جزءاً من الجيش البريطاني حينها، وكان أول جنرال يقدم التحية العسكرية لعلم الصهاينة الذين حاربوا إلى جانب قواته.
يشمل العرض أيضاً قصة الميجر البريطاني “أورد وينجيت”، الذي أثناء خدمته كضابط استخبارات في فلسطين ساهم في إنشاء ما يعرف بقوة الليل الخاصة من متطوعين من الهجاناه، حيث شكّل “وينجيت” القوة ودرّبها وقام بقيادتها، وحتى شاركهم في دورياتهم وهجماتهم على القرى العربية المختلفة، لا سيما القرى القريبة من خط النفط الواصل من العراق إلى حيفا. وفرض “وينجيت” مع قواته من عصابات الهجاناه العقاب الجماعي الوحشي على القرى العربية مساهماً في قمع الثورة العربية 1936-1939. يعتبر “وينجيت” من أبطال المشروع الصهيوني، حيث قال عنه “موشيه ديان” و “زفي برينر”: “لقد عَلَّمَنَا وينجيت كلَّ ما نعرفه”.
يمكنكم الاستماع إلى محاضرة من محاضرات الجامعة الشعبية عن “أورد وينغت” هنا.
جائزة “أصدقاء صهيون”
وفي إطار نشاطاته لتكريم “أصدقاء صهيون” يقوم المتحف أيضاً بتقديم الجوائز للزعماء والقادة والأفراد الذين دعموا ولا زالوا يدعمون المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، وذلك تحت اسم “جائزة أصدقاء صهيون”. في سنة افتتاح المتحف 2015، كان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن أول المستلمين لهذه الجائزة، ليتبعه في عام 2016 أمير موناكو ألبيرت الثاني، وفي عام 2017 رئيس بلغاريا السابق “روسين بلفينليف”، وغيرهم.
وفي كانون الثاني الماضي سلّم رئيس المتحف مايكل ايفانس جائزة متحف أصدقاء صهيون للرئيس الامريكي دونالد ترامب ، وذلك في 11/12/2017، بعد أيام قليلة من خطاب ترامب الذي اعتبر القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وحضر اللقاء كلٌ من نائب الرئيس الأمريكي الذي “يعتبر نفسه جزءاً من المسيحية الصهيونية” وعددٌ من فريق ترامب الرئيسي المكوّن بشكل أساسي من المسيحيين الصهاينة.
مؤسس المتحف “مايك إيفانس”
يعتبر مؤسس المتحف، مايكل دايفد إيفانس المولود في سبرينج فيلد ماسوشوتيس عام 1947 نفسه صهيونياً مسيحياً، وُلِدَ لأمٍّ يهودية وأبٍ مسيحي مهاجرين من الاتحاد السوفيتي. يدعي مايكل أنه وهو في الحادية عشرة من عمره حاول إيقاف والده عن ضرب أمه، فتحوّل والده إلى ضربه حتى فقد الوعي، ويدّعي أنه “رأى المسيح وهو فاقد للوعي”، وأنه “وعده بمستقبل مهم”. بعد إنهاء خدمته العسكرية، انتقل مايكل إلى تكساس حيث حصل على شهادة من جامعة انجليكانية، وتزوّج بعدها من كارولين.
ولإيفانس ظهور دوريّ في المؤسسات الإعلامية المسيحية الافنجيلية. وخلال حياته نشر 71 كتاباً مختلفاً، خصص العديد منها للدفاع عن الكيان الصهيوني، وقد أنتج 18 فيلماً بناءً على ما كتب في تلك الكتب. وقد حملت تلك الكتب عناوين “صفراء” برّاقة تثير اهتمام المسيحي الصهيوني الأبيض الحالم بمعركة نهاية العالم، من مثل “أيها الشيطان لن تسيطر على وطني”. ويحمل كتابٌ آخر، وربما تعليقاً على السياسات الأمريكية الخارجية، عنوانَ: “الحرب مع إيران النووية، مهمة الإسلام الراديكالي لمحو إسرائيل”. وكتاب آخر بعنوان:”الخطوة النهائية بعد العراق، الحل الأخير بينما ينام العالم”. ووفي محاولة أخرى – فاشلة – لإعادة كتابة التاريخ كتاب آخر بعنوان: “كريستوفر كولومبوس يهوديٌّ سراً”.
وفي العام 2002 أسس “إيفانس” ما يُعرَف بـ”فريق القدس للصلاة”، وهي المؤسسة التي قامت بجمع التبرعات لبناء المتحف في القدس. تهدف المجموعة حسب ما يعلن موقعها على الإنترنت إلى جمع التبرعات لبناء “متحف أصدقاء صهيون” وللدفاع عن اليهود وحمايتهم، ولدفع عشرة ملايين شخص “للصلاة لإسرائيل والقدس” يومياً. يهدف “الفريق” أيضاً كما تسمّيه المؤسسة، إلى “توفير الدعم الذي يحتاجه اليهود في أرض إسرائيل”، مثل توفير الملابس والأغطية والبيوت للمحتاجين من اليهود فقط.
