يقدّم محمد سيف قراءةً في بعض جوانب خطابات السلطة الفلسطينيّة حول جائحة كورونا في الضفّة، مرتكزًا على دورها في عمليّات الضبط والرقابة وتخيّل هويةٍ فلسطينيّةٍ جامعةٍ في مواجهة الوباء. 

توطئة

في الخامس من آذار الماضي، أعلنت السلطة الفلسطينيّة حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينيّة جرّاء جائحة كورونا. ومذّاك، مارست السلطة طقوسًا احتفاليّةً عبّرت وهميّاً عن قدرتها على احتواء الوباء، متّخذةً من سياسة الإغلاق خياراً حصريّّاً في غالب الأوقات. وبينما انتهجت عقلنةَ عمليات الضبط لأجسادنا، برزت مفاهيم “الحرب على العدو كورونا” بهدف ضمّ المتنفّذين ورؤوس الأموال في إدارة مصائرنا، لتظهر السلطة كمؤسسةٍ راعيةٍ تحاكي الدول الوطنيّة ذات السيادة بوتيرةٍ أعلى.

وعليه، انسحب بعض الفلسطينيين عنوةً من مشهد الحيز المكاني العام إلى المنزل- المأوى المعزول- كفضاءٍ خاصٍ، حيث سلطة الفرد جزئيةٌ/كليةٌ. أخذت السلطة الفلسطينيّة تكدّ في رسم شرعيةٍ متخيلةٍ، تخاطب فيها الكّل الفلسطيني؛ كأنّ الحقيقة تشير إلى أنّ هناك هويةً فلسطينيةً واحدةً غير متشظيةٍ.

نسعى في هذه المقالة إلى تفكيك بعض خطابات السلطة حول الجائحة، تحديدًا في الشهرين الأولَين من الأزمة، مستندين في ذلك إلى بعض مؤتمراتها ورسائلها عبر المنصّات الافتراضيّة. ذلك أنّ الخطاب الصّادر عن تلك السلطات كان في معظمه خطاب احتواءٍ للفضاء الافتراضيّ عبر ترحيل المستقبل الدولاتيّ، وفرض مفاهيم السلطة الأبوية المهيمنة، بهدف الحيلولة دون عملية عصيان/ثورة ضدّها.

خطابات “الحرب”

حافظَ ظاهر الخطاب في “الحرب على كورونا” على منطقه الأبويّ السلطويّ؛ إذ بدا لطيفاً ناعماً ودوداً، ومعيداً مجازياً ذاكرة الثورة والانتفاضات. فيما داعبَ باطنه الذاكرة الجمعيّة لنضالات الفلسطيني، حيث أُنشئت “خلايا لإدارة الأزمة”، وظهر قادةٌ في “لجنة الطوارئ العليا” وممثّلون عنهم في “اللجان الشعبية في المناطق”، وجنودٌ في “الأجهزة الأمنية و”حواجز المحبة” لمحاصرة الوباء.

وفيما بدا خطاب “الحرب على كورونا” خالصاً من من مفاهيم القتال ضدّ الصهاينة، فإنّه استعان بشكلٍ رئيسيٍّ بأسلوب المواعظ الدينيّة حول شرور العدوى وآثامها، ومفاهيم قتل الآخرين التي حرّمتها الأديان، فضلاً عن استهلال المؤتمرات الصحافية بآياتٍ قرآنيةٍ تتحدّث عن صبر “النبي أيوب” على البلاء. من جهةٍ أخرى، فإنّه على الرغم من انتشاء الخطاب السياسي في “محاصرة فيروس ترامب” في معركة “صفقة القرن”، [1] ورسمِ خططٍ استراتيجّيةٍ في إدارة أزمات الديون والكهرباء والانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال كما أسماه السّاسة، إلا أنّ معركة “العدو الخفيّ” قامت بتأجيل كلّ المعارك التي لم تبدأ أصلاً.

تبعاً لذلك، شهدت تحديداً المرحلة الأولى للجائحة تعميماً لنماذج الشرعية والتفرّد بالقرار في المحافظات، للاحتفاء بانتصار “فلسطين” كثاني دولةٍ بعد الصين في محاصرة الوباء؛ إذ صارت نجمة الشاشات العالميّة، وسُمح للنّاس بالاحتجاج ومساءلة السلطات في طابعٍ مدرسيٍّ، على شكل “سؤال/جواب” برز في الفضاء الافتراضي بين الحكومة والإعلاميين.

