في هذه المادة القصيرة نتحدث عن الطائرة الأمريكية التي انضمت مؤخراً إلى أسطول سلاح الجوّ الصهيوني، وهي طائرة F-35، يما يشمل الحديث عن أهم ما يميز هذه الطائرة من قدرات عملياتية، وما رافق صناعتها وصفقة شرائها من جدل أمريكي وصهيوني.
في هذه المادة القصيرة سنتحدث عن الطائرة الأمريكية التي انضمت مؤخراً إلى أسطول سلاح الجوّ الصهيوني، وهي طائرة F-35، يما يشمل الحديث عن أهم ما يميز هذه الطائرة من قدرات عملياتية، وما رافق صناعتها وصفقة شرائها من جدل أمريكي وصهيوني.
تُقسم الطائرات المقاتلة بشكل عام إلى أربعة أقسام رئيسية: أولاً: الطائرات المقاتلة (Fighter Aircraft) والتي تختص بمواجهة الطائرات الأخرى في السماء أو ما يسمى بالمعارك الجوية (Dog Fights)، وثانياً: طائرات الهجوم الأرضي والتي تُعنى بعمليات القصف على أهداف أرضية (Bomber Aircraft)، وثالثاً: طائرات التفوق الجويّ، ورابعاً: الطائرات المختصة بالحرب الإلكترونية، والتي توفر بنية قيادة وسيطرة جوية، كطائرات التجسس.
أما طائرة الـ F-35، فإنها تتميز بأنها جمعت بين القدرات المتعددة التي تقوم بها هذه الأنواع الأربع المختلفة من الطائرات، بما يشمل القدرات الهجومية والاعتراضية، والقدرة كذلك على توفير تغطية جويّة للقوات الأرضية. وقد أطلق على هذه الطائرة اسم “المقاتلة المشتركة الهجومية” (Joint Striker Fighter) لما يتضمنه تصميمها من دمج لتكنولوجيات مختلفة متوافرة في الطائرات المقاتلة على مختلف أنواعها. ويعتبر مشروع بناء الطائرة F-35 أكبر مشروع صناعيّ عسكريّ، وأكثرها كلفة في تاريخ البشرية، إذ قُدّرت التكلفة الإجمالية لهذا المشروع بما يزيد عن ألف بليون دولار أو ما يوازي تريليون دولار أمريكي.
عن مشروع صناعة الطائرة
في العام 1997 تم اختيار شركة “لوكهيد مارتن” واحدة من بين شركتين للمشاركة في التنافس على عقد مع وزارة الدفاع الأمريكية لإنتاج الطائرة. فيما بعد تم اختيار التصميم الذي قدمته الشركة، والذي استطاع محاكاة المفهوم التصميمي للطائرة في العام 2001 من خلال نموذج أوليّ.
وقد وفّر مشروع العمل على هذه الطائرة فرص عمل لما يقارب 130 ألف عامل، وقد توّزعت عملية صناعتها في أكثر من 9 دول، هي: تركيا، الولايات المتحدة، واستراليا، والمملكة المتحدة، وكندا، وإيطاليا، والدنمارك، وهولندا، والنرويج. وقامت هذه الدول بصناعة جميع القطع اللازمة للطائرات لجميع الطائرات وليس تلك التي تتصل بطائراتها فقط. كما يوجد مصنعان لهذه الطائرة خارج الولايات المتحدة، واحدٌ في إيطاليا، والثاني في اليابان، وهما مكلّفان بعملية التجميع النهائي.
وقد أتت عملية التصنيع العالمي الجماعية هذه لربط تلك الدّول بقطاع الصناعات العسكرية الأمريكية وخلق بنية تحتية عالمية لصناعات القوة الجوية، بحيث تُعطى الدول المشاركة امتيازات عن الدول الأخرى، ويتاح لها اطلاعٌ واسع على أنظمة التشغيل والخوارزميات المرتبطة بالطائرة.
