تهدف هذه المقالة إلى رسم تطوّر القوة الجوية الصهيونية، والتحوّل من أشكال الحرب التكاملية المتمركزة حول الدعم الجوي للقوات البرية، وتحقيق التفوق الجوي السريع على أرض المعركة ضمن إطار عقيدة “المناورة الهجومية”، إلى استخدام القوة الجوية في عملياتٍ مستقلةٍ؛ أي بعيداً عن العمليات المرافقة للحرب البرية، وذلك في تأطيرٍ تاريخيٍّ لمثل هذه التحوّلات وأسبابها وآثارها.

مقدمة: الجغرافيا والزمن

أرّقتْ مركزيةُ الجغرافيا في تحديد الاستراتيجيات العسكرية لدى الدول الفلاسفة والمؤرخين منذ بداية التدوين. يكفي أن نُطلّ على مقدمة ابن خلدون لندرك الأهمية التي يُعزيها للبيئة والجغرافيا في تحديد طبيعة المجتمعات وروحها، بل في تشكّل قيم الجماعة ذاتها.

للجغرافيا أثرها أيضاً على نشأة الدول والحضارات، وتطوير طبقاتٍ من الفكر السياسي المتعلّق بحماية الدول من الأعداء، وإرساء سبلٍ للصيرورة الاجتماعية الداخلية لمشاريعها. فمثلاً، تنبع حيادية سويسرا  من جبال الألب التي تحيط بها، فيما لطالما مكّن اتّساع وعمق روسيا من إعادة شمل جيوشها لمواجهة محاولات قوىً متعدّدة التوغل، واحتلال مراكزها الاقتصادية والسياسية.

تأسيساً على ما سبق، تشكّل الجغرافيا إحدى أهم عناصر تأليف العقائد العسكرية، إذ لا يمكننا- مثلاً- فهم الاستراتيجية/العقيدة العسكرية الصهيونية والدور المركزي الذي تلعبه القوّة الجوية في طيّاتها، دون الأخذ بعين الاعتبار العلاقةَ الوثيقةَ ما بين الجغرافيا والديموغرافيا، والشكل الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الصهيوني وعلاقته بالتقنية.

إنّ طبيعة الموقع الجيو-استراتيجي للكيان، كسهلٍ ساحليٍّ ضيّقٍ مع عمقٍ استراتيجيٍّ محدودٍ، مُحاطٍ بقوىً معاديةٍ تنوّعت بتنوّع تاريخ المواجهة مع الكيان، دَفَعَتْهُ تاريخياً إلى استخدام القوّة الجوّية والاستفادة منها كأداةٍ لا غنى عنها في الحرب. فكما يقول دايفيد رودمان، في كتابه، عن تاريخ تطوّر القوّة الجوّية الصهيونية، “يتفاوت عرض الكيان من بضعة أميالٍ في أضيق مسافاته إلى بضعة عشرات الأميال في أوسع مسافاته. بينما تتركّز جميع المراكز السكانية الرئيسية والمنشآت الصناعية والمرافق العسكرية بمسافةٍ تبقى في متناول يد الجيوش العربية”[1].

بعبارةٍ أخرى، تعني الضرورة الجغرافية للكيان أن الأخير لا يستطيع تحمّل أعباء حربٍ واسعة النطاق داخل حدوده، أو أعباء حملةٍ عسكريٍة منخفضة الوتيرة وطويلة الأمد داخل حيّزه الجغرافي. وقد أدّت هذه الحقيقة، إلى جانب الخلل الديموغرافي مع العالم العربي، إلى عقيدةٍ عسكريةٍ تعطي قيمةً كبيرةً للقدرات الهجومية وأشكال الحروب الوقائية، معتمدةً أساساً على قوّة النيران، والنزوح نحو الاعتماد على القوى العظمى وتوظيف العلاقة مع المركز الأوروبي أو الولايات المتحدة لتحصيل استمرارية التفوق العسكري النوعي على خصومها من العرب. في إطار ذلك، ليس من الصعب فهم القيمة التي يُعزيها الكيانُ للقوّة الجوية، كوسيلةٍ للتعويض عن أوجه القصور في “الجغرافيا والقوى البشرية والموارد”[2].

وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن قدرة الكيان على تجنيد حصّةٍ كبيرةٍ من سكّانه للقتال من خلال نظام التجنيد العسكري الثلاثي، والمستند على خدمةٍ إجباريةٍ يرافقها جيشٌ كاملٌ من قوات الاحتياط، فيما يُبقي الكيان على جيشٍ مهنيٍّ دائمٍ، يعني أيضاً أن الكيان لا يستطيع تحمّل حروبٍ ذات أبعادٍ زمنيةٍ طويلةٍ، لما قد يسّببه ذلك من خللٍ وضعفٍ في الحالة الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع الصهيوني.[3]

على إثر ذلك، ليس بمقدور الكيان التعويلُ على طبقات الجيش الثلاثية لمدةٍ طويلةٍ دون أن يتأثر الاقتصاد، وبالتالي اللُّحمة الاجتماعية/الاقتصادية الصهيونية سلباً؛ الأمر الذي دفعه إلى توظيف مفهوم “حرب المناورة الهجومية” في سياق حروبه الأولى مع العرب. في هذا السياق، يستنتج مارتن فان كريفيلد- المؤرخ والعسكري الهولندي الصهيوني- أنّ “مبادئ حرب المناورة تتّسق مع حاجة الصهاينة إلى خوض حروبٍ قصيرةٍ ونظيفةٍ؛ بمعنى أنّ الجيوش العربية يمكن أن تنهار باستخدام الاستراتيجية والإيقاع، بدلاً من الهجوم المباشر والدمويّ (Attritional Assault)”[4].

بناءً على ما استعرضناه آنفاً، تهدف هذه المقالة إلى تتبع تطوّر القوّة الجوّية الصهيونية، والتحوّل من أشكال الحرب التكاملية (Interdiction and Close Air Support) المتمركزة حول الدعم الجوّي للقوات البريّة، وتحقيق التفوق الجوّي السريع على أرض المعركة ضمن إطار عقيدة “المناورة الهجومية”، إلى استخدام القوّة الجوية في عملياتٍ مستقلةٍ بحد ذاتها (Independent Airpower)؛ أي بعيداً عن العمليات الجوّية المرافقة للحرب البريّة، وذلك في تأطيرٍ تاريخيٍّ لمثل هذه التحوّلات وأسبابها وآثارها.

تدّعي هذه المقالة أن الاستخدام التكتيكي للقوات الجوّية في سياق الحروب الأخيرة في غزة ولبنان يعزّز ويزيد من مكانة الكيان، باعتباره واحداً من أكثر القوات الجويّة قدرةً واستعداداً في العالم. ومع ذلك، فإن الإخفاقات النسبية والنجاح في هذه الحملات ينبع إلى حدٍّ كبيرٍ من فشل الاستراتيجية المتبعة في الكيان، إذ إن سلاح الجو هو السلاح الرئيسي الذي يذهب إليه صانعو القرار هناك، بينما يتمّ إخضاع عناصر أخرى من القوة العسكرية الصهيونية إلى مركزٍ ثانويٍّ – القوات البريّة والبحريّة والوحدات الخاصة-  وهو عرضٌ من أعراض الحرب “ما بعد البطولية” كما يصفها “آفي كوبر”.[5]

اقرأ/ي أيضاً: في ضرورة دراسة القوّة الجوّية.

لا يُترجم هذا الاعتماد على القوة الجوّية، بشكلٍ تلقائيٍّ، كَقُدرةٍ على الانتصار في المعارك أو في الحروب على شاكلة حرب لبنان الثانية أو حروب غزة المتتابعة، فما يمنحه التفوق الجوّي الصهيوني في تلك الحروب هو القدرة على إيلام الحاضنة الشعبية للمقاومة أساساً، وضرب أهدافٍ ذات طابعٍ تكتيكيٍّ متّصلةٍ مع المقاومة وقدراتها. وكما يُـعلق “جوردون غريفين” على القوة الجوّية الصهيونية في سياق حرب لبنان عام 2006:

“استراتيجية الكيان المركزية لا تتوافق مع أهدافها السياسية، لتحقيق الأهداف السياسية … يجب انتداب نهجٍ متكاملٍ باستخدام القوة الجوية والقوات البرية على حدٍّ سواء، غير أنّ  قادة الجيش آثروا توظيف استراتيجيةٍ عسكريةٍ تحدّ من سقوط القتلى من خلال التعويل على القوة الجوية، بل كانوا غير راغبين في خوض معارك على الأرض، والتي بطبيعة الحال ستؤدي إلى سقوط أعدادٍ أكبر من القتلى الصهاينة”[6].

تاريخ مختصر لتطور القوّة الجوّية الصهيونية

كانت ولا تزال القوّة الجوّية واحدةً من السمات المميّزة لقدرات الكيان العسكرية، تعود في بدايتها إلى العلاقة الوثيقة ما بين قادة المليشيات الصهيونية والقادة في سلاح الجو الملكي البريطاني، وقد تمّ توظيف القوة الجوية في المعارك التي سبقت وتبعت إعلان الكيان لـ”الاستقلال” في العام 1948.

