في رادار، نشرككم بمختاراتنا لشهر كانون الثاني، والتي تنوّعت بين ما كتبته “روزا لوكسمبورغ” عن الاقتصاد المصري، وسيرة لاتينياتٍ في ريف فلسطين، انتقالاً إلى الخرطوم قلب الثورة السودانيّة، ثمّ التخطيط والإدارة الصهيونية للمياه.
إليكم مختارات فريق “باب الواد” لشهر كانون الثاني، والتي وقعت على أربع مقالاتٍ، نبدأها بنهاية القرن التاسع عشر وما كتبته “روزا لوكسمبورغ” عن الاقتصاد المصريّ وانهيار الاقتصاد الفلّاحي مقابل تنامي المشاريع الرأسمالية والديون الحكومية، ثمّ نتعرّف على جانبٍ مجهولٍ من تاريخ الريف الفلسطينيّ خلال النصف الأول من القرن العشرين، وسيرة لاتينياتٍ هاجرن إلى ريف فلسطين وأصبحن جزءاً من النسيج المجتمعي الفلسطيني وتفاعلاته، من خلال حكاية امرأةٍ كوبيةٍ عاشت في قرية سلواد وامتهنت القبالة. ننتقل بعدها إلى العاصمة السودانيّة الخرطوم ودورها المحوريّ في إحداث التغيير السياسيّ في المظاهرات الحاليّة في مدن السودان، والتي تستمرّ للشهر الثاني على التوالي، ونختم زاويتنا لهذا الشهر بالتخطيط والإدارة الصهيونية للمياه، والعمل على “تثبيت” القدم الصهيونيّة وتحفيزها للاستيطان في فلسطين، وأثر استنزاف مصادر المياه الطبيعيّة على طبيعة بلادنا وتركيبتها البيئيّة.
ماذا كتبت روزا لوكسمبورغ عن الاقتصاد المصري؟
في حياتها القصيرة التي لم تتجاوز الخمسين عاماً، المليئة بالصراعات حتى آخرها، ناضلت “روزا لوكسمبورغ” من أجل حقوق العمّال وحريّة الجماهير والشعوب، ووضعت كتابها “تراكم رأس المال”. لوحِقت بدءاً من “البوليس” البولوني، ثمّ الألماني، وفي رحلة صراعها تلك، وُجِدت مقتولةً في برلين عام 1919.
في مقالٍ نُشر على منصّة “مدينة” ضمن زاوية “أقواس”، يقتبس أحمد فاروق من كتاب “الثورة والحزب وأفول الرأسمالية”، ويبتدئ أقواسه مُقتبِساً “لوكسمبورغ” في معرض حديثها عن الديون التي غيّرت مجرى التاريخ المصري في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مُتركّزةً في تنامي المشاريع الرأسمالية على نطاقٍ واسعٍ مقابل انهيار الاقتصاد الفلاحيّ، فضلاً عن التنامي الجارف للديْن الحكوميّ، أتى ذلك بعد أن اتّبع محمد علي سياسةً مكّنت الفلاحين من بيع الحدّ الأدنى من محاصيلهم لتحصيل قوتهم وليؤمّنوا بِذار المواسم اللاحقة. كما حسّن علي قليلاً من مستوى البنى التحتية، فضلاً عن سعيه إلى احتكار دولته لبعض المحاصيل التي أصلحت تجارة مصر، الأمر الذي فتح الباب أمام المشاريع الرأسمالية الأوروبية الكبرى في البلاد، خاصّةً تلك الزراعية أو مشاريع البنى التحتية. ولعلّ أكثر تلك المشاريع فداحةً في التاريخ المصريّ هو مشروع شقّ قناة السويس، الذي حوّل مصر إلى مسرحٍ للصراع بين الأنظمة الأوروبية حول أحقّية أحدها بتلك المشاريع، وبهذا وقعت مصر في شراك رأس المال الأوروربيّ وتضرّر اقتصادها كثيراً.
