أعلن جيش الاحتلال عن اكتمال التدريب الأمريكيّ الصهيونيّ المشترك لعملية الانتشار السريع، والتي يقوم عليها نظام الدفاع الجويّ النهائيّ للارتفاعات العالية، أو ما يُعرف بمنظومة “ثاد” الصاروخيّة الدفاعيّة. حول هذه المنظومة ومنطقها وآلية عملها، مقالٌ لأحمد النمر.
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيليّ، في الأوّل من نيسان الجاري، عن اكتمال التدريب الأمريكيّ الصهيونيّ المشترك لعملية الانتشار السريع، والتي يقوم عليها نظام الدفاع الجويّ النهائيّ للارتفاعات العالية (أرض-جو)، (Terminal High Altitude Area Defense)، أو ما أصبح يُعرف بمنظومة “ثاد” الصاروخيّة الدفاعيّة، (THAAD)، بعد مرور شهرٍ كاملٍ من الإعلان عن بدء الانتشار السريع للمنظومة في دولة الكيان.
وكانت قيادة القوات الأمريكية قد أعلنت عن بدء عملية الانتشار في الرابع من آذار من العام الحالي، في بيانٍ رسميٍّ لها صدر عقب وصول منظومة الـ “ثاد” إلى الكيان، مؤكدةً أنّ عملية الانتشار السريع، والتي تحدث للمرة الأولى، هي مثالٌ حيٌّ على التزام الولايات المتحدة الأمريكية بأمن الكيان الصهيوني، كجزءٍ من مفهوم وزارة الدفاع الامريكية، ومنطقها، للتوظيف الديناميكيّ للقوات العسكريّة.
وخلال تدريب عملية الانتشار، تمّت دراسة القدرات الأساسية للنظام، بدءاً بالآليات نفسها، والقوات العاملة وقدرتها على التواصل والتعاون مع أقرانها في جيش الكيان، وتمّ نقل المنظومة إلى أماكن مختلفةٍ في فلسطين المحتلّة للتدرّب على العمليات المختلفة لتعزيز منظومة الدفاع الصاروخيّة العاملة في الكيان وبنيتها التحتيّة. حيث رُكِّبت المنظومة في قاعدة “نيفاتيم” الجويّة، بالقرب من بئر السبع، قبيل نقلها إلى موقعٍ مجهولٍ في صحراء النقب. كما تجدرُ الإشارة هنا إلى أنّ رادار “إكس باند” (X-band) التابع لمنظومة الـ “ثاد” قد رُكِّب في قاعدة “نيفاتيم” العسكريّة في العام 2008.
وتعتمد منظومة الدفاع الجويّ الأمريكية، كما منظومة الدفاع الجويّ الصهيونيّة، على ثلاث طبقاتٍ من “قبب” الحماية الجويّة؛ الأولى، منظومة الدفاع قصيرة المدى (SHORAD)، والمبنيّة على مجموعةٍ من التكتيكات العسكريّة والمنظومات المضادّة قصيرة المدى، والمُصمّمة ضدّ الأهداف الجويّة الصغيرة وقصيرة المدى، مثل طائرات المروحيّة وطائرات الارتفاع المنخفض والصواريخ قصيرة المدى، وتشمل منظومة صواريخ الـ “افنجر” و”ستنجر” المحمولة على الكتف، والآليات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن الرشاشات الآليّة ذات عيار 50 ملم. ويُمكن الإشارة هنا إلى أنّه لا توجد منظومةٌ متخصّصةٌ للدفاع ضدّ الصواريخ قصيرة المدى كالقبّة الحديديّة التي بدأ العدوّ تطويرها في عام 2005، والتي أظهرت محدوديتها في التصدّي لصواريخ المقاومة قصيرة المدى.
