ترصد هذه المقالةُ تكتيكاتِ المقاومة المتبعة خلال الحرب على مختلف مستويات العمل العسكري وأسلحته، وعملية التطور الملحوظة والكبيرة التي مرّت بها المقاومة على الصعيد التكتيكي والعملياتي، وعلى مستوى جهوزيتها لمجابهة جيش الاحتلال.

شنّت طائرات جيش الاحتلال مساء الاثنين الموافق السابع من تموز 2014 غارةً على نفقٍ تابعٍ للمقاومة شرق رفح، استشهد على إثرها ستة مقاومين. ردّت المقاومة بقصف عدد من المستوطنات والمدن المحتلة، لتندلع بعدها حربٌ استمرت 51 يوماً راح ضحيتها أكثر من ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح، وتركت خلفها الكثير من الدمار. وبالرغم من ذلك، فقد أبدت المقاومة في غزة خلال الحرب أداءً جليلاً، واستخدمت تكتيكات غير معهودة، وكثافة نيرانٍ بمعدلاتٍ عاليةٍ لم يسبق أن استطاعت الوصول إليها من قبل، فضلاً عن الحفاظ عليها لمدة 51 يوماً.

خلال هذه الحرب أطلقت المقاومة 8000 صاروخٍ وقذيفةٍ وصل بعضها لأقصى نقطة ممكنة في العمق الاستراتيجي لكيان الاحتلال، ونفذتْ عدة عملياتٍ نوعيةٍ خلف خطوط العدو، ونجحت في صدّ التوغل البريّ لجيش الاحتلال وأوقعت فيه عديد الخسائر، كما نجحت في أسر بعض جنوده. ترصد هذه المقالةُ تكتيكاتِ المقاومة المتبعة خلال الحرب على مختلف مستويات العمل العسكري وأسلحته، وعملية التطور الملحوظة والكبيرة التي مرّت بها المقاومة على الصعيد التكتيكي والعملياتي، وعلى مستوى جهوزيتها لمجابهة جيش الاحتلال.

أولاً: العمليات البحرية

القارب المستهدف والشهيد حمدي انصيو
في السابع من تشرين الثاني 2000، قاد ابن مخيم الشاطئ الشاب (حمدي انصيو)، قارباً محملاً بـ(120) كيلوغرام من مادة المتفجرات “TNT”، قاصداً مهاجمة زورق حربي من نوع “دبور” الألماني الصنع، والتابع لخفر السواحل الصهيونية. يصطدم قارب (انصيو) بالزورق الحربي ليدمره ويقتل من فيه من الجنود ويرتقي شهيداً. قبل أقل من شهر فقط من هذه العملية، ركب الشهيد (محمود الجماصي) البحر، فخخ قارباً وفجّره في أحد الزوارق الحربية الصهيونية الجاثمة قبالة سواحل شمال قطاع غزة.

كانت هاتان العمليتان بمثابة إعلان توجهٍ جديدٍ لدى المقاومة في غزة باستخدام البحر كساحة مواجهة. وكانت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قد نفذت خلال الانتفاضة الأولى العديد من العمليات البحرية والتي أخذت في مجملها تكتيكين محددين: الأول هو الاستهداف المباشر للزوارق الحربية الصهيونية الجاثمة قبالة شواطئ القطاع، مثلما حصل في كل من عملية الشهيدين (حمدي انصيو) و(محمود الجماصي)، والثاني هو التسلل من البحر والالتفاف على المستوطنات الصهيونية  داخل أراضي القطاع آنذاك.

الشهيد محمود الجماصي

نستذكر هنا العملية التي نفذها الشهيدان (اسحق نصار) و(زكريا أبو زور) بتاريخ 25/3/2004، واللذان تمكنا من التسلسل عن طريق البحر والالتفاف على مستوطنة (تل قطيف) جنوب دير البلح. نجح المقاومان وقتها في اجتياز الموقع العسكري ودخول المستوطنة واختطاف أحد المستوطنين والعودة به باتجاه دير البلح عن طريق البحر، إلى أن رُصِدا عند اقترابهما من الموقع العسكري الموجود شمال المستوطنة، وخاضا اشتباكاً دام لأربعين دقيقة مع جنود جيش الاحتلال المتحصنين في الموقع.

استخدم الشهيدان في عمليتهما قذائف الـ “R.P.G” والأسلحة الرشاشة الخفيفة والقنابل اليدوية، واستشهد المقاومان وقتل المستوطن الذي كان تحت سيطرتهم إثر قذيفة مدفعية من إحدى الدبابات التي حضرت لمكان الاشتباك. كانت هذه أول عملية بحرية لوحدات الضفادع البشرية الخاصة التابعة للمقاومة.

عملت المقاومة الفلسطينية خلال السنوات اللاحقة، على إحداث نقلة نوعية على مستوى العمليات البحرية. وقد خرّج التدريب المكثف وطويل الأمد، وحيازة معدات غطس متطورة مقاومين يملكون من الكفاءة القتالية ما يمكِّنهم من تنفيذ عمليات بحرية نوعية.

الشهيدان اسحق نصار ومحمد أبو زور
وقد اتضح هذا الجهد التطويري على بنية العمليات البحرية بشكل جليّ بل ومفاجىء جداً ثاني أيام الحرب، عندما وجهت المقاومة الفلسطينية ضربةً موجعةً لجيش الاحتلال واستخباراته، حيث نجح أربعةُ مقاومين من جنود وحدة الضفادع البشرية في التسلل واجتياز ما مسافته (1400) متر غطساً من شاطئ غزة إلى قاعدة (زكيم) البحرية على شاطئ عسقلان المحتلة.

تمكن المقاومون الأربعة من اجتياز الحدود البحرية مع العدو والتسلل إلى قاعدة (زكيم) وخوض اشتباك أبدوا فيه جسارة كبيرة. كانت التسجيلات المسربة للعملية قد أظهرت أن المقاومين الأربعة خاضوا اشتباكاً مع جنود العدو لأكثر من ثلاثين دقيقة على الأقل، كما أظهرت أحد المقاومين وهو يتقدم لدبابة ويضع عليها عبوة ناسفة ويفجرها، ويعود ليشتبك معها.

وفي تفاصيل لاحقة كشفت عنها المقاومة، تبيّن أن قوات “الكوماندوز البحري” التابعة لها نفذت عملية استطلاع مسبقة لموقع القيادة والسيطرة على ساحل عسقلان، حيث مكث أحد مقاوميها عدة ساعات على أرض الموقع، لتنفيذ مهمة الاستطلاع، ثم عاد الى قواعده بسلام.

تقول عملية (زكيم) الكثير من الأمور، يأتي على رأسها أن أصبح بإمكان المقاومة في غزة الوصول إلى بقعة أوسع من الأراضي المحتلة وتنفيذ عملياتها فيها، وأنها ماضية وبلا شك على ملاحقة الاحتلال في كل مكان وضربه في كل الساحات.

