حملة منظمة سادت الفترة بعد إنشاء دولة الاحتلال عام 1948، وهدفها اختراع أماكن مقدسة لليهود في فلسطين، وإنشاء أساطير حولها لربط الناس بها وجلبهم للصلاة والتبرك فيها، وذلك كتعويضٍ عن النقص الذي عاشه المجتمع الصهيوني في بداية تكونه في حيازته لأماكن مقدسة.
*نُشِر هذا التقرير الصحفي في جريدة “هآرتس” بتاريخ 9 شباط 2018، كتبه مراسل الجريدة “نير حسون”، وعنوانه الأصلي “الأماكن المقدسة التي تحولت إلى تاريخ”، وقامت بترجمته حلا مرشود، مع إبقاء المصطلحات الصهيونية كما وردت في النسخة الأصلية. يمكن العودة للنسخة باللغة العبرية هنا.
يتحدث المقال عن حملة منظمة سادت الفترة بعد إنشاء دولة الاحتلال عام 1948، وهدفها اختراع أماكن مقدسة لليهود في فلسطين، وإنشاء أساطير حولها لربط الناس بها وجلبهم للصلاة والتبرك فيها، وذلك كتعويضٍ عن النقص الذي عاشه المجتمع الصهيوني في بداية تكونه في حيازته لأماكن مقدسة. كان رائد هذه الحملة “شموئيل كاهانا” مدير وزارة الأديان الصهيونية في تلك الفترة، والذي ساهم مثلاً في تقديس مقام النبي داوود في القدس يهودياً، وغيرها من الأماكن.
يزور المراسل الصحفي عدة مواقع كهذه خُلِقت حولها الأساطير الدينية والقومية، ويقول إنها كانت قبل حرب 67 مزارات تعج بآلاف الزوار، ولكنها فقدت أهميتها وأهملت وتحوّل بعضها إلى مزابل، بعد أن وصل اليهود إلى “أماكن القداسة الحقيقية” كحائط البراق، وقبر راحيل، والمسجد الإبراهيمي. يُضيء هذا التقرير الصحفيّ على التوظيف الصهيوني – المستمر حتى اليوم – للأساطير الدينية والقومية، وسط القدرة المنظمة على خلقها وتطويرها ورفدها بالروايات الشعبية، من أجل اختلاق علاقةٍ عتيقةٍ للمستعمر بهذا المكان، وكيف أن هذه العلاقة مجرد غطاء أو تبرير لوجوده، سرعان ما تنجلي إذا ما تغيّرت الظروف.
***
مع إقامة الدولة كان عند إسرائيل نقصٌ حادٌ في الأماكن المقدسة عند اليهود. الحل: تقديس أماكن جديدة، مثل صخرة هي جزء من منشأة زراعية، نفق غير معروف بالقرب من أحد الشوارع، وحتى موقع مسيحي يقع داخل مقبرة إسلامية. في هذا المقال جولة في هذه الأماكن تكشف ما تبقى منها، إن تبقى منها شيءٌ أصلاً.
في العام 1979، نشر “يعيش أوحانا” الذي يعمل في قسم الصيانة في بلدية بيسان رسالةً دراماتيكيةً للناس. كتب “يعيش” أنه اكتشف مدخلاً إلى الجنة في حديقة بيته. “ظهر لي في حلمي الأول نبيٌّ وقال لي أن أحفر في حديقة بيتي”، يصف “يعيش” تسلسل الأحداث. “بدأتُ بالحفر وفجأة وجدتُ مدخلاً، دخلتُ منه فانكشفت أمام عيني أشياء رهيبة. رأيتُ بركةَ ماء الحياة ومن حولها الكثير من الخضار، استمررتُ في السير ورأيت هناك الجنة وكل شيء طيب، يتجول بين أرجائها رجال الدين”.
بعد رؤيته تلك، بدأ “أوحانا” بتطوير الحديقة الصغيرة خلف بيته، وتحوّل المكان إلى موقع مقدس على مدار عدة سنوات، عُرِفت النباتات التي نبتت فيه كنباتات ذات قوى علاجية، وكان الناس يزورون المكان للصلاة أو للحصول على البركة.
