مترجم عن مقال منشور في موقع المكتبة البريطانية
إن وظيفة الأختام بوصفها رموزًا للملكية والسلطة النصية، متجذرة عميقًا في العالم الإسلامي؛ خصوصًا منه المجتمعات العربية والفارسية. تاريخيًا، كانت الأختام تستخدم، من ناحية، من أجل إصدار وثائق متعددة؛ بما فيها الرسائل والعقود القانونية، ومن ناحية ثانية، كانت تستخدم لأجل وسم ملكية الكتب والمخطوطات. يُدلل على هذا “إدوارد ويليام لين” في مؤلفه عن المجتمع المصري في القرن التاسع عشر حيث يقول: “كل شخص تقريبًا، وإن كان خادمًا، وبوسعه أن يشتري ختمًا، فإنه كان يمتلك واحدًا.” (Lane, P. 49)
لعله من المثير أن نعرف بأن المسؤولين الاستعماريين البريطانيين كانوا يستخدمون الأختام ذات الصياغة العربية. كان ذلك تقليدًا راسخًا لفترة طويلة في الهند، حيث كان المسؤولون في شركة الهند الشرقية يتصرفون، ظاهريًا، كخدمٍ للإمبراطور المغولي (Gallop and Porter, PP. 66-7). رسخ هذا التقليد سابقةً طال أمدها حتى القرنين التاسع عشر والعشرين إذ نجد المسؤولين الاستعماريين البريطانيين على معرفة باستخدام الأختام الإسلامية.
كيف لنا أن نفهم استخدام الأوروبيين غير المسلمين الأختام في سياق الامبراطورية؟ نعرض هنا بعض الأمثلة من الشرق الأوسط والخليج الفارسي مستقاة من مخطوطات المكتبة البريطانية وسجلات المكتب الهندي.
على اليسار: ختم المقيم السياسي في الخليج الفارسي من رسالة يعود تاريخها إلى 10 آب 1909 منقوش عليها بالفارسية: المقيم البريطاني في الخليج الفارسي. ((British Library, IOR/R/15/1/752, f. 53v على اليمين: ختم أول مساعد للمقيم السياسي في الخليج الفارسي من رسالة يعود تاريخها إلى 7 تموز 1898 منقوش عليها بالفارسية: نائب المقيم عن صاحبة الجلالة البريطانية في الخليج الفارسي. (British Library, IOR/R/15/1/753, f. 34v)
أبقت بريطانيا هيمنتها الامبريالية على الخليج الفارسي من خلال مقراتها الإدارية أو اقامتها في بوشهر؛ الشاطيء الجنوبي لايران الحديثة. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، امتلك كل من المقيم السياسي ونائبه أختاما بالفارسية تثبت مناصبهم. كانت الأختام مستطيلة وذات أبعاد قياسها 22X20 ملم بنقوش واضحة مكتوبة بخط النسخ.
مثال آخر؛ ختم ادوارد شارلز روس الذي خدم كمقيم سياسي في الخليج الفارسي من عام 1872 حتى عام 1891، وكان متعطشًا لجمع الآثار (مجموعته موجودة في المتحف البريطاني)(1). كان ختمه بنفس الحجم والنمط، وكان مستطيلًا في الشكل شبيها بختم الرئيس، لكن مع اشتماله على اسم ادوارد.
ختم ادوارد شارلز روس من رسالة يعود تاريخها إلى 1 حزيران 1887 منقوش عليه بالفارسية: ادوارد شارلز روس، المقيم البريطاني في الخليج الفارسي. (British Library, IOR/R/15/1/752, f. 147v)
لم تكن جميع الأختام مستطيلة. بعضها كان دائريًا أو بيضاويًا. أحد أمثلة تلك الأختام؛ ختم الكابتن روبرت تايلور الذي خدم كمقيم سياسي في بغداد والبصرة من 1828 حتى 1843. فإلى جانب كونه مسؤولا استعماريا من بريطانيا، راكم تايلور مجموعة هائلة من المخطوطات الشرقية، العديد منها ضمن مقتنيات المتحف البريطاني، وهي الآن محفوظة في المكتبة البريطانية.
يظهر ختم تايلور على العديد من هذه المخطوطات دالا على ملكيتها. والختم دائري بقطر 18 ملم ويحتوي على اسم تايلور بخط النقش بتأنق يظهره شبيها بالخط الطغراء: عبدهُ تايلور” (Cook, n. 20, p. 81) مرة أخرى، يلاحظ لين بخصوص هذا الاستخدام أن “الإسم المصحوب بكلمة “عبده” يدل على أنه عبد لله.” (Lane, p. 48) ووفق خبير المخطوطات العربية آدم جايسك، يعد استهلال الاسم بـ “عبدهُ” ميزة متكررة في الأختام العربية، وتعبر عن تواضع مالك الختم في علاقته مع الله.” (Gacek, p. 90)
بيانات النسخ والنشر للنسخة العربية من كتاب الكره لمؤلفه ثاودوسيوس والمنسوخ عام 1605 على يد ابن عبد الرحيم أبو القاسم يحيى الاسترابادي، وتشتمل على ختم الكابتن روبرت تايلور منقوشا بالعربية: عبده تيلر. (British Library, Add. MS. 23570, f. 62r)
يشكل ختم جون كالكوت جاكسين والذي خدم كمساعد للمقيم السياسي في بوشهر في أواخر القرن التاسع عشر، ولاحقا كوكيل سياسي في البحرين من 1900 حتى 1903؛ مثالا آخر. فبالمقارنة مع الأختام المعروضة هنا، يظهر ختم جاكسين بيضاويا وصغيرا جدا حيث مقاسه 19X9 ملم. وتتألف النقوش عليه من اسم جاكسين مكتوبا بخط النقش ومزخرفا بنبتة الكرمة والأزهار.
ختم جون كالكوت جاسكين من رسالة يعود تاريخها إلى 25 حزيران 1899 منقوش عليه بالعربية: كاسكين. (IOR/R/15/1/753, f 88v)
بعيدا عن المكتب الهندي، نجد اوروبيين آخرين تم توظيفهم في الخليج الفارسي يستخدمون الأختام العربية. وأحد أمثلة هؤلاء شارلز دلرمبل بيلجراف والذي تم تعينه مستشارا للحكومة البحرينية من 1926 حتى 1957. كان ختمه البيضاوي الشكل (كما هو موضح أدناه) بنفس حجم أختام العائلة الحاكمة، آل خليفة، مع وجود اسمه عليه مكتوبا بخط النسخ. وعلى الختم أيضا زخارف بتصاميم طغرائية لا يبدو أنها تنفصل عن النقش الموجود على الختم.
رسالة من مجلس الوصاية يعود تاريخا إلى 30 كانون الثاني 1938، تحمل ختم الشيخ عبد الله بن عيسى آل خليفة (في الأعلى)، الشيخ سلمان بن حمد ال خليفة (في الوسط)، وشارلز بيلجراف (في الأسفل). ويظهر على ختم بيلجريف النقش: بلكريف سي دي. سي دلالة على اسمه الأوسط، و دي على الاسم الأخير. (British Library, IOR/R/15/2/181, f 39)
كما هو موثق في يومياته، كان بيلجراف على معرفة تامة بالسلطة التي تحملها الأختام. ففي تسجيل له في يومياته يعود تاريخه لـ 30 أيار 1930 لمّح القائد الأعمى كبير السن وقاض الجماعة السنية في البحرين لبيلجراف بأن “زوجته الغالية سرقت منه ختمه” وأعطته لشخص آخر من أجل تختيم الوثائق. يقرر بيلجراف، بإدراك ليس بالهين، بأنه “إذا أقررنا ببطلان توقيعه، فسوف تصبح جميع الوثائق من بعد فقدانه بصره عرضة للمساءلة.”
في حادثة أخرى حول ختم بيلجراف الخاص به؛ يسجل بيلجراف في يومياته بتاريخ يعود لـ 29 أيار 1932 بأن علي بن حسين كان قد استعاد الختم من خاتمه الذي تهشم في شجار. يعلق بيلجراف قائلا: “أنا محظوظ باستعادة الختم، فهو الوحيد الذي أختم به الوثائق الرسمية. وسيكون الأمر صعبا لو أنني خسرته.”
تبرهن الأمثلة السابقة بأن ممارسة استخدام المسؤولين الاستعماريين البريطانيين للأختام العربية والفارسية استمرت منذ زمن المغول حتى القرن العشرين. وكما رأينا، فآن الأختام كانت دلالة على الملكية وسلطة الكتابة والمكانة. وقد فهم المسؤولون البريطانيون، من أمثال بيلجراف، استخداماتها وانتهاكاتها المحتملة.
بناء على ذلك، باستطاعتنا فهم استخدام الأختام كوسيلة جمالية ونصية لممارسة الامبراطورية، أو كـ “Ornamentalism” باستعارة من ديفيد كاندين. وكان هذا الأمر قد تمّ بواسطة الاستيلاء الثقافي على الرمز “الإسلامي” البيّن من أجل صنع هرمية وسلطة وشرعية “مرئية وراسخة وفعلية.” (Cannadine, p.122)
===================================
(1) يمكن مطالعتها عبر الرابط هنا.