يمكن القول أنه لا يوجد حلّ متناول للمشكلة ليس لأن الحل ليس موجودًا، بل لأنّنا غير معنيين بالحل من جهة، ولأنّنا لا نبحث، من جهة أخرى، عن حلولٍ جذريّة تحول دون إضراب الطلبة، وإغلاق الجامعة والتأثير على نوعية التعليم. هل لوم الطلبة هو نتيجة لرفضهم لفكرة التعايش مع الأزمة ولرفضهم أن يدفع الطلّاب وحدهم ضريبتها؟ اليوم، تضعنا الحركة الطلابية أمام منعطف حادّ: الحلّ الجذري أم السقف الذي تضعه الإدارة بالدينار أو الأربعة؟
ازداد الحديث في الآونة الأخيرة عن أزمة جامعة بيرزيت الماليّة، والتي دفعت مجلس الطلبة والحركة الطلابيّة إلى إغلاق أبواب الجامعة كوسيلة لثني إدارة الجامعة عن قرارها المتعلّق برفع الأقساط على الطلبة القدامى والجدد، خصوصًا بعد فشل كل جولة حوار بين الطرفين بوساطة النقابة.
تضعنا الأزمة، طلّابًا ومجتمعًا في صلب أزمة التعليم العالي في فلسطين، وأزمة موازنة السلطة الفلسطينية وأولويّاتها، لكنّ في ذات الوقت، لا يُطلّب من الحركة الطلّابية أن تتحمل عبء حلّ الأزمة الأكبر، وإن كان من الجدير بها وبإدارة الجامعة أن يتوجّهوا علانية للحكومة للمطالبة بالمستحقات على أكمل وجه.
تحدّث العديد من الأساتذة في الجامعة عن أنّ قرار رفع الأقساط طبيعي في ظلّ موجة الغلاء المعيشيّة في الضفّة الغربيّة، وبالتالي يصبح قرار رفع الأقساط طبيعيًّا إذا ما قورن بذلك. لكنّ ذلك يجعلنا ندور في دائرة مغلقة، ويضعنا في ظلّ الأزمة المالية الأكبر مرّة أخرى: لماذا من المفترض أن تسير أقساط التعليم في خطّ متصاعد على الرغم من عدم زيادة المعاشات لأهالي الطلّاب الذين ينقسمون بين طبقة وسطى، وسطى متدنيّة؟ ولماذا يتمّ التعامل مع التعليم كأنه سلعة اقتصادية تتماشى مع اقتصاد السوق؟كما أنّ الإشكالية في ذلك هو أن رفع الأقساط لم يكن نتيجة لغلاء المعيشة، بل كوسيلة لتجاوز العجز المالي الذي تعاني منه الجامعة منذ سنوات.
في ظلّ هذا الوضع من السهل تحميل إدارة الجامعة المسؤولية كاملة، لكنّ من الأسهل أن نقوم بتحميل الطلّاب والحركة التي تمثّلهم الذنب والمسؤوليّة في إغلاق الجامعة وتعطّل التعليم؛ لأنّ ذلك يحيل الأسئلة الأصعب لمكان ضبابي لا نجرؤ للحديث عنه. ناهيك عن أنّ الأزمة المالية ليست جديدة، فقد سبق وأضرب الطلّاب في 2013، كما أنها تاريخيًّا معهودة، ففي فترة الثمانينيّات والتسعينيّات تلّقى الأساتذة رواتبهم بالتقسيط للسبب ذاته.
