نبدأ مختارات قراءاتنا بمقالٍ يلقي الضوء على آثار التغيّرات المناخيّة على الأمن الغذائي في مصر، ثمّ ننتقل إلى تأثيرات النيوليبرالية في موضوع التغيّر المناخي، ونستطلع بعدها أفكاراً حول المدينة الفلسطينيّة في ظل النيوليبراليّة، وننهي بقراءةٍ في الحراك الفلسطينيّ في مخيّمات لبنان.
نشرككم بمختارات قراءاتنا لشهر آب الماضي، ونبدأها بمقالٍ يتناول آثار التغيّرات المناخيّة على الأمن الغذائي في مصر، ثمّ نلقي نظرةً على تأثيرات النيوليبرالية في موضوع التغيّر المناخي، ونعود بعدها إلى فلسطين ونستطلع أفكاراً حول المدينة في ظل النيوليبراليّة ودور الشباب فيها، وننهي بقراءةٍ في الحراك الفلسطينيّ المستمرّ في مخيّمات لبنان. قراءة طيّبة
****
التغيّرات المناخيّة تهدّد الأمن الغذائي المصري
تهدّد التغيّرات المناخيّة وزيادة نسبة الآفات والأمراض التي تصيب الغطاء النباتيّ المحاصيل الزراعيّة في مصر، فهل ستترك السلطات الفلاحين يواجهون وحدهم هذه المتغيّرات؟ كيف ستبني خطط التأقلم؟ وغيرها من الأسئلة التي يسعى الصحافي شعبان بلال للإجابة عنها في هذا المقال، متتبّعاً معاناة بعض الفلّاحين المصريّين، ومستعرضاً نتائج عددٍ من الدراسات التي أجمعت على التهديدات الخطيرة للتغيّرات المناخيّة على المحاصيل الزراعيّة في مصر، وبخاصةٍ الأساسيّة والاستراتيجيّة منها، بينما ينفي المزارعون تلقّيهم أيّ دعمٍ من السلطات المصريّة في هذا الشأن.
في وادي النطرون، داخل أرضه التي تمتدّ على مساحة 15 فداناً، يقف المزارع أحمد فريد عمار يشكو ما لحق بمحصول المانجو خلال السنوات الماضية جرّاء موجات الصقيع الشديدة والحرّ الشديدة. المانجو ليس الوحيد، فقد تأثّر محصول القمح أيضاً بعد إصابته بمرض الصدأ الأصفر إثر موجات الصقيع التي أثّرت على البلاد، خاصةً لدى زارعي صنف القمح سدس 12، الذي وصلت الخسائر فيه إلى 60%.
في الوقت الذي ينوّه فيه الكاتب إلى أوجه عدم اليقين عند الحديث عن التغيّرات والتقلّبات المناخيّة، تعزو الأبحاث التي يستند إليها انتشارَ الحشرات والآفات الزراعية إلى المناخ وظروف الحرّ الشديدة في مصر، وتدعو إلى تطوير أصنافٍ زراعيّةٍ جديدةٍ تقاوم الجفاف، فضلاً عن اللجوء إلى الريّ والتكنولوجيا كحلولٍ مرحليّةٍ لمواجهة التغيّرات المناخية وحماية المحاصيل الزراعيّة من تأثيرها.
إجمالاً، لا يتطرّق المقال إلى جوانب عدّة تقف عائقاً أمام تحقيق الأمن الغذائي المصري، أكثرها أهميّةً سوء إدارة الموارد وانخفاض حصّة مصر من مياه النيل، فضلاً عن الحاجة الماسّة إلى توفير مصادر جديدة مثل التحليّة وتطوير أساليب الريّ، لكنه يكشف بالأرقام عن الفجوة الغذائيّة والأزمة الكبيرة التي تعانيها مصر من استيراد المحاصيل الاستراتيجيّة، فيما تماطل السلطات المصرية بالإجراءات العمليّة والفوريّة لاحتواء الأزمة والعمل على حلّها.
للقراءة، من هنا
النيوليبراليّة “نصبت علينا” لنكافح التغيّر المناخي كأفرادٍ
تنهال يوميّاً عشرات الرسائل على الأفراد تحمّلهم مسؤولية التغيّر المناخي، وتهديهم جملةً من النصائح “الخضراء”، والتي عادةً ما تكون بعيدةً عن حقيقة الأزمة التي تعيشها البشرية، وسبل التصدي لها ومواجهتها.
في مقالٍ نُشر في “سكّة معارف“، ترجمه نادر هشام، يبيّن الكاتب “مارتن لوكاتش” أنّ كلّ الإرشادات والتعليمات التي تزدحم فيها الكتب المدرسّية وإعلانات الشركات والحملات البيئيّة، بغرض توجيه الأفراد إلى التحرّك الفردي، لا تخدم البيئة إطلاقاً. فبينما ينشغل الأفراد في جعل حياتهم خضراء أكثر، تستمرّ شركات الوقود الأحفوري في تدمير هذه الجهود وتبديدها، بتجاهلها المستمرّ تقليلَ انبعاثات الكربون، التي تتحمل عشر شركاتٍ مسؤوليةَ 71٪ منها.