على الرغم من الترويج الضخم لمشروع صناعة هذه الطائرة، إلا إنها عانت من عدة إشكاليات تصميمية، وقد فاقت تكلفة البرنامج الميزانيات المخصصة، حتى وصل الأمر بالرئيس المنتخب دونالد ترامب الدعوة لإلغاء البرنامج وتخفيض الصرف العسكري من خلال تغريدة على موقع تويتر. كما أن مرحلة التصنيع لهذه الطائرة طالت أكثر من المتوقع، فقد كان من المفروض أن تدخل حيز الاستخدام في العام 2010، بينما الوضع الحالي يبشر بأن الاستخدام لها لن يكون قبل 2019. وللتغطية على ذلك، حاولت شركة “لوكهيد مارتن” ترويج الطائرة من خلال إطلاق لقب طائرة “الجيل الخامس” عليها، والتركيز على إظهار بعض قدراتها الحديثة، والإشارة إلى دمجها لتكنولوجيات متوافرة في طائرات أخرى في بنية هندسية واحدة.
مميزات الطائرة
عند النظر إلى الطائرات المقاتلة، يجب الانتباه الى كونها منظومة كاملة، بل هي أنظمة تشغيل وخوارزميات وأنظمة تحكم وسيطرة وتكنولوجيات حديثة، وتمتلك أدوات في الحرب الالكترونية وبنية تحتية عالمية اقتصادية. وعادة ما تشكل منظومات الأسلحة وسيلة لتدعيم العلاقات والتعاون بين الدول وخاصة مع مراكز الصيانة في تركيا وبريطانيا وإيطاليا.
أهم ما تملكه طائرة الـ F-35 هو قدرتها على الاختفاء من الرادارات، والقدرات الالكترونية المرتبطة بأنظمة تُسهِّل عملية ملاحقة أهداف في الجو وعلى الأرض في نفس الوقت، وتساهم في خلق وعي مكاني لدى الطيار بحيث يستطيع الطيار رؤية المجال الجويّ على مدى 360 درجة. وتلعب خوذة الطائرة دوراً مهماً في تجميع وعرض المعلومات اللازمة في لوحة واحدة، وتصل تكلفة الخوذة وحدها إلى 400 ألف دولار.
أما نظام المعلومات اللوجستية (ALIS)، فإنه يوّفر الإمكانية لمشغل الطائرة بالتخطيط لعمليات الصيانة وإدامة النظم المستخدمة على مدى دورة حياة الطائرة وأنظمة تشغيلها. ويُشكّل نظام (ALIS) العمود الفقري لتكنولوجيا المعلومات والقدرات لالتقاط مستمر وتحليل جاهزية جميع الطائرات.
وقد صممت الطائرة بعمر يصل إلى خمسين عاماً، ويتوقع استمرار استخدامها إلى العام 2070. وبالطبع هناك العديد من المميزات الأخرى التي لم يتم الإعلان عنها لأنها تعدّ سرية، وما زالت الطائرة تخضع لعملية تطوير مستمرة، وتفتقر لعناصر أخرى من المفترض أن يتم الانتهاء منها بحلول العام 2019.
وفي هذا السّياق، يحذر أحد الباحثين في معهد أبحاث الامن القومي الصهيوني من أن هذه الطائرة التي استقبلت بحفاوة كبيرة، ليست طائرة الأحلام السحرية، وأن هناك خلاف حول فعالياتها وقدراتها التكنولوجية والعملياتية، وقد أثارت جدلاً حولا كفاءتها في الدول الغربية وفي الدولة المصنعة أمريكا. ومن بين ما أثير أن هناك أعطال تصيب الطائرة أثناء تحليقها، بينما يدعي مصنعوها والمدافعون عنها أنه تم تصليح هذه الأعطال، وأن هذا الأمر طبيعي في عملية تصنيع أي سلاح، أي أن هناك أعطال تحصل دائماً ويتم التعلّم منها وتصليحها.
السياق الذي وُلِدت فيه هذه الطائرة
تنبع أهمية المرونة التي تتمتع بها الطائرة من السياق الذي تحارب فيه الولايات الأمريكية المتحدة في القرن الواحد والعشرين، ومن التحديات التي توّاجهها في هذا السياق. ويمكن استخدام طائرة الـ F-35 في سياق الحرب الدائرة حول النفوذ السياسي والعسكري في المحيط الهادىء، والعلاقة الآخذة بالتطور مع الصين، أو من خلال التدخل في حملات عسكرية صغيرة أو غير تقليدية كتلك التي طرأت في العراق وأفغانستان، وذلك ضمن مفاهيم عسكرية تُعنى بمكافحة التمرد والحرب اللامتكافئة أساساً.
