وعلى الرغم أنّ الدافع الاستعماريّ كان هو الأساس وراء حُمّى اكتشاف فلسطين، إلا أنّ مسألةً أوروبيةً دينيةً خاصّةً، ذات علاقةٍ بعلم الأحافير تحديداً، أضافت دافعاً آخر لهذه الحُمّى. هنا بعضٌ من فصول قصّة أحافير فلسطين، وكائناتها الحجرية، في سيرتها السياسيّة.
بدايات
(1)
عندما طلب منّا معلم اللغة العربية كتابة موضوع الإنشاء الأوّل عن شخصيّةٍ تاريخيةٍ عظيمةٍ، لم أجِد أعظم من خالي جميل الذي علّمني الحراثة وفنون الزراعة لأكتب عنه، ولا زلتُ أذكر سطره الأوّل: خالي جميل الفلاح الفلسطينيّ الذي تُوقظ ضربات فأسه ديوك قريتنا، فتصحو وتبدأ بالصياح …
في صحبة خالي جميل الذي غمرني بالحبّ، تفتّح وعيي الأول على الأرض بترابها وصخورها ونباتها وحيوانها. تثير فضولي، تسحرُني قوّة الأرض على الإنبات؛ فالحبّة تصير سنبلةً والبذرة ترتفع شجرةً، وشيئاً فشيئاً صارت الأرض تُسمّى فلسطين، عشقاً خالصاً، وشغفاً لا ينتهي، بلا أيديولوجيا، ولا سياسةٍ، ترادفت فيه فلسطين مع أرضٍ نبتُّ فيها، بجوار الزعتر والقمح والمشمش، وتفتّحتْ مداركي وأحاسيسي بين فلّاحين يكدحون في الأرض، أُحبُّهم ويحبُّونني، وأغفو على حكاياتهم العتيقة مساءً، وتطربني مواويلهم الزراعيّة نهاراً.
كان ذلك قبل أن تصير الأرض فكرةً مُجرّدةً في تاريخٍ وطنيٍّ أو بيتِ شعرٍ أو انتماءٍ سياسيٍّ، ومن الأرض وصلتُ السماءَ، أحببتُ الله لأنّه يحبُّ أرض فلسطين، ولأنّني تأمّلتُ كثيراً وجوه الفلّاحين يرفعون أيديهم وأعيُنهم إلى السماء، وهم يبذُرون القمح أو يغرسون الشجر يطلبون منه بعشمٍ “أطعِمنا وأطعِم منّا يا رب”، هكذا ببساطةٍ، ودون تعقيدات العقائد، ولا طمعاً في ثوابٍ أو خوفاً من عقابٍ.
في الأرض، وفي صحبة خالي جميل، تعلّمتُ درسي الأوّل في الجيولوجيا “الأرض بتِفرِق بالشبر”، [1] وأثارتْ فضولي أحجارٌ غريبة الشكل، حسبتُها للوهلة الأولى من عمل يد الأسلاف، إلى أن اشتريتُ كتابي الأوّل “علوم الأرض” من مكتبة الجُعبة، وغمرتني دهشة الاكتشاف بأنّها كائناتٌ حيّةٌ مُتحجّرةٌ عاشت قبل ملايين السنين على أرضنا، وأنها تُسمّى أحافير أو مُستحاثّات.
(2)
قبل حوالي 10 – 25 مليون سنةٍ، بدأتْ مياه بحر تيطس، الذي كان يفصِلُ ما بين قارات “العالم القديم”، تنحسِر عن فلسطين لتتحوّل بلادنا بعد ذلك إلى أحد المعابر الأربعة الرئيسة ما بين الأقاليم الحيويّة (الحيوانيّة والنباتيّة) في الكرة الأرضية، على شكل جسرٍ برّيٍّ، وتلتقي فيها ثلاثةُ أقاليمَ حيويّةٍ: الصحراء العربية والإيرانيّ الطورانيّ والمتوسّطيّ، مع تأثيراتٍ للإقليم الأثيوبيّ، جعلت من أرضِها أرشيفاً أُحفوريّاً وسِجّلاً لحركة الخروج العظيم من إفريقيا، موطن الحياة الأوّل على الأرض منذ ملايين السنين، فكثُرت فيها الأحافير، وخاصةً تلك التي تُشكّل حلقات وصلٍ ما بين الأجناس.