شهدت البلاد تحوّلها الأكبر بسبب ضخّ كمٍّ كبيرٍ من إمكانياتها في زراعة القطن سعياً إلى سدّ احتياج الإنجليز المُلِحّ له، وصودرت أراضٍ كثيرة في سبيل ذلك، لتنضمّ لنظام الخديوي، وتُحوَّل جميعها لزراعة القطن. وقد تطلّب ذلك تحوّلاً هائلاً في التقنيات الزراعية الفلاحية، استدعت في معظمها تعاوناً مع الأوروبيين، وسبّبت خلافاتٍ جمّة.
ثمّ عصف تحوّلٌ آخر بعمق الاقتصاد المصريّ؛ إذ انهارت مضاربات القطن مع كلّ التغييرات التي أحدثها مع بداية إعلان السلام في الاتحاد الأمريكي، فتحوّلت مصر مرّةً أخرى بكل مقدّراتها نحو إنتاج قصب السكر، لحق ذلك انقلابٌ ثانٍ في تقنيات الزراعة، أدارت فيه مصر الفلاح على نحوٍ قمعيٍّ، لعلّ ذلك يمثّل حالة التبعية التي عاشها الاقتصاد المصريّ تبعاً للاستهلاك الأوروبيّ، وتحوّل مصر، التي لبست ثوب الثورة الصناعية، إلى “مصباح علاء الدين” الذي سيلبّي عطش هذا الاستهلاك.
أما حكاية الانتكاسة التي قصمت ظهر الاقتصاد المصريّ، فكانت بدايتها بالقرض الباهظ الذي اقترضه سعيد باشا عام 1863، اجتمع حِمل هذا القرض مع تكاليف شقّ قناة السويس، فبدأت سلسلةٌ طويلةٌ من الديون، واحدٌ يجرّ الآخر لسداد فوائد سابقه. ونتيجة ذلك، حمل الفلاح المصريّ أعباءً وضرائبَ لا تنتهي. وكلّما تنامت الديون، كانت ضرائب الاقتصاد الفلاحيّ ملجأهم وعِوَضهم.
فيما استغلّ رأس المال الأوروبي، الذي كان مُقرِضاً في كثيرٍ من الأحيان، هذه “المعمعة” في مصر وأقام فيها صفقاتٍ حالمةً، مرحّباً بمزيد من القروض؛ سبيله لمدّ يده على مقاليد مصر، كما فرض رقابةً ماليةً مشدّدةً استدعت الجنود المصريين والجماهير المُعدَمة إلى الانتفاض، فاتّخذت بريطانيا ذلك ذريعةً، ودخلت مصر عام 1882 مُحتلّةً إياها ومُغيّرةً وجه اقتصادها، فلم تعد مصر كما كانت، ولم يعُد فلّاحوها كما كانوا قبل امتصاصهم.
تخلصُ لوكسمبورغ في النهاية إلى أن سعي الدول النامية المحموم للّحاق بركب الاقتصاد الرأسماليّ، يعني ضِمناً مرورها في مرحلةٍ غير طبيعيةٍ من التغيّرات تصل في النهاية إلى منح نفسها لأيدي الاستعمار.
للقراءة، من هنا
سيرة لاتينيّات في ريف فلسطين: القابلة عاليا
في مقالٍ نُشر في موقع “بنفسج“، يعود بِنا الباحث الفلسطيني عوني فارس إلى أوائل القرن العشرين للحديث عن الروابط الاجتماعيّة التي جمعت بين المهاجرين الفلسطينيين إلى أمريكا اللاتينية وسكّان الأخيرة، آخذاً من السيرة الذاتيّة للسيدة الكوبيّة “توماسا أنطونيوس غونزالس”، التي تزوّجت من السيد موسى حامد بعد هجرته إلى أمريكا اللاتينية عام 1925، بحثاً عن وضعٍ معيشيٍّ أفضل بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، موضوعاً يتقفّى من خلاله الدورَ الاجتماعيّ الذي لعبته اللاتينيات في الريف الفلسطيني، وانعكاساته اليوم.