يبيّن “لوكاتش” أنّ التغاضي عن الدور الكبير الذي تلعبه الشركات في تلويث المناخ والحرية التي تتمتّع بها هذه الشركات، وما يقابلها من هوسٍ فرديٍّ في الحفاظ على البيئة، نتاجُ صراعٍ أيديولوجيٍّ طويلٍ للقضاء على أيّ عمل جماعيٍّ. إذ يستند المشروع النيوليبرالي على كسر الحواجز أمام الكيانات الخاصة، وتوظيفها (أيّ الحواجز) في صدّ أيّ تحرّكٍ ديمقراطيٍّ يمثّل الإرادة العامة؛ الأمر الذي ساهم في تمكين الشركات في جمع أرباحها على حساب الغلاف الجوي، في ظلّ استمرار تعطيل الحركات الجماعية باستخدام أداة الدولة.
وتستمرّ السياسات الاقتصاديّة النيوليبراليّة بالوقوف أمام أيّ حراكٍ جمعيٍّ يسعى لمكافحة التغير المناخي؛ إذ إنّ التقليل من انبعاثات الكربون يستوجب التغلّب على عقبات السوق الحرّ، من خلال إعادة السكك الحديديّة والمرافق وشبكات الطاقة، وتشجيع البنى التحتيّة الصديقة للبيئة وغيرها من الإجراءات التي تدّعي النيوليبراليّة عدمَ واقعيّتها من ناحيةٍ سياسيّةٍ، بل وتسعى حتى لجعلها غير قابلةٍ للتفكير.
ووفقاً لـ “لوكاتش”، نجحت النيوليبراليّة بالفعل في تعزيز الفردانيّة وثقافة الاستهلاك، حيث واصلت الاحتفاء بالفرديّة والتنافسيّة المفرطتيْن، ما أدى إلى إضعاف الروابط الاجتماعيّة وتفكيكها، وهو ما يمكن لمسه أيضاً في ضعف الحركات الجماهيرية.
ويخلص الكاتب بالقول إنّ الخيارات الفرديّة لن تحسم المسألة، وإن ساهمت في خلق شعورٍ بالرضى الذاتيٍّ، فلا يمكن حسمها سوى من خلال مواجهة النظام الاقتصاديّ القائم، والذي يمكن تحقيقه من خلال العمل الجمعيّ والإيمان بالقدرة على التغيير، بدءاً بالتخلّي عن القيم الفردانيّة والقناعات النيوليبراليّة.
للقراءة، من هنا
أفكار حول المدينة الفلسطينيّة في ظل النيوليبراليّة ودور الشباب فيها
تكتب يارا سعدي في موقع “اتجاه” مادةً حول المدينة والحيّز في السياق الفلسطيني في ظل الليبرلية الجديدة، تنطلق فيها من اعتبار المدينة كثيمة تسويقية للسكن والسياحة تلتزم بمعايير السوق الحرة، والتي “تغربل” بدورها السكان حسب دورهم في “التنمية الاقتصادية”، وتستثني، بشكلٍ ممنهجٍ، الفئات “غير الناجعة اقتصاديّاً”.
تجادل سعدي أنّ إعادة سياسات التخطيط والتجدّد الحضري قائمةٌ على سياسات تهجير تبدو كأنّها محايدةٌ وغير سياسيّةٍ، إلا أنّها عمليةٌ ممنهجةٌ تخدم خصخصة الحيّز العام وتشويهه وفرض الرقابة عليه. وفي ظلّ نشوء هذه التغيّرات، ظهرت تياراتٌ فكريّةٌ وشعبيّةٌ حملت شعار “الحقّ في المدينة” الذي يطالب بإشراك السكان في تخطيط وتصميم الحيّز وفقاً للحاجة، وهي فكرة تعود إلى الستينيّات للمفكّر الماركسي “هنري ليفبر” الذي اعتبرها مطالبةً أخلاقيّةً لا قانونية، وأصبحت لاحقاً توجّهاً تمّت بلورته بطرق عدّة، وعليه كثير من الملاحظات النقديّة.
وقد تعمل عمليات التجدّد الحضري على تغييب الحيز الذي تسكن فيه ذاكرةٌ وهويةٌ جماعيّةٌ، ففي بيروت على سبيل المثال، يصف “جون ناجل” هذه العمليات على أنّها تمثّل “المحاولات المضطربة لدفن الماضي العنيف في وقتٍ مبكرٍ للغاية بسبب إغراءات الحداثة”.
على وقع هذه النقاشات، تطرح سعدي عدّة تساؤلاتٍ حول “الحيّز” الذي نتطلع للعيش فيه في السياق الفلسطينيّ، متسائلةً عن إمكانية المطالبة في الحق في المدينة في ظل الاستعمار، وعن مصير النضال ضد الخصخصة في المدينة المستعمَرة. ترى الكاتبة أنّ الإجابة على هذه التساؤلات تستوجب إيجاد مدخلٍ مختلفٍ لمسألة الحيّز والسياسات النيوليبراليّة، لا يقتصر على البحث في التقاطعات بين النيوليبرالية والاستعمار أو على أثرهما كالتهجير والتخطيط المبني على العزل الطبقي فحسب، إنّما يدرس تطوّرها التاريخي والمخيال السياسي للمنظومتيَن، ومصدر قوتهما.