أما القبّة الثانية فهي متوسطة المدى (HIMAD)، وتعتمد على تكتيكاتٍ وأسلحةٍ متوسطة المدى، وتمّ تصميم هذه المنظومة الدفاعيّة ضدّ الصواريخ الباليستيّة متوسطة المدى والطائرات الحربيّة المُقاتلة، وتشملُ نوعين من الصواريخ القديمة نسبيّاً، منها صواريخ “الهوك” التي دخلت الخدمة في عام 1960، وصواريخ “الباتريوت” التي دخلت الخدمة في عام 1984. وتُعتبر الأخيرة الصواريخ الوحيدة التي تمّت تجربتُها في أرض المعركة، وتحديداً في حرب العراق في عام 1990، كما استخدمها الاحتلال، مؤخراً، لإسقاط طائرةٍ سوريّةٍ مقاتلةٍ فوق الجولان المحتلّ العام الماضي.
والقبّة الثالثة بعيدة ومتوسطة المدى (THAAD)، وهي منظومة الصواريخ الأحدث في القائمة والمصمّمة لاعتراض الصواريخ المتوسّطة والقصيرة، بمدىً يصل إلى 200 كلم، وارتفاعٍ يصل إلى 150 كلم. وفي عام 1992، حصلت الشركة الأمريكيّة “لوكهيد مارتن” على عقدٍ بقيمة 689 مليون دولارٍ أمريكيٍّ من الحكومة الأمريكيّة للبدء بتطوير منظومة الصواريخ، لتدخل الخدمة الفعليّة في عام 2008.
وحول هذه المنظومة، تعتمد عادةً البطارية الواحدة فيها على تسع عربات إطلاقٍ، وتحمل كلُّ عربةٍ ثمانية صواريخ، إضافةً إلى عربتيْن للعمليات التكتيكيّة ومنظومة رادار أرضيّةٍ. أما الصاروخ، فيصل طوله إلى ستة أمتارٍ، ويتكوّن من محرّكٍ رئيسيٍّ يعتمد على الوقود الصلب بشكلٍ أساسيٍّ، كما يوجد محرّك فصلٍ مسؤولٌ عن فصل محرّك الصاروخ الأساسي عمّا يعرف بـ”مركبة القتل”، (Kill Vehicle).
وتتكوّن” مركبة القتل” هذه من محرّكاتٍ خاصّةٍ ومنظومةٍ تعمل بمنطق إعادة توجيه الصواريخ باتجاه الهدف بشكلٍ مباشرٍ، بناءً على المعلومات التي يتمُّ إرسالها بشكلٍ مستمرٍّ من منظومة الرادارات الأرضية.
وعند تعرّف المنظومة الصاروخيّة على هدفٍ ما، يتمّ تحميل معلومات الهدف واتجاهه وسرعته إلى الصاروخ قبل إطلاقه، مع استمرار تحديث المعلومات خلال الطيران. وعند اقتراب الصاروخ من الهدف، تُفعَّل منظومة تحديد الهدف باستخدام الليزر لتأكيد الإصابة بشكلٍ مباشرٍ.
يُلاحَظ على صواريخ منظومة الـ”ثاد” (THAAD) بأنّها تستدير حول نفسها بعد الإطلاق مباشرةً، بما يُوحي بأنّها تبحث عن الهدف لتحديده قبل الانطلاق نحوه، ولكن يعزو الخبراء ذلك إلى أنّ الصاروخ، ومن خلال استدارته، يقوم بحصد الطاقة الحركيّة اللازمة لتدمير الهدف بمرحلة الانطلاق، خصوصاً وأنّ هذه الصواريخ لا تحمل أيّ رؤوسٍ متفجّرةٍ، وتعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على الطاقة الحركيّة لتدمير الهدف بالاصطدام المباشر.
وأبرمت مجموعةٌ من الدول صفقاتٍ اقتصاديةً لشراء هذه المنظومة الدفاعيّة، لتكون الإمارات من أولى الدول العربيّة التي وقّعت عقد شراءٍ في عام 2011، لتتبعها المملكة العربية السعودية في عام 2017. كما عبّرت كلٌ من اليابان وتايوان عن رغبتهما بشراء المنظومة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة قد بدأت بتطوير منظومةٍ جديدةٍ مضادّةٍ للصواريخ الباليستيّة طويلة المدى (GBI)، في عام 2002، بعد انسحابها من الاتفاقية المناهضة للصواريخ الباليستية التي كانت قد وقّعتها مع الاتحاد السوفيتيّ في عام 1972. ومن حيث المبدأ، تعمل هذه المنظومة الجديدة كمنظومة الـ (THAAD)، ولكن على نطاقٍ أوسع، حيث تحتوي المنظومة على محرّكٍ مسؤولٍ عن نقل الصاروخ إلى خارج الغلاف الجويّ ليُطلقَ “مركبة القتل”، والتي تعتمد على معلومات الرادار ومنظومة الأشعة تحت الحمراء لتحديد موقع الهدف، ثمّ تعديل موقع المركبة لتصطدم بشكلٍ مباشرٍ مع الهدف.