كانت السنوات الأولى للقوات الجوية الصهيونية متواضعةً؛ ففي العام 1948 كانت “تتألف من أربع طائرات تشيكوسلوفاكيا ميسرسشميت، وكان 95٪ من الطيارين من المتطوعين الأجانب”[7]. وكانت الأدوار الرئيسية المنسوبة إلى سلاح الجو حينها هي أدوار إسنادٍ، خصوصاً في العمليات الهجومية والدفاعية، والاستطلاع، وتمّ توظيفها أيضاً في عمليات قصفٍ محدودةٍ على العواصم العربية. فكما يوضّح رودمان: “على الرغم من أنّ القوات المسلحة الصهيونية الوليدة أثبتت نفسها بشكلٍ يستحقّ الثناء في الحرب، وحقّقت في نهاية المطاف تفوّقاً في الجو … كان للقوات الجوية أثرٌ طفيفٌ على النصر الصهيوني في الحرب”[8].

إدراكاً لأهمية القوّة الجوّية، بدأ الكيان منذ تأسيسه برنامجاً كبيراً يهدف إلى دمج القوّة الجوّية في إطار مخطّطاته العسكرية، خاصّةً أنّ الجولة القادمة مع العرب كانت مسألة وقتٍ فقط. بدأت القيادة الصهيونية، حينها، في تأطير القوة الجوية كعاملٍ جوهريٍ في سياق العقيدة العسكرية الوليدة، والتي رأت في حرب “المناورة الهجومية” الاستراتيجية الأنسب للتغلّب على معضلة الجغرافيا والزمن.

في الفترة ما بين 1947-1956 وبسبب القيود المتعلقة بالموارد، خاصّةً الموارد المالية والشرائية للكيان، قرّرت قيادة الكيان الارتقاء بالنوع مقابل الكمّ، فاستثمرت في إحدى أعقد وأكثر برامج التدريب قسوةً للطيارين العسكريين الصهاينة تخّللتها أطول فترةٍ تدريبيةٍ في الجوّ وبرامج أكاديمية مرافقة لتدريبٍ جسديٍّ ونفسيٍّ، وانتقاءٍ صارمٍ لكادر سلاح الجو الصهيوني.

يستمدّ الكنز العسكري الصهيوني، المتجسّدُ برمزية الطيار العسكري، ركائزَه من عملية التدريب، والتي تتضمّن أكثر من ثلاث سنواتٍ يتمّ من خلالها انتقاء عُشرٍ بالمئة (0.1 %) فقط من كلّ المتقدمين! هذا الجهد المرتبط في خلق الطيار العسكري الفذّ تُصاحبه محاولة اقتناء طائراتٍ ذات جودةٍ عاليةٍ، بدأت من خلال العلاقة مع فرنسا، وتستمرّ اليوم من خلال نقل ثِقل العلاقة العسكرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، متجسّدةً باستيراد طائرة الــ F-35 الحديثة.

اقرأ/ي أيضاً: الامبراطورية والمستعمرة وصفقة الـ38 مليار دولار.

عازر وايزمان مؤسّس برنامج التدريب للطيّارين العسكريين الصهاينة

لقد كان للارتقاء بالنوع أمام الكمّ تبعاتٌ على نقل القوة الجوية من هامش العقيدة العسكرية إلى مركزها، صاحَب ذلك أول اختبارٍ حقيقيٍّ للقوة الجوية الصهيونية يتمثّل بالعدوان الثلاثي على مصر، والتي لعبت فيها تلك القوة دوراً بالغَ الأهمية في الاستيلاء على سيناء، وتوفير التغطية الجوية اللازمة بفترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ نسبياً لم تتعدَّ الثلاثة أيام.[9]

وعلى الرغم من بداياتها المتواضعة، فإنّ القوة الجوية الصهيونية نمت لتصبح سلاحاً متطوّراً لا يمكن إنكار ازدهاره أو دوره المحوري في الحروب المتتالية التي خاضها الكيان، خاصّةً في العام 1967. في حينها، تمحورت العقيدة العسكرية على بليتزكريغ (Blitzkrieg)، والتي تتطلّب “السرعة والمناورة والعنف والقوة النارية”[10] والقدرة على توفير التنقل السريع للقوات من موقعٍ جغرافيٍّ إلى آخر، والحفاظ على وتيرةٍ عاليةٍ من قوة النيران في سياق المعارك الدائرة، خصوصاً في معارك المدرّعات والدبابات.

على إثر ذلك، خلق المخطّطون الاستراتيجيون الصهاينة مذهباً عسكرياً يقضي بتأمين التفوّق الجوي على جغرافيا المعركة في بداية الحرب، والعمل على استغلال القوة الجوية في أدوارٍ متكاملةٍ، على شاكلة التغطية الجوية المباشرة (Close Air Support)، أو على شاكلة الاعتراض من الجو في سياق المعارك (Interdiction)، أو ضرب القوات المنسحبة من مواقع المعارك.

بالفعل، خدمت هذه المفاهيم الاستراتيجية الكيان في حقبة حروبها مع الدول العربية، وساهمت بشكلٍ فاعلٍ في إحراز انتصاراتٍ معنويةٍ واستراتيجيةٍ مع مصر وسوريا، وغيرها من الدول العربية المشاركة في هذه الحروب.

