يقدّم لكم فريق “باب الواد” أربع مختاراتٍ حجزت مكانها على “رادار، نستهلها بممارسات تخليد انتفاضة عام 1987، وعلاقة الذاكرة الجمعيّة بتشكيل الهويّة الوطنيّة والتحولات السياسيّة، انتقالاً إلى المفكّر هادي العلوي ومفهوم المثقف الكوّني ودور التراث والتاريخ في التحقق الحضاري، ومروراً بالمقاومة الشعبيّة الفلسطينيّة، مسيرات العودة الكبرى نموذجاً، وموقعها في النضال الفلسطيني، وانتهاءً بنضال وصمود الفلّاحات المصريّات في وجه الإقطاع ورأس المال والدولة.
يقدّم لكم فريق “باب الواد” أربع قراءاتٍ حجزت مكانها على “رادار” لشهر أيلول، نستهلها بممارسات تخليد انتفاضة عام 1987، وعلاقة الذاكرة الجمعيّة بتشكيل الهويّة الوطنيّة والتحولات السياسيّة، انتقالاً إلى المفكّر هادي العلوي ومفهوم المثقف الكوّني ودور التراث والتاريخ في التحقق الحضاري، ومروراً بالمقاومة الشعبيّة الفلسطينيّة، مسيرات العودة الكبرى نموذجاً، وموقعها في النضال الفلسطيني، وانتهاءً بنضال وصمود الفلّاحات المصريّات في وجه الإقطاع ورأس المال والدولة.
الذاكرة بوصفها خطاباً ورؤيةً مستقبليةً:
ممارسات تخليد انتفاضة عام 1987
في ورقته المنشورة على مجلة “إضافات”، يبين لنا علاء العزة علاقة الذاكرة بتشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية، وارتباط عمليات التذكر والتخليد بسياقاتها وخطاباتها السياسية السائدة التي تحدّد أهمية أحداثٍ بعينها لذاكرة الجماعة، وارتباط أماكن الذاكرة الفلسطينية بأحداثٍ تراجيديةٍ من قبيل النكسة والنكبة. وفي سياق الحديث عن تخليد الانتفاضة الأولى، تنبع أهميتها، كما أيّ انتفاضةٍ أخرى، أنّ وقوعها في الأرض المحتلة منحها خصوصية إفقاد السلطة الاستعمارية القدرة على إدارة مجتمع المُستَعمرين، من خلال إسقاط شرعية الاحتلال وإفقاده القدرة المؤسّساتية على السيطرة.
يصبح مفهوم “عمليات التذكر” مجدياً أكثر إن استعضنا عنه بمفهوم “ممارسات التخليد”؛ إذ تلعب دوراً مهماً في عملية صناعة الهويّات من خلال إقامة المتاحف مثلاً، كما قد تكون موقعاً للمقاومة المعرفية لهيمنة التاريخ الاستعماري والطبقي، وبهذا تصبح قادرةً على بناء هوياتٍ نقيضةٍ للاستعمار، وقد تصبح كذلك أداةً معرفيةً ناقدةً للأيديولوجيا السائدة، وتؤدي دورها في إبراز حقائق مُغيّبة. هنا، تصبح كتابة التاريخ الشفويّ كأحد أدوات دراسة ذاكرة الفلسطينيين وجمعها أداةً لمقاومة السردية الاستعمارية، وكذلك التاريخ الموثّق الذي يُكتب، عادةً، بأيدي السلطة الاستعمارية أو النخب المحلية، كما حصل مثلاً مع السرديّة التاريخيّة النخبويّة حول ثورة 1936، التي أزيحت وبرزت بدلاً عنها قراءة الفلّاحين للثورة، وبهذا تكون دراسة الذاكرة أداةً لتعزيز الهوية الوطنية.
تتأثر الحياة المُعاشة بالتحوّلات السياسية في السياق الفلسطيني، وهو ما قد يؤثّر على عمليات التذكر ويغيّر طريقة التخليد حسب الأطر الخطابيّة السائدة، وقد تتحوّل جذريّاً ضمن تحولات الخطاب السياسي، كتحوّل ثيمات البطولة والتضحية والمقاومة إلى ثيمات الضحية الباحثة عن حقوقٍ ما. يرتكز العزة في دراسة الذاكرة على محورين أساسين: أولاً، الذاكرة الجمعية والذات والخطاب، وثانياً، الزمن وعلاقته بدراسة الذاكرة.
وفي المحور الأول، يمكننا تتبّع تراث الانتفاضة الأولى في وصف اللجان الشعبية للمقاومة، من خلال نشاطاتها وفعالياتها التي كانت بمثابة الذاكرة التي يعودون إليها في كلّ أشكال ممارساتهم النضالية اليومية، كما أصبحت روح/أخلاق/ قيم الانتفاضة بمثابة مرجعٍ ودلالةٍ على المشاركة الشعبية.
يستخدم مفهوم الذاكرة الجمعية بشكلٍ تعميميٍّ مُعبّرٍ عن المجتمع باعتباره “كليّةً”، مناقضاً لمفهوم التصوّر الفردي للذاكرة؛ إذ إنّ عملية التذكر الفردية هي بالأساس عمليةٌ جمعيةٌ، ولا يمكن فهمها إلّا من خلال الأطر الجماعية. ولهذا نجد قيم الانتفاضة الأولى وروحيّتها متمثّلةً في الجيل الذي لم يشهدها، في حين بقيت مُغيّبةً في عمليات التخليد على مستوى الخطاب الوطني الرسمي. كما تبدو الانتفاضة الأولى في الأراضي المحتلة غير منفصلةٍ عن الخطاب السلميّ الذي تتبنّاه السلطة الفلسطينية، والتي ترسّخ الانتفاضة الأولى كمثالٍ على المقاومة الشعبية السلمية، مهملين بذلك أنها شملت مقاومةً مسلّحةً؛ في سبيل تعزيز موقفهم السلميّ، على عكس الانتفاضة الثانية، وهكذا هيمنت الثنائيّات المتناقضة في سرد التاريخ الفلسطيني الرسمي على علاقة الفلسطيني بالاحتلال، لا أدلّ على ذلك من ثنائية السلاح/السلمية.
ومن هنا يتساءل العزة إن كان بإمكاننا فعلاً مقاربة الذاكرة وعمليات التخليد من خلال الإطار الاجتماعي في ظلّ هذا الجمود السياسي، وهكذا تكون مقاربة الذاكرة كونها تتراوح بين الذات الفردية والإطار الجمعي لعملية التذكر غير كافيةٍ، ويرى أنه لا بدّ من تجاوز الفردي والجمعي للذاكرة إلى مستوىً تكون فيه الذات موضوعاً للصناعة الخطابية، فيتمّ التعامل معها على اعتبارها ممارسةً مرتبطةً بعلاقات القوّة والمقاومة.
بينما يعالج ثاني المحورين علاقة الماضي بحاضر الجماعات ومستقبلها، ويرى أن التاريخ بناءٌ اجتماعي يرسّخ علاقة الحاضر بالماضي. وفي الفارق ما بين التاريخ والذاكرة، أن أوّلهما مفهومٌ علمانيٌ يخضع للتمحيص والفحص، بينما تقع الذاكرة في حيّز المقدّس غير القابل للفحص والتخطئة.
كما يجادل العزة بإمكانية قراءة حاضرنا الفلسطيني وتأريخه استناداً إلى اتفاق أوسلو، وملاحظة التناقض والثنائية في المصطلحات المستخدمة على طرفي الحدث زمنياً؛ فتحوّلت المصطلحات من همٍّ جمعي، وإيثارٍ وتبرّعٍ، واقتصادٍ مقاومٍ ما قبل أوسلو، إلى همومٍ فرديةٍ وتمويلٍ أجنبيٍّ وتبعيةٍ اقتصاديةٍ ما بعد أوسلو.
أما عن المستقبل، فتبدو الذاكرة كنتيجةٍ للمستقبل الذي يتمّ تخيّله إيجابياً بالضرورة، نتيجةً لوجود حاضرٍ غير مرغوبٍ، فيستدعي عمليات التذكر والتخليد ويخلقها ويجعل ذاكرةً ما قابلةً للاسترجاع، يتمثّل هذا في ثيمات الانتفاضة الأولى التي تتداعى للظهور مع كلّ مواجهةٍ مع الاحتلال.
كما ينتج الفلسطيني رزنامته الخاصة التي يؤرّخ حياته من خلالها، بربطها بأحداثٍ مهمةٍ في سياقه السياسي والاستعماري، والفلسطيني سلسلةٌ من الأحداث العنيفة، ماضيه وتاريخه ليسا قضيةً منتهيةً، وإنّما ممتدّة في الحاضر، لهذا يتجاوز شعار “النكبة مستمرّة” فكرة عملية التذكّر للأجيال القادمة ويتعدّاها إلى كونه إشارةً على ارتباط نكبات اليوم بنكبات أمسه.
للقراءة، من هنا
هادي العلويّ: حلاج القرن العشرين ومشروع المزاوجة بين التراث والماركسية
يبدأ محمود مراد مقاله الذي نشر على موقع “بالأحمر” بالتعبير عن تردده في الكتابة عن هادي العلوي؛ حيث تستدعي الكتابة عنه ثقافةً موسوعيّةً لتشعب فكره وعمله المؤطّر بالماركسية بمنهجٍ ماديٍّ تاريخيٍّ صارمٍ.
امتدّت إسهامات هادي العلويّ الفكريّة في اللغة والفلسفة والتراث والتصوّف والتاريخ، وامتازت كتاباته بالعمق والدقة والنزاهة العلمية، كما لم يكن صاحب مشروعٍ نظريٍّ؛ بل حمل معه آلام الفقراء والمهمّشين ووقف معهم ضدّ السلطة.
وفي تمحيصه بين أنواع المثقفين، يختار العلوي مصطلحي المثقفيّة الكونيّة والأفنديّة، إذ يرى أن المثقف الكونيّ يتّسم بصفاتٍ مغايرةٍ لذلك الأفندي؛ حيث يكون الأخير كالأغيار يحمل روحية الرأسماليين والطبقات العليا ويخشى كلمة الحق في وجه السلطة، بينما آية المثقف الكونيّ الحرمان، وهو موقفٌ زائدٌ على الجانب الفكريّ البحت عند المثقف العادي، وهو فريضةٌ على أهل العقل الذين تعظم ثقافتهم فتبلغ النصاب، يترفّع فيه المثقف عن الخساسات المادية والشهوانية، وكذلك يصبح متصوّفاً اجتماعياً ينوء عن السلطة، ذلك الذي يسمّيه العلوي بالمثقفية الكونية التي تتهاوى أمامها هيبة الحاكم ودولته.
ويرى العلوي أنّ الشيوعية موقفٌ وجدانيٌ مؤنسنٌ بحب الناس وكره الدولة والأغنياء وأهل الدين، وهذا موقفٌ يأتي الإنسان من داخله ولا يحتاج إلى معرفةٍ إضافيةٍ، لكنه قد يحتاج إلى تعزيزٍ وتحفيزٍ بقسطٍ من الثقافة والمعرفة غير المدنّسة.
كما لا يشكّل التراث لدى العلويّ مجرد رافدٍ معرفيٍّ، وإنما معنى للتحقق الحضاري، فلا بدّ أن نحتضن تاريخنا ونبدأ من نهاياته، ويرى أن مهمتنا الواعية القاصدة هي العودة إلى التراث الزاخر بالمعاني والذات، والتي قد تكون طريقنا لفضح خرافة مركزيّة الثقافة الغربية. ويتلخص مشروع هادي العلوي في المزاوجة بين الماركسية والتراث، أو كما يدعوه “أقلمة الماركسية”؛ فهي عملية مدامجةٍ بين عناصر الفكر التنويري حيثما وُجِدت في التراث الإسلامي، ثمّ إدماجها بالثقافة الحديثة، ومن هنا استند العلوي إلى وجود نمطين للثقافة: ثقافة سلطة، وثقافة معارضة.
يعزو العلوي فشل التجارب الشيوعية المعاصرة إلى أُحاديتها المرجعية. وفي تعاطيه مع المنهج المادي التاريخي، رأى في تحليله للأساس الاقتصادي للمجتمع العربي أنّ الانتقال إلى الرأسمالية في مجتمعاتنا يكون كما حدّدها الشهيد مهدي عامل برجوازيةٌ كولونياليةٌ؛ أيّ محليةٌ تابعةٌ وغير منتجةٍ.
ووفقاً للعلوي، يتشكل وعي الجماهير من خلال ثلاثة ثوابت: الوعي الطبقي المُضادّ للأغنياء، والوعي السياسي المُضادّ للاستعمار، والوعي اللقاحي المُضادّ للدولة، وهي المعادلة التي تجمع بين العقيدة من جهةٍ والهوية الحضارية والوضع المشاعيّ والموروث اللقاحي من جهةٍ أخرى.
كانت نفس العلوي كبيرةً، يبتهل بدعائه كلّ يومٍ، مسلّماً على روحه السارية في وجوده، وعلى النار المتوقّدة في صدره والنائية به عن النسيان، “مستعيذاً من الخساسات الثلاث، ومستمدّاً من الله القوة على الاقتحام والإقدام” .
للقراءة، من هنا
المقاومة الشعبيّة الفلسطينيّة: خيارُ الواقع أم استراتيجيةٌ وطنيةٌ؟ مسيرات العودة الكبرى نموذجاً
شكلت المقاومة الشعبية مقدّمةً موضوعيةً لنشأة حالاتٍ مسلحة في مقاومة الاحتلال، وكانت الأداة النضاليّة الأكثر تكراراً على أرض فلسطين، وفعلاً تاريخياً مستمرّاً في الحاضر ويوميّاً، يمارسه الفلسطيني تعبيراً عن رفضه الفطريّ للاستعمار وممارساته، فضلاً عن كونها إحدى الخيارات الوطنية والتكتيكية المستمرّة؛ إذ تطورت أدواتها منذ انطلاقها بوجه الاستعمار البريطاني، وتصاعدت وتيرتها في الثلاثينيّات، وأصبحت والمقاومة المسلحة فعليْن مستمرّيْن ومتوازييْن. غلبت المقاومة المسلحة فترة الثلاثينيات وحتى عام النكسة، ثم ظهر بعد ذلك التوجه نحو المقاومة “المدنيّة” كما تسمّيها الدراسة.
في بحثه المنشور عن “مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات”، يحاول الكاتب وائل المبحوح الإجابة على سؤال مقاله المركزي “المقاومة الشعبية الفلسطينية، خيار الواقع أم استراتيجيةٌ وطنيةٌ؟”، ويتّخذ من مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة نموذجاً لدراسة وتحليل واقع المقاومة الشعبيّة السلميّة في فلسطين، وموقعها في النضال الفلسطيني، ويبحث في أسبابها ودوافعها والعوامل التي تعيق استمرارها وتطورها، فضلاً عن مدى جدواها وتأثيرها وسبل تطويرها، ويتناول الجدل حيالها بين رافضٍ لها متحيزٍ للمقاومة المسلحة، وبين مؤيّدٍ لها، وآخرون خلصوا بضرورة الاكتفاء بها.
لا يرى المقال في مسيرات العودة الكبرى نموذجاً جديداً أو طارئاً في النضال الفلسطيني المستمرّ ضد الاستعمار، بل امتداداً لفعالياتٍ شعبيّةٍ، برزت بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة، وتحديداً عام 2011، عندما توجه آلاف اللاجئين الفلسطينيين إلى حدود فلسطين المحتلة. وعلى وقع ذلك، يرى الكاتب بأنّ مسيرات العودة الكبرى أتت محاولةً لإنضاج الوعي الشعبي في ممارسة فعل العودة وتحقيقه، وكسلاحٍ استراتيجيٍّ وشعبيٍّ يقوم على مجموعة مبادئ نضاليةٍ ووطنيةٍ وقانونيةٍ وحقوقيةٍ، تتمّ ممارستها على أرض الواقع من خلال الاعتصام المستمرّ على حدود الأرض المحتلة. كما يشدد الباحث إلى أنّه لا يمكن النظر إلى المقاومة الشعبية السلميّة على أنّها خاليةٌ من العنف بشكلٍ مُطلقٍ، فأدواتها وشكل ممارستها الصحيح يجعل من العنف، ولو المحدد، أمراً ملازماً لها، ولا تقوم فلسفتها على الإيذاء الجسديّ للعدو؛ لكنها تحاول إفقاده إجماعه النفسي على الاستمرار بالمعركة، وهو هدفٌ صديق الوقت.
يخلص الباحث إلى أنّ مفهوم المقاومة الشعبية في الحالة الفلسطينية ما زال بحاجةٍ إلى مزيدٍ من النضج والتفعيل والتثقيف وإنتاج استراتيجياتٍ خاصةٍ به، فضلاً عن تطوير وتنمية النموذج الحالي ليشكل رافعةً للعمل الشعبي ضمن رؤيةٍ متكاملةٍ لمقاومةٍ شعبيةٍ مُمنهجةٍ وواعيةٍ. ويضيف الباحث بأن خيار المقاومة الشعبية ليس خياراً استراتيجياً مستقلاً بذاته، خاصةً في قطاع غزة، بل هو جزءٌ من منظومة المقاومة الفلسطينية، ويختم بالقول إن مستقبل مسيرات العودة الكبرى متعلقٌ بتحقيق إنجازٍ سياسيٍّ ملموسٍ على أرض الواقع، أو مواجهةٍ عسكريةٍ جديدةٍ.
للقراءة، من هنا
فلّاحات على الطريق .. سجل حكايا ونضالات “أم إسماعيل”
من دلتا إلى الصعيد، ما زالت الفلّاحة “أم إسماعيل” تقف في أرضها، تزرع تارةً وتقطفُ الثمر تارةً أخرى، يرتفع مِعولها إلى السماء ويسقط في الأرض مُجدّداً، ليفجّر حياةً جديدةً في الأرض، ستكون فيها عنصراً أساسياً لثوراتٍ متتاليةٍ، رافضةً للظلم وساعيةً نحو الحرية. فرغم ما تعايشه الفلّاحة المصريّة من ضغوطاتٍ اجتماعيّةٍ واقتصاديّةٍ متجذّرةٍ في المجتمع المصريّ، ما زالت تقود مسيرتها التي ستوثّق الكتب جزءاً منها، فيما ستبقى الأرض شاهدةً ومدينةً لها.
في مقال نُشر على موقع “بالأحمر”، تتتبّع الكاتبة منى سليم نضالات الفلّاحة المصرية، وتقدم قراءةً في أبرز محطات مسيرتها، في محاولةٍ لتفسير ما هو قادم. بدءاً من عام 1882، وخلال الثورة العُرابيّة، كان للفلّاحة المصرية دورٌ مؤثرٌ وتلقائيٌ هامٌ خلال الثورة؛ فهاجمت الأجانب وقتلت منهم ما قتلت في الدكاكين والخانات، ووُصفت بـ “المجهولة المقاتلة”.
استمرّت الفلّاحة المصرية بنضالاتها ضدّ الاستعمار البريطاني، فانتفضت في الثورة المصرية عام 1919، وكانت إحدى أهمّ عناصرها، حيث ما زالت تشهد قرية “الوليدية” في محافظة أسوان، لبطولة الفلّاحات حينما قُمن بالتصدي لجيش الاستعمار الإنجليزي بالفؤوس والمعاول، بعد أن تمّ اعتقال رجال القرية، فنجحن بقتل عددٍ من الجنود في تلك المعركة.وفي عام 1964، وفي قرية “كمشيش” في محافظة المنوفيّة، خاضت الفلّاحات نضالاً نسويّاً جديداً ثقله الوعي والتعليم، فبرز اسم المناضلة اليسارية “شاهندة مقلد”، وزوجها الشهيد “صلاح حسين”، في قيادة نساء ورجال قريتها ضدّ أسرة “الفقي” الإقطاعية، انتهت باغتيال زوجها. كانت مقلد هي من أوقفت موكب جمال عبد الناصر وتشي جيفارا، بينما رفعت نساء القرية يافطةً كتب عليها: “نحن معزولون عنك منذ سنواتٍ يا جمال عبد الناصر ونحن قريةٌ ثوريةٌ ونقف جانبك”.
لم يتوقف نضال الفلّاحات عند الإقطاع، إذ بدأن معركةً جديدةً لرفض ما يحاول النظام المصري سنّه في عام 1974، وما صاحبه لاحقاً من تغيّرات في وجهة الانحيازات السياسية والاجتماعية على يدّ “السادات” و”مبارك”، وصولاً لعام 1992 ومحاولة تمرير قانون “تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعية”، والذي يُعطي العائلات الإقطاعيّة الشرعيّة لطرد الفلّاحين من أراضيهم. خاض الفلّاحون والفلّاحات نضالاً ضدّ تسليم الأرض، بدعم وإسناد بعض القوى السياسيّة، ومحاولة الدفع بحلول بديلة رُفضت جميعها، ما دفع باندلاع انتفاضةٍ ريفيّةٍ كان أقواها في محافظة كفر الشيخ.
في عام 1997، وبعد انقضاء مهلة الخمس السنوات للقانون، فقدت نحو مليون عائلة، غالبيتها من المزارعين الفقراء، أراضيها. كشفت قصة قرية “سراندو” حقيقة قصص مئاتٍ من القرى المماثلة. ففي عام 2005، وضمن محاولات التضييق على أهل القرية ودفعهم للتسليم بالقانون، خاضت الفلّاحة المصريّة نضالاً جديداً في الدفاع عن عائلاتها والثبات في الأرض، حيث قُمعت وضُربت وأُهينت، في مشهدٍ متكرر بشكل مؤلمٍ، لم تكن آخرُ حلقاته حادثةَ الثالث من حزيران في عام 2017، حين نزفت “الفلّاحة المصرية”، وهذه المرّة أمٌ لثلاثة أطفال، دماءً جديدةً دفاعاً عن حقها وأسرتها، حين قتل أحد عناصر الشرطة المصرية إحدى الفلّاحات في منزلها خلال رفضها السماح باعتقال أبي زوجها المسن، ويبقى قاتلها حرّاً، دون حساب، حتى يومنا هذا.
للقراءة، من هنا