توطئة
مع اشتداد الهجمة الصهيونية على ديار بير السبع (النقب) وتوهجّ مقاومة أهلها، نضع بين يدي القارئ العربي ترجمةً عن العبريّة لمادّةٍ للباحث الصهيوني المختصّ بالنقب «زئيف زيفان» حول عبرنة أسماء الأمكنة والمواقع في النقب، ضمن مسعانا في باب الواد بنشر موادّ مترجمة من العبرية نراها تقدم إضافةً نوعيّةً في معرفة العدو.
نُشرت المادة في مجلة «أرئيل» عدد 150-151 في تشرين الثاني 2001 الصادرة عن «دار أرئيل» للنشر في القدس المحتلّة، ويُعتبر الباحث من نخبة الباحثين الصهاينة المختصّين في دراسة «النقب» وله العديد من الكتب والدراسات المنشورة، خاصةً في تاريخ الاستيطان الصهيوني في النقب والعلاقات مع البدو.
****
شكّلت عبرنة الأسماء جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الاستيطان في «أرض إسرائيل». كان هذا هو الحال أيضاً بين صفوف قادة الحركة العمّالية الذين عبرنوا أسماءهم؛ فتحوّل «جرين» إلى «بن-جوريون» و«شمشلفيتش» إلى «بن-تسفي» و«شكلونيك» و«شرتوك» إلى «أشكول» و«شاريت».
لم تكُن عملية تغيير الأسماء ابتكاراً صهيونياً، إذ عُرفت الظاهرة في أماكن أخرى، مثل تلفيق أسماء توراتيّةٍ للتعبير عن تجذّر المهاجرين البيض في أرض الميعاد (أمريكا). فعلى سبيل المثال، أطلق المستوطنون الأوائل لكارولاينا الشمالية على قمّة الجبل الذي رأوا منه «أرضهم الجديدة» للمرة الأولى اسم (بسجا)؛ أيّ القمّة، نسبةً إلى قمّة جبل «نيبو» التوراتي. وفي جنوب أفريقيا، أطلق عمّال المناجم المهاجرون على «أرضهم الجديدة» اسم كنعان عوضاً عن مستعمرة «نتال» الإنجليزية.
مثال آخر على ذلك هو ما حصل إبّان «الثورة المخمليّة» في أوروبا الشرقية عام 1990. ففي بودابست وحدها، تمّ استبدال 600 اسم، بما فيها تلك التي حُذفت في الماضي، واستُعيض عنها بتسمياتٍ جديدة، بينما طُمست أسماء ماركس وإنجلز و«الطلائع» والجيش الأحمر والسابع من نوفمبر من الخريطة الجديدة. في روسيا أيضاً، تمّت استعادة اسم سانت بطرسبرغ، بدلاً من لينينغراد، بعد استفتاءٍ شعبيّ أُقرّ في 1991.
بدأت عملية عبرنة أسماء الأماكن في العام 1924 على يد لجنة الأسماء في الصندوق القومي (الكيرين كيميت). وفي عام 1948، توجّه الباحث في «أرض إسرائيل»، «يشعياهو بيريز»، إلى وزير الداخلية «إسحق جرينبويم»، باقتراحٍ يُفضي إلى تغيير أسماء المستعمرات اليهودية لدواعٍ تعليميّة تربويّة. موضّحاً أنّه في غياب التسميات العبريّة، «يغترب الأبناء (المستعمرون) عن أرضهم التي وُلدوا وترعرعوا فيها.. فهم يقطعونها من شمالها حتى جنوبها ومن شرقها حتى غربها، دون معرفة تسمياتها الجغرافية، والتي لا يمكن للإنسان من دونها أن يبني علاقةً روحيّة مع ما تراه عيناه. هذا بالإضافة إلى وجود ضرورةٍ عمليّةٍ أخرى، تتمثّل في وجوب إعطاء تسمياتٍ عبريّة جديدة للمستعمرات التي ستُقام على أنقاض القرى العربية المهجّرة. وأضاف: «المهمة كبيرة، وأتمنى أن تنجز على مدار جيلٍ كامل. ولهذا السبب ينبغي أن نباشر بالعمل فوراً دون تأجيل».
أقرّ رئيس الوزراء «بن غوريون» تنفيذ المقترح وشكّل لجنة الأسماء، وتمّ تعيين «زلمان لايف» رئيساً للجنة بمعاونة «لجنة الأسماء في الصندوق القومي اليهودي». جعلت اللجنة مهمتها العاجلة إعادة تسمية الأماكن في النقب أوّلاً، وذلك لمساحته الشاسعة وكونه تخوماً جديدة للاستيطان اليهودي.
في عام 1949، أوضح «بن غوريون» أهمية عبرنة أسماء المناطق في النقب بالقول: « لا يوجد ما يربطنا بتاتاً مع الأسماء العربية الحالية، ولا يوجد أيّ مبرّرٍ لترجمة الاسم العربي الحالي إلى العبرية، إلّا إذا كان الاسم يتطابق مع المكان طبيعيّاً (طبوغرافياً، فيزيائياً، إلخ). ويحظر علينا -حسب رأيي- قبول أيّ تسميّةٍ غريبة، لأنّ ذلك يحوّل أرض الوطن إلى بلادٍ غريبة/أجنبية. فكما أننا لا نعترف بملكيّة العرب السياسية لأرضنا، فنحن أيضاً لا نعترف بملكيّتهم الروحية لها، ولسنا بحاجةٍ إلى أسماء تفوح منها رائحة عربية!»
برزت الحاجة إلى عبرنة التسميات لدواعٍ سياسيّة في خليج إيلات. إذ تطلّب التهديد البريطاني لمساعدة العقبة ترسيماً وتمييزاً واضحاً بين حصّة «إسرائيل» في خليج (أُم الرشراش التي ستصبح فيما بعد إيلات) وحصّة العقبة الأردنية. واعتبرت وزارة الخارجية أنّ تغيير الاسم يؤكّد حق «إسرائيل» في الخليج، وأنّه من خلال استخدام الاسم العبريّ المُحدّث يتوضّح أنّه ليس لـ «إسرائيل» نوايا عدائية/احتلالية.
بعد وفاة «زلمان لايف»، ترأس اللجنة «أفراهام بيران»، إلى جانبه «زئيف فيلنائي» و«دافيد عميران» و«يشعياهو بيريز» وآخرين. منحت اللجنة تسمياتٍ جديدة لمئات المواقع والأماكن الجغرافية والهيدروغرافية (المائية) والمستعمرات والمجالس المحلية والإقليمية، والمستعمرات قيد التخطيط والمفارق: «… تهويد خريطة أرض إسرائيل وتحديد التسميات العبريّة لجميع العناصر الجغرافية في خريطة إسرائيل، ومنح التسميات العبرية لجميع الأماكن المذكورة بالتسميات العربية، وتحديد التسميات أيضاً للأماكن التي لا تأتي الخريطة على ذكرها».
رأت لجنة الأسماء في عبرنة التسميات حلّاً مثالياً لتهويد الأسماء العربية وإحياء التسميات العبرية التاريخية، واستُخدمت أيضاً ترجمة التسميات العربية بوصفها إرثاً تاريخياً عميقاً لـ «أرض إسرائيل». وهكذا، صار اسم بئر السبع (بير شيفع באר שבע) وأصبحت عين جدي (عاين جيدي עין גדי)، وصار اسم سبّة (متسادا).
تضمّنت التسميات الجديدة أسماءَ لأسلاف وملوك وشخصيات تاريخيّة يهوديّة. مثلاً، أُطلق على وادي العمراني اسم (وادي عمِرام נחל עמרם)، وبئر ملجة أصبحت (بار هملخا באר מלכה). وفي خليج إيلات، نُسبت أسماء الجبال إلى ملوك يهوذا مثل (آسا ويهشوفاط وعوزياهو). وفي جرف متسادا، كُنيت قمم التلال بأسماء كـ (إليعازر وبن-يائير وكانائيم). وفي بلاد نيتسانا (عوجا الحفير-بئر السبع)، سُمّيت قمم التلال المنخفضة بـ (جفعات هاجر גבעת הגר) و(كتف أبراهام כתף אברהם) و(عيمق سارة עמק שרה).
وبشكلٍ عام، جرى الإبقاء على الإيقاع الصوتي الأصلي للاسم، مع تحريفه لتغيير المعنى المُراد. وهكذا، صار اسم جبل خروف (هار خريف הר חריף)، وسهل الهوى إلى (ناحل هفا נחל הווה)، وشجرة البقّار إلى (هار بوكير הר בוקר).
وفي بعض الأحيان، صُحِّحت الأسماء العربية ذات المدلول السلبي بإعطائها مسمياتٍ جديدة إيجابيّة مخالفة للاسم العربي: أُطلق على بئر حندس -والذي يعني الظلام- اسم بئر النور (بئر أورا באר אורה)، وصار اسم عين الوباء (عين الأمل עין יהב).
حظيت التسميات الجديدة بمباركة «بن غوريون» الذي كان بدوره منخرطاً في عمل اللجنة، وأكّد على «ضرورة عدم نشر أيّة خريطة جديدة تحمل أحد الأسماء الأصلية التي كانت في الماضي، ويُمكن إعطاء الاسم ونشره في الخرائط فقط في حالة إقامة مستعمرة في المكان الخرب». كما أصدر أمراً لضبّاط الجيش بضرورة دراسة ومعرفة التسميات الجديدة، لا سيّما في وحدات القيادة الجنوبية، وتحفيظها للجنود.
بحثت اللجنة عن تسمياتٍ تاريخيّة وتوراتيّة تلفّقها للأمكنة. فعلى سبيل المثال، أُطلق على مجالس ساحل البحر الميت تسمية (تمار תמר) نسبةً إلى الموقع التاريخي «تمار» من جهة، وإلى استعارة التمر التي ورد ذكرها في التوراة من جهةٍ أخرى. لذلك، يتكرّر ظهورها في أكثر من موقعٍ في خريطة المنطقة: (معاليه تمار מעלה תמר) و(ناحل تمار נחל תמר) و(عين تمار עין תמר).
أمّا المجالس المجاورة لساحل البحر الميت، فقد طالبت لجنة الأسماء بإعطائها اسم مطلّات النقب (متسبوت هنيجف מצפות הנגב) أو أبناء النقب (بني هنيجف בני הנגב). رُفضت التسميات المقترحة، وأُعطيت في المقابل اسم مجالس إقليميّة (رامات نيجف רמת נבגב). أما (متسبي رمون מצפה רמון)، فقد اقترحت اللجنة تسميته بـ (قلعة بوكير טירת בוקר) أو (جفيش גביש)؛ أيّ البلور. واختير لـ (متسبي تسوكيم מצפה צוקים) اسم (بئر تيحيا באר תחיה). لم تَعلق جميع التسميات الجديدة في ذاكرة المستعمرين، وبقيَ المسافرون والمتجولون في كثيرٍ من الأحيان يشيرون إلى الأماكن بمسمّياتها العربية الأصليّة.
على صعيدٍ آخر، أبدت شخصيات سياسية تحفّظاتها على عبرنة الأسماء في بلاد النقب. فعلى سبيل المثال، انتقدت المتجوّلة المخضرمة «راحيل سبوراي» تعجّل اللجنة في عملها، حيث بلغ عدد الأسماء المستبدَلة في النقب وحده 561 اسماً، مطالبةً بضرورة مراعاة عناصر المشهد الطبيعي عند اختيار الأسماء الجديدة. وللتدليل على وجهة نظرها، أشارت «راحيل» إلى حالة رأس زويرة الذي أطلقت اللجنة عليه مسمّى (الرأس الصغيرة ראש זעירה)، وهي تسمية لا تتّسق مع المشهد الجغرافي، فتمّ تغييرها إلى رأس زوهر (روش زاهر ראש זהר). الأمر ذاته ينطبق على (خشم ععديد חשם עידד) إلى الجنوب الغربي من جرن الرمان الذي عُرف بنتوء جشورـ (שלוחת גשור)، في حين أنّ معنى الاسم العربي يُشير إلى الجبل الشاهق.
حدّدت لجنة الأسماء أربعة معايير لاختيار التسميات الجديدة، وكانت كالتالي:
أوّلاً، أن يكون مصدر الاسم العبري تاريخياً، مثل (عراد ערד) و(يوتفاتا יוטבתה)، وكان عددها 124 اسماً. ثانياً، أن يكون الاسم الجديد ترجمةً حرفيّة للتسمية العربية، مثل (ناحل لفان נחל לבן) و(ناحل أشليم נחל אשלים)، وبلغ عددها 167 اسماً. ثالثاً، أن يكون الاسم العبري قريباً في لفظه من الاسم العربي، مثل (ناحل حولوكيم נחל חלוקים) و(عين جلد עין גלד)، وبلغ عددها 175 اسماً. ورابعاً، أن يكون الاسم العبري جديداً وليس متّصلاً بتسميةٍ سابقة، مثل ( بئر أورا באר אורה)، وكان عددها 71 اسماً.
أمّا المصادر التاريخية فتضمّنت: التوراة والتلمود، ونقوش الفرعون شيشنق، والترجمة السبعينية، وكتابات يوسف بن متتياهو، وخريطة مأدبا للأرض المقدسة، وكتاب الأسقف قيصريّة «إفسيفيوس»، وخريطة اللوحة البويتينغرية، وبرديات نيتسانا (عوجا الحفير).
خلقت عملية عبرنة الأسماء في كثيرٍ من الأحيان تنافراً لسانياً، إذ لم يتمّ نسخ العديد من التسميات العربية الدقيقة، مثل خشم ووادي وغيرها من الأسماء العربية المركّبة، إلى العبرية. وللتغلّب على ذلك، ارتأت اللجنة ضرورة توحيد الأسماء ذات المصدر العربي، حيث تتعدّد في اللغة العربية المرادفات التي تفيد ذات المعنى مثل: بيار، بير.
ومن بين التسميات الجديدة أيضاً كانت تلك التي احتفت بأحداث معاصرة (ناحال بير حاييل נחל באר חייל، جفعات حفلانيم גבעת חבלנים، ناحال كوفشيم נחל כובשים). وعلى عكس المناطق الأخرى المُحتلّة، لم تُنسب الأسماء الجديدة في النقب إلى قادةٍ أو مانحين صهاينة.
مع مرور السنين، هيمنت الخريطة العبرية للنقب على غيرها من الخرائط، دون أن تخلو من بعض الغرابة مثل (جبل القرع הר הדלעת)؛ جبل الدبة، و(سهول نتسانا שדמות נצנה)؛ أبو الحويط، وبقيت هذه الغرابة تشير إلى الصراعات السياسية التي رافقت عملية عبرنة أسماء الأماكن .
عقب انتهاء عملها، نشرت لجنة الأسماء فهرساً جغرافياً في المجلّة الحكومية السنوية، واعتُبر «اللبنة الأولى لخريطة عبريّة للنقب تخلو من الأسماء الغريبة/الأجنبية، بحيث يحمل كلّ موقع تسميةً عبريّة». وقد أثنى «بن غوريون» على عمل اللجنة مخاطباً إيّاها بالقول:
«يسعدني أن أعبر عن اعتزازي وتقديري للمشروع الثقافي والتاريخي الذي أنجزتموه بمنح أسماء عبريّةٍ لجميع بلاد النقب، بجبالها وتلالها وسهولها ووديانها وممراتها وينابيعها وسهولها وأجرانها. حيّدتم وصمة الغرباء ولغتهم خارج ما يُقارب نصف أرض إسرائيل واستكملتم ما بدأه جيش الدفاع الإسرائيلي: تحرير النقب من حكم الغرباء… أتمنى أن تستمروا في عملكم حتى تحرير كامل أرض إسرائيل من حكم اللسان الأجنبي».
طالب «أبراهيم بيران»، الذي خلف «زلمان لايف» في رئاسة اللجنة، بمنحها صفةً قانونيّة من خلال النشر الدوري والرسميّ لتعييناتها ومهامها، فضلاً عن إنشاء إطار عملٍ إلزاميّ للأسماء الجديدة. لا ينحصر عمله في عبرنة الأسماء خارج حدود بلاد النقب فقط، بل يوكل إليه أيضاً رفع التوصيات إلى رئيس الحكومة لغرض إنشاء معالم جديدةٍ وتسمية المناطق والأقاليم الإدارية.
وفقاً لطلبه، ترفع لجنة الأسماء – بمشاركة الصندوق القومي اليهودي – توصياتها إلى اللجنة العليا، التي تقوم بدورها بنقلها إلى رئيس الحكومة. ناشد «بيران» النائب العام بفحص السبل الممكنة لمنح الأسماء العبرية الصلاحية الرسمية. وفي 8 آذار 1951، أقرّت الحكومة استمرار عمل اللجنة وتوحيد اللجان القائمة ضمن إطارها، ونصّت على «تعيين لجنة الأسماء الحكومية، التي تكون قراراتها ملزمةً لمؤسسات الدولة. وتُنشر الأسماء التي تمنحها اللجنة لبلاد النقب تباعاً في السجلات». أضافت اللجنة المُشكّلة حديثاً 110 تسمياتٍ أخرى لبلاد النقب. وفي المحصلة، تضمّنت قائمة الفهرس الجنوبي 670 اسماً مُعبرَناً.
جالت اللجنة في ديار النقب، من بئر السبع شمالاً حتى إيلات جنوباً عبر جبال النقب، في 1 كانون الثاني 1950، وأتبعتها بجولةٍ استطلاعيّةٍ جويّة بتاريخ 16 آذار 1950 لمعاينة الإشكاليات الناجمة عن التسميات الجديدة. أمّا عن أسلوب العمل المُتّبع في اللجنة، فيتمّ مناقشة مقترحات أعضائها خلال جلساتٍ عامة، والتي بلغ عددها 24 جلسة.
اعتمدت اللجنة في عملها على خريطةٍ أساسيّة بمقياس رسمٍ نسبته 1:250,000، بالإضافة إلى خرائط مساندةٍ بمقياس 1:100,000، وامتدّ نطاق عملها الجغرافي من ساحل إيلات شمالاً
وعند اختيار اسمٍ جديد، يتمّ ترشيح 3 -6 أسماء مختلفة؛ أيّ أنّه مقابل الـ 500 تسمية التي وقع عليها الاختيار، كان هناك 2500 مقترحٍ آخر. على سبيل المثال، اقترح «فيلنائي» اسم (مَلحات عفرونا מלחת עברונה) ( عين الدافية)، فيما اقترح زملاؤه الأسماء التالية: (מליחה פושרת, מליחת דופי ‘ מליחת החום).
بحلول آذار 1950، كانت اللجنة قد استكملت تسمية 560 موقعاً في خريطة بلاد النقب حتى غزة غرباً وعين جدي شرقاً، واعتُبر إحياء الأسماء العبرية بمثابة تهويدٍ لخريطة بلاد النقب.
أمّا عن موقف أعضاء اللجنة من التسميات العربية الأصلية، فقد عبّرت عنه شهادتهم: «رُفضت العديد من التسميات العربية لمعانيها الكئيبة والقاتمة، وهو ما يعكس عجز البدو الرحّل في النقب وعدم قدرتهم على مواجهة تحدّيات الواقع الصعب للنقب، وهذا ما تظهره المسميات من مثل: السواد والظلام، والوباء والقلّة والفاقة، وغيرها من الأمور التي لا ينبغي ترجمتها أو استعارتها عند اختيار أسماء جديدة».
وفي حالاتٍ أخرى، رفض أعضاء اللجنة التسميات المترجمة من العربية التي اعترض عليها علماء النبات والحيوان لكونها تتعارض مع المنطق العلمي، مثل اسم سلسلة جبال الغزالة (רכס האלה) المُعطَى لجبل البطمة المشرف على جرن تمنع ( المانعية). ومن بين الأسماء التي قرّرت اللجنة اعتمادها ولكنّها لم تُستخدم كان بحر إيلات بدلاً من خليج إيلات، وعصيون جابر بدلاً من إيلات ، ووادي المانعية (تمنع) .
لخّص سكرتير اللجنة نشاط اللجنة في العام 1952، قائلاً: «تحتلّ النقب نصف مساحة بلادنا، أشعرتنا الأسماء الغريبة بالتهديد والعدائية، وهي في جلّها أسماء مشوّشة ومعطوبة وسلبيّة وبلا معنى. مع احتلال النقب ورفع العلم الإسرائيلي على إيلات، ظهرت حاجةٌ ملحّة لتغيير الحال ومنح -الأماكن- أسماء عبريّة، ومحو الأصوات الغريبة، بالإضافة إلى إثراء خريطة النقب بأسماء أصليّةٍ قريبةٍ من قلب وأذن المدافع والمستوطن العبري في النقب».
وقد «عبّر بن غوريون» في يومياته عن الحاجة الملحّة لاستدخال التسميات العبرية الجديدة في اللغة اليومية، بعد أن صادف في إحدى جولاته إلى عين غضيان لافتةً تحمل الاسم العربي، فقال: أمرتُ بخلع اللافتة ووضع لافتةٍ بالاسم الجديد: «يوطفاتا!».