ثانياً: سلاح المدفعية

رفعت المقاومة في الحرب الأخيرة وبشكلٍ ملحوظٍ من وتيرة إطلاقها للصواريخ والقذائف قصيرة المدى، إضافةً لدخول صواريخ جديدة على منظومة الصواريخ متوسطة المدى وتوسيع رقعة المناطق الواقعة تحت تهديد الصواريخ. مكّن هذا التهديد المقاومةَ من تحقيق ضغطٍ اقتصاديٍّ وسياسيٍّ على حكومة الاحتلال، وخصوصاً بعد جلاء أعدادٍ كبيرةٍ من مستوطني الجنوب إلى مدن وبلدات الوسط وتعطيل الحياة فيها، عدا عن تعطيل المقاومة لحركة الملاحة الجوية في مطار بن غوريون.

ونخصّ هنا في حديثنا عن سلاح المدفعية نقطتين، الأولى سنتطرق فيها لأكثر أسلحة منظومة الصواريخ والقذائف قصيرة المدى قدرةً وتأثيراً، وهي قذائف الهاون -على اختلاف عياراتها، والتي يعدُّ أبرزها وأكثرها استخداماً عيار (120ملم) والبالغ مداه (6) كم، فيما سنتطرق في النقطة الثانية -وبشكلٍ مجمل-لترسانة المقاومة الصاروخية.

1- قذائف الهاون

في الثلاثين من كانون الثاني للعام 2001 أطلقت المقاومة قذيفةَ هاون على مستوطنة “نيتساريم”-إحدى المستوطنات الإحدى والعشرين التي كانت تشكّل مجمع “غوش قطيف” الاستيطاني في جنوب قطاع غزة. اخترقت القذيفة السقف الخشبي لوحدة استيطانية وتوقفت عند السقف الإسمنتي، ولم تنجح بإصابة أي من المستوطنين بأذى.

كانت تلك المرة الأولى التي تتمكن فيها المقاومة الفلسطينية في غزة من إطلاق قذيفة مدفعية على مستوطنة صهيونية، كما  كانت تلك القذيفة فاتحةً لدخول مفهوم القصف المدفعي والصاروخي ضمن الترسانة العسكرية للمقاومة في غزة. إلا أنها لم تكن المرة الأولى التي تستخدم فيها المقاومة الفلسطينية قذائف مدفعية أو صاروخية ضدّ المستوطنات الصهيونية، فقد تمكنت المقاومة الفلسطينية في لبنان في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من امتلاك منصات إطلاق لصواريخ “كاتيوشا” روسية الصنع، وقامت باستخدامها بكثافة ضدّ المستوطنات الصهيونية شمال فلسطين المحتلة، وقد كانت تلك الصواريخ واحدةً من الأسباب التي تذرعت بها قوة الاحتلال لتبرير اجتياحها لجنوب لبنان في تموز 1982.

الشهيد عدنان الغول
كانت قذيفة الهاون الفلسطينية الأولى في غزة ثمرة مجهودات طويلة قام بها أحد أهم مهندسي المقاومة في غزة خلال الانتفاضة الأولى وهو الشهيد (عدنان الغول)، بالتعاون مع كل من (باسم عيسى) و(سعد العربيد). كان الغول – الذي اغتيل في غزة في العام 2004- مسؤولاً كذلك عن تطوير العديد من القدرات العسكرية للمقاومة في أجيالها الأولى، ويُنسب له الفضل – على سبيل المثال – في تطوير أول قنبلة يدوية محلية الصنع -كانت تُعرف باسم “رمانة حماس”، وأول قاذف محليّ مضادّ للدروع باسم “قاذف البنا”، إضافة إلى “قاذف الياسين”، وذلك ضمن اتجاهٍ جديدٍ تبنته المقاومة في غزة بعد بداية الانتفاضة الثانية بالاعتماد على الخبرات المحلية بسبب شح الأسلحة والصعوبات التي ترافقت مع عمليات التهريب.

استمرت المقاومة فيما بعد بقصف مستوطنات غزة بقذائف الهاون وتكررت عمليات القصف بوتيرةٍ متسارعةٍ، وشمل مداها غالبية مستوطنات غزة، وظلت خياراً رئيساً لدى فصائل المقاومة حتى بعد تطوير الصواريخ محلية الصنع والتي استخدمت بكثافة فيما بعد لتغطية مساحة قصف أكبر خارج حدود قطاع غزة ومستوطناته.

وقد تضاءل استخدام المقاومة لقذائف الهاون مع الانسحاب الصهيوني أحادي الجانب من غزة في عام 2005، وعادت لاستخدامها ضدّ جيش الاحتلال خلال حرب 2008-2009 مستهدفةً تجمعات الجنود داخل حدود القطاع.
كما برزت قذائف الهاون كركنٍ أساسيٍّ للترسانة العسكرية للمقاومة خلال الحرب الأخيرة، حيث شكّل الإطلاق المستمر والمكثف لقذائف الهاون تحدياً مركزياً للجيش الصهيوني خلال الحرب الأخيرة، وكانت القذائف بمثابة جحيمٍ منهمرٍ على رؤوس الجنود الصهاينة على مشارف غزة، هذا فضلاً عن اجبارها لمستوطني غلاف غزة على إجلاء كيبوتساتهم ومستوطناتهم.

عند الحديث عما يمنح سلاح الهاون هذا الثقل التكتيكي في المعركة لا بدّ أولاً من ذكر مميزاته التي تشمل خفة وزن مدفعه وقذائفه وصغر حجمها، والذي يعطي المقاومين سهولةً في نقلها وتحريكها، بالإضافة إلى يسر تهريبها وتخزينها مقارنةً مع الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، كما أن تكلفتها التصنيعية منخفضة بعض الشيء، وهذا ما يتيح للمقاومة إنتاج كمياتٍ كبيرةٍ منها في شبكة ورشات التصنيع التي أنشأتها المقاومة خلال السنوات الماضية.

أما ميدانياً، فهناك العديد من الأمور التي تمنح الهاون كسلاح قوّةً ميدانيةً، أولها البصمة المنخفضة لقذائف الهاون بعد الإطلاق مقارنةً مع الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، هذا الأمر يمنحها اختفاءً جيداً عن طائرات الاستطلاع الحاضرة بشكل مكثف ومنتشر في سماء قطاع غزة، والحديث دائماً يدور عن الجهد الاستخباري العالي الذي يبذله جيش الاحتلال لكشف مرابض قذائف الهاون، والذي يبوء على الأغلب بالفشل. توفر هذه البصمة المنخفضة لقذائف الهاون ميزةً أخرى، حيث بالإمكان استخدام المربض لأكثر من مرة دون كشفه.