بعدما تلقّى حامد العون والمساعدة من “أُمّ توماسا”، التي كانت تداوم على إمداده بالطعام والشراب خلال تجواله في البيع، تعرّف إلى ابنتها “توماسا” وتزوجها عام 1928، ثم أنجبا طفلتهما سارة وانتقلا للعيش في فلسطين في ربوع ريف بلدة سلواد. تعلّمت “توماسا” القِبالة، وذاع صيتها بين أهالي البلدة، إذ اندمجت في الحياة الاجتماعيّة للبلدة. كما عملت في الفلاحة، فشاركت أهالي البلدة مواسمَ الزرع والحصاد.
اعتنقت “توماسا” الإسلام، بعد فترةٍ قصيرةٍ من استقرارها في سلواد، واتخذت من “عليا” اسماً لها. كما تطبّعت بطبائع النساء الفلسطينيات وتراثهن، فلبست الثوب الفلسطيني، وحصدت محبّة أهالي البلدة من صغيرها حتى كبيرها، إذ كانت ليّنةَ الجانب تراعي الفقراء. مارست “عليا” مهنة القبالة كي تؤمّن رزق أطفالها، بعد مُعاودة زوجها السفرَ إلى كوبا ليجني قوت أطفاله أيضاً، حيث عمل في مزارع القهوة والدخان وقصب السكر، وأصبح تاجراً مشهوراً فيما بعد.
تبدّلت حياة حامد مع اندلاع الثورة الكوبيّة، فبعد زواجه الثاني، أرسل أبناءه إلى فلسطين، لتحتضنهم السيدة “عليا” لسنواتٍ عديدةٍ وتشرف على تربيتهم، بينما بقي زوجها في كوبا، مُحاوِلاً الحفاظَ على ممتلكاته هناك، غير أنّ الثوّار سيطروا عليها، ولاحقوا صاحبها وأعدموه. أدركت السيدة “عليا” حينها أنّه ما من طريقٍ لضمان قوت أولادها وأولاد زوجها سوى بالعمل المضني والمستمر في مهنة القِبالة ورعاية المواليد حتى أربعين يوماً من ولادتهم، إذ كانت تتقاضى ديناراً أو نصفَ دينارٍ مع قطعتي صابون مقابل عملها هذا.
أغمضت السيدة “عليا” جفنيها للأبد عام 1970، بعدما اشتدّ عليها المرض، لكنها بقيت حاضرةً في وجدان أهالي البلدة، إذ كانت مثالَ المرأة اللاتينية التي عاشت في الريف الفلسطيني، وتطبّعت بطباع أهله، فأصبحت جزءاً لا يتجزأ من المجتمع وتفاعلاته الدينية والاجتماعية والوطنية والاقتصادية.
للقراءة، من هنا
الخرطوم في قلب الثورة السودانيّة
واكَبَ الكاتب عبد الرحمن إبراهيم تفاعلات الحراك الشعبي الدائر في السودان حالياً، في مقالةٍ حملت عنوان “الخرطوم في قلب ثورة السودان”، والتي نُشرت الشهر الماضي في موقع “الجمهورية“، مسلِّطاً الضوءَ على أهمية دور العاصمة الخرطوم في إحداث التغيير السياسي من خلال الفعل الثوري، مشيراً إلى انطلاق مظاهراتٍ احتجاجيّةٍ يوميّةٍ في العاصمة تُطالب بإسقاط النظام، يترأسُها تجمّعُ المهنيين السودانيين الذي يُعتبر الفاعل الأساسيّ في هذا الحراك الشعبي.
يؤكّد الكاتب أنّ ما يميز هذا الحراك مشاركةُ جميع أطياف المجتمع فيه؛ من أحزابٍ سياسيةٍ ونقاباتٍ للأطباء ومحامين ومهنيين، فضلاً عن انسحاب العديد من الأحزاب السياسية من الحكومة والبرلمان، في صورةٍ تعكس عُزلة الحزب الحاكم وتراجع شرعيته، بالرغم من ازدياد عمليات القمع والقتل وارتفاع عدد الشهداء.