وحين قام وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس بإلغاء العقود المتصلة بتطوير طائرة الـ F-22، والتركيز بدلاً عن ذلك على تطوير طائرة الـ ،F-35 كان أهم أسباب التغيّر في أولويات المشتريات في وزارة الدفاع هي المرونة التي تتمتع بها طائرة الـ F-35 وقدرتها على القيام بعمليات متعددة الأدوار على خلاف طائرة الـ F-22.
وبالعودة إلى جذور طائرتي الـF-22 وF-35، فقد نشأت الحاجة لتطوير هاتين الطائرتين من ضرورات الحرب الباردة، وتمت عملية التصميم في حينه في إطار الصراع الدائر ما بين قوّتين عالميتين ضمن معادلة تنافر إيديولوجي وصناعات عسكرية تتنافس على عرش تحديد معالم النظام العالمي. والطائرتان متشابهتان في المظهر الخارجي، وقد كانت الفروقات ما بينهما موضع جدل ونقاش واسع في الدوائر المعنية في وزارة الدفاع الأمريكي، خصوصاً أن الميزانيات المتاحة لتطوير أيّ منهما ترتبط أيضا بسياق البنية السياسية الأمريكية والحاضنة الصناعية في الولايات الأمريكية، وما يعنيه ذلك من فرص عمل لكم هائل من المواطنين.
وبينما تم تصميم طائرة الـF-22 للقيام بعملية ترتبط أساساً بمهمة ضمان التفوق الجوّي (مصممة للدخول والسيطرة على المجال الجوي وتحقيق الهيمنة الكاملة للقوات الجوّية على القوات الجوّية للعدو)، فقد صُممت طائرة الـF-35 للقيام بعمليات متعددة تتجاوز مهمة التفوق الجوّي، فطائرة الـF-35 هي مقاتلة متعددة المهام، مما يعني أن تصميمها يضحي في بعض المناحي على صعيد كل مهمة مختصة من أجل أن تكون قادرة على أداء أدوار ومهمات أخرى.
الحركة الصهيونية و طائرة ال F-35
قدّم كيان الاحتلال طلباً للحصول على هذه الطائرات الأمريكية الصنع لأول مرة في العام 2008، وكان الطلب يتضمن 33 طائرة من ذات النوع. وفي نهاية العام المنصرم، وقبل وصول أول طائرتين من هذا النوع إلى الكيان، طلب سلاح الجوّ المزيد من هذه الطائرة، ليصبح المجموع الكلي الطائرات المطلوبة هو 50 طائرة ستنضم إلى سلاح الجو الصهيوني. وستدفع قيمة الـ33 طائرة الأولى والتي تبلغ 5.57 مليار دولار، من المساعدات الأمريكية العسكرية التي أقرت للكيان الصهيوني في أيلول الماضي بقيمة 38 مليار دولار أمريكي.
وقد تأخرت الطائرة الأمريكية F-35 في الوصول إلى سلاح الجو الصّهيوني في فلسطين المحتلة، وذلك بفعل تأجيلٍ اضطراريّ لصعوبة الظروف الجويّة التي عصفت بإيطاليا وأثرت على القواعد العسكرية الأمريكية، حيث كانت تلك القواعد في إيطاليا محطة توقف في مسار تلك الطائرات من الولايات المتحدة وصولاً إلى القاعدة العسكرية الصهيونية الجوية في النقب المحتل “نيفاتيم”.
صعوبة الظروف الجوية وتأخر وصول الطائرات وتأجيل الاحتفالات التي كان مخطط لها في القاعدة العسكرية، كل هذه العوامل ساعدت في إيجاد الوقت الكافي للجدال حول هذه الطائرة وعملية صناعتها وكلفتها العالية. فبالرغم من الحديث المنتشر حول الطائرة وقدراتها الجديدة، إلا أن البرنامج الذي خلّف تكاليف مرتفعة وجدلاً واسعاً لا يشكل من حيث القدرات المعلنة نقلة نوعية حقيقية في الحروب الدائرة في المنطقة خصوصاً بالعلاقة مع الحرب في كل من لبنان وغزة.
