تفصلنا أيام قليلة عن حلول شهر رمضان الكريم، ومعه الذكرى السنويّة الأولى للهبّة الشعبيّة الكبرى التي انطلقت من باب العامود في القدس رمضان الفائت، وما زالت تداعيات الهبّة الكبرى تفعل فعلها في الوعي والممارسة النضاليّة بين أبناء شعبنا، كذلك في المستعمِرين الصهاينة وعياً مكويّاً بالصدمة. ولا نبالغ بالقول إنّ العدوّ تشكّلت عنده عقدة يمكن أن نسميها «رُهاب رمضان»

والحال هذه، سارع الاحتلال للإعلان عن عدم نيّته وضع حواجز في ساحة باب العامود التي أشعلت مواجهتها الهبّة الكبرى، وأصدرت المحكمة قراراً بتجميد تهجير بعض عائلات الشيخ جراح من منازلهم، كلّ ذلك في موازاة تكثيف الحملة الأمنيّة المستمرّة في القدس لإخضاعها بتفكيك قوى المواجهة الفاعلة فيها. وعلى الرغم من كلّ هذا، دخلت القدس منذ بداية آذار الجاري حالةً أطلق عليها شبابها «الإحماء لرمضان»، بسلسلةٍ من العمليات الفرديّة والمواجهات في باب العامود والشيخ جراح.

 في هذا السياق، بادر الصهاينة لمجموعةٍ من التحرّكات الاستباقيّة الدبلوماسية، فقد توجّه وزير الخارجية الصهيوني «يائير لبيد» في العاشر من الشهر الجاري بزيارةٍ لملك الأردن، كان هدفها الرئيس تنسيق العمل المشترك لتهدئة الوضع في القدس تحضيراً لقدوم شهر رمضان، وتأتي أيضاً لـ «طمأنة» ملك الأردن من دورٍ تركيّ محتمل في المسجد الأقصى، وذلك في اليوم التالي لزيارة «اسحق هرتسوغ» التطبيعيّة لأنقرة، والتي من المؤكّد أن الوضع في القدس والدور التركي فيها كانا على أجندة المحادثات.

هذا ما يمكن فهمه من تصريح وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي ظهر هذا اليوم لـ CNN التركية، «بأنّ التطبيع التركيّ الإسرائيلي مفيد للقضية الفلسطينية وسيساعد الفلسطينيّين خاصةً في شهر رمضان». إنّ ما يعنيه المالكي بـ «مساعدة الفلسطينين في شهر رمضان» ليس غير مساعدة سلطته على ضبط الحالة الأمنيّة في الضفة بتهدئة الحالة في القدس في شهر رمضان، خاصةً في الوقت الذي تنهض فيه جنين مهدّدةً استقرار حكم «الروابط».  

في المحصّلة، بات كلّ حدثٍ في القدس بعد الهبّة الشعبية الكبرى يحمل الإمكانية المتحقّقة لتفجير مواجهةٍ شاملةٍ على كامل التراب الوطنيّ، وعلى حدود فلسطين، خاصةً الجبهة الشماليّة التي تبدو فيها الفرصة سانحةً بسبب الحرب في أوكرانيا لخلخلة التفاهمات العسكرية الروسية- الصهيونية. 

ومن المؤّكد أننا سنشهد في رمضان القادم حملة «رشاوى» مكثّفة لقوى التطبيع، بمعاونة قوى السلطة، في المسجد الأقصى والقدس عبر نشاطاتٍ «خيريّة» كالإفطارات والكرنفالات، وباستثمار نفوذ هذه القوى في الشارع المقدسيّ عبر علاقات التمويل والاستزلام لتهدئة القدس، كرمى لعيون «إسرائيل» ومستوطنيها لينعموا بعطلة عيد الفصح الذي يوافق قدومه الثلث الأول من شهر رمضان وطمعاً في حصّةٍ من غاز فلسطين المنهوب.     

هذه بعض خيوط المؤامرة الإقليميّة على القدس في رمضان، العاصمة المحتلّة الحُرّة، من العواصم «الحرة» المحتلّة بالتطبيع. فهل تمرّ المؤامرة؟