كما تهدف المؤسسة للوصول إلى 250 ألف منزل، ليصلّوا لسلام الصهاينة في القدس أسبوعياً. تجدر الإشارة إلى أن هناك اكثر من 20 مليون متابع لصفحة المؤسسة على الفيسبوك.
وفي العام 2016، وبخطوة علاقات عامة مستهلكة، نشر “مايك إيفانس” رسالة مشتركة مع بابا الفاتيكان فرانسيس والرئيس الصهيوني السابق شمعون بيرس ضدّ ما أسمّوه “العنف باسم الدين”، على الرغم من أن الرسالة تهاجم العنف باسم الدين بشكل عام إلا أنه من السهل استنتاج أن الرسالة كانت موّجهة ضدّ الحركات الإسلامية في فلسطين والمحيط العربي.
بالإضافة إلى متحف أصدقاء صهيون، يدير مايكل عدداً آخر من المؤسسات المسيحية الصهيونية، مثل تان بوم فيولوشيب (Tan Boom Fellowship)، بعد أن قام بشراء منزل “كاري تان بوم” في هولندا، وبدأ بإصلاح المنزل ليصبح متحفاً يروي قصة عائلة “بوم” المسيحية الهولندية التي قامت بإنقاذ أكثر من 800 من اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
الخاتمة
تطوّرت المسيحية الصهيونية (أو المسيحية الإفنجيلية) مما يُعرَف بالمسيحية التصحيحية التابعة للبروتستانية التي دعت إلى عودة اليهود إلى أرض الميعاد، وتعتبر المسيحية الصهيونية “عودة اليهود إلى أرض الميعاد وتأسيس إسرائيل نبوءة وردت في العهد الجديد”، وأن ذلك “يُمهد الطريق لعودة المسيح”.
تعتبر علاقة التأثير بين المسيحية الإفنجيلية والكيان الصهيوني علاقة مصالح وتأثيرات متبادلة، فعلى الرغم من أن المسيحية الإفنجيلية تعتبر جميع اليهود من الكفار وأن وجودهم في أرض الميعاد ليس إلا عاملاً مسرّعاً لعودة المسيح، إلا أنهم يحظون بتعاون كبير داخل الكيان الصهيوني خصوصاً من اليمين الصهيوني، ويحاولون من خلال هذه العلاقات التأثير على السياسات الصهيونية الداخلية لتتبنى أجندات أكثر تشدداً من الناحية الاجتماعية، وأكثر تقبلاً للحركات التبشيرية داخل المجتمع الصهيوني. نجد تبعاً لذلك تسامحاً صهيونياً مع حركات ومنظمات تبشيرية مختلفة مثل منظمة العهد، وأجنحة النسور ومنظمة السفارة المسيحية العالمية، بنفس الوقت تقدم تلك الحركات أجندات محافظة في أوساط الصهاينة مثل منع الإجهاض أو رفض المثلية الجنسية.
بنفس الوقت، يستخدم الكيان الصهيوني تأثير أكثر من 285 مليون إفنجيلي حول العالم، 91 مليون منهم يمثلون 26٪ من قوّة الانتخاب في الولايات المتحدة الأمريكية. وكما أن لديهم قوّة في التبشير للصهيونية المسيحية خصوصاً في الولايات المتحدة وامتدادها في البرازيل وإفريقيا.
وقد تأرجحت علاقة المسيحية الصهيونية بنظام الحكم في الولايات المتحدة، فارتفعت أيام حكم رونالد ريجان، لتعود لتنخفض خلال حكم بيل كلينتون، لترتفع من جديد خلال حكم جورج بوش الابن الذي اعتبرت فترة حكمه فترة صعود المحافظين الجدد الإفنجيليين، ولكنها تدنت مرة أخرى خلال فترة حكم أوباما، لتعود من جديد بوصل ترامب للبيت الأبيض ونائبه الداعم المتحمس للصهيونية المسيحية مايك بنس.
الهوامش
[1] في زيارة سابقة للموقع الإلكتروني للمتحف، كانت في استقبال الزوّار صورة بانورامية مختلفة للقدس، ظهرت فيها قبة الصخرة المشرفة وأجزاء من المسجد الأقصى المبارك.
[2] مقام النبي داوود الذي يستعمل اليوم ككنيس وتؤدى فيه الصلوات اليهودية.
[3] الاسم الذي أطلق على اكتشاف أثري لعالم الآثار الأمريكي “ادوارد روبنسون” والذي يدعي أنه اكتشف بقايا جسر وقوس يؤديان إلى “الجزء العلوي من الهيكل الثاني”.
المراجع:
– اعتمد بشكل أساسي على موقع المتحف: http://www.fozhc.net/
– يمكن مراجعة هذه الدراسة عن المسيحية الافنجيلية هنا.
*هناك الكثير من الروابط (هايبر لينك) في النص يمكن الرجوع إليها.