أما ثاني المميزات، فهي محدودية قدرة الاحتلال على كشف قذائف الهاون وصعوبة التعامل معها، كونها غير واقعة ضمن مجال اعتراض منظومة “القبة الحديدية” المخصصة للصواريخ متوسطة المدى، والتي يصل مدى طيرانها حتى (30) ثانية. وفي محاولات قوة الاحتلال للتغلب على خطر قذائف الهاون، ابتكرت شركة “إلتا” الصهيونية راداراً متطوراً ذا مهمات متعددة، أطلقت عليه اسم “راز”، يعطي الرادار تنبيهاً لمدة خمس ثوانٍ فقط قبل سقوط القذيفة، وهي مدة غير كافية للاختباء والتحصن، مما يبقي قدرة الجنود والمستوطنين على تجنب قذائف الهاون منخفضة.

ثالث هذه المميزات وأبرزها، دقته العالية في الإصابة بخلاف الصواريخ، وهو ما يميزه كسلاح قاتل ضدّ الأفراد. يُذكر على سبيل المثال، القصف الذي قام به مقاومون من أحد مرابض الهاون في بلدة خزاعة شرق مدينة خانيونس عصر يوم الثاني والعشرين للحرب الموافق 28 تموز 2014، والذي استهدف قوّةً من كتيبة 53 التابعة للواء 188 للمدرعات التابع لجيش الاحتلال، بخمسة قذائف هاون، أوقعت (5) قتلى وما يقارب (28) إصابة، في صفوف جنود جيش الاحتلال.

المقاومة تطلق قذائف الهاون

واستخدمت المقاومة خلال أيام الحرب سلاح الهاون ضدّ المواقع العسكرية المنتشرة والواقعة ضمن غلاف غزة، كما استخدمته بشكل أساس ضدّ قوات الجيش وآلياته المحتشدة على امتداد الحدود مع غزة، هادفةً من وراء ذلك تشويش حركة تقدم القوات من جهة، والتأثير على قرارات قيادة الجيش من جهةٍ أخرى. كما استخدم الهاون كسلاحٍ مساندٍ في العمليات الدّفاعية والاشتباكات مع جيش الاحتلال داخل أحياء غزة.

وقد بلغ مجموع ما أطلقته المقاومة خلال الحرب ما يقارب ألفي قذيفة هاون، تسببت في قتل وجرح عدد كبير من جنود العدو. تقول الأرقام إنّ ما يقارب ثلث الجنود الصهاينة الذين قتلوا خلال الحرب، قتلوا بسبب قذائف الهاون، وخصوصاً في الثلث الأخير من الحرب، حيث استهدفت المقاومة بشكلٍ مكثفٍ قوّات العدوّ المحتشدة على حدود غزة بأعداد كبيرة وفي نطاق ضيق.

في النهاية وعلى بساطة سلاح الهاون إلا أنه يشكِّل سلاحاً تكتيكياً تهديدياً، والأمر غير مقتصر على الجنود فقط، إذ تقع كثير من مستوطنات غلاف غزة تحت مرمى قذائف الهاون، والتي يمكن أن تتسبب بجلائهم خلال اندلاع أي مواجهة قادمة.

2- القصف الصاروخي

عقب قذيفة الهاون الأولى بحوالي تسعة أشهر، أدخلت المقاومة في غزة إلى الخدمة صاروخها محلي الصنع الأول “قسام” والذي أنجزت تصميمه وبناءه على يد مهندسيّها الشهيدين (نضال فرحات) و(تيتو مسعود)، وقامت بإطلاقه باتجاه الأراضي المحتلة لأول مرة في 26 تشرين الأول 2001.

منذ ذلك اليوم، لم تتوقف المقاومة عن عملية تطوير وتحسين منظومة صواريخها سواء على صعيد قدرتها التفجيرية أو على صعيد مدى وصولها بالإضافة لدقة إصابتها، وارتفع بشكل تدريجي كل من عددها وكثافة إطلاقها.
وقد استفادت المقاومة من بساطة تركيب النماذج الأولية من صواريخها، واستخدمت جميع السبل الممكنة للحصول على المواد الخام اللازمة لتصنيعها. يومها كانت المقاومة تشتري بعض المواد الخام المستخدمة في صناعة الصواريخ، خصوصاً المبيدات والأسمدة الزراعية، من داخل فلسطين المحتلة عام 1948. كما استفادت المقاومة من أنفاق التهريب الواصلة بين جنوب القطاع وشمال سيناء من أجل تهريب العتاد العسكري بشكلٍ عامٍ، بما يشمل الصواريخ ومواد تصنيعها، وازدادت عمليات التهريب كثافة بعد ثورة كانون الثاني 2011 في مصر وسقوط نظام حسني مبارك، ومن ثم تأثرت بالوضع السياسي العام في المنطقة، سلباً وإيجاباً.

ترسانة الصواريخ

استخدمت المقاومة خلال الحرب الأخيرة مجموعةً من الصواريخ تنوّعت حسب مداها. وعملت المقاومة من جانب على توسيع رقعة صواريخها لتغطي أكبرَ مساحةٍ جغرافيّةٍ ممكنةٍ من الأراضي المحتلة، ومن جانبٍ آخر تركيز صواريخها على التجمعات الاستيطانية الكبرى، وتغطية أطول فترة زمنية ممكنة خلال اليوم في محاولة لتقليل شعور المستوطن الصهيوني بالاستقرار أو الهدوء وعكس الضرر الذي يسببه جيش الاحتلال لأهالي قطاع غزة على التجمعات الاستيطانية، مما يساهم في زيادة تأثير الشارع الصهيوني على صانع القرار ودفعه نحو إنهاء الحرب بأقل الخسائر الفلسطينية الممكنة.

شملت ترسانة المقاومة من الصواريخ المستخدمة خلال الحرب ما يلي:
1- صاروخ 107: صاروخ روسيّ الصنع يصل مداه إلى (12) كلم، دخل الخدمة في قطاع غزة لأول مرة عام 2008 واستخدم في حربيّ 2012 و2014 لقصف مستوطنات غلاف غزة حتى مستوطنة (سيدروت). قامت المقاومة بتصنيع نماذج مشابهة للصاروخ مع إضافة تحسينات على قدرته التفجيرية.
2- صاروخ جراد: صاروخ روسيّ الصنع يصل مداه إلى (40) كلم، دخل الخدمة في قطاع غزة لأول مرة خلال العام 2008 واستخدم في قصف مدينتي بئر السبع والمجدل.
3- صاروخ سجيل S-55 : تصنعه المقاومة محليّاً، ويصل مداه لـ (55) كلم وقصفت به مدينة اللد ومستوطنة (روحوفوت).
4- صاروخ مقادمة M-75 : تصنعه المقاومة محليّاً، ويصل مداه لـ (70- 75) كلم واستخدم لأول مرة في حرب 2012 في قصف تل أبيب. تم تصنيع M-75 كمحاكاة لصاروخ “فجر5” الإيراني.
5- صاروخ براق 70: تصنعه المقاومة محليّاً، واستخدم لأول مرة في حرب 2012 لقصف تل أبيب.
6- صاروخ فجر 5: صاروخ إيراني الصنع استخدم لأول مرة خلال حرب 2012 لقصف تل أبيب وتسبب في خسائر مادية جسمية، وقللت المقاومة من استخدامه في حرب 2014 لسهولة تعقبه من قبل القبة الحديدية واستعاضت عنه بصواريخ “M-75” المحليّة الصنع.
7- صاروخ جعبري J-80 : تصنعه المقاومة محليّاً ويصل مداه لـ(80) كلم وتحتوي بعض نسخه على تقنية تشويش على رادار القبة الحديدية، واستخدمت هذه الصواريخ لقصف تل أبيب لأول مرة في 12 تموز 2014 وقد أطلقت كتائب القسام عشرة صواريخ منها بعد الإعلان مسبقاً عن نيتها استخدامها عبر بيانٍ عسكريٍّ بثته، متحديةً في ذلك مهندسي القبة الحديدية.
8- صاروخ رنتيسي R-160 : تصنعه المقاومة محليّاً ويصل مداه لـ (160) كلم واستخدم لأول مرة في حرب 2014 لقصف حيفا والخضيرة، وهي أعمق نقطة وصلتها صواريخ المقاومة انطلاقاً من غزة حتى الآن. يعد صاروخ “R-160” محاكاة لصاروخ “فجر7” الإيراني.
9- صاروخ براق 100: تصنعه المقاومة محليّاً ويصل مداه لـ (100) كلم.

ولا زالت المقاومة مستمرة في تطوير قدراتها الصاروخية، وكانت قد أعلنت في الذكرى الأولى لحرب 2014 عن إدخال صواريخ “أبو شمالة SH” و”عطار A” للخدمة دون الكشف عن تفاصيل عن مدى إطلاقها وقدرتها التفجيرية، إضافةً إلى إعلانها مسبقاً عن صاروخ “J-80” الذي يعد نسخةً مطوّرةً عن صاروخ “J-80″، الذي سبق استخدامه خلال الحرب الأخيرة، ومن الجدير بالذكر أن العدو أصدر، قبل فترة قصيرة،تقريراً يفيد بأن المقاومة في غزة قامت بإجراء أكثر من (2000) تجربة صاروخية باتجاه البحر خلال الفترة التي تلت إعلان تهدئة الحرب الأخيرة.

 

 

ثالثاً: العمليات البريّة

1- العمليات الهجومية (عمليات التسلل):

لم يكن الاستخدام العسكريّ للأنفاق أو مفهوم التسلل من تحت الأرض جديداً على المقاومة في غزة، إلا أن ما اختلف هو تكتيك استخدام الأنفاق خلال السنوات الماضية، سواءً على مستوى التجهيزات أو الكثافة أو الهدف الذي حُفرت لأجله، وهو ما بان بشكلٍ واضحٍ خلال الحرب الأخيرة. حتى إن استثنينا الأنفاق اللوجستية المخصصة لتهريب الأسلحة، والموجودة على الحدود الفلسطينية – المصرية، فإن المقاومة تملك خبرةً سابقةً في هذا المجال، وقد قامت باستخدام الأنفاق في تنفيذ عمليات هجومية ناجحة خلال الانتفاضة الثانية، ذلك في ظلّ عجزٍ واضحٍ لدى جيش الاحتلال في كشف الأنفاق، حتى في حال امتلاكه معلومات استخبارية عن حفر عناصر المقاومة لأنفاق بالقرب من مواقع الجيش العسكرية فإن اكتشافها يحتاج لمجهودٍ بحثيٍّ ميدانيٍّ لا يمكن أن يؤدّى بسهولة.

وقد طوّر جيش الاحتلال ثلاث منظومات تكنولوجية مختلفة للكشف عن الأنفاق منذ العام 1996 وحتى العام 2006، ولم تُثبت أيٌّ من المنظومات الثلاث نجاعةً كافيةً في الكشف عن أنفاق التهريب أو الأنفاق الهجومية سواء في قطاع غزة أو في جنوب لبنان. كما شكّل جيش الاحتلال منذ مطلع الألفية الجديدة وحدةً مخصصةً لكشف الأنفاق تم دمجها لاحقاً في سلاح الهندسة. وأقام في العام 2012 منظومة تحت اسم “الرقم الصعب” كان هدفها الرئيس الكشف عن الأنفاق في محيط قطاع غزة. وتظهر العمليات التي نفذتها المقاومة خلال الحرب الأخيرة بواسطة الأنفاق، عجز هذه المنظومة –كسابقاتها-  في الكشف المبكر عن الأنفاق.

كانت المقاومة في غزة قد اتبعت في فترة ما قبل حرب 2014 تكتيكين محددين للعمل الهجومي من خلال الأنفاق، كان الأول استخدام الأنفاق لتفخيخ وتفجير مواقع عسكرية لجيش الاحتلال الواقعة داخل غزة وعلى حدودها، ومنها مثلاً تفجير المقاومة لبرج مراقبة موقع (ترميت) الواقع داخل الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر في 26  أيلول 2001، تلاه تفجير آخر لبرج (حردون) في مخيم يبنا في مدينة رفح في 13 كانون الأول 2003. كما أن العملية الأكثر نجاعةً باستخدام هذا التكتيك كانت بدون شك تفجير حاجز (أبو هولي) والمعروف باسم موقع (محفوظة) بالقرب من مجمع (غوش قطيف) الاستيطاني في 27 حزيران 2004 والذي أوقع (7) قتلى وأكثر من عشرين جريحاً في صفوف جنود الاحتلال.

أما التكتيك الثاني فقد كان استخدام الأنفاق في التسلل والإنزال خلف خطوط العدو، وكانت العملية الأولى التي نفذتها المقاومة باستخدام هذا التكتيك هي عملية “الوهم المتبدد”، التي نُفذت صبيحة يوم الأحد الموافق 25 حزيران 2006 للعام، والتي اختطفت فيها المقاومة الجندي (جلعاد شاليط). كانت هذه العملية مفتاحاً لصفقة تبادل أسرى بين المقاومة وقوة الاحتلال نتج عنها تحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني في عام 2011.

من الجدير بالذكر أن المقاومة نفذت عملياتها المذكورة أعلاه من خلال أنفاق بلغ طولها في المتوسط ما بين (150 – 200) متر، حيث كان حفر النفق يستغرق عملاً مستمراً لشهرين أو ثلاثة بكلفة مادية تصل إلى مئة ألف دولار.

وقد تعطينا هذه الحقائق صورة عن إعجازية الجهود التي بذلتها المقاومة في بناء شبكة أنفاقها الأخطبوطية تحت الأرض والتي استخدمتها في الحرب الأخيرة، فقد كان جيش الاحتلال قد أعلن في 13 تشرين الأول 2013 عن اكتشافه لنفقٍ يمتدُّ بين شرق خانيونس ومستوطنة (العين الثالثة) الواقعة ضمن غلاف قطاع غزة.

كان النفق بحسب الصور التي كشف عنها إعلام العدو بعرض (1.2) متر وارتفاع (2.2) متر ويمتد لأكثر من (2500) متر منها (300) متر في عمق الأراضي المحتلة، وبحسب تقدير خبراء فلسطينيين فإن كمية الرمال التي أُخرجت من النفق أثناء عملية حفره كانت تقدر بثلثي مليون دلو -تكفي لتعبئة 365 شاحنة-  حُفرت ونُقلت بواسطة معدات ميكانيكية بسيطة لمسافة متوسطها (1250) متراً لكلِّ دلو بمجموع مسافة يصل إلى (165) ألف كيلو متر قُطعت ذهاباً وإياباً داخل النفق وخارجه، وتم إسناد سقف النفق بخمسة عشر ألف بلاطة إسمنتية بلغ عرض الواحدة منها نصف المتر، كان هذا نفقاً واحداً فقط، استطاعت المقاومة بناء العشرات غيره على طول الحدود مع الأرض المحتلة خلال سنوات قليلة فقط.

عمليات التسلسل:

يعتبر مبدأ نقل المعركة لأرض العدو من أهم المبادئ العملية في العقيدة العسكرية الصهيونية، حيث يتمثل بضرورة إدارة المعركة منذ بدايتها على أرض العدو أو على الأقل نقلها إلى أرضه بعد بدايتها (أي إلى داخل غزة في حالتنا). وقد جاءت عمليات الإنزال خلف الخطوط، التي نفذتها المقاومة لتكسر هذا المبدأ من مبادئ العقيدة العسكرية الصهيونية، حيث نفذت المقاومة في الساعات الأولى للمعركة هجوماً على القاعدة البحرية (زكيم)، تلتها عمليات إنزال مختلفة فرضت على العدو أن يدافع عن نفسه قبل أن يهاجم وينفذ مناورةً بريةً، إضافةً إلى المفاجأة الكبيرة التي حققتها العمليات، الأمر الذي لم يحسب له العدوّ حساباً.

وتمثلت العقدة المعلوماتية للجيش الصهيوني في هذه العمليات في عدم امتلاكه لمعلومات عن أعداد الأنفاق الهجومية وتجهيزاتها والمسافات والمناطق التي تمتد لها، وتوقيت العمليات وعدم توقع أسلوبها. بالإضافة لذلك خلقت المقاومة عقدةً معلوماتيةً للعدوّ، وذلك بارتداء مقاتلي نخبة المقاومة لزيٍّ عسكريٍّ مماثلٍ لزيّ الجنود الصهاينة، الأمر الذي أربك مراقبي الجيش على الحدود، وسبّب في تأخير كشف هوية المقاومين.

نشرت المقاومة تسجيلاتٍ لبعض عمليات التسلل، وتحديداً عمليتي موقع (ناحل عوز) وموقع (أبو مطيبق) العسكرييّن، والتي ظهر فيها مقاتلو المقاومة وهم يشتبكون من نقطة صفر مع جنود الاحتلال. وكانت أبرز صورة نقلتها تسجيلات المقاومة، وكان لها أبلغ الأثر على مجتمع كيان الاحتلال وجيشه، هي صورة الجندي الطريح يصرخ بين يدي عناصر المقاومة محاولاً منع اختطافه من داخل موقعه (المحصّن).

وكانت الميزة التكتيكة الأهم والأبرز في عمليات التسلل التي نفذتها المقاومة خلال الحرب هي “استمرار التهديد”، إذ نجحت المقاومة في تنفيذ هذا النوع من العمليات من بداية الحرب إلى نهايتها، وعجز جيش الاحتلال أن يسلب المقاومة هذه القدرة الاستمرارية أو يعطلها ولو جزئياً، الأمر الذي أطال أمد المعركة وأشعرهم بالإحباط طيلة الوقت. وحسب ما نشرته المقاومة من تفاصيل العمليات بعد الحرب، فإن المقاومين في بعض العمليات كانوا قد نجحوا في البقاء لساعاتٍ طويلةٍ داخل الأراضي المحتلة قبل تنفيذ مهمتهم واستطاعوا التنقل من مكانٍ لآخرٍ والعودة إلى قواعدهم بسلام بعد تنفيذهم للمهمة. 

وعلى الرغم من كشف جيش الاحتلال للعديد من الأنفاق خلال المعركة، حيث كان قد أعلن عن اكتشاف وتدمير اثنين وثلاثين نفقاً هجومياً خلال الحرب الأخيرة، إلا أنه كان عاجزاً عن تحييد خطرها بشكل تام، والتعامل معها بخطوة استباقية، بل إن المقاومة نفذت إحدى عمليات الإنزال خلف خطوط العدو عبر نفق كان جيش الاحتلال قد أعلن عن اكتشافه مسبقاً. يعود ذلك العجز بشكلٍ أساسٍ إلى المعضلة المعلوماتية لدى جيش الاحتلال حول كل ما يتعلق بالأنفاق في غزة، كما أنه مؤشر على ضعف القدرات الهندسية الصهيونية  في التعامل النهائي مع الأنفاق حتى بعد اكتشافها، إضافةً إلى أن خبرة المقاومة الممتدة مكّنتها من إعادة ترميم الأنفاق التي يتم تدميرها جزئياً.

2-  العمليات الدفاعية:

الأنفاق الدفاعية:

بدأت المقاومة وعلى نطاقٍ ضيقٍ استخدامها للأنفاق الدفاعية خلال حرب 2008 في منطقة شرق غزة. كان الاستخدام في بدايته على شكل وصلات دفاعية قصيرة أنشئت بهدف قطع الشوارع والطرق البسيطة والمكشوفة وليس كشبكة أنفاق دفاعية ممتدة ومتشعبة بالصورة الموجودة عليها حالياً. وقد قامت المقاومة بإنشاء هذه الوصلات مدفوعةً بالطبيعة الجغرافية الخاصة لمنطقة جبليّ الريس والصوراني شرق حي التفاح وجبل الكاشف شرق محافظة شمال غزة، وما يقع شرقهم وصولاً إلى حدود القطاع مع الأرض المحتلة، إذ تتميز تلك المناطق بكونها مناطق مفتوحة ومكشوفة، يصعب على المقاومين التحرك والمناورة فيها بحرية دون التعرض لخطر الوقوع في مرمى نيران سلاحي الجو أو المدفعية.

وقد أثبتت تجربة الوصلات الدفاعية شرق حي التفاح قدرة المقاومة على الاستفادة من الدروس الميدانية خلال فترة الاجتياحات التي تعرضت لها المنطقة خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، حيث كان جيش الاحتلال ينتهج سياسة الأرض المحروقة قبل التوغل البريّ لمنطقة حي التفاح وهو الذي زرع في وعي المقاومة ضرورة توفير مرابض وتحصينات من نوع خاص توفر للمقاومين، في سلاحي الدروع والقنص بشكل محدد، سهولة الحركة والتنقل خلال المسافات القصيرة وتوفير الدعم اللوجستي.

وقد ساهم هذا الاستخدام المبكِّر للأنفاق الدفاعيّة في إكساب المقاومة القدرة على تحويل العامل الجغرافيّ في شرق القطاع من ميزة للاحتلال إلى جحيمٍ حقيقيٍّ، ظهر بشكله الجليّ والواضح في الحرب الأخيرة على شكل شبكة أنفاق معقدة وقوّية وجّهت من خلالها المقاومة ضرباتٍ موجعةً لجنود الاحتلال، كان أبرزها ما فعله مقاومو حي التفاح فجر يوم الأحد 20 تموز 2014 حيث تمكنوا من اختطاف الجندي في لواء (جفعاتي) أورون شاؤول، والإجهاز على (14) جندياً من جيش الاحتلال من مسافة صفر.

حققت شبكة الأنفاق الدفاعية الممتدة تحت أراضي غزة مستوى عالياً من القيادة والسيطرة، واستمراريةً للتواصل بين القيادة الميدانية والجنود واستمراريةً للسيطرة والتحكم بالعمليات، إضافةً إلى إخفاء وستر المقاومين وتوفير  حمايةٍ عاليةٍ تقلِّل من فرص وقوعهم في مرمى نيران جيش الاحتلال، كما وفّرت شبكةً آمنةً للإمداد اللوجستي والحفاظ على استمراريته طيلة أيام الحرب، إلى جانب الحفاظ على شبكة اتصالات آمنة.

وشكّل تكتيك المقاومة المتبع في العمليات الدفاعية خلال الحرب الأخيرة معضلةً لدى جيش الاحتلال المتوغل في أحياء غزة، حيث اعتمد المقاومون في الخطوط الدفاعيّة الأولى على التخفي واستخدام الأنفاق للحركة والمناورة السريعة، يضربون الأهداف ثم ما يلبثون يختفون عن الأنظار، هذا التكتيك مُعتمد بشكل أساس على شبكة الأنفاق الدفاعية التي استغرق العمل فيها سنين من دم وعرق المقاومين. شكّل هذا الأسلوب معضلة معلوماتية استخبارية لدى الجيش الصهيوني، من حيث جهله بتحركات المقاومين وأماكن تواجدهم وتمركزهم، ما جعل المقاومين يتحكمون في سير العمليات في بعض المناطق.

إلى جانب الأنفاق الدفاعية، استمرت المقاومة في انتهاج أسلوب قتالها الرئيس في بعض المناطق، والمعتمد على التكتيكات الأخرى لحرب الشوارع، حيث التخفي في المنازل والتنقل عبرها من جهة، ومباغتة القوات المتحصنة في المنازل من جهةٍ أخرى، إضافةً إلى مباغتة ونصب الكمائن لقوات الجيش وآلياته المتوغلة في شوارع وأحياء غزة. كان هذا التكتيك متبعاً من قبل المقاومة في منطقة بيت حانون بالتحديد – استخدم في مناطق أخرى (رفح – حي الشجاعية) ولكن بشكل ثانوي، وذلك بسبب  طبيعة جغرافيا المنطقة، التي لا تسمح بالاعتماد على الأنفاق الدفاعية بشكل رئيسي، وهو ما حتم عليها أن تنقل المواجهة إلى الشوارع الجانبية، وإلى المنازل.

وتمكنت المقاومة في بيت حانون من توجيه ضربات موجعة لجيش الاحتلال، وإيقاع جنوده في عدد من الكمائن المحكمة، كان أبرزها كميني شارع (عودة) وكذلك شارع (النعايمة)، والتي وصفته إحدى وسائل إعلام العدو بكونه يمثل “17 دقيقة من جهنم”.

سلاح مضادّ الدروع:

يحدّ غياب العمق والطبيعة الجغرافية لقطاع غزة من إمكانية تحقيق ضرباتٍ مكثفةٍ ومؤثرةٍ لسلاح الدروع في جيش الاحتلال، وذلك لصعوبة استخدام الصواريخ الموجهة المضادّة للدروع في هذه الطبيعة الجغرافية. في حرب لبنان 2006 على سبيل المثال، ساهمت الطبيعة الجغرافية المغلقة والأحراش الكثيفة التي يتميز بها وادي الحجير، في عملية الاستهداف القريب والبعيد بالقذائف والصواريخ الموجهة المضادة للدروع للعديد من دبابات جيش الاحتلال التي دخلت الوادي، في عملية أصابت فيها المقاومة اللبنانية ما يقارب (50) دبابة “ميركافا” وعدد من جرافات جيش الاحتلال.

بالإضافة إلى العائق الجغرافي، هناك عائقان على صعيد الخبرات من جهةٍ وعلى صعيد ذخيرة القذائف والصواريخ المضادّة للدروع من جهةٍ أخرى، إذ إن كثيراً من هذه الصواريخ والقذائف استخدمها المقاومون في غزة لأول مرة ولم يملكوا عنها خلفية مسبقة تمكنهم من استخدامها بشكل دقيق. رغم هذه العوائق، وبالإمكانات التي توفرت لها، أدّت وحدات سلاح مضادّ الدروع التابعة للمقاومة دوراً بارزاً خلال الحرب، حيث أقدمت على تنفيذ عدةِ عملياتٍ ضدّ آليات جيش الاحتلال وجنوده، والتي نشرت المقاومة أغلب تسجيلاتها خلال الحرب، ظهر فيها استهداف مقاوميها لجيبات عسكرية وناقلات جند وجرافات ودبابات “ميركافا” بصورة مباشرة، وقد مكّنتها تلك العمليات من إعاقة تقدم قوات الجيش وآلياته في بعض المناطق.

واتبعت المقاومة خلال الحرب ثلاثة تكتيكات رئيسة في استخدامها لسلاح مضاد الدروع، وجهت من خلالها ضربات موجعة  لقوات المشاة والمدرعات الخاصة بجيش الاحتلال:

التكتيك الأول كان استخدامها للصواريخ المتطورة والموجهة مثل (الكورنيت، الكونكورس، فاغوت، التاندوم، فونيكس وغيرها)، ضدّ دبابات الجيش وآلياته المتوغلة داخل غزة، إضافةً إلى حضور سلاح مضاد الدروع وفق هذا التكتيك في العمليات الهجومية خلف خطوط العدو، كان ذلك في عملية موقع (أبو مطيبق) العسكري، التي قتل فيها ضباط من كتيبة المدرعات التابعة للواء «7» في جيش الاحتلال، حيث استهدفت وحدة سلاح مضاد الدروع المشاركة في العملية جيبات تتبع لجيش الاحتلال بعدة قذائف من نوع “تاندوم”.

إلا أن ما كان لافتًا في المعركة هو استخدام المقاومين لقذائف «R.P.G» ضد الأفراد، كان هذا التكتيك الثاني الذي اتبعته المقاومة خلال الحرب، حيث استخدم المقاومون مضادات الدروع بكثافة ومهارة عالية ضد جنود الاحتلال الذين دخلوا أحياء قطاع غزة وتحصنوا في منازلها، وقد استطاعوا استهداف غرفة قيادة لواء (غولاني) في حي الشجاعية بقذائف “R.P.G”، إذ قتل وأصيب على إثرها عدد من قيادات اللواء وعلى رأسهم قائد اللواء (غسان عليان) والذي أفقد اللواء قيادته الميدانية ولو لليلة واحدة، كان هذا تكتيكاً دفاعياً هجومياً انتهجته المقاومة، فاجأ قوات المشاة، حيث نجح المقاومون في استهداف العنصر البشري بدقة وكثافة، وإيقاع الخسائر في صفوفه.

تدلل دقة الإصابات هذه على الرصد الجيد من قبل المقاومة لحركة قوات جيش الاحتلال على الأرض من جهة، وعلى براعة المقاومين في استخدام هذا النوع من السلاح من جهةٍ أخرى.
أما فيما يتعلق بالتكتيك الثالث، وهو العمل الفدائي ضدّ الدبابات، حيث الاشتباك مع الدبابات بالقذائف والعبوات من نقطة صفر، والذي أظهر جرأة عالية لدى مقاتلي المقاومة، مما شكّل صدمةً لسلاح الدروع في جيش الاحتلال.

إحدى أبرز هذه العمليات وفق هذا التكتيك، كان تفجير دبابة شرق خانيونس بواسطة فدائي وضع العبوة على برج الدبابة وقام بتفجيرها من مسافة صفر، كان هذا الأسلوب أحد الحلول التكتيكية التي اتبعها المقاومون في مواجهة منظومة “تروفي”، وهي نظام دفاعي مصمم لحماية ناقلات الجند والدبابات من القذائف المضادة للدروع المباشرة والصواريخ الموجهة ومستخدم بشكل أساس على دبابة “ميركافا– 4 باز”. وقد أبدى هذا النظام فعالية كبيرة ضد القذائف والصواريخ الموجهة وخصوصاً في المناطق المفتوحة، إلا أن هذا النظام يفقد قدراً كبيراً من فعاليته أمام القذائف التي تطلق من مسافة قريبة وبخاصة في المناطق السكنية الكثيفة، لذلك اتبّع المقاومون تكتيكين لمواجهة هذه المعضلة، إطلاق القذائف والصواريخ من مسافات قريبة، والعمل الفدائي ضد الدبابات.

سلاح القنص

نفذت وحدات القناصة المتخصصة والمنتشرة على طول امتداد القطاع -والعاملة في إطار عمل الوحدات الدفاعية، خلال الحرب ما يقارب (30) عملية قنص، كان من أبرزها عملية قنص (ديمتري لافيتاس) قائد سرية في سلاح المدرعات التابع لجيش الاحتلال، بواسطة بندقية القنص “غول” والتي وأعلنت عنها المقاومة خلال الحرب لأول مرة، كنموذج مطور لبندقية “ستاير” السويدية والتي تتميز باستخدامها لطلقات من عيار 14.5 ملم ومدى قاتل يصل لـ(2000 متر).


 

سلاح الهندسة

برز دور سلاح الهندسة في كل من العمليات الدفاعية والهجومية، حيث ظهر في العمليات الدفاعية، من خلال استخدام العبوات الثابتة محلية الصنع ضد الدبابات، بالإضافة إلى تكتيك تفخيخ المنازل التي يتحصن بها جنود جيش الاحتلال، والذي سبب لهم ولقادتهم إرباكاً كبيراً، وترك العديد من القتلى والإصابات في صفوفهم.

أما فيما يخص حضور وحدات الهندسة في العمليات الهجومية، فقد بدا جلياً في عملية موقع “أبو مطيبق” العسكري، إذ كان دور وحدة الهندسة المشاركة في العملية تفجير جهاز الإرسال الخاص بالموقع وقطع الاتصال بينه وبين قيادة جيش الاحتلال.

طائرات الاستطلاع:

كان (نضال فرحات) ولا يزال واحداً من أبرز مهندسي المقاومة في قطاع غزة، وقد ذكرت هذه المقالة سابقاً إسهامه – رفقة الشهيد (تيتو مسعود) – في تصميم وبناء أول صاروخ فلسطيني محلي الصنع في العام 2001، وقد كان الحلم الأكبر لنضال، والذي استشهد في سبيله، هو بناء طائرة بدون طيار للاستخدام في مهام قتالية داخل حدود فلسطين المحتلة.

لم يحقق نضال حلمه واستشهد بعملية اغتيال استهدفته مع خمسة من عناصر كتائب القسام في 16 شباط 2003 أثناء تفقده لنموذج لطائرة بدون طيار وصل  إليه عبر أحد عملاء مخابرات العدو التي كانت قد زرعت فيها مسبقاً عبوة ناسفة. وانتظرت المقاومة الفلسطينية في غزة أحد عشر عاماً لتحقيق حلم (نضال فرحات) واستطاعت أخيراً أن تبني منظومة متكاملة من طيران الاستطلاع كشفت عن الجيل الأول”أبابيل A1″ منها خلال الحرب الأخيرة.

في 15 كانون الأول 2016 نجحت مخابرات قوة الاحتلال باغتيال المهندس التونسي (محمد الزواري) في مدينة صفاقس، وأعلنت كتائب القسام بعد يومين في بيان لها نعيها للزواري وكشفت لأول مرة عن ارتباطه الوثيق ودوره المحوري في بناء برنامج صناعة الجيل الأول من طائرات أبابيل، وكانت كتائب القسام قد كشفت خلال الحرب في 14 تموز 2014 عن استخدامها – لأول مرة – طائرات بدون طيار خلال العمليات القتالية ضد جنود العدو، وكشفت بشكل مبدئي عن وجود ثلاثة طُرُز من الجيل الأول هي على التوالي:

1- «A1A» وتستخدم لأداء المهام الاستطلاعية.
2- «A1B» وتستخدم لأداء العمليات الهجومية وإلقاء القذائف.
3- «A1C» وتستخدم لأداء مهام انتحارية.
وبالرغم من محدودية استخدام المقاومة في غزة للطائرات بدون طيار خلال الحرب الأخيرة، إلا أن من المتوقع أن يكون لها دورٌ جوهريٌّ في المواجهات القادمة وبخاصة إذا ما قررت المقاومة الكشف عن أجيال جديدة من الطائرات أو تطوير قدراتها الحالية.

رابعاً: سلاح الدفاع الجوي:

لم يكن لسلاح الدفاع الجوي حضورٌ لافتٌ خلال المعركة، لكن معرفة جيش الاحتلال بامتلاك المقاومة لصواريخ مضادة للطيران، ردعه عن الاستفادة من طيران الأباتشي والطيران المروحي في إسناد قوات مشاة جيش الاحتلال على الأرض، بالإضافة إلى أنه كانت هناك محاولات عدة لإسقاط طائرات حربية لكنها لم تنجح.

كلمة أخيرة

ولد الشهيدان نضال فرحات وعماد عقل في نفس السنة، كلاهما أبصر النور في عام 1971، اغتال جنود العدو عماد أثناء محاصرتهم إياه في بيت نضال في حي الشجاعية شرق غزة، عن عمر يناهز الثانية والعشرين. في ذات العام، انتسب نضال رفيق عماد وصديقه للمقاومة رسمياً. في ذلك الوقت، كان حصول خلية للمقاومة في غزة على قطعة سلاح واحدة لتنفيذ عملية إطلاق نار سريعة على دورية لجنود الاحتلال يُعد حدثاً جللاً وأمراً صعب التحقيق.

وكان لشح السلاح أحكامه وقواعده، فقد جعل قطعة السلاح هذه التي أطلقت النار على دورية في مخيم جباليا على سبيل المثال تُخفى وتُموه لتنقل تهريباً إلى الضفة الغربية وتطلق النار على دورية للاحتلال في مخيم جنين. كانت هذه هي الظروف التي بدأ فيها المهندس نضال فرحات عمله في صفوف المقاومة، سلاح شحيح وقدرات متواضعة في مقابل ترسانة قوية وأجهزة استخبارات أخطبوطية الأذرع، وضع كان يجعل من فكرة المقاومة بحد ذاتها جنوناً مطبقاً أو حلماً وردياً في أحسن الأحوال.

إن أي عملية بحث سريعة على موقع يوتيوب على الانترنت عن اسم الشهيد نضال فرحات أو الشهيد تيتو مسعود ستظهر مقاطع يظهر فيها الشهيدان أثناء عملية تصنيعهما للنماذج الأولى لصواريخ القسام، أنابيب معدنية وأسلاك كهربائية وقطع مختلفة تُربط ببعضها البعض لتكون صاروخاً. كان الشابان يجلسان في غرفة متواضعة، يفترشان الأرض في منزل عادي في غزة، حافيي القدمين يرتديان ملابس عادية كانا يرتديانها أثناء الذهاب للمسجد أو الجامعة أو لزيارة بعض أقربائهما أو حتى عند ذهابهما للنوم. 

في العام 2001 كانت هذه الغرفة المتواضعة التي جمعت هذين العقلين الجبارين نقطةَ البداية والانطلاق لواحدة من أكبر عمليات تطور الأساليب والقدرات العسكرية لحركات المقاومة المسلحة في التاريخ المعاصر، وقد خرَّجت هذه الغرفة المتواضعة أول صاروخ محلي الصنع بلغ مداه ثلاثة كيلومترات، وبعد أحد عشر عاماً استطال مدى هذا الصاروخ ليتجاوز المئة وستين كيلومتراً، مالكاً القدرة على السقوط فوق حيفا والخضيرة وضرب أقصى نقطة في العمق الاستراتيجي لكيان قوة الاحتلال.

في غرف مشابهة استطاع مهندسو المقاومة تطوير صواريخ “قدس” و”ناصر” والنماذج الأولية لقاذفات “الياسين” و”البنا” و”البتار”، وقاموا بتطوير العبوات الأرضية الموجهة المضادة للدروع وملأوا البراميل بالمواد المتفجرة التي صنَّعوها من المبيدات والأسمدة الزراعية.

إن التطور الذي حققته المقاومة في غزة طيلة سنوات طويلة يعكس مدى العمل الشاق الذي قام به أبناؤها باذلين من عرقهم ودمائهم وحياتهم – إذا تطلب الأمر – من أجل تذليل كل عقبة ممكنة واكتساب كل ميزة ممكنة وتعطيل كل تفوق ممكن لجنود الاحتلال في أرض المعركة. لقد كان استخدام مصطلح “مهندسي المقاومة” في وقت من الأوقات ضرباً من ضروب الخيال في مقالات كهذه، وعندما بدأ عدنان الغول وباسم عيسى وسعد العربيد ووائل نصار ونضال فرحات وتيتو مسعود وعشرات غيرهم عملهم في تكوير صفائح الحديد وربطها بالرؤوس المتفجرة وتزويدها بالقاذفات لتضرب الدروع أو لتحلق في الجو وتقصف، كان البعض من زملائهم وأصدقائهم في العمل المسلح يسخرون منهم وينظرون لهم كما يُنظر لفتية مجانين أظلتهم الأوهام.

ولم يعرف أحدٌ أن هؤلاء الثلة القليلة من المجانين امتلكوا المفتاحَ لبابٍ لم يتخيل أحدٌ أن تقدر المقاومة في غزة على طرقه، بابٌ أوصل المقاومةَ اليوم لامتلاك سلاح ردع قوي وفعال وجعلها قادرة على فرض شروط ميدانية جديدة على العدو وإجباره على خوض المعركة طبقاً لقواعدها.

كما أبدت المقاومة خلال الحروب الأخيرة مرونةً عاليةً في تعلم دروس الميدان والاستفادة من الأخطاء السابقة، وأبدت فعاليةً عاليةً في قلب مساوئ الجغرافيا إلى مميزات. كما تجلّت في الحرب الأخيرة بالذات ذروة التعاون بين المقاومة في غزة وبين عمقها العربي والإسلامي، متمثلاً في كل من حزب الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية اللذين ساهما في تطوير تجربة الأنفاق ونقل تجربة ترسانة الصواريخ والطائرات بدون طيار وتدريب عناصر المقاومة على أساليب قتالية جديدة. وقد أسهمت هذه الأساليب الجديدة خلال الحرب الأخيرة في رفع مستوى الضرر الذي تلحقه المقاومة بجنود جيش الاحتلال في ميدان القتال، وفتح ساحات جديدة وغير تقليدية للقتال لم يعتد العدو على التواجد فيها مسبقاً، ولا تزال المقاومة في غزة تعد بالمزيد، فمشوار التحرير لا يزال طويلاً.

* تنبيه: تم استخدام لفظ “المقاومة” في المقال للإشارة لجميع فصائل المقاومة في غزة بدون تمييز ما لم يتم التنويه إلى ذلك في المتن.

محمود أبو ندى: كاتب من غزة.

—————————————————-

المصادر والمراجع:
– الجرف الصامد تداعيات وعبر – عنات كورتس وشلومو بروم، ترجمة مركز أطلس، 2015.
صواريخ المقاومة في غزة: سلاح الدرع الفلسطيني، باسم جلال القاسم، مركز الزيتونة، بيروت، 2015.
– العدوان الصهيوني على قطاع غزة، عملية “العصف المأكول” – عملية “الجرف الصامد”. ملف معلومات. مركز الزيتونة. 2015.
– موقع كتائب الشهيد عز الدين القسام على شبكة الإنترنت.
– حصاد سرايا القدس لمعركة البنيان المرصوص، موقع سرايا القدس على شبكة الانترنت.
– العدوان الصهيوني على غزة: حماس/إسرائيل: المواجهة الرابعة. يوميات الأحداث وأبرز التصريحات. مركز المعلومات والتوثيق – مؤسسة الدراسات الفلسطينية. موقع مؤسسة الدرسات على شبكة الانترنت.
تفاصيل مذهلة ومرعبة لنفق “العين الثالثة” شرق خانيونس – موقع صحيفة فلسطين على شبكة الانترنت.