كما عملت خطابات الحكومة على استثارة مشاعرنا الإنسانيّة بفيديوهات ليافعين تنظر إليهم كعناصر بناءةٍ وفاعلةٍ في بنائها “الدّولاتي” وليس كفاعلين في عملية التحرّر الوطني. هذا بجانب عقدها محادثاتٍ افتراضيّةً مع مسنيّن تستغل إنسانيتهم كمادةٍ دعائيةٍ لرضى الجماهير عنها، وإلزام المجتمع بالالتفاف حولها من أجل مواراة فشلها في إدارة الأزمة. يكتمل المشهد بظهور كلّ وزراء السلطة ومساعديهم في مسرحيةٍ كبيرةٍ من أمام “مجلس الوزراء في رام الله”، [2] مُطلقين وعودهم بشراء الألعاب والدُّمى للأطفال، وتوفير الطرود الغذائيّة والحفّاظات والأدوية للمسنين.

انزياح الجسد والشرعيّة

وبينما ذهب “ميشيل فوكو” في كتاباته إلى أنّ السلطة القديمة كانت تمارس هيبتها/سلطتها بدقّ المسمار في الجسد، تاركةً إيّاه في حرّ الشمس لتنهشه الغربان، تمارس سلطاتنا الحديثة هيمنتها وقوّتها بالتأديب والعزل والحجز، بالملفوظ والمرئي، عبر المنع والمراقبة في المدرسة، والعيادة، والمصحة العقليّة، والمصنع، والسجن.

على هذا النحو، يصبح الفضاء الخاص المتمثّل بالمنزل مركزَ تدريبٍ لممارسة السلطة علينا، ولربما تأهيلنا قبل عودتنا إلى حياة “ما قبل كورونا”. هذا الانزياح سياسيٌّ جبريٌّ للجسد نحو فضاءاتٍ أكثر خصوصيةً وعزلةً. وإنْ كان البعض يرى في العزلة جمالاً، فهو جمالٌ مهزومٌ لم نختره بإرادتنا، وقد قرّر آخرون استغلاله كلحظةٍ مفصليّةٍ لشرعيةٍ منتهيةٍ يستجدي أربابها تجديدها.

بذا، بقيَ من هذه الأجساد الفلسطينية ما هو أقوى من أجسادنا في المعازل؛ الفلسطيني الذي يتظاهر بالقوة والعسكرة، بالفرجة والاستعراض بمنطق الفيلسوف “جي ديبور”، بهدف تذكيرنا الدائم بوجود “شرعيةٍ” تشدّد عليها في خطابات الاحتواء “والطبطبة” على المجتمع المُستعمَر، بعد فشل كلّ حلول المصالحة السياسيّة بين “فتح” و”حماس”، واستمرار الانقسام، والاعتقالات المتكررة واستشهاد الفلسطينيين، وفشل حل الدولة والدولتين.

وفيما التزمت بعض الأجساد الفلسطينيّة بتعليمات مشروع “السلطة والدولة”، مدركةً أخيراً عدم إمكانية التعويل على منظومةٍ صحيةٍ متهالكةٍ بهدف إنقاذ الجسد وشفائه إذا ما أصيب بالمرض، فإنّ مساعي السلطة باتجاه إنتاج “المجتمع المعقّم” تضمّن إخفاء المجتمع السياسي “الملوّث” الذي يحبس ويراقب ويعاقب ويطارد، خصوصاً أنّ السلطة ومنظمة التحرير أخرجَتا دلالات الجسد من معاني الدفاع عن الأرض التاريخيّة والمقاومة.

الجزاء والعقاب

وتطبيقاً لطروحات “فوكو” حول سياسات العقاب لدى السلطة، فقد قرّرت ليلى غنّام محافظ رام الله والبيرة، في فيديو نشره جمال العمواسي، إصدار عقوبة السّجن الفعلي لمدة أسبوعين في زنازين رام الله لأحد مصفّفي الشعر من منطقة دير جرير قضاء رام الله، نظراً لعدم التزامه بإغلاق صالون الحلاقة، ما أفضى إلى انتقال العدوى لآخرين.