ويفترض إبراهيم أنّ العاصمة السودانيّة هي المفتاح الأساسيّ لانتصار الثورة، فمن غير المرجَّح انتصارُها في البلاد ما لم تنتصر في العاصمة، مشيراً إلى أنّ الثورات السابقة كانت تندلع خارج العاصمة، ما أسرع من وتيرة إخمادها وعدم بلوغ أهدافها. غير أنّ ما يجري اليوم يكتسب أهميةً رمزيّةً كبيرةً، نظراً لفرض العاصمة السودانية صوتَها في الحراك الدائر.
ويلفت الكاتب الانتباه إلى السيرورة التاريخيّة التي مرّت بها الخرطوم، إذ تأسّست بعد غزو محمد علي باشا للسودان وتكوّن الدولة الوطنية، حيث تقع الخرطوم في وسط السودان، لتلعب دوراً سياساً هامّاً في جميع المحطات التاريخية الهامّة التي عاصرتها، حتى وقوعها في قبضة الاستعمار الانجليزي- المصري، لتشكّل الخرطوم معقلاً لحركة التحرر الوطني، وخزّاناً هامّاً ومُلهماً لعديدٍ من تجارب التحرّر في العالم.
ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، شهدت الخرطوم توسُّعاً جغرافيّاً وسكانيّاً، حيث اعتُبرت ملجأ النازحين والمهجّرين الذين يقبعون تحت خطّ الفقر ويقطنون أطراف العاصمة، إما بسبب تهديد الحروب الأهلية، أو بسبب المجاعات التي تخلّفها موجات الجفاف والتغييرات البيئية، أو نظراً للتدمير الممنهج الذي اتبعته حكومة البشير للمشاريع الإنتاجية الزراعية والصناعية في الأقاليم، ما أدّى إلى تحوّل المزارعين إلى قطاع الوظائف والخدمات في وسط العاصمة.
وبخصوص التظاهرات المشتعلة اليوم في السودان، يوضّح الكاتب أنّ الحكومة السودانيّة عمدت إلى بناء العديد من نقاط الأمن داخل العاصمة في محاولةٍ لقمع التظاهرات داخلها، إلا أن ذلك أدّى إلى انتقال هذه التظاهرات من أماكن العمل إلى أماكن السكن، لتشارك فيها غالبيةُ الطبقة الوسطى من المهنيين والمعلمين والأطباء، وتكون منطقة بري نموذجاً للُحمة السكان فيها، نظراً لعمق روابط القرابة والجيرة التي دفعت باتجاه نجاح التظاهرات فيها، وجعلتها نموذجاً تحتذي به المناطقُ المجاورة.
ويخلُص إبراهيم إلى ازدياد شعبيّة تجمُّع المهنيين السودانيين، بسبب نجاحه البارز في التظاهرات أمام البرلمان، وتوقيعه على بيان الحرية والتغيير، ما جعله القيادة السياسية للثورة في السودان، حيث تشكّل الطبقة الوسطى في الخرطوم القاعدةَ الاجتماعيةَ الأوسعَ لهذا التجمع.
للقراءة، من هنا
حين يعطش الغرباء: التخطيط والإدارة الصهيونية للمياه، وتخريب طبيعة فلسطين
تحدّثنا الباحثة الفلسطينيّة لمى شحادة، في مقالٍ نُشر على موقع “فسحة“، عن نهم الصهاينة وراء مصادر المياه وتضمينها ضمن المخططات الرئيسة لإقامة الكيان؛ خططٌ لدولةٍ بكامل مركّباتها، إذ لم تُقصِرها على مستوطناتٍ صغيرةٍ وحسب، بل إنّها سخّرت مهندسين لأغراض هذا التخطيط، فرسموا خرائط تحوّلت لاحقاً إلى مشاريع حقيقيةٍ غيّرت وجه الأرض على اتّساعها، وفرضت واقعاً جديداً عليها.