يقول البروفيسور “يورام بيلو”، والذي بحث في قصة “أوحانا” ومدخل الجنة ذلك: “لقد كان معبداً علاجياً محليّاً معروفاً”. يضيف: “بالقرب من المكان يقع مركز علاج للمرضى، والكثيرون اعتبروا المكانين مكملين أحدهما للآخر، كان مكاناً يعج بالناس”.
لكن مع مرور السنين، فقد الموقع من شهرته وشعبيته، وفي عام 1997 اندلع حريق في الكنيس الصغير الذي أقيم بجانب الحديقة، ورفض “أوحانا” ترميم المكان. ترك اوحانا بيسان، وهجر المؤمنون مدخل الجنة. مع ذلك، لم يفقد المكان كل فضائله، فقد تحوّلت إحدى الجارات، والتي كانت تزور الموقع، “راحيل بن حمو”، إلى شخصية معروفة بعلاجها للنساء العاقرات.
بالنظر إلى الماضي، يمكن اعتبار “مدخل الجنة” مكاناً آخر ظهر على خارطة الأماكن المقدسة في البلاد لفترة قصيرة ومن ثمّ مُحيّ منها. يُظهر مسح عميق وجود عشرات الأمثلة على مثل هذه الأماكن في البلاد، بعضها كانت فترة ما مواقع مقدسةً مهمة جدًا لدرجة إقامة احتفالات حكومية فيها، بمشاركة وزراء وشخصيات دينية. حظي جزء من هذه الأماكن بزيارات الآلاف، وبعضها الآخر كانت أصغر وأقل استقبالاً للزوار، بعضها محليّ عُرِفت لقلة من الناس. وكانت بعض تلك الأماكن وليدة مبادرات شخصية، كتلك التابعة لـ”أوحانا”، نتيجةً حلم أو رؤيا، وأخرى كانت وليدة مبادرات حكومية نشطة. المشترك لجميع تلك الأماكن هو أن القداسة هجرتها، ومن تحتها ظهرت على الخارطة أماكن مقدسة أخرى. التجول بين الأماكن المقدسة التي كانت هنا ذات مرة ولم تعد، يطرح أسئلةً فيما يتعلق بعمق وقدم التقاليد والقداسة، وأسئلة أخرى حول دينامية الإيمان.
أباء التحوّل
أقيم في شمال القدس قبل شهر ونصف طقسٌ احتفاليّ بمشاركة وزير القدس والتراث “زئيف ألكين”، ورئيس البلدية نير بركات، احتفالاً بإقامة حديقة حيّ جديدة في العاصمة والتي تحتوي على ألعاب ومساحات مُعشبة. إلا أن المكان الذي أقيمت فيه الحديقة كان في الماضي موقعاً مقدساً غير معدٍ للحياة المدنية. لقد كان الموقع مقبرةً “السنهدرين” . وفق التقاليد اليهودية، تم دفن حاخامات السنهدرين[1] في فترة الهيكل الثاني في المقبرة الموجودة في تلك الحديقة. منذ القرون الوسطى عُرف الموقع كموقعٍ للحج، لكن مع قيام الدولة تحوّل إلى موقع مقدس. كان المبادر لهذا التحول “شموئيل زنفيل كهانا”، مدير وزارة الأديان النشيط خلال العقود الأولى من قيام الدولة، والذي كان شخصية مركزية في رسم خارطة الأماكن المقدسة حتى عام 1967.
كانت هذه الاماكن ضرورية في تلك السنوات، كما قالت ابنته “نحاما كوهين”. وتشرح: “تخيّل وضعاً فيه تقوم دولة إسرائيل دون وجود أيّ مكان مقدس فيها”، “جميع الأماكن المقدسة كانت في أيدي العرب. فماذا سنفعل؟ يجب أن نعطي شيئاً، بفضل حقيقة أن الدولة قد دعمته (تقصد أباها) فقد نجح” وبالفعل، في عام 1949، بعد فترة قصيرة من معارك حرب الاستقلال”، بدأت النقاشات حول تطوير مقابر السنهدرين كموقع مقدس وللحج.