(3)
إلى عالم السياسة دخلتُ من باب “يوم الأرض”، مضت الأيام وجاءت الانتفاضة الأولى بوعودها الجميلة وأحلامها الكبيرة، لأستفيق على صدمة الفلسطينيّ يزرع غصن الزيتون في فوّهة بندقية الجنديّ الصهيونيّ. ضاعت فلسطين في الطريق إلى فلسطين، كان الشعور بخيانة الأرض يسحق روحي، وأوصلني في أحيانٍ كثيرةٍ إلى كره الذات، فلا يزرع زيتون الأرض في بندقية غازٍ إلّا غازٍ مثلُه… فصرتُ أحمل الديوان الجنائزيّ أحد عشر كوكباً لمحمود درويش، مُردِّداً “في المساء الأخير على هذه الأرض”، وأسرحُ في الخلاء بعيداً عن البشر قدر الإمكان، أبحث عن “فلسطين خاصّتي”، فلسطين النقيّة البرّية ما قبل البشر، فلسطين الأولى قبل أن “يُلوّثها” “الغزاة”، كلّ الغزاة، بمن فيهم نحن، وجدتُ في نباتها وحيوانها وأحافيرها وَنَساً فقدتُه بين البشر … وهكذا، وبعد كلّ شطحةٍ، أعود ومعي أحفورةٌ أو أكثر، وبعد مرور أكثر من عشرين سنةً جمعتُ المئات منها من مختلف العصور الجيولوجية…
من قصّتي مع كائنات فلسطين الحجريّة إلى قصّة أحافير فلسطين في سيرتها السياسيّة، تتوالى فصول رحلةٍ امتدّت ملايين السنين أرويها لكم في بضع صفحاتٍ …
ما هي الأحافير ؟
الأحافير أو المستحاثّات، هي بقايا أو آثار كائناتٍ حيّةٍ، من حيوانٍ ونباتٍ، عاشت على الأرض قبل ملايين السنين، وتحوّلت كاملةً، أو بعضُ أجزائها، عبر ملايين السنين إلى متحجّراتٍ. وتشمل الأحافير أيضاً الآثارَ التي تركتها هذه الكائنات من مثل آثار الأقدام في الصخور أو طبعاتٍ لشكل الأجساد. ومنذ القدم، أثارت هذه الكائنات الحجرية مُخيّلة الإنسان؛ فأنتج حولها تصوّراتٍ وأساطيرَ، واستخدمها زينةً وفي الطبّ الشعبيّ. وفي القرن الثامن عشر، نضج علم دراسة الأحافير (Paleontology)، كأحد فروع الجيولوجيا والأنثروبولوجيا البيولوجيّة (علم الإنسان)، وصار تخصّصاً أكاديمياً بعد انفصاله عن الفلسفة الطبيعية.
أحافير وأساطير: من يافا إلى سوق العطّارين
أُعجب الإنسان الأوّل بالأحافير جماليّاً، فعلّقها قلائدَ للزينة، كما تُشير الحفريّات الأثريّة لإنسان ما قبل التاريخ، كما وضعها في المدافن لترافق الموتى في رحلتهم نحو العالم الآخر. وتُخبرنا دراسات فلكلور الأحافير أنّ الأحافير أثارت فضول الإنسان؛ فاجتهد في إعطائها تفسيراتٍ نَصِفُها اليوم بالأسطوريّة. ففي حوض المتوسط، فُسِّرت هذه العظام الضخمة المتحجّرة بكونها تعود لكائناتٍ خارقةٍ ووحوشٍ كاسرةٍ تارةً، ولأبطالٍ أسطوريّين وأقوامٍ من العمالقة عاشوا في زمانٍ ماضٍ، تارةً أخرى، وما يهمُّنا في هذا السياق أساطيرُ الأحافير في فلسطين.
في كتابها الموسوم (صائدو الأحافير الأوائل)، [2] تقول “أدريان مايير” إنّ حكايات الكائنات الأسطوريّة والوحوش، ومن ضِمنها التنّين، نشأت في المناطق التي وُجدت فيها كمياتٌ كبيرةٌ من أحافير الحيوانات الضخمة. ففي الصين مثلاً، يُسمّون عظام المستحاثّات عظام التنّين. وفي هذا السياق، تورِد الباحثة “أدريان” الأسطورة الإغريقية التي دارت على شاطئ يافا؛ أسطورة الفاتنة “أندروميدا” (نورميندا بحسب لغة أهل يافا قبل النكبة)، التي رُبطت بالسلاسل على صخرةٍ في شاطئ يافا قُرباناً لوحشٍ بحريٍّ ليأتي لإنقاذها حبيبها “بيرسيوس” المجنّح من أنيابه. وتدعم الكاتبة نظريّتها هذه بما نقله المؤرّخون الرومان بأنّ بقايا عظامٍ وجمجمةٍ ضخمةٍ عُرِضت على منصّةٍ خشبيّةٍ في احتفالٍ أقامه “سوروس”، حاكم فلسطين الروماني، ثمّ نُقلت العظام والجمجمة إلى روما، بحسب المؤرخين الرومان.
وتنقلُ “أدريان” عن المؤرّخ اليهوديّ “يوسيفوس فلافيوس”، في كتابه “تاريخ اليهود”، في القرن الأوّل للميلاد: أنّ عظام العمالقة الذين انتصر عليهم بنو إسرائيل في منطقة الخليل ما زالت تُشاهَد في المنطقة، حيثُ وقعت المعركة بالقرب من الخليل. وربّما القصد هنا بيت جبرين، موطن القوم الجبّارين بحسب الروايات. كما يردُ في أدبيات فلكلور الأحافير أنّ حكايات الانتصار على العمالقة، والتي ظهرت في الأماكن التي تتواجد فيها عظام المستحاثّات، قد استُخدمت منذ القدم لخلق تاريخٍ بطوليٍّ للجماعات البشريّة لأغراضٍ سياسيةٍ.
أما الغزاة الصليبيون، فحملوا معهم إلى أوروبا أحافير الأرض المقدّسة -فلسطين، والتي كانوا يسمّونها “أحجار اليهود”، وهي نوعٌ من الأحافير البحريّة التي تشبه ثمرة الزيتون، وعلّقوها في رقابهم تمائمَ تجلب السعد. وفي حربه على الفكر اللاهوتيّ في أوروبا، قال “فولتير” إنّ الحُجّاج القادمين من الأرض المقدّسة أتوا بأحافير الأسماك والكائنات البحريّة ورموها في أعالي جبال أوروبا، وذلك خلال سعي “فولتير” لنقض الاستناد إلى هذه الأحافير التي وُجِدت في أعالي الجبال، والتي تمّ تفسيرها بأنّ الطوفان العظيم قد حملها إلى هناك بالرجوع إلى الكتاب المقدّس. [3] وفيما بعدُ سيقول رجال الدين المسيحيون إنّ الله رمى الأحافير في الطبيعة ليختبر إيماننا بالكتاب المقدّس!
وإلى يومنا هذا، ما تزال أحافير “حجر اليهود”، وهي عبارةٌ عن أشواك قنفذ البحر المتحجّرة، تُباع في محلات العطارة لاستخدامها في الطبّ الشعبيّ لمعالجة حصى الكلى والمرارة. وتقول عنها أدبيات الطبّ والصيدلة العربية الإسلامية إنّها حصى تنبُت من عند الله في جبال بيت المقدس، وقيل في حطّين. وأمّا تسميتها باسم “حجر اليهود” فترجع إلى الطبيب “ديسقورس” اليونانيّ، الطبيب العسكريّ في جيش نيرون الرومانيّ، وأخذها عنه ابن سينا وابن البيطار وغيرهما. [4]
في سوق العطّارين في القدس، كان لأبي عيسى العطّار، رأيٌ آخرُ في سبب تسمية هذه الأحافير بحجر اليهوديّ عندما سألتُه عن سبب التسمية، فقال: لأنّها قاسيّة زي قلوب وعقول اليهود! ذكّرني حديث العطّار هذا بحديث معلمي الأوّل في الأرض والزراعة، خالي جميل، عندما علّمني يوماً أنواع الصخر المزّي؛ فقال: هو نوعان: مزّ حلو (أيّ طريّ) ومزّ يهودي؛ أيّ قاسٍ. ولعلّ هنا مكان الإشارة إلى أنّ قرويّي بلادنا يُسمّون بعض الأحافير الشائعة بطاقية جحا “وشخة” جحا وطاحونة النمل.
أحافير فلسطين سجلّاً لاستعمارها
في القرن الثامن عشر، نضجت فكرة أنّ للأرض تاريخاً، تماماً كما الإنسان، واتّخذت هذه الفكرة مُسمّى التاريخ الطبيعيّ، وأصبح علماء الجيولوجيا والأحافير يتعاملون مع الطبيعة كما يتعاملون مع التاريخ الإنسانيّ، فكما تتمُّ إعادة بناء الماضي الإنسانيّ بالاستناد إلى الوثائق والمصادر والأرشيف والآثار، فكذلك تمّ نقل هذه الرؤية بحرفيّتها، وفرضُها على الطبيعة قبل الإنسان، وإعادة بناء ماضيها السحيق. فأصبح للطبيعة مصادر، وأرشيف، وآثار، [5] ومن أهمّها الأحافير التي اعتُبرت بمثابة أرشيف الحياة على الأرض، بعدما حُسِم الجدل بأنّ الأحافير بقايا كائناتٍ عضويّةٍ، وليست أشكالاً غريبةً لصخورٍ ما وحسب، [6] ومن ثمّ مؤشِّراً على عمر طبقات الأرض.
وصلت هذه الفكرة ذروتها مع نظرية التطوّر لـ “داروين”، في سياقٍ استعماريٍّ إمبرياليٍّ، ترافقت فيه المعرفة مع النهب والسيطرة والإبادة. وهنا يمكننا الإشارة إلى دور حملة نابليون على مصر في عام 1798، والتي اعتمد “جورج كوفير” (مؤسّس علم الأحافير) على منهوباتها من الحيوانات المحنّطة، في بناء نظريّته المؤسِّسة، حول الانقراض؛ أيّ أنّ الأحافير تعود لكائناتٍ عاشت في الماضي ولم تعُد موجودةً. رفض “كوفير” فكرة التطوريّة، وأرجع الانقراض لكوارث دوريّةٍ حدثت في أزمنةٍ متباعدةٍ على الأرض. [7] ترافق كلّ ذلك مع ما أُطلق عليه عصر الاكتشافات الأوروبيّة وما أنتجته من نظرياتٍ لتصنيف الكائنات الحيّة وصولاً إلى البشر، من هنا كانت الطريق مُمهّدةً لنشوء نظرياتٍ عنصريةٍ حول الأعراق والأجناس البشريّة جعلت من الرجل الأبيض يقف في أعلى هرم التطوّر، ويطلُّ على العالم من هناك، ويُطلق عليه النار.
فلسطين: دفاعاً عن الكتاب المقدّس ضدّ علم الأحافير
خلال الحكم المصريّ العابر لفلسطين (1831-1840)، فُتحت البلاد للغزو المعرفيّ والثقافيّ والسياسيّ للقوى الاستعمارية الأوروبية الفتيّة، وبدأت هذه الدول باستثمار اختراقها السياسيّ في هذه المرحلة لتأسيس صناديق اكتشاف فلسطين واحداً تلو الآخر. كان أوّلها صندوق استكشاف فلسطين البريطانيّ في عام 1865، تلاه الصندوق الأمريكيّ في عام 1870، والألمانيّ في عام 1877، والفرنسيّ في عام 1890. وعلى الرغم أنّ الدافع الاستعماريّ كان هو الأساس وراء حُمّى اكتشاف فلسطين في هذه الفترة، إلا أنّ مسألةً أوروبيةً دينيةً خاصّةً، ذات علاقةٍ بعلم الأحافير تحديداً، أضافت دافعاً آخر لهذه الحُمّى. ففي نهاية القرن التاسع عشر، كانت النتائج التي توصّل إليها علم الأحافير بأنّ عمر الحياة على الأرض ملايينُ السنين، قد بدأت تُشكّل تحدّياً جدّياً ومُحرجاً للرواية الدينية المسيحية حول تاريخ العالم، والذي قدّره اللاهوتيون بحوالي 6000 سنةٍ. كانت فلسطين المكانَ الأكثر مناسبةً للدفاع عن صحّة الكتاب المقدّس، باعتبارها المكان الذي وُلد فيه هذا الكتاب، ولتأكيد دقّة وصحّة روايته من خلال تأكيد مطابقة أحداثه للواقع على الأرض. [8]
للمزيد حول التنقيب الأثري البريطاني وصندوق استكشاف فلسطين، اقرأ/ي:علم الآثار ورسالته: الحضور البريطاني في القدس في القرن التاسع عشر
وهكذا بدأت أحافير فلسطين تخضع للبحث والجمع والتحليل، وتُنقل إلى أوروبا وأمريكا، لكيّ تُقارَن بغيرها من الأحافير الموجودة في متاحف التاريخ الطبيعيّ. وبدأت أحافير بلادنا تدخل الأرشيف الاستعماريّ في “المجموعة القوميّة للأحافير” في الجامعة العبريّة في القدس، وما زالت بعض الأحافير التي جمعها الضابط البريطاني “كوندير”، قائدُ حملة “مسح فلسطين الغربية” في العام 1872، [9] موجودةً إلى يومنا هذا. وشاءت الأقدار أن يخرج “كوندير” هذا، والذي كان مهووساً بحجارة بلادنا، من الخدمة الاستعمارية فيها بحجرٍ قذفه به فلّاحو صفد في العام 1875، فأصابوه بجروحٍ خطيرةٍ.
في العام 1847، انطلقت البعثة الأمريكية لاستكشاف نهر الأردن والبحر الميّت، يحرّكها خليطٌ من الدوافع الاقتصادية والعلمية والدينية، مُعلنةً بداية الاهتمام الأمريكيّ السياسيّ بفلسطين ونحو مدّ النفوذ الأمريكي للمنطقة اقتصادياً وسياسياً. وكان قائد البعثة “وليام لينش”، الضابط في مشاة البحريّة الأمريكية “المارينز”، من دعاة توطين اليهود في فلسطين والأردن، فتاريخنا العدائيّ طويلٌ مع المارينز. حملت البعثة معها عشرات الأحافير التي جمعتها من البحر الميّت ونابلس وصفد والنبي صمويل ووادي قدرون وغيرها، وما تزال هذه الأحافير المنهوبة مودَعةً في متحف جامعة “ييل” الأمريكية إلى يومنا هذا. [10]
أحافير وأحافير!
كان المكتشفون الأوروبيون يلاحظون وينتبهون ويوثّقون أدقّ تفاصيل الحيوان والنبات والأحجار والآثار، حتى وصل الهوس بأحدهم أن يقوم بدراسة أشكال غيوم الأرض المقدّسة! رأوا كلّ ذلك، لكنّهم لم يروا البشر أهل فلسطين في فلسطين. كانت فلسطين تبدو في كتابتهم وصورهم وخرائطهم وكأنّ أهلها يختفون بمجرّد أن يقع عليهم نظر المستكشفين، لكن يبدو أنّهم في مرحلةٍ ما “شعروا بالذنب“، فقرّروا أن يرَوْنا. وهكذا، بدأ أهل البلاد بالظهور في نصوص الرحّالة والمستكشفين تحت مُسمّى “أحافير حيّة”، بمعنى مجرّدُ وجودٍ متحجّرٍ توقّف عنده الزمان، فعادات وتقاليد ولغة وحكايات الفلّاحين الفلسطينيّن كانت بالنسبة لهم بقايا من زمان الكتاب المقدّس. [11] لم تكن رؤية أهل البلاد كأحافير حيّةٍ نابعةً من منطلقٍ دينيٍّ فقط، وإنّما كان لها أيضاً منطلقاتها السياسية المتعلّقة باحتضان الإمبريالية الأوروبية، التي مثّلها هؤلاء المستكشفون للمشروع الصهيونيّ في بلادنا فلسطين. ففي مقابل الأحافير الحيّة الجامدة، التي هي نحن أهل البلاد، اعتُبر الصهاينة وكلاءَ لـ”تحديث” فلسطين وإدخالها مسيرةَ التقدّم الحضاري.
في الجزء الأوّل من كتابه “مختصر دراسةٍ للتاريخ”، يصف المؤرخ البريطاني الشهير، “أرنولد توينبي”، اليهودَ بأنّهم أحفورةٌ تاريخيةٌ [12] انتهت كوجودٍ سياسيٍّ تاريخيٍّ، وأنّ الصهيونية تحاول أن تُعيد هذه الأحفورة للحياة، وأنّ ذلك إشكاليٌّ ولا يتّفق مع دورة حياة الأمم والحضارات التي تمرُّ بمراحلَ شبيهةٍ بالكائن الحيّ من الطفولة، ثمّ الفُتوّة، فالكهولة، وصولاً للموت، بحسب نظريته. استحقّ “توينبي” المنقلب على موقفه المؤيّد للصهيونية في شبابه وسام “معاداة الساميّة” بسبب وصفه لليهود بالأحفورة، ودبّج الصهاينة عشرات الكتب والدراسات للردّ عليه، أهمّها “هرطقة توينبي ” لـ “أبا إيبين”، وصولاً إلى نتانياهو:
“وكان مؤرخٌ كبيرٌ (بنظرته الذاتية على الأقل) يُدعى “أرنولد توينبي” [مؤرخٌ بريطانيٌّ شهيرٌ] قد قال مطلع القرن الماضي [القرن-20] إنّه لا يوجد شيءٌ اسمه “الشعب اليهوديّ”، حيث نعت هذا الشعب بـ”أحفور” بالمعنى الحرفيّ للكلمة. غير أننا عُدنا، وها نحن حاضرون هنا، وأنتم تجلسون هنا، وإسرائيل واقفةٌ هنا”. [13]
أحافير فلسطين في المشروع الصهيوني
منذ العام 1894، قام عالم الجيولوجيا الألمانيّ “ماكس بلانكهورن” بعدّة مُسوحاتٍ جيولوجيةٍ لصالح الدولة العثمانية في فلسطين، أكسبته هذه المسوحات لقب الخبير الأوّل في جيولوجيا فلسطين، ليكلّفه السلطان عبد الحميد الثاني عام 1907 بتنفيذ مسحٍ جيولوجيٍّ للثروات الطبيعية في البحر الميّت، ويبدأ مسحه في بداية العام 1908. [14] وبعد عزل السلطان عبد الحميد، جُمِّد مشروع المسح وتوقّف “بلانكهورن” عن العمل، ممّا اضطرّه لرفع دعوى قضائيةٍ للحصول على مستحقّاته المالية من الدولة العثمانية. في العام 1911، استغلّ الصهاينة خبرة “بلانكهورن” في جيولوجيا فلسطين، وربّما أيضاً ضائقته المالية، وعيّنه “أوتو فاربورغ”، رئيس المنظمة الصهيونية العالميّة، رئيساً للّجنة البحثية الصهيونية في فلسطين التي أُسِّست في ذات العام، وعُيّن الجاسوس وعالم النبات الصهيوني “آرون أهارنسون” مُعاوناً له. [15]
أثمرت مسوحات “بلانكهورن” الجيولوجية تقريراً سرّيّاً عن الموارد الطبيعية لفلسطين، خاصّةً ثروات البحر الميّت، قدّمه لـ”هرتزل”. تعود النواة الرئيسيّة الأولى لمجموعة الأحافير في “المجموعة القومية للأحافير”، [16] في الجامعة العبريّة سالفة الذكر، إلى هذه المسوحات التي سخّرها “بلانكهورن” خدمةً للمشروع الصهيوني خلال تلك الفترة، لتبدأ أحافير بلادنا بالتراكم في أيدي الصهاينة بشكلٍ منظّمٍ بالتزامن مع تقدّم المشروع الصهيوني في بلادنا، ونشوء مشاريعه الاقتصادية، خاصّةً التعدينيّة، التي جاءت مُحصّلةً للمُسوحات الجيولوجية.
“قطّاع طرقٍ” يقطعون طريق الإمبراطورية في وادي زويرة
بعد وقوع فلسطين تحت الاحتلال البريطانيّ، وضمن الرؤية الاستراتيجية للمصالح الإمبراطورية البريطانية، أصبح من الممكن عمليّاً تحويل النظرة الاستعمارية الأوروبية للصهاينة كوكلاء، لتحديث فلسطين وتنميتها، إلى وقائعَ على الأرض. [17] قامت هذه الرؤية على استغلال موارد فلسطين الطبيعيّة لاستكمال عملية إدخالها في النظام الرأسمالي الاستعماري، منذ أواخر العهد العثماني، إضافةً إلى رعاية قيام كيانٍ استيطانيٍّ عميلٍ مكتفٍ ذاتيّاً، ولا يشكل عبئاً على الخزينة البريطانية، لخدمة هذه المصالح.
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، تحوّل البحر الميّت إلى محطّ أنظار كلّ القوى الاستعماريّة العالميّة، “من يملك البحر الميّت يملك مفتاح الشرق الأوسط”، هكذا تعالت الأصوات في مجلس اللوردات البريطاني بُعَيد احتلال فلسطين، [18] هذا بالإضافة إلى القوى الرأسمالية المحليّة من آل الحسيني وحزبون، وصولاً إلى “باهوات” إسطنبول.
كان الصهاينة قد تجهّزوا مبكّراً للسيطرة على البحر الميّت؛ فبعد إنشاء الجامعة العبرية في القدس في العام 1925، لعبت دائرة الجيولوجيا دوراً محوريّاً في التهيئة لحصول الصهيوني “موشيه نوفوميسكي” على امتياز البوتاس للبحر الميّت في العام 1930، من خلال العلاقة البحثية التي جمعت مؤسّس الدائرة “يهودا بيكرد”، والمستشار الجيولوجي الرئيس لسلطة الانتداب، “جورج ستانفيلد بليك”، والذي عُرف عنه تعاطفه النشِط مع المشروع الصهيوني. [19]
وخلال هذه الفترة، ستشهد عمليات جمع و”اكتشاف” أحافير فلسطين طفرةً نوعيّةً، سيقوم على إثرها “بيكرد” بتأسيس “المجموعة القوميّة لأحافير الحيوانات اللافقارية” في الجامعة العبرية.
استمرّ “جورج ستانفيلد بليك” في أبحاثه الجيولوجية المشتركة مع الصهاينة، وانتهى من رسم أوّل خارطةٍ جيولوجيّةٍ لفلسطين في العام 1939. وفي تمّوز من العام 1940، وأثناء قيامه بمسحٍ جيولوجيٍّ للتنقيب عن النفط جنوبيّ البحر الميّت، سقط “بليك” قتيلاً بالرصاص، هو وحارسه من “الهاجاناه”، في وادي زويرة على يدّ من أسمتهم السلطات الانتدابيّة “عصابة من قطّاع طرق”.
وعلى سيرة الثلاثي: الجيولوجيا والنفط وقطّاع الطرق، يُخبرنا تاريخ علم الأحافير في منطقة “الشرق الأوسط” بأنّ جيولوجيا التنقيب عن النفط، وخاصّةً من قبل الشركات الإنجليزية، قد ساهمت بشكلٍ حاسمٍ في تطوّر علم الأحافير في هذه المنطقة المُشرّعة الأبواب لقطّاع الطرق الدوليّين. فقد كانت شركة بترول العراق الإنجليزية، [20] “بريتيش بيتروليوم” لاحقاً، قد وصلت إلى مراحلَ متقدّمةٍ في إنشاء مركزٍ إقليميٍّ لأبحاث الجيولوجيا والأحافير في القدس للاستفادة من خبرات وإمكانيات الجامعة العبريّة في هذا المجال، إلا أنّ اندلاع حرب النكبة عطّل المشروع. [21]
“أفعى هاس من الأرض المقدّسة”
شكّل الانتماء للمشروع الصهيونيّ الاستيطانيّ الهوية الأساسية للنواة الأولى لعلماء الأحافير في الجامعة العبريّة، تواءمت هذه الهوية مع الأصول الألمانية لأكاديميّي الجامعة الأوائل، الذين حملوا معهم الفلسفة الألمانية للممارسة الأكاديمية، والتي تنفر من العلم النظريّ وتدعو إلى العلم التطبيقيّ. وسعت هذه النواة لتأسيس مجموعاتٍ للتاريخ الطبيعيّ في فلسطين استمراراً للتقليد الأوروبيّ الاستعماريّ في إنشاء مجموعات التاريخ الطبيعيّ من منهوبات البلاد المُستعمَرة. وكان الاستثناء الوحيد في هذه المجموعة عالم الأحافير “جورج هاس”، الذي قَدِم إلى فلسطين في العام 1932 مُستوطِناً لأسبابٍ “علميّةٍ” لا أيدلوجيّةٍ صهيونيةٍ؛ إذ شكلّت فلسطين بالنسبة لـ”هاس” فرصةً بحثيّةً بالنظر إلى موقعها الجغرافيّ الحيويّ لدارسي الأحافير، وإمكانية تحقيق إنجازٍ علميٍّ عالميّ، خاصّةً في مجال الأحافير التي تشكّل الحلقات المفقودة في سلسلة التطوّر.
في العام 1981، وفي قرية عين يبرود الغنيّة بأحافير الزواحف والأسماك، “اكتشف” “هاس” أحفورةً كاملةً لأفعى ذات أرجلٍ صغيرةٍ، عمرها 94 مليون سنةٍ. منح الاكتشاف “هاس” اسماً عالميّاً في علم الأحافير؛ كون الأحفورة تمثّل حلقةً مفقودةً في سلسلة تطوّر الأفاعي، وأُطلِق على أفعى عين يبرود (Haasiophis Terrasanctus)؛ أيّ ” أفعى هاس من الأرض المقدّسة”. [22]
ديناصور قالونيا، ماموث جسر بنات يعقوب وإنسان فلسطين
تطوّر علم الأحافير الصهيوني بشكلٍ مضطردٍ بعد حرب النكبة 1948، في سياق عمليات البحث عن الموارد الطبيعية، وما ترافق مع المشاريع الاستيطانية والبنية التحتية من حفريات وشقّ الطرقات، بالإضافة إلى سعي المستوطنين لبناء انتماءٍ للأرض من خلال معرفتها علميّاً والذهاب عميقاّ في تفاصيلها مجازاً وحقيقةً. وهكذا، وبعد ما يقارب 100 عامٍ على انطلاق علم الأحافير الصهيوني في بلادنا، أصبحت فلسطين من المراكز الرئيسة في العالم في علم الأحافير بأفرُعه المختلفة، وبدأت تتشكّل بؤرٌ بحثيةٌ في فلسطين ذات مكانةٍ دوليّةٍ امتدّت من كائنات وادي الرمّان البحريّة في ديار بئر السبع، مروراً بآثار أقدام ديناصورات قرية قالونيا المهجّرة، والهياكل الضخمة لفيلة الماموث عند جسر بنات يعقوب، ووصولاً لإنسان الكرمل في مغارتيْ طابون وسخول، وإنسان الجليل وتلّ العبيدية على نهر الأردن.
التاريخ الطبيعي كأيديولوجيا للّاعنف
على باب متحف التاريخ الطبيعيّ في بيت لحم، تستقبلك زيتونةٌ معلّقٌ عليها قنابل غاز، تدخل غرفة المعروضات، حيث تتزاحم أحافيرُ وحيواناتٌ محنّطةٌ وعيّناتٌ جيولوجيةٌ لصخورٍ ومعادن، وخزانةٌ للكتب، عليها لافتة “كتبٌ قديمةٌ”، تحوي كتب الرحّالة والمستكشفين الأوروبيّين الذين قدِموا إلى فلسطين ضمن الإمبرياليّة المعرفيّة. قرّر القائمون على المتحف وضْعَ صورةٍ لـ”هنري تريسترام” بجانب صورةٍ لمؤلَّفه “حيوانات فلسطين”، الصادر عن صندوق استكشاف فلسطين الاستعماريّ. وعلى يمين خزانة الكتب القديمة، تنتصب خزانةُ كتبٍ ثانيةٌ تحوي مؤلفات مدير المتحف وبعض الدراسات، وقد اختار أن يضع مؤلَّفَه حول المقاومة اللّاعنفية ضمن معروضات متحف التاريخ الطبيعي، على اعتبار أنّ كلَّ شيءٍ سياسيٌّ في فلسطين حتى البيئة والطبيعة كما قال.
تقوم مقولة الكتاب الأساسيّة التي توصّل إليها الكتاب، بناءً على البحث التاريخيّ، على أنّ الفلسطينيين منذ بداية صراعهم مع الصهاينة في العام 1880 كانوا دوماً غير عنيفين، وأنّهم تحوّلوا للعنف فقط بعد بدء الإنجليز بإطلاق النار عليهم في مظاهراتهم السلميّة. وبغض النظر عن دقّة المقولة تاريخيّاً، وهي قطعاً مقولةٌ متهافتةٌ، فإنّ الملفت كيفيّةُ الدمج في المتحف بين التاريخ الطبيعي من أحافيرَ وحيوانٍ ونباتٍ وبين أيديولوجيا اللاعنف، بحيث تبدو هذه الأيديولوجيا متّسقةً مع الاهتمام بالتاريخ الطبيعي والمحافظة على البيئة.
في متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك
أجبرني ظرفٌ عائليٌّ قاسٍ قبل 5 سنواتٍ على السفر إلى أمريكا، كانت رحلتي الأولى إلى أمريكا التي أكره، أمريكا التي حملتْ بي أمي فيها، وهربتْ منها بي جنيناً في بطنها، لتلدني في القدس، لئلا يلتهمني وحش الغربة كما فعل بإخوتي. كانت الغربة تخنقني، مللٌ قاتلٌ، وحنينٌ هائجٌ للوطن. لم أجد ما يستحقّ الزيارة ويمنحني بعض التسلية هناك سوى متاحف التاريخ الطبيعيّ ومتاحف التاريخ العسكريّ لأمريكا؛ الأولى سجلٌّ للبلاد المنهوبة، والثانية سجلٌّ لإخضاعها قبل نهبها.
وأنا أتجوّل في قسم الأحافير البشريّة في متحف نيويورك، وجدتُ ذاتي واقفاً أمام أحفورةٍ لجمجمةٍ من مغارة سخُول في الكرمل. أمام هذه الأحفورة، أحسستُ وكأنّ باباً فُتح ودخلتُ منه إلى بيتي في وطني. جلستُ في زاويةٍ أتأمّلُها وأتأمّل المكان وزوّاره، وسألتُ نفسي كيف أصبحتْ هذه الكائنات الحجريّة تشعرني بالوَنَس والفرح، بل وكيف صارت مكوّناً أساسيّاً في هويّتي الوطنيّة وذاكرتي التاريخيّة التي صار عليّ أن أسميها ما قبل تاريخية!
وفي الوقت ذاته، لم أستطِع التخلّص من وساوس الانقراض المرعبة التي تكثّفها هذه الكائنات الحجريّة. كنتُ أتفحّص وجوه مجموعةٍ من زوّار المتحف الذين تشي ملامحهم بكونهم من بقايا السكان الأصليّين لأمريكا، وكانت كلمات “أحد عشر كوكباً على آخر المشهد الأندلسيّ” تنبعث في رأسي مُشكّلةً الموسيقى الخلفيّة لهذا اللقاء الثلاثيّ الذي رتّبته غرناطة في سقوطها؛ سقطت غرناطة، فأبحَر “كريستوفر كولمبوس”، مُنتشِياً بالانتصار، نحو الهند باحثاً عن الذهب ليموّل حملةً صليبيةً جديدةً لتحرير القدس، ولتحملهُ الريح إلى أمريكا، حيث يقف مقدسيٌّ الآن يتأمّلُ وجوه ضحاياه.
لقراءة وتحميل المقال بصيغة (pdf)، من هنا
****
الهوامش:
[1] المقصود بأنّ الأرض وإن كان يبدو سطحها متشابهاً، إلّا أن ما تحت السطح يختلف من شبرٍ إلى آخر. الشبر وحدة قياس الطول يتراوح مقدارها في أدبيات العلوم العربية الإسلامية ما بين 11 إلى 15 سم.
[2] Mayor, Adrienne. The First Fossil Hunters: Dinosaurs, Mammoths, and Myth in Greek and Roman times. Princeton University Press, 2011.
[3] Hayward, James L. “Fossil Proboscidians and Myths of Giant Men.” (1984).
[4] للمزيد حول “حجر اليهودي” في أدبيات الصيدلة العربية الإسلامية، اُنظر: ابن فضل الله العمري، أحمد بن يحيى، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار. ج، 22 ص، 184. المجمع الثقافي، 2002.
[5] للمزيد حول فكرة ولادة مفهوم التاريخ الطبيعي في القرن الثامن عشر، اُنظر: Rudwick, Martin JS. Bursting the Limits of Time: the Reconstruction of Geohistory in the Age of Revolution. University of Chicago Press, 2005.
[6] كان ابن سينا قد قد حسم مبكّراً كون هذه المتحجّرات كائناتٍ حيّةً قد تحجّرت، مُقدّماً نظرية “تحجّر السوائل” لتفسير تحوّلها إلى أحافير. ستشكّل هذه النظرية نقلةً نوعيّةً في نشوء علم الأحافير كما نعرفه اليوم. حول تحجّر النبات والحيوان عند ابن سينا، انظر: كتاب الشفاء لابن سينا، قسم الطبيعيّات، فصل المعادن والآثار العلويّة، المقالة الأولى.
[7] المصدر السابق.
[8] Prior, Michael. “The ‘Holy Land’, Zionism, and the Challenge to the Church.” New Blackfriars 83, no. 980 (2002): 471-489. و Hary, Maggy. “The Holy Land in British Eyes: Sacred Geography and the ‘Rediscovery’ of Palestine, 1841-1917.” Cromohs-Cyber Review of Modern Historiography 16 (2011).
[9] انظر : http://nnhc.huji.ac.il/paleontology/?lang=he
[10] Lynch, William F. Official Report of the United States Expedition to Explore the Dead Sea and the River Jordan. 1852.
[11] حول الفلسطينيّين كأحافير حيّة عند المكتشفين والرحّالة الأوروبيين: Furani, Khaled, and Dan Rabinowitz. “The Ethnographic Arriving of Palestine.” Annual Review of Anthropology 40 (2011): 475-491.
[12] Toynbee, Arnold J. A Study of History: Volume I: Abridgement of. Vol. 1. Oxford Paperbacks, 1988.
[13] من كلمة ” نتانياهو أمام مهرجان مشروع ” اكتشاف”، الذي يقوم على استقدام شبّانٍ يهودٍ من العالم لزيارة “إسرئيل” واكتشافها، القدس 24 حزيران 2016. رابط
[14] J. W. G. “The Geology of Palestine.” The Geographical Journal 42, no. 4 (1913): 386-87.
[15] Florence, Ronald. Lawrence and Aaronsohn: TE Lawrence, Aaron Aaronsohn, and the Seeds of the Arab-Israeli Conflict. Penguin, 2007. Page 50.
[16] يستضيف حرم الجامعة العبرية في القدس- “جفعات رام” ( الشيخ بدر) المقرّ الدائم لما تُسمّى “المجموعة القومية للأحافير”. تتكوّن هذه المجموعة من عشرات آلافِ الأحافير الفلسطينية التي تراكمت لدى الصهاينة منذ نهايات القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، اُنظر هنا
[17] للمزيد حول تاريخ التنمية الاستعمارية في فلسطين والتحديث، اُنظر: Norris, Jacob. Land of Progress: Palestine in the Age of Colonial Development, 1905-1948. OUP Oxford, 2013.
[18] المصدر السابق، ص 159
[19] حول الأبحاث الجيولوجية ومصنع بوتاس البحر الميّت، اُنظر: ל-קריספין, הילה. מהפכה בסדום : השפעתה של חברת האשלג הארצישראלית על פיתוח אזור ים המלח וארץ-ישראל, 1948-1930. קריית שדה בוקר: מכון בן-גוריון לחקר ישראל והציונות, אוניברסיטת בן-גוריון בנגב, 2010
[20] قامت الشركة في الثلاثينيّات بأعمال التنقيب عن النفط في وادي الحثيرة في النقب الشمالي. أدّت هذه الأعمال إلى الكشف عن طبقةٍ جيولوجيةٍ سُميّت “بالمطمورة” تعود إلى العصر الجوراسي المتأخر (قبل حوالي 160 مليون سنة) تحوي عشرات أنواع الأحافير، والتي لا زالت إلى يومنا هذا تُعتبر من الكشوفات المهمة في علم الأحافير عالمياً. للمزيد حول حيوانات العصر الجوراسي المتأخر في جنوب فلسطين، اُنظر: Hudson, R. G. S. 1958. The Upper Jurassic Faunas of Southern Israel. Geological Magazine 95, Nr. 5: 415–425.
[21] Elliott, Graham F. “The Contribution of British Oil Interests in the Middle East to Palaeontology.” Annals of Science 40, no. 3 (1983): 273-279.
[22] Prothero, Donald R. The story of Life in 25 Fossils: Tales of Intrepid Fossil Hunters and the Wonders of Evolution. Columbia University Press, 2015. P.161.