اعتُبر ذلك أساساً لدواعي تأمين المشروع الصهيونيّ عسكريّاً وسياسيّاً. فيما بدأ التنظير لتخطيط المياه هذا فترة الاستعمار البريطاني، بعد أن اعترض سؤال وفرة المياه والموارد الطبيعية خيال الصهاينة الواسع. وكنتيجةٍ لهذا السؤال، حُدِّدت أعداد اليهود المهاجرين بما يتناسب وتلك الموارد بـ75 ألفاً خلال السنوات الخمس الأولى، جاء ذلك ضمن “الكتاب الأبيض” الذي أصدرته حكومة الاستعمار البريطانيّ. أغضب تخطيطهم الصهاينة بادئ الأمر، لكنّه اعترض طريقها بسؤالٍ واقعيٍّ استحثّها إلى نقاشٍ علميٍّ واقتصاديٍّ، واعتماد خطابٍ يستندُ على فرضيّة وفرة المياه أو تبرير شُحّها بمخطّطاتٍ ضخمةٍ لتوفير المياه، كان أهمها تحويل مياه نهر الأردن إلى النقب الصحراويّ، ليستحثّ الهجرة إلى تلك المناطق غير المرغوبة.
وفي هذا السياق، حرص التخطيط الصهيونيّ على تثبيت القدم الصهيونية في كلّ نواحي فلسطين التي كان مِلء أرضها بالصهاينة هاجساً تخطيطياً لدى الكيان، دون أن يحول شحّ المياه دون ذلك؛ إذ يسهّل سيطرة الكيان على أكبر مساحةٍ ممكنةٍ. ولتحفيزهم على الهجرة، مُنِح أولئك المهاجرون الذين رضوا بالعيش في النقب أو في الجليل عشرات الدونمات، وهنا تضاعفت أهمّية تخطيط المياه وإدارتها بنجاعةٍ.
فيما شملت هذه الإدارة سنّ قوانين جديدةٍ من قُبيل تلك التي تحوّل المياه إلى ملكٍ عامٍّ للدولة، تدير شؤونها وتحدّد استخدامها وترخّصه سلطة المياه الحكومية. وهنا شرعت سلطات الكيان الصهيونيّ في بناء مشروع المياه القُطريّ الذي يبني شبكةً تنظّم توزيع المياه بين جميع القنوات. اتّجهت أنظار المُحتلّين الطامعة بدايةً نحو نهر الأردن؛ إذ خطّطت لحرف مجرى مياهه، ما أسفر عن اندلاع مواجهاتٍ مع الدولة السورية التي تملكُ حقّاً في مياه نهر الأردن، إضافةً إلى الأردن، والتي ستتأثّر مشاريعها تبعاً لهذا التخطيط.
ومع مرور الوقت، استنزف المشروع مصادر المياه الطبيعية ما بين نهر الأردن وبحيرة طبريّا، فضلاً عن المياه الجوفية التي تقلّصت، وكنتيجةٍ لذلك، أدّى الاستهلاك الضخم إلى تمليح مياهها القليلة المتبقّية، إضافةً إلى البحر الميّت الذي اختفت أجزاءٌ كبيرةٌ منه. توجّهت أنظار سلطات الكيان، بعد هذا الاستنزاف، نحو خيار تحلية مياه البحر، فأصبح ضخّ المياه الأساسيّ لبقية البلاد مُعتمِداً علي محطّات التحلية الخمس الجاثمة على ساحل المتوسط. فيما اتّجهت أنظارهم أيضاً نحو معالجة المياه العادمة.
واجه تخطيط المياه أول ما واجه، طبيعة البلاد، فطوّعها وغيّر نظامها، وتسبّب بأذيّتها لاحقاً، فاستخدام مياه بحيرة طبرية، المالحة نسبياً، رفع من منسوب ملوحة التربة المرويّة منها، مُعلنةً بدء عهدٍ زراعيٍّ اختفت من وجهه مزروعاتٌ كثيرةٌ كانت أصيلةً في المكان. استمرّت هذه الأزمة مع استخدام المياه العادمة المُكرّرة، عالية الملوحة. أثّرت كلّ تلك المشاريع على المدّ المائي والزراعيّ، وأعاق تسرُّب المياه إلى الأحواض الجوفية، كما غيّرت وجه الأرض وطبيعتها وتركيبتها البيئية، حتى الصحراء تواجه اليوم حرباً تسعى لتغيير وجهها وإرغامها على لبس الغابات الخضراء والمصانع والأبنية.
للقراءة، من هنا