لكن ذروة المبادرات التي قادها “كهانا” كانت إضفاء الطابع المؤسساتي على قبر داوود في جبل صهيون (حيث دُفن الملك داوود وفق روايات معينة) كأهم موقع مقدس في جميع أنحاء دولة إسرائيل حتى عام 1967. أقيمت في الموقع طقوس عديدة بمشاركة رؤساء الدولة ورؤوساء الحاخامات. ومن أجل التعظيم من مكانته، بنى “كهانا” إلى جانب قبر داوود ما عُرِفَ بـ”قبو المحرقة”، وهو المتحف الأول للمحرقة في البلاد (لا زال يعمل حتى اليوم)، كما قام بتطوير تقاليد متعلقة بالمكان. كمثل الأماكن المقدسة الأخرى في تلك الفترة، فَقَدَ قبر داوود من عظمته بعد احتلال الأماكن المقدسة المهمة حقيقةً في حرب الأيام الستة- حائط المبكى، قبر راحيل والمسجد الإبراهيمي. لكن على عكس الأماكن الأخرى بقي قبر داوود موقعاً مقدساً، حتى إن مكانته تعززت في العقود الأخيرة، بعد أن حوّلته مجموعة من المؤمنين الأتقياء إلى موقعٍ دينيٍّ معروف و”ذي قوى خارقة”.
يمكن أن تعلمنا قصة حديقة الاستقلال في العاصمة إلى أيّ حدٍّ تعتبر قصة قبر داوود مميزة. كانت حديقة الاستقلال على مدار سنوات مكاناً يضمّ موقعاً مقدساً، سُمّيَ بـ”مغارة الأسد”- وهو موقع أنشأه وبناه مهندس الأماكن المقدسة “كهانا” من “لا شيء” تقريباً. لقد بنى “كهانا” في هذه الحالة على تقاليدَ مسيحيةٍ من أجل إضفاء القداسة اليهودية على المغارة، والتي تقع في قلب مقبرة إسلامية [إضافة المترجمة: هي مقبرة مأمن الله غربي البلدة القديمة للقدس].
تقول الرواية المسيحية إنّ مسيحيين قُتِلوا خلال الاحتلال الفارسي للمدينة عام 614 ق.م. ودُفِنوا في هذه المغارة، وإن أسداً أسطورياً حافظ على عظامهم. تطوّرت الأسطورة في الرواية اليهودية بالقول أن الأسد جَمَعَ وحافظ على عظام القتلى خلال معارك التمرد الكبير في عام 70 ميلادي أو خلال فترة تمرد الحشمونائيم[2]. في عام 1950، وجد د.”يوتام روتشيلد” هذه المغارة، وسارع “كهانا” إلى تبنيها. حُفِرت المغارة ورُمِمت، ودعي لحفل افتتاحها رؤوساء الحاخامات. غطت جميع الصحف الحدث، لكن بعضها استغرب لأمر الموقع المقدس المُجدّد، كعنوان الخبر في صحيفة “معاريف”: “مغارة الأسد- زاوية تاريخية أم أسطورية؟”.
لكن تلك الشكوك لم تمنع حضور العديدين للصلاة والتوحد في المكان. “تُخلق على الدوام أماكن مقدسة، لكننا لا نملك توثيقاً لشخصٍ مثل كهانا من الفترة البيزنطية مثلاً”، يقول البروفيسور “دورون بار” الذي بحث نشاط “كهانا” ونشوء الأماكن المقدسة. أما “نحما كوهين”، ابنة “كهانا”، فهي على دراية بالنقد الذي الذي وُجّه إلى أبيها، لكنها ترفضه بشدة، قائلة: “لم يخلق والدي أي شيءٍ جديد، لقد قلب كل حجر وذَكَرَ كل معلم، لكنه طوّر أموراً قائمة، ولم يختلقها”.
(اقرأ/ي المزيد عن مقبرة مأمن الله، هنا).