تبني الباحثة بعض الإجابات عبر توضيح العلاقة بين الاستعمار والنيوليبراليّة؛ فالأوّل شكّل موجة التراكم الماديّة، والتي تمثّلت بسلب الأرض، والثاني وجّه مصالحه نحو المنافع العامة التي انتزعتها الحركات الاجتماعيّة من الدولة، وتمثّل بتحويل ممارسات الحياة العاديّة إلى رأس مالٍ جديد. وقد تظهر هذه العملية المتتالية كعمليةٍ غير مقصودةٍ، محايدةٍ منزوعةٍ من السياسة، والأخطر أنّها تظهر وكأنّها نجاحٌ للمجتمع الحضري في بناء المدينة الصالحة للعيش.
ترى الكاتبة أنّ التعامل مع الحيّز العام من منطلق “الإحياء” و”الإنعاش” يحوّل قضيةً سياسيّةً جماعيّةً إلى مأزقٍ يحتاج إلى مبادرة تجميليّة، بينما أصبح العمل يتمحور حول أساليب العيش، ولم يعد موجّهاً ضدّ العنف التاريخيّ للمكان. وتختتم الكاتبة المقال بدعوةٍ إلى التفكير والتعامل مع الحيز في سياقاته التاريخيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، وذلك في ظلّ تورّط المجتمع في عملية التراكم الماديّة الثانية، وخاصةً عند التفكير بالحقّ في الحيز وعمليات “الإنعاش” المنقطعة عن الواقع السياسي والمحصورة في جماليّاتٍ مُستعارةٍ.
للقراءة، من هنا
الحراك الفلسطينيّ في مخيّمات لبنان: نحو رؤيةٍ وطنيّةٍ تقدّميّةٍ شاملةٍ
في مقالٍ نُشر في “الآداب” اللبنانيّة، يتناول الكاتب محمد الخطيب تطوّر الحراك الفلسطيني وامتداده من المخيمات في لبنان إلى الجغرافيا الفلسطينيّة والشتات، مشكّلاً بذلك نموذجاً عمليّاً لوحدة الفلسطينيّين في كلّ مكان. ومنذ صدور قرار وزير العمل اللبنانيّ باشتراط حصول اللاجئين على إجازة عملٍ، توضّحت معالم خطاب الحراك الذي تجاوز القرار الأخير وطالب بحقوق مدنيّةٍ واجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ، على رأسها تعريف اللاجئين الفلسطينيّن في لبنان تعريفاً واضحاً لا لبس فيه، يضمن حقوقهم كاملةً.
ويرى الخطيب أنّه في الوقت الذي شنّ فيه اليمين اللبنانيّ حملاتٍ إعلاميّةً وأمنيّةً وقانونيّةً تهدف إلى شيطنة الفلسطينيّين “الغرباء”، شكّل الحراك مظلّةً للوحدة اللبنانيّة الفلسطينيّة في النضال المستمر ضد الطائفيّة والعنصريّة بغية تحقيق العدالة الاجتماعية، والتصدي للعدوّ الصهيوني. تمثّل ذلك في تظاهرة صيدا بمشاركة الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين، وهتافهم الموحّد ضدّ قانون العمل العنصري، ودعمهم حق العودة، ورفضهم التوطين.
من جهةٍ أخرى، يشير الكاتب إلى أنّ الحراك في مخيمات لبنان قد كشف عن الأزمة التي تمرّ بها القيادة السياسيّة، حيث تبنّت الرئاسة الفلسطينيّة موقفاً نقيضاً لموقف الحراك بدعوتها الفلسطينيّين إلى وقف التظاهرات وشرعنتها قرارات الحكومة اللبنانيّة، مضيفاً: “سلطة أوسلو لم تكتفِ بالتنازل عن حقوقنا في فلسطين لحساب الكيان الصهيونيّ، بل تريدُنا اليومَ التخلّي عن أبسط حقوقنا الإنسانيّة في لبنان”. كما بيّن الحراك، وفقاً للكاتب، ضعف وهشاشة الفصائل الفلسطينيّة، والتي يتحتّم عليها استعادة دورها الحقيقيّ والجاد حتّى تتمكّن من كسب التأييد والرضى بين قواعدها الشعبيّة.
وعن مآلات حراك المخيمات الفلسطينيّة من أجل حقوقها في لبنان، يؤكّد المقال أنّ الحراك شكّل فرصةً لإنتاج قياداتٍ جديدةٍ، فضلاً عن ارتباط انتزاع اللاجئين لحقوقهم في سعيهم المستمرّ لإعادة “حقّ العودة” إلى رأس أولوليّات الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة.
للقراءة، من هنا