وبالرجوع إلى السياق الذي يحارب فيه الكيان الصهيوني، نذكر أن الحركة الصهيونية تمتعت بتفوّق جويّ ملحوظ منذ بدايات تطوير سلاح الجوّ الصهيوني في بدايات القرن العشرين. وقد استطاعت الحركة الصهيونية من خلال القوّة الجوية تحييد قدرات الدول العربية النظامية في صراعات متتابعة، والاشتباك بفاعلية هائلة ساهمت في حسم المعارك والحروب منذ العام 1948 وحتى العام 1973 وصولاً إلى الحروب الجوّية فوق أراضي لبنان في العام 1982.
وفي مقابل ذلك، طوّرت المقاومة قوّة عسكرية مبنية على أساس تحييد القوّة الجوية المعادية وليس بالتحدي المباشر لها. أي أن المفهوم الذي عملت عليه المقاومة الفلسطينية واللبنانية وغيرها استند إلى إمكانية خوض الحرب من خلال مجموعة من الأدوات التي تجعل من التفوق الجوي الصهيوني عاملاً غيرَ حاسمٍ في سير المعارك العسكرية أو تضع عليه قيوداً وحدوداً واضحة.
وقد تمّ ذلك من خلال بنية عسكرية تحتية مرتبطة بمنظومة من الأنفاق والمخابىء، ومن خلال خلق معادلات ردع متبادل بفضل الصواريخ محلية الصنع والمستوردة، وبذلك أصبحت المفاهيم العسكرية التي خدمت المشروع الصهيوني في بداياته غير صالحة في معارك الكيان الجديدة. في بداياتها استندت الحركة الصهيونية على مفاهيم كـ”المناورة العسكرية”، بحيث تدمج العمليات العسكرية ما بين الأذرع العسكرية المختلفة وتُستخدم القوة الجوية في عمليات اعتراضية وتوفير تغطية جوية للقوات البرية.
في المقابل، فإن المعادلة التي صنعتها المقاومة أجبرت الكيان على استخدام القوّة الجوّية في عمليات جوية مستقلة (Independent airpower)، بحيث أصبحت معظم العمليات العسكرية المرتبطة بسلاح الجو تبحث عن أهداف ومنظومة عمل ومفاهيم ترتبط بإخضاع الحاضنة الشعبية للمقاومة من خلال تدفيعها ثمناً باهظاً. ومن هنا خرجت علينا “عقيدة الضاحية” وعمليات التدمير لأبراج سكنية في غزة وهدم البيوت جوياً. وفي هذا الإطار، يُعزى في الأدبيات العسكرية المتعلقة بالدروس المستفادة من حرب لبنان فشلها للاعتمادية الهائلة على التكنولوجيا والقوة الجوية في حسم معارك لا يمكن حسمها إلا من خلال قوة عسكرية أرضية ذات فعالية عالية.
باختصار، فإنّ وصول طائرات الـ F-35 للكيان لا يعني تغييراً حقيقياً في طبيعة المواجهة العسكرية ما بين المقاومة والكيان، بل يعني فقط أن المشروع الصهيوني قد استقر على شراء طائرات الـF35 وليس على امتلاك طائرات الـ F16 المحدثة. وقد وقع ذلك الاختيار بناءً على أسس مختلفة، أولاً: المساعدات العسكرية الأمريكية، وانعدام إمكانية شراء طائرات من دول أخرى. ثانياً: قرب انتهاء صلاحية الطائرات الحربية لدى الكيان، خاصة طائرات الـ F16 التي استوفت طاقتها الحربية بعد أن خدمت لمدة 12 عاماً على الأقل، وطائرات الـ F15 التي يعود تاريخها إلى سبعينات القرن الماضي، وثالثاً: خلق تصورات مرتبطة بمنظومة الردع من خلال امتلاك طائرة من “الجيل الخامس” وامتلاك التكنولوجيا المرتبطة بها.
ولا يمكن حسم إذا ما كان لهذه الطائرات تداعيات جديٰة على الملف الإيراني وقدرات الكيان في ضرب المفاعلات النووية، إذ أن العديد من الأدبيات المتخصصة في دراسة الطائرات تتحدث عن افتقارها للقدرة على القيام بعمليات جويّة تضمن التفوق الجوي ومجابهة أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات أو القيام بعمليات اختراق عميق بعيدة المدى.