بثّت القناة الصهيونية الأولى الأسبوع الماضي (الجمعة 4 تشرين الثاني 2017) الحلقة الأولى من المسلسل التوثيقي بعنوان “وكانت البلاد تعمّها فوضى”، والذي يسرد – بحسب الرواية الصهيونية – تاريخ أرض فلسطين المحتلة منذ قدوم الإنسان الأول إليها من إفريقيا وحتى فترة الحكم العثماني.
والعنوان الدقيق للمسلسل الذي يمتد على 15 حلقة، مقتبس من التوارة “فيهآرتس هيتا توهو فبوهو”. ومعناه أن البلاد كانت تعمها الفوضى والتيه والخراب. وكلمة “توهو” قريبة من المعنى العربي “التيه” أو الصحراء، وكذلك كلمة “بوهو”، والتي تدل على معانٍ شبيهة. وبحسب أكاديمية اللسان العبري، فإن المصطلح “توهو فبوهو” ذكر مرتين في التوراة، ويعني – إجمالاً- الخراب والضياع. وفي بعض الاستخدامات يشير هذا المصطلح للفوضى، وبشكل أدق إلى الحالة الأولى للكون كأمرٍ يفتقد للتشكيل، وكفضاء لا نهائي.
يبدأ الفيديو الترويجي (trailer) بالإشارة إلى المملكات المختلفة التي مرت على أرض فلسطين: مملكة آشور وبابل، مصر، بلاد فارس، مملكة يهودا، البيزنطيين، وغيرهم وصولا إلى الحكم العثماني، ومن ثم الانتداب البريطاني. ومن ثم يتحدث الفيديو الترويجي عن أهمية هذه البلاد للديانات السماوية الثلاث، يقفز سريعًا عن العلاقة العربية والإسلامية بالأرض، مركزًا بشكل واضح على اليهودية، وعلى صلة بني إسرائيل بأرض فلسطين.
يشمل المسلسل الوثائقي مقابلات مع خبراء آثار وتاريخ، والذين يشددون بشكل واضح على العلاقة “الإسرائيلية” بأرض فلسطين، ويجيرون الآثار لصالح السياسة، وأن ما عثر عليه من آثار على الوجود اليهودي مسبقًا في فلسطين هو دليل على “شرعية الوجود الإسرائيلي الحالي” فيها كما يعبر عن ذلك أحد من تمت مقابلتهم في الفيديو.
في مقال نشر في جريدة “هآرتس” الصهيونية صباح الاثنين (07.11.2017)، تنتقد الكاتبة “أريانا ميلمد” غياب أي حملة دعائية تقوم بتشجيع الناس ودفعهم لمشاهدة هذا الفيلم التوثيقي “النادر والمهم” حسب تعبيرها. تقول الكاتبة بأن هذا العمل التلفزيوني الضخم يستحق تسويقًا بطريقة إبداعية، لكن ذلك لم يحصل. إذ بدلا من تسويقه بالطرق الحديثة عبر وسائل الإعلام الاجتماعي مثلا، اكتفت القناة الصهيونية الأولى بحفل إطلاق بسيط اشتركت فيه وزارة التربية والتعليم الصهيونية، ومتحف “إسرائيل”، وحضره رئيس دولة الاحتلال “ريئوفن ريفلين”. وتقول الكاتبة في “هآرتس” تعليقًا على ذلك: ” هكذا لا تقومون بتسويق سفينة ضخمة، هكذا تغرقونها”.
ولعل الكاتبة تقصد بذلك القول أن صبغ مثل هكذا فيلم توثيقي مهم في صناعة الوعي الصهيوني وتحفيز الارتباط بأرض فلسطين في أوساط الأجيال الجديدة، يجب أن لا يتم بوسائل “رسمية” ومباشرة وواضحة. أي أن مشاركة رسمية من قبل وزارة التربية والتعليم، ومن قبل رئيس دولة الاحتلال، يرمز إلى نوع من “الدولاتية” في الطرح، وكأن هناك عملية رسمية ممنهجة. أما البديل، فهو بطبيعة الحال، خلق حالة شعبية مناصرة لمثل هكذا أفلام وأعمال توثيقية، عن طريق مخاطبة الجمهور بطرق أكثر حداثة، وهو ما عبرت عنه بالقول أنه كان من الأفضل لو خطط لهذه السلسلة التوثيقية عن طريق “فيلم رسوم متحركة ” animation – وليس بالنمط التربوي التقليدي الذي تظهر فيه حاليًا.
وعلى الرغم من حديث الكاتبة في جريدة “هآرتس” عما أسمتها “العيوب” في المسلسل المذكور، إلا أن ذلك لا يقلل من قيمة هذا المسلسل ضمن ما يعرف صهيونيا بمجال “معرفة البلاد”. وهو قطاع واسع وغني بنته الحركة الصهيونية منذ نشوئها يهدف إلى ربط المستوطنين بأرض فلسطين عن طريق تعميق المعرفة بها، سواء بالكتب والمنشورات، أو المتاحف، أو الجولات التي تزخر بها كل مدرسة وكل جانب من جوانب الحياة اليومية الصهيونية.
وقد عبّر رئيس دولة الاحتلال عن تلك القيمة، في حفل إطلاق هذا المسلسل يوم الجمعة الماضي، إذ قال: “أنا أحب أرض إسرائيل، من كل قلبي. بشكل رئيسي لأنني تربيت على ذلك، وكذلك لأنني مشيت في سبلها، وعرفتها بقدميّ. وحتى الآن أعتقد أنه يمكن أن نستمر ونقوّي الحب للأرض، وجذور هذه التقوية هي التعرف، التعلم، بمعرفة الأرض. هذه الحاجة لمعرفة أرض إسرائيل ولتقوية الحب للوطن، هي التي أثمرت هذه السلسلة الوثائقية الرائعة التي جئنا لإطلاقها اليوم”.
يكمل ريفلين: “هذا ليس مفهوم ضمنا في جيل اليوم، الجيل الذي يسمى في بعض الأحيان “جيل الانترنت”، أن يشاهدوا مسلسلات رائعة كهذه تعتمد على العمق، والشمول واتساع الأفق. مع الانتهاء من هذه السلسلة، تكمل الإذاعة العامة في القناة الأولى ثلاثية أثرية، تاريخية، ومؤسسة، إلى جانب سلسلة “عمود النار” وسلسلة “البعث\ولادة جديدة”، والتي ركزت على الصهيونية ودولة إسرائيل، في هذه السلسلة الجديدة نستطيع أن نتعمق أكثر ونتعلم عن أساسنا، على البنية الأساسية، الأرض التي كلنا مرتبطون بها”.