السؤال أيضًا هنا هو هل يعكس ذلك ظاهرة إدارية أم مبدئية؟ولماذا هناك حاجة لتوريث الأزمة والتعايش معها وحلّها بعيدًا عن جذرها وإن على حساب التعليم والطلّاب وأهاليهم؟ هل الهدف حلّ الأزمة أم التعايش معها؟ هل ما نسعى إليه هو أن تصبح الأزمة الماليّة – التي هي مرّة أخرى جزء من كلّ- كموضوع الاحتلال وجميع القضايا العالقة التي تورّث جيلًا بعد جيل، بدون تكليف أنفسنا عناء أخذ مواقف جديّة وجذريّة لحلّها، فأصبحنا نتعايش معها، بطريقة أو بأخرى، كأمر واقع لا محالة بدون مقاومة مبدئية وأخلاقية؟
تبعًا لذلك؛ يمكن القول أنه لا يوجد حلّ متناول للمشكلة ليس لأن الحل ليس موجودًا، بل لأنّنا غير معنيين بالحل من جهة، ولأنّنا لا نبحث، من جهة أخرى، عن حلولٍ جذريّة تحول دون إضراب الطلبة، وإغلاق الجامعة والتأثير على نوعية التعليم. هل لوم الطلبة هو نتيجة لرفضهم لفكرة التعايش مع الأزمة ولرفضهم أن يدفع الطلّاب وحدهم ضريبتها؟ اليوم، تضعنا الحركة الطلابية أمام منعطف حادّ: الحلّ الجذري أم السقف الذي تضعه الإدارة بالدينار أو الأربعة؟
وفي موازاة كل المبادرات التي تقترح من هنا أو هناك، قام مجموعة من طلبة الدراسات العليا والبكالوريوس بطرح مبادرة تخاطب مجتمع الجامعة عمومًا للمساهمة بحلّ الأزمة الماليّة جذريًا، بحيث تضرب عصفورين بحجر، فمن جهة تقدّم مقترحاتٍ لحلولٍ مستقبليّة قريبة وبعيدة المدى، ومن جهة أخرى تعزّز من انتماء الطلبة للجامعة كفكرة وكمشروع. هذه المبادرة تنطلق من فكرة أن لا يتعامل الطلّاب مع الجامعة كمكان أكاديمي يلعبون فيه دور المتلقّي فحسب، بل على العكس تمامًا تكون العملية تفاعلية دينامكية، تعزّز العلاقة بين الجامعة والطلّاب، والطلّاب والحركة الطلابيّة، وتجعلهم شركاء في حلّ الأزمة، وتطلعهم على أدقّ تفاصيلها، وتجعل الجامعة مثالًا لباقي الجامعات الفلسطينية الواقعة في سياط ذات الأزمة.
تضمّنت الخطّة عددًا من المقترحات، وتمّ نقاشها في اجتماعٍ شمل عددًا من الأساتذة في الجامعة، وبحضور ممثلّي الكتل الطلابيّة، وطلّابٍ مستقلّين، وأعضاء من نقابة موظفي الجامعة. تمّ التشديد خلالها على ضرورة أن تكون الحلول المقترحة عملية ولا تحتاج إلى إجراءات معقّدة لتنفيذها، وأن تجعل الحلّ داخليًا بحيث يصبح مجتمع الجامعة مجتمعًا منتج بذاته وقادر على إيجاد بدائل لما هو موجود.
ومن الأمثلة على الحلول المقترحة؛ التشديد على أن يكون هناك حوار دائم ومستمرّ بين إدارة الجامعة والحركة الطلابية، بصفتهم ممثلي عموم الطلبة، وأن يتمّ اطلاعهم على كافة التفاصيل وأن يكونوا شركاء في أي قرار مستقبلي. كما تمّ اقتراح الاستثمار في كفاءات الطلبة في كليّات الاقتصاد وإدارة الأعمال والهندسة وتكنولوجيا المعلومات والترجمة، بحيث يمكنهم تقديم خدمات استشارية للطلبة وللمجتمع على حدٍ سواء، يتلقّون جرّاءها عائدًا ماليًا يذهب مباشرة إلى أقساطهم.
إضافة إلى الاستفادة من طاقة الطلّاب في الأعمال الخدماتية التي تدفع الجامعة لقاءها أموالًا لا يستهان بها، كأعمال النظافة والريّ، بحيث يقوم بها الطلّاب مقابل احتساب عملهم بدلًا من رسوم عددٍ معيّن من الساعات في كلّ فصل. والتوّجه بشكل جدّي من قبل الطلاب والإدارة للحكومة لإعادة ترتيبت أولوياتها وميزانياتها بالشكل الذي يسمح بدفع المستحقّات.
كما تمّ اقتراح إلغاء خصخصة الكافيتيرات في الجامعة وتشغيل الطلّاب بها، والاستثمار في الأصول الثابتة في الجامعة من مختبراتٍ ومسرح وغيرها، وتعزيز الأنشطة الفنيّة والثقافية التي تقوم بها فرق الجامعة. وفتح نظام الإعارة في المكتبات لعموم المجتمع المحلّي، والاستثمار في العمل التعاوني وتحوير مفهومه السائد اليوم، بحيث لا يصبح مجرّد 120 ساعة تعاونيّة يقوم بها الطالب مكرهًا للحصول على التوقيع اللّازم للتخرّج، فيصبح العمل التعاوني ذا عائد على الطلاب وعلى الجامعة على حدًّ سواء.
كما تمّ الحديث عن الاستثمار في أراضي الجامعة، إمّا زراعيًا أو بطرقٍ أخرى مختلفة. أضف إلى ذلك ضرورة أن تنظر الجامعة إلى طلّابها على أنهم ذوات فاعلة قادرة على المساهمة في تقديم مقترحات ومساهمات في هذا المجال.
من الواضح أن إدارة الجامعة لا تأخذ الطلّاب على محمل الجدّ، وأيّ حوار يجري ينطلق من النقاش على “جنزرة أبواب الجامعة” ولا ينطلق مما كان قبل ذلك بكثير: جذور الأزمة المالية، كوسيلة للوصل إلى جذور الحلّ.