وتعتبر منظومة الدفاع الصاروخيّة الأمريكيّة حديثة الدخول إلى المنظومة العسكريّة الأمريكيّة، ويعود إهمال الولايات المتحدة لها لأسبابٍ مختلفةٍ، أهمّها اعتماد الولايات المتحدة على موقعها البعيد عن جميع أعدائها. فمنذ الحرب العالميّة الثانيّة، تتبنّى الولايات المتحدّة الهجوم في استراتيجيتها العسكريّة كأفضل وسيلةٍ للدفاع، معتمدةً على أساطيلها البحريّة والجويّة وقواعدها العسكريّة المُنتشرة، والقادرة على نقل المعركة لأيّ مكانٍ على سطح الكرة الأرضيّة بشكلٍ مباشرٍ، أولاً، وعلى عدم قدرة أعدائها على الوصول إليها أو استهدافها بشكلٍ مباشرٍ، ثانياً.
وعلى النقيض من ذلك، نجد أنّ الاتحاد السوفيتيّ، ومن بعده روسيا الاتحاديّة، يتبعان سياساتٍ دفاعيةً، بالأساس، ساهمت بتطوير منظومةٍ صاروخيّةٍ دفاعيّةٍ أكثر تطوراً مقارنةً بالمنظومة الأمريكيّة التي لا تزال في مراحل التطوير.
فبعد انهيار الاتحاد السوفيتيّ واختفاء التهديد الشيوعيّ، دخلت الحروب والمنظومات الدفاعيّة مرحلةً جديدةً من الحروب غير المتماثلة مع منظماتٍ ودولٍ صغيرةٍ بدأت تشكّل تهديداً على الولايات المتحدّة الأمريكية، بشكلٍ مستقلٍّ عن منظومة قتال الدولة والجيوش النظاميّة التقليديّة التي أُنشئ الجيش الأمريكي للقتال ضدها. كما ظهرت الحاجة لدى النظام الأمريكيّ الحاكم لتطوير منظومته الدفاعيّة، والنابعة من شعور المؤسّسة الحاكمة في الولايات المتحدة بالخطر والتهديد من دولٍ مثل كوريا الشماليّة، التي تملك قدرةً صاروخيّةً بإمكانها استهداف السواحل الغربيّة للولايات المتحدة، وإيران التي تعمل باستمرارٍ على تطوير قدراتها الصاروخيّة البالستيّة.
ومع إرسال القوات الأمريكيّة لمنظومة الـ “ثاد” إلى دولة الكيان للتدرّب على عمليات الانتشار السريع، تؤكّد الولايات المتحدّة الأمريكية على التزامها الفعليّ بالدفاع عن “إسرائيل”، وربما الأهمّ هو العمل على بناء منظومةٍ دائمةٍ للدفاع الجويّ المُشترك في المنطقة، تشمل بعض الدول العربيّة مثل الإمارات والسعوديّة اللتين وقّعتا على عقودٍ لتزويدهما بهذه المنظومة، وما تحمله من أهميةٍ للاقتصاد الأمريكيّ وصناعاته العسكريّة، حيث تبلغ تكلفة البطاريّة الواحدة من المنظومة 800 مليون دولارٍ، دون التقليل من الأهمية الاستراتيجية لهكذا منظومةٍ؛ خاصّةً في ضوء التحوّلات العسكريّة الراديكاليّة في الساحة السوريّة، سواءً بالوجود الروسيّ أو الإيرانيّ. أمّا على صعيد مواجهة القذائف الصاروخيّة قصيرة المدى محدّدة المسار المُستخدمة في غزة وجنوب لبنان، فستبقى القبّة الحديديّة هي الوسيلة الوحيدة المتوفّرة حالياً لمواجهتها.