محو الأسطورة
مثال على تطوير كهذا كان في حيفا، حيث حوّل “كهانا” مغارة “إلياهو” إلى موقعٍ مقدسٍ. وفق أقوال ابنته، كان هذا المكان صاحب المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد قبر داوود. مع مرور السنين، فقدتْ المغارة طابعَها الديني، لكنها بقيت موجودة حتى الآن، وتحظى بالزوار حتى وإن كان المصلون قلائل.
لا يمكننا قول نفس الشيء عن “مغارة الصدّيق” في باب الواد، فهي لم تعد تظهر على خارطة المواقع. ولكن على مدار السنوات الماضية كانت المغارة مثالاً مثالياً للطريقة التي تستطيع فيها أسطورة جيدة خلق القداسة وإضفاءها. نتحدث عن مغارة وقعت على بعد 21 كيلومتراً عن القدس، ليس بعيداً من باب الواد، بالقرب من قبر شيخ بُني في الموقع الذي تبدأ فيه جغرافيا الطريق بالصعود نحو المدينة. هذه المرة لا نتحدث عن أسطورة عتيقة، إنما عن قصة إنقاذ خارقة لجنود “الهاجاناه” أثناء محاولتهم اقتحام الطريق إلى المدينة المحاصرة خلال “حرب الاستقلال”، وهذه القصة الأسطورية تم تدوينها من قبل “كهانا” بنفسه.
وصف “كهانا” حدثاً تُهاجَم فيه قافلةٌ بالقنابل، حيث تشتعل النيران بالمركبة المحصنة التي تقود مسيرة القافلة. حين قرر السائق الهرب من المركبة المشتعلة في محاولة لإنقاذ رفاقه، “حدث أمرٌ غريبٌ”، كتب “كهانا”، “حين قفز السائق على صخرة الجبل القريب، تحطمت فتحة المغارة المسدودة، وبالتالي فُتِحت المغارة وكُشفت أمامهم. متفاجئين من هذه المعجزة، خرج الناس واحداً تلو الآخر، وزحفوا إلى داخل المغارة، ووجدوا فيها مأوىً آمناً. حين سمع أحد صديّقي القدس عن الحادثة قال إن كل هذا قد جرى بفضل الصديّق المدفون في المغارة”. حُفِظَت هذه الأسطورة في الموقع الإلكتروني الذي خصص لتوثيق أعمال “كهانا”. تحوّلت المغارة نفسها إلى معلمٍ في الطريق بين القدس وتل أبيب، وأُقيم في المكان كنيسٌ، حيث وُضعت لافتة وبات الحجاج يزورونه. لكن من يحاول أن يجد المكان اليوم سيفشل. لقد محا الرصف الجديد للشارع بين باب الواد والقدس أي أثرٍ للمغارة.
على ما يبدو، فإنّ الصخور هي دافعٌ متكررٌ في خلق الأماكن المقدسة في تلك الأيام. تُعلّمنا ذلك أسطورة “صخرة الخراب في اشتائول[3]”. هذه الصخرة هي عبارة عن جزء من منشأة زراعية قديمة أقيمت على رأس تلة في الطريق إلى القدس (تقع التلة اليوم داخل مقبرة “إيرتس هحاييم” بجانب مستوطنة اشتائول). تروي الأسطورة، التي تم تدوينها على يد أحد المتخصصين في معرفة البلاد “زئيف فيلناي”، قصة سكان يهودا الذين قرروا الصعود إلى القدس لمنع الخراب، وهم يحملون الحجارة لتحصين القلاع. ولكن عندما وصلوا “اشتائول” رأوا الدخان يظهر فوق المدينة وفهموا أنهم تأخروا عن الموعد. “واحد منهم، جندي بطل من ذرية شمشون، والذي حمل الحجر الأكبر، سقط قلبه وركع أرضاً”، بحسب ما وُصِف في لافتة وزارة الأديان التي عُلقت في المكان. تحوّل الحجر إلى معلم مهم لجميع سكان المنطقة.