في الواقع، لعبت عملية موكيد (Moked) -وهو المُسمّى الصهيوني العسكري لحرب العام 1967- دوراً حاسماً ومحورياً في الهزيمة العربية، والتي لا تزال واحدةً من أكثر الأمثلة وضوحاً لكيفية استخدام القوة الجوية بفعاليةٍ تضمن تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية المنُوطة بالحملات العسكرية، إذ يقول “مارتن فان كريفيلد” بأنّ حرب العام 1967 كانت الحملة الأكثر نجاحاً بين الحملات التي خاضها الكيان؛ حيث “قاتل الجيش ثلاث حملاتٍ منفصلةٍ، وطرد الجيش المصري من شبه جزيرة سيناء في غضون أربعة أيام، والجيش الأردني من الضفة الغربية بغضون يومين ونصف اليوم، والجيش السوري من مرتفعات الجولان في غضون يومٍ ونصفٍ فقط “[11].

مع ذلك، بقي الدور الذي لعبته القوة الجوية مَحْض نقاشٍ أكاديميٍ واستراتيجيٍّ-عسكريٍّ؛ فمثلاً يُرجع كينيث بولاك النصرَ للقوات البرية، فعلى الرغم من أهمية القوة الجوية في سياق المعارك عموماً، إلا أنّ المعارك البرية كانت حاسمةً، ولعبت دوراً أساسياً في هزيمة الجيوش العربية وتراجعها. فكما يقول: “في حين أنّ القوات الجوية لعبت دوراً هاماً للغاية في القتال، لم تكن هي العنصر الحاسم في الانتصار، بل كان تأثيرها في طرق مختلفة جداً عن التصوّر القائم”[12].

يُحاجِج بولاك بأنّ الإنجاز الذي تحقّق في عام 1967 كان نتاج القوات البرّية، خاصّةً المُشاة المدرَّبين تدريباً عالياً، فضلاً عن القدرة النفسية والعسكرية على الانقضاض على التحصينات العربية، خصوصاً في المعارك التي دارت في محيط منطقة القدس وجبل نابلس، وصولاً إلى دحر القوات الأردنية من الغور. آنذاك، كان للقوة الجوية دورٌ ثانويٌّ، خاصّةً وأنها كانت منشغلةً في احتواء القوات السورية وإنهاء المعارك في سيناء، ليقتصر دورها على توفير معلوماتٍ عن أرض المعركة للقوات على الأرض، وليس في هزيمة تلك التحصينات لوحدها؛ أي في توفير المعلومات الاستخبارتية حول تموقع قوّات العدو.

استمرّت القوة الجوية الصهيونية بالتطوّر، ولكنها بعد حرب العام 1967 استُبدِلت الرعاية الفرنسية الوثيقة بالأمريكية، ما مكّن الكيان من الاستفادة من التكنولوجيات المتقدّمة والصواريخ الموجّهة بدقّةٍ، لتواصل القوات الجوية إثبات كفاءتها في مختلف المواجهات العسكرية المُتعاقبة التي خاضتها.

ورغم تلك الإمكانيات، غير أن المهمة ستصبح أصعب في ضوء مواجهة الكيان الصهيوني، في عقد السبعينيات، أعداءً من نوعٍ مختلف وتشكيلةٍ مختلفة كذلك. كانت حرب أكتوبر لحظةً حاسمةً في تاريخ الكيان؛ إذ إنّ الهجوم العربي على الكيان خلال عيد رأس السنة العبرية فاجأ قادة الكيان، بعدما أنشأ المخططون العسكريون العرب نظاماً هائلاً للدفاع الجوي المتكامل، والذي لعب دوراً محورياً في خفض كفاءة سلاح الجو الصهيوني.

وعلى الرغم من النكسة المبكّرة، إلا أن الكيان سيتعافى وستُخترق الدفاعات المصرية، فكما يشير كوردسمان وفاجنر، “… حتى في أسوأ يوم، أي في 7 أكتوبر، كان معدّل خسارة القوات المسلّحة الصهيونية أقلّ قليلاً من 3 بالمئة، أي أقلّ بكثير من معدل الذروة في حرب العام 1967، التي كانت حوالي 4 بالمئة في اليوم الأول “.[13] حقّق الكيان في نهاية المطاف حالةً من الجمود في الحرب، استطاع من خلالها نزع اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، تلتها اتفاقاتٌ متعاقبةٌ مع مصر وصلت ذروتها في العام ١٩٧٨عندما وقّع الكيان اتفاق السلام مع مصر.

اندفع الكيان، في ما بعد، إلى مواجهة شكلٍ مختلفٍ من أشكال الحرب؛ أي الحرب غير المتماثلة/المتكافئة مع أعداء قدماء وجدد من منظمة التحرير، وصولاً لحزب الله وحماس وغيرها من التنظيمات العربية والفلسطينية التي انتظمت في إطار حرب العصابات.

واجه الكيان زوبعةً من التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية التي وضعت الكيان أمام تحدّياتٍ تنمويةٍ وسياسيةٍ متباينةٍ ومتداخلةٍ، ولكنها شكّلت ثقلاً في التحول الذي دفع بنقل الكيان من زمن “البطولة” إلى زمن ما بعدها. أدّت تلك العوامل إلى الدفع باستراتيجياتٍ عسكريةٍ تعوّل على القوة الجوية من خلال التركيز على العمليات المستقلة (Independent Operations). في هذا السياق، يُحاجج رودمان بالقول “إنّ حرب لبنان ترمز إلى نهاية مشاركة القوات المسلّحة الصهيونية في الحرب البطولية”[14]. وفي حين أن خصومها الرئيسيين قبل تلك الحرب تشكّلت من القوات المسلحة النظامية للدول العربية، فإنّ القوات الصهيونية ستواجه في المقام الأول قوى مقاومةٍ غير نظاميةٍ.

النزوح نحو العمليات الجوية المستقلة

نبعت الحرب الــ”ما بعد بطولية” في السياق الصهيوني من عواملَ متداخلةٍ؛ أهمّها التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على الكيان من إعادة هيكلة الاقتصاد الصهيوني من تبنيه نظاماً شبه اشتراكيٍّ في السنوات الأولى للكيان، وصولاً إلى استحداث وتطبيق مجموعٍ من السياسات التي تنطوي تحت مظلة النيوليبرالية، وما خلّفته من توسّع النزعة الفردانية في المجتمع الصهيوني. كما أدّى تغيّر شكل وحجم العائلة وتعدادها إلى انحسار قدرة الكيان على تقديم التضحيات في حروبه الجديدة. تجدر الإشارة، هنا، إلى أن عصر الحروب الــ”ما بعد بطولية” ليس بخاصّيةٍ صهيونيةٍ فقط، بل يمكن اعتباره ظاهرةً أوسع ألقت بثقلها على الجيوش الغربية بشكلٍ عامٍ.

تصاعدت هذه النزعة بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر ولاحقاً الأردن ومنظّمة التحرير، والتي أضعفت مكانة الحروب التي تخوضها؛ من حروبٍ مِفصليةٍ ووجوديةٍ إلى مجرّد حملاتٍ عسكريةٍ لا تصل حدّ تهديد وجود الدولة، أو على الأقل هكذا تبدو تلك المعارك والحروب من زاوية رؤية المجتمع الصهيوني. كما عزّز توافر تكنولوجياتٍ متطوّرةٍ وافدةٍ من الولايات المتحدة الأمريكية النزوحَ نحو العمليات الجوية المستقلة، خاصّةً مع استحداث وتطوير القذائف الذكية والتي تمّ استخدامها وتجربتها في سياق حرب الخليج الأولى والحرب في كوسوفو.

وكما يوضّح آفي كوبر، فإن “العقيدة العملياتية الجديدة للجيش الصهيوني والتي صدرت في نيسان 2006، أي قبل ثلاثة أشهر من اندلاع حرب لبنان الثانية، تمحورت حول توظيف التكنولوجيا إلى حدٍّ كبيرٍ”.[15] بل اعتبر الكيان بعقيدته العسكرية التكنولوجيا بمثابة حلٍّ شاملٍ للتحديات المتباينة في الحروب المعاصرة، ويعزو للتقنية قدراتٍ خارقةٍ تسمح للكيان بخوض حملاتٍ عسكريةٍ خاليةٍ من المخاطر.

لقد كانت تلك العقيدةُ السّمةَ المميِّزةً للانخراط العسكري الصهيوني في الصراعات الستة الماضية مع كلٍّ من المقاومة في لبنان والمقاومة الفلسطينية في غزة. يصف رون تيرا هذه الحملات بأنها “حملات مساءلةٍ-منطقيةٍ”(Accountability-Rationale Campaigns)[16]. في جوهرها، تسعى مثل هذه الحملات إلى “تشكيل قواعد اللعبة لسلوك الأطراف في الأوقات الروتينية، أو في أعقاب الصراع من خلال توجيه ضرباتٍ قاسيةٍ تتسبّبُ في استنزاف العدو، والتي بدورها تعتمد على توظيف قوة النيران، أو من خلال الضغط غير المباشر، بينما يحافظ الجيش على الموارد الثمينة، ويقلّص المخاطر المرتبطة بالمعارك المباشرة.”[17]

ويتّبع هذا التوجّه العقيدة العسكرية التي خطّها معهد دراسات عقيدة الحملة (ICDS) التابع للجيش الصهيوني، والذي انطوى تحت مفهوم “النسر والأفعى” (The Vulture and The Snake). في سياق هذا المفهوم، تمّت ترقية القوة الجوية لمكانةٍ عُليا لتستحيل الأداة الهجومية الأهمّ، إذ يقول بارتون “… كان المفهوم الأساسي يتمثّل في أنّ الكيان سيعتمد على تفوّقه الجوي لبناء ميزةٍ عسكريةٍ تخدمه في سياق الحروب غير المتماثلة. بموجب هذا البناء، سيصبح سلاح الجو الصهيوني العنصر المُسيطر المُهيمن (النسر) الذي سيعمل ضدّ المقاومين أو المقاتلين أينما كانوا (الثعابين) “.[18]

لم تؤدِّ العقيدة الوليدة للقوات البرية أيَّ دورٍ رئيسيٍّ باستثناء الدفاع عن الحدود أو “العمليات السريعة في أراضي العدو للتعامل مع فئاتٍ معينةٍ من العدو لا يمكن التعامل معها بسهولةٍ من الجو.. “.[19] يرتبط هذا المفهوم، أيضاً، بالعقيدة الأمريكية من “العمليات القائمة على التأثير” (effects based operations)، والتي شدّدت على استخدام التكنولوجيا والقوة الجوية على حساب القوات المسلّحة البرّية. وكما يؤكد دوناهو: “في الماضي، سعى الكيان إلى الحصول على أفضل أنظمة الأسلحة لضمان امتلاكها التفوق التقني على أعدائها، لكنّها في النهاية أدركت خطر الاعتماد  على التكنولوجيا”.[20]

إنّ استخدام القوة الجوية المستقلة أو توظيف القوة الجوية في عملياتٍ مستقلةٍ عن الأسلحة الحربية الأخرى يتضمّن العديد من المزايا ذات أبعادٍ مهمّةٍ في سياق الحملات العسكرية الصهيونية. تعود العديد من تلك المزايا إلى عددٍ من العوامل الاجتماعية الاقتصادية، في حين تتعلّق الأخرى بالتأثيرات التكتيكية والاستراتيجية على أرض المعركة. كما تشمل توفير الحيّز السياسي اللازم لصنّاع القرار لخوض عملياتٍ عسكريةٍ سريعةٍ ومُستندةٍ بالأساس على مفهوم الردّ المهُول (Massive Retaliation).

في مجتمعٍ شديد الحساسية للإصابات أو القتلى، يتحوّل الاعتماد على القوات الجوية في العمليات العسكرية المستقلة إلى مساحةٍ توفّر وسائلَ لإخضاع العدو، إذ يحاجِجُ يغال ليفي بالقول: “كرّس النزوح نحو تجنب المخاطرة أهميةَ قوة النيران وأدواتها”[21]. وعلاوةً على ذلك، فإنّ استخدام القوة الجوية في عملياتٍ مستقلةٍ يمكن له تحقيق الكثير في سياق حروب الكيان الجديدة، فمن خلال استهداف النقاط الحرجة ومراكز القيادة والتحكّم وقاذفات الصواريخ والقيادة العسكرية للعدو وشبكات النقل اللوجستي، يمكن للقوات الجوية تحقيق أهدافٍ عسكريةٍ كبيرةٍ، وإعطاب قدرات المقاومة في بعض الحالات.

وفي دراسةٍ أجراها معهد راند (Rand) في العام 2009، التي تستعرض الدور الذي لعبته القوة الجوية الصهيونية في لبنان، يسلّط لامبث على بعض النجاحات التي حقّقها سلاح الجو، بما في ذلك إخراج “صواريخ حزب الله الطويلة والمتوسّطة المدى” من المعركة.[22] وبتدمير هذين العنصرين سواءً في بداية العملية أو أثناء القتال، تمكّن الكيان من تحييد التهديد الذي شكّلته تلك الصواريخ ودقّتها على المواقع والقواعد العسكرية والمباني الحسّاسة.

وعلى الرغم ممّا سبق، فإن الاعتماد المتزايد على العمليات المستقلة على حساب أنماطٍ متكاملةٍ من العمليات العسكرية له تداعياتٌ عميقةٌ على قدرة الكيان في تحقيق أهدافه السياسية المُعلَنة؛ أي في تحقيق مراده من وراء الحروب المتتابعة التي خاضها مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية على حدٍّ سواء.

لقد تأقلمت قوى المقاومة مع تهديد القوة الجوّية بشكلٍ ناجعٍ. فمع ازدياد تعويل واتكالية القوى الغربية، بما فيها الكيان على القوّة الجوّية، ازدادت الإرادة عند قوى المقاومة في المنطقة باستحداث وسائل وطرق تكتيكية واستراتيجية لتحييد القوّة الجوّية وأثرها على أرض المعركة. إذ قامت قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية بجهدٍ جبّارٍ لتحييد القوّة الجوّية، مستندةً على أساسين في منطق عملها: رفع نسب الاستيعاب، أيّ القدرة على تحمل الضربات الجوية، وثانياً العمل على خلق آلياتٍ للبقاء؛ بمعنى بقاء القيادات العسكرية والسياسية والشبكات اللوجستية والوحدات المختلفة وتنسيق أدوارها، دون إعطاء فرصةٍ سهلةٍ لسلاح الجو لتعطيل إمكانيات المقاومة.

في ذات السياق، يقول “اتاي برن”: “إنّ تحسين القدرة على استيعاب الضربات، من أجل زيادة القدرة على البقاء وتوفير مساحةٍ لالتقاط الأنفاس لـــ”الجانب الأضعف “- كالأنفاق والمخارج وطرق الاتصال البديلة – خّلَق آلياتٍ لردعٍ فعّالٍ، أي ردع “الجانب الأقوى” من مهاجمة “الجانب الأضعف”- بالصواريخ مثلاً- وتحويل الحرب إلى مناطق أكثر ملاءمةٍ في حالة فشل هذا الرادع؛ وبالتالي فوزٌ بالحرب من خلال عدم خسارتها، واستحداث طرقٍ متباينةٍ تهدف إلى استنزاف العدو”[23].

نجحت تلك الاستراتيجيات في التقليل من تأثير القوة الجوية الصهيونية، خاصّةً وأنّ الكيان أهمل المناورات البرّية كما جسّدت حرب لبنان الثانية، إذ تمّ تأجيل دخول القوات البرية إلى لبنان، ما سمح للمقاومة اللبنانية بإعادة تجميع قوّاتها قبل خوض المعارك البرية الحاسمة.

إجمالاً، يعتمد توظيف واستخدام القوة الجوية المستقلة بشكلٍ كبيرٍ على قائمة أهدافٍ مُعّدّةٍ مسبقاً يتمّ تجميعها عادةً من قبل أجهزة الاستخبارات الصهيونية قبل الحرب؛ أي أن توظيف القوة الجوية بعملياتٍ مستقلةٍ في العمليات العسكرية لفتراتٍ طويلةٍ بالنهاية يعود على الكيان بنتائج متناقصةٍ من حيث أثرها. على سبيل المثال، في حرب لبنان الثانية، خلصت الاستخبارات الصهيونية إلى أنّ حملة القصف المُكثّف والهجوم البرّي الصغير [توغّلات القوات الخاصة التي رافقت الضربات الجوية أظهرت “عوائد متناقصة” في غضون أيام ” من بدء العمليات العسكرية[24].

يؤدّي توظيف القوة الجوية بعملياتٍ مستقلةٍ إلى تنافرٍ وتضاربٍ بين مختلف الأسلحة المشاركة في حملةٍ واحدةٍ، كما يُضعف قدرة الكيان على تطوير شكلٍ متكاملٍ لاستراتيجيته العسكرية. لقد كانت هذه الإشكاليات واضحةً في حرب لبنان الثانية، والتي تضمّنت مشاركة مختلف الأسلحة- البرية والبحرية والجوية والوحدات الخاصة- وأظهرت ضعفاً في آليات التنسيق وتوحيد الجهود.[25]. لم يُسعف الكيانَ إهمالُه للقوات البرية وتقليل الميزانية الخاصّة بالقوات تلك، تحت افتراضاتٍ قائمةٍ تعتقد أنّ القوة الجوية لوحدها يمكن أن تحقّق النصر في الحرب.

الخاتمة

إن التحوّل الذي طرأ على العقيدة العسكرية الصهيونية، من عقيدةٍ تؤكّد على أهمية العمليات المشتركة إلى مبدأ يرتكز أساساً على دور القوة الجوية وعملياتها المستقلة، خلق فجوةً حقيقيةً بين القوة العسكرية وقدرة الكيان على توظيفها في تحقيق أهدافٍ سياسيةٍ، إذ استطاعت المقاومة في لبنان وفلسطين استغلال تلك الفجوة، وتحقيق إنجازاتٍ عسكريةٍ لا يمكن إنكارها.

يُبرِز التوظيف التاريخي للقوة الجوية، في حملاتٍ متتاليةٍ منذ العام 1948، حقيقةَ فعالية القوّة الجوية، عندما تقترن بأشكالٍ أخرى من الحروب البرّية والبحرية، إذ خدمت العقيدة العسكرية الصهيونية “حرب المناورة الهجومية” الكيان بشكلٍ جيّدٍ في حِقبة الحروب النظامية، على نحوٍّ لا يعني أن القوة الجوية ليست لها وظائفُ أخرى كتلك المرتبطة بأهميتها الدفاعية، أو أدوارها المنوطة بمنظومة المراقبة الصهيونية القادرة على تحقيق نتائج في المعارك المختلفة.

ختاماً، يمكننا القول إن ثمّة عواملَ مختلفةً دفعت الكيان إلى انتهاج عقيدةٍ عسكريةٍ تسعى في جوهرها لإخراج المعركة من الحرب، خاصّةً بعد انتقال الكيان للحرب التي تتّكل على التقنية، وتبتعد عن الخسائر البشرية المكلّفة اجتماعياً وسياسياً. كان ثمن إهمال الدور الجوهري للقوات البرية خسارة الكيان في حروبٍ متتابعةٍ من لبنان، وصولاً إلى غزة. فكما يستنتج آفي كوبر، “قد تكون الثورة في مفاهيم الشؤون العسكرية أنيقةً ومتطورةً، لكنها لا تستطيع أن تحِلّ محلّ المفاهيم العسكرية البسيطة التي تمسّك بها المفكّرون العسكريون منذ قرون، مثل توجيه العمليات ضدّ مراكز الجاذبية – وليس مجرد خلق” تأثيراتٍ”، أو في إهمال الدور الذي لعبته القوات البرية في النصر بالمعارك والحروب؛ وأهمية إلحاق ضررٍ جسديٍّ مباشرٍ بالعدو … وحقيقة أن العدو أيضاً لا يلتزم بالقواعد التي يرغب المرء في إملائها”.

اقرأ/ي أيضاً: الثورة الأخرى في الشؤون العسكرية.

****

الهوامش

[1] Rodman, David. (2001). Israel’s National Security Doctrine: An Introductory Review. Middle East Review of International Affairs, Vol. 5, No. p. 72
[2] Rodman, David. (2013). “Sword and Shield of Zion: The Israel Air Force in the Arab–Israeli Conflict, 1948–2012”. Sussex Academic Press. Kindle Edition. Kindle Location 411
[3] Van Creveld, Martin. (1994). “Airpower and Maneuver Warfare.” Air University Press p. 155
[4] Ibid, p. 156.
[5] Kober, Avi. (2008). “Airpower and Maneuver Warfare.” Air University Press p.3
[6] Griffin, Gordon S. (2008). “Israel Vs Hezbollah: An Assessment of Israeli Strategy”. Air University P.31
[7] Livingston, Alastair. (2013). “Israeli Air Power 1973-1982: How Did the Israeli Air Force Recover after the October War?”. E-IR. URL: http://www.e-ir.info/2013/05/20/israeli-air-power-1973-1982-how-did-the-israeli-air-force-recover-after-the-october-war/ p.1
[8] Rodman, David. (2013). “Review Essay: The Israel Air Force and the Evolution of Arab‒Israeli Warfare”. Small Wars Journal, p.2
[9] ibid
[10] Rodman, David. (2013). p.3.
[11] Van Creveld, Martin. (1994). p. 160.
[12] Pollak, Kenneth. (2005). ”Air Power in the Six-Day War.” Journal of Strategic Studies. Vol. 28, No. 3, 471 – 503 p.272
[13]Cordesman and Wagner. (1990). “The Lessons of Modern War, Volume I, The Arab–Israeli Conflicts, 1973–1989”.pp. 73–4.
[14]Rodman, David. (2013)., p.4.
[15]Kober, Avi. (2008). p.18
[16] Tira, Ron. (2016). “Israel’s Second War Doctrine”. Strategic Assessment, Vol. 19, No. 2. p.143
[17] ibid
[18] Parton, Neville. (2007). “Israel’s 2006 Campaign in the Lebanon: A Failure of Airpower or a Failure of Doctrine.” Air Power Review, Vol. 10, No.2.. p. 82.
[19] ibid
[20] Donahue, Gregory J. (2012). “The 2006 Hezbollah-Israeli War: Israel’s Grenada.” United States Marine Corps.(2012).. p.1
[21]  Levy, Yagil.(2013). “Israel’s Death Hierarchy: Casualty Aversion in a Militarized Democracy” . NYU Press reference. Kindle Edition. p. 195
[22] Lambeth, Benjamin. S. (2009). “Air Operations in Israel’s War Against Hezbollah: Learning from Lebanon and Getting it Right in Gaza.” Rand. (2009). p.232
[23]  Brun, Brigadier General Itai. (2010). “‘While You’re Busy Making Other Plans’ – The ‘Other RMA’”. Journal of Strategic Studies. 33 (4): 535-565. p.559
[24]  Matt Matthews, (2008). “We Were Caught Unprepared: The 2006 Hezbollah-Israeli War,” Combat Studies Institute Press, U.S. Army Combined Arms Center.(2008). p. 38
[25]  Berman, Lazar. (2011). Beyond the Basics: Looking Beyond the Conventional Wisdom Surrounding the IDF Campaigns against Hizbullah and Hamas. Small Wars Journal. P. 4