وفي ذات السياق، اقتحمت وحدات السُّلطة المسماة “الوحدة 101- وحدة النخبة في الأمن الوطني” الحيز المكاني في كفر عقب لفضّ شجارٍ بين تنظيم “فتح” قلنديا وعائلةٍ تحمل السّلاح في منطقة كفر عقب، بهدف بسط النفوذ على المشهد الاجتماعي، خصوصًا بعد عدم امتثال “العائلة” لتعليمات السلطة أثناء الحجر الصحي. يأتي هذا رغم أن منطقتي كفر عقب وقلنديا تقعان خارج تقسيمات الاستعمار في مناطق السُّلطة بحسب أوسلو، إلا أن “فرصة فرض الشرعية” على هذه المناطق لا تعوّض.

بذلك، يمكن القول إنّ الشرعيّة القديمة باتت أمام لحظةٍ تاريخيةٍ – إنسانيّةٍ فارقةٍ، تهدف إلى إعادة إنتاج مفاهيم “المواطنة” وترسيخها، من خلال تكثيف وجودها في الفضاء السيبيري”الافتراضي” والحيز العام. برز إصرارٌ عجيبٌ على احتلال “عالم العصرانية الرفيعة” كما يسمّيها إدوارد سعيد؛ هذا الإصرار بكل بساطةٍ ترسيمٌ لفكرةٍ عبّر عنها الشهيد غسان كنفاني: “صاحب الحجر الأكبر، وحامل العصا الأتخن، والبلطجي الشرّاني، هم الذين يملكون الحقّ”.

تشكّل العزلة، بذلك، أساس التقنية والنظام الاستعراضيّ؛ فهي بحاجةٍ مستمرةٍ لأدواتٍ تدعم شروط “عزلة الجماهير المستوحدة” لتعيد الاستعراض والفرجة، وتكشف افتراضاته الخاصة عن شرعية السلطات على نحو أكثر تعيّناً، يكون ذلك بتملّك العالم الاجتماعي للزمن في الفضاءات العامة والتقليديّة، بحسب “ديبور”.

ومضةٌ على التجارة السياسيّة

تزامنًا مع كلّ ما سبق، كانت ثمّة فئةٌ من التجار المستعمَرين احتاجت أخطاراً محدقةً بنا، كي تنمو صناعتها الفريدة في ظلّ جائحة كورونا. حوّل هذا المواطنين، الذين يمثلون في نظر الإقطاعيين صيداً ثميناً، سوقاً متنازعاً عليه. على سبيل المثال، صار أحد مصانع إنتاج الأحذية في الخليل، الأوّل على مستوى فلسطين في صناعة الكمامات، وقفز عمّاله من عشرين إلى ستين عاملاً ينتجون من أربعة إلى خمسة آلافِ كمامةٍ يومياً. “هدفنا من الإنتاج إنسانيٌّ أكثر من كونه ربحياً.. سعر الكمامة نصف دولارٍ للموزّعين.. أما بالنسبة للصيدليات والبائعين الآخرين، فالسعر يختلف”.

فيما قال صاحب مصنعٍ لإنتاج الزي العسكري الفلسطيني: “سُجّلت ثلاث شركاتٍ لإنتاج أقنعة الوجه، وإحدى عشرة شركةً لتصنيع المعقّمات بعد إجراء الفحوصات المخبرية اللازمة”، بينما حصل مصنعه على المواد الخام من الجانب الإسرائيلي بغرض صناعة البدلات الواقية للأجهزة الأمنية والطواقم الطبية المحلية. وزّع المصنع نحو خمسةٍ وعشرين ألف بدلةٍ واقيةٍ في الضفة الغربية وكذلك للجانب الإسرائيلي؛ إذ تفاوتت الأسعار ما بين 30-50 دولاراً للبدلة الواحدة.

يدفعنا التفكير بمنطق التجارة السياسية إلى استعادة إحدى المحطات الهامة في الانتفاضة الأولى. فأثناءها (1987-1993)، وبعد أن اشترى بعض أهالي مدينة بيت ساحور مجموعةً من الأبقار من مزرعةٍ صهيونيةٍ، أُعلنت حالةٌ من العصيان المدني، وأسّس الفلسطينيون نموذجاً حقيقيّاً لانفكاكٍ اقتصاديٍّ عن منتجات الاستعمار البقريّة كالحليب والأجبان. [3]

بعد نجاح هذا النموذج في سنوات الانتفاضة، صارت البقرة/ات هدفاً استراتيجيّاً يطارده الصهاينة لاعتقالهنّ والقضاء عليهنّ. وهذا ما حصل للبقرات ومالكيها بعد المطاردة، بإعلان اتفاقات أوسلو وإنهاء حلم البقرات بإظهارهنّ؛ فما بين نموذج البقرة الحلوب الشعبويّ الذي أطعم القرية، وصناديق التكافل مثل “وقفة عز”، حالةٌ يمكن وصفها بـ”احتواء الفقراء والمهمّشين” خطابياً. أمّا تاريخياً، فتتلاقى خرافة البقرات السّمان والسبع العجاف ومقتل يوسف واتهام الذئب، بمنطق السلطة الوطنية في هذه الحرب على الوباء.

بالمقابل، وفي حين أنّ حلقات النظام الاستعماري لا تزال مطبقةً عليها جاثمةً فوقها، إلا أنّ الأحزاب حسب “فرانتز فانون” لا تمضي إلى لقاء الجماهير، إنما يقوم المسؤولون والمنتدبون عنهم بتمثيل الفلسطينيين، وإرسال مجموعاتٍ منتدبةٍ حزبيّاً لإغلاق القرى والمدن؛ كأنها تريد أن تقود القرية أو الشارع بنفي كلّ التقسيمات المناطقية والزعامات التقليدية. فيما تغيب الفئات الأخرى مثل النقابات التي من المفترض أن تتميّز بقوةٍ ضاربةٍ في عهد الاستعمار، حيث بمقدورها تجميد الاقتصاد الاستعماري في كلّ لحظةٍ، أو عرقلته على أقلّ تقديرٍ. إنّ غياب وجودنا في الفضاء المادي العام يكسر البنى الاجتماعية التي تحدّد سلوك الفرد ضمن “جماعة الحكم”.

خاتمة

إنّ إنتاج الفرد الفلسطيني في زمن الكورونا بدأ بالتخلّص من صغار العمال، وعمال المياومة، وتكسير معاني  العمل الإنساني الذي يحقّق شروط وجود الوعي بالذات، عبر تغيير شروط العزلة إلى حاجة الأفراد للحكومة. حقّق هذا، تحديداً في المرحلة الأولى من الأزمة، مزيداً من الشرعيّة للسلطة على حساب مُفقري ومُعدمي مجتمع زمن العزلة.

سهّل إظهار السلطة لنفسها بوصفها منجيّة الناس من الوباء، نزعَها الشرعية عن المتصدّين لسياساتها، وبالتالي إحقاق جزاء “المراقبة والمعاقبة”، [4] والعنف والترهيب، مستفيدةً بذلك من صلاحياتها القصوى في زمن تفعيل أنظمة الطوارئ المتواتر. هكذا، تشبّع الفعل السياسي في المجالين التقليدي والافتراضي بهيمنةٍ ذكوريةٍ (بورديو 2009) لطالما ساهمت في بناء جسدٍ اجتماعيٍّ ضعيفٍ. زادت حدّة الهيمنة مع هذا الوباء، لتذكّرنا بـ”الأب القائد، معالي الوزير، عطوفة الدكتور، الناطق الرسمي، شعبنا، أهلنا، أخوتنا، جماهيرنا، الخ..” من مسميات البحث عن علاقاتٍ من مرتبة الأعلى والعليا، توهم بدورها الأفراد بتأمينها لحالة بقائهم.

وإذا اتفقنا أنّ السلطة أكانت قديمةً أو حديثةً هي مربط الفرس في نقاشنا، فلا شكّ أنّ عصرنا يفضّل الصورة على الشيء، النسخة على الأصل، التمثيل على الواقع، المظهر على الوجود، بمنطق “ديبور”. فما هو مقّدسٌ بالنسبة له ليس سوى الوهم، أمّا ما هو مدنسٌ فهو الحقيقة. وبالأحرى، فإنّ ما هو مقدّسٌ يكبر في عينيه بقدر ما تُغطّى الحقيقة ويتزايد الوهم؛ إذ إنّ أعلى درجات الوهم تصبح بالنسبة للمجتمع أعلى درجات المقدّس. وهذا التقديس للسلطة، بكلمات إدوارد سعيد عن “برنارد لويس”، يمثّل حالةً من التكرار، فالأخير يضفي الشرعية على اغتصاب السلطة في دوراتٍ طبيعيةٍ متعاقبةٍ، وهكذا تفعل السلطة الفلسطينيّة.

وعليه، يعبّر نموذج السلطة في مواجهة الكورونا عن بحثها عن إنجازاتٍ وهميةٍ تغطّي على فشل سياساتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة، كما تعوّض فشلها في سياق القضايا المصيريّة لإدارة الصراع الاستعماريّ. فبانتهاجها سياسةَ الإغلاق خياراً حصرياً في غالب الأحيان، سعت السلطة إلى إلقاء معظم المسؤولية على كاهل المواطنين، ووصْم بعضهم باللامبالاة، مقابل التغطية على سنواتٍ طويلةٍ من إضعاف البُنى الصحيّة والاقتصادية وغياب العدالة.

إنّ تصدير السلطة لسياسة الإغلاق كمنفذٍ أساسيٍّ نحو ضمان الصحّة، كشفَ غياب خططٍ حقيقيّةٍ بديلةٍ توائم بين سؤال المعيشة والحقّ في الصحة. دفعها هذا ضمنياً إلى مساومة كثير من المُعدمين والمهمّشين جرّاء سياساتها والاستعمار الصهيوني، على الانحياز حصراً إمّا إلى الصحّة أو لقمة العيش، متجاهلةً أنّ إجبارهم على التضحية بأرزاقهم في ظلّ تهديدٍ يوميٍّ يعيشونه وبُنى عامةٍ مترهّلةٍ، يعني أيضاً التضحية بحقّهم في الصحّة وجعلهم أكثر عرضةً للإصابة بالمرض.

ختاماً، يبدو جليّاً أنّ أثر الوباء الصحي لا ينفكّ عن وباء الاستعمار؛ إذ إنّ تحكّم الأخير بأرضنا ومواردنا وحركتنا وإعاقة تطوّرنا الاقتصادي والصحيّ، ساهما بشكلٍ أساسيٍّ في خلق بيئةٍ غير صحيّة وغير آمنةٍ على الصعد كافةٍ، يتعذّر عليها مجاراة الوباء بشكلٍ فعّالٍ. بل إنّ الحديث عن تدابير وقائيّةٍ في ظلّ هكذا بيئةٍ منزوعة الإرادة والسيادة يبدو مضلّلاً أحياناً، نظراً لرميه الحِملَ الأكبر على عاتق المستعمَرين، معفياً الأنظمة السياسية الاستعمارية من مسؤوليتها العظمى في تعطيل أبسط الحقوق الآدمية لضحاياها.

****

الهوامش:

[1] وصف الناطق باسم الحكومة، إبراهيم ملحم، صفقة القرن في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ على قناة “فلسطين” على النحو التالي:  “الفلسطينيون مثل الصينيين، إذا ما استطاع الصينيون محاصرة فيروس كورونا، فبإمكاننا محاصرة فيروس ترامب”.

[2] فتحَ تغيّب ممثّلي الفصائل الأخرى المجال لمشهدٍ مماثلٍ في غزة، حيث أقامت السلطات بدورها هناك خشبة مسرحٍ آخر  غاب  عنه ممثّلو الفصائل الأخرى.

[3] أنتج المخرج الفلسطيني عامر شوملي فيلماً بعنوان “المطلوبون الـ18” يحاكي قصة البقرات الحقيقيّة في بيت ساحور.

[4] هذا ما عبّر عنه “فوكو” عندما رصد نماذج الطاعون والجذام، مفكّكاً نماذج السلطة في السجن والمستشفى والمدرسة.

****

المراجع:

بورديو، بيار. الهيمنة الذكورية. ترجمة سلمان قعفراني. بيروت: المنظمة العربية للترجمة ، الطبعة الاولى، 2009.
ديبور، جي. مجتمع الاستعراض. ترجمة أحمد حسان. القاهرة: دار شرقيات للنشر والتوزيع، 1993.
سعيد، إدوارد. العالم والنص والناقد. دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2000.
فانون، فرانتز. معذبو الأرض. القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2015.
فوكو، ميشيل. المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن:جسد المحكم عليهم . بيروت: مركز الإنماء القومي، 1990.
كنفاني، غسان. “ملحمة المعزاية والذئب.” مجلة الصياد (1972).