“يبدو ذلك سخيفاً لكنه نجح، لقد اعتبر سكان المنطقة القدسَ مكاناً بعيداً، وذلك أجابت الصخرة على الحاجةَ إلى موقع مقدس”، يقول البروفيسور “بار”. أقيمت طقوس وصلوات بجانب الصخرة، خاصةً في التاسع من آب. شارك في الطقوس الكبيرة آلاف الأشخاص، معظمهم من مستوطنات المنطقة وأتى إلى المكان شخصيات سياسية وحاخامات. وحظي الوادي الذي يقع تحت الصخرة باسم وادي الخراب، وجُلبت منه صخور وُضِعت في قبر داوود في جبل صهيون. يمكننا أن ندرك قداسة المكان من خلال ما نُشِر في صحيفة “هتسوفيه” في العام 1955، في تلك الفترة، غضب الناس على حزب “مباي” الذي غطى الصخرة بلافتات انتخابية.
لم يتجاهل “كهانا”، الذي عُرِف بأعماله الكثيرة فيما يخص قداسة القدس الغربية والطريق بين تل أبيب والعاصمة، مناطقَ أخرى من البلاد. أقام “كهانا” في بئر السبع موقع “ايشيل ابراهام”، الذي أقيمت فيه طقوس جماهيرية لزرع الأشجار، في الخامس عشر من شهر شباط العبري، وفي جبل “تسين” [إضافة المترجمة: هذا الاسم الصهيوني للجبل، الاسم العربيّ له هو جبل المَضرة، يقع في النقب”، ولكن لسنا متأكدين على وجه الدقة] في النقب حاول العثور على مكان قبر “أهارون هكوهين”، وكذلك عمل في إيلات حيث لم يفلح في العثور على موقع مقدس على الأرض، ولكنه وجد شيئاً يخص المياه، فقد اعتاد رجال الدين تلاوة تراتيل البحر خلال إبحارهم في البحر سوف [البحر الأحمر].
على ما يبدو، فإن “كهانا حالة نادرة لضابطٍ شابٍ في دولة شابة، واظب على تجديد- سيقول ناقدوه “اختراع”- تقاليد قديمة. لكن على مدار سنوات، قاد “كهانا” عشرات الطقوس الجماهيرية في جميع أنحاء البلاد، وهي تقاليد رسمت من جديد خارطة القداسة في إسرائيل وحددت تقويماً سنوياً مكتظاً بالأحداث ذات الطابع الديني والقومي.
يقول “بار”: “أحترم كهانا جداً. إنها الفترة التي دأب فيها الكل على اختراع التقاليد والروايات الشعبية، الحركة الكيبوتسية، اليمين التصحيحي، متسادا، تل حاي، المقابر في طبريا ودجانياه. تنافس جميعهم على التقاليد، وكهانا كغيره قال أيضاً أنا لي الحق بذلك”. تُضيف ابنته عما أدى لذلك: “والدي كان الحاخام الأخير في وارسو، كانت المحرقة كسراً كبيراً بالنسبة له، وحين وصل إلى هنا وجد فرصةً للتجديد، وهذا ما أعطاه القوة للتعامل مع كارثة المحرقة. من ناحية كانت هناك الفرحة لكل الأحداث الكبيرة التي نظمت في تلك المواقع، ومن الناحية الثانية كان التعامل مع المحرقة”.
(اقرأ/ي المزيد عن اختلاق تاريخ وجغرافيا “إسرائيل”، هنا).
بعد عام 67
بعد حرب الأيام الستة، حين فُتِحَت الطريق نحو حائط المبكى وقبر راحيل والمسجد الابراهيمي، خسرت أماكن “كهانا” المقدسة ذروة أهميتها، فقد نُسيت وهُجِرَت. تحوّلت مقابر السنهدرين إلى منطقة مفتوحة، وحتى الترميم الأخير – الذي أجرته البلدية – كانت مهملةً بشدة على الرغم من وجودها في قلب حي سنهدريا المتدين، أما مغارة الأسد فقد تحوّلت إلى حفرةٍ للنفايات، واختفت صخرة اشتائول بين الأشجار والشجيرات التي نمت على أطراف المقبرة، ولم تعد تُعرّف مغارة إلياهو في حيفا كموقع ديني.
لم يتوقف اكتشاف المواقع المقدسة الجديدة بعد عام 67، ولم يتوقف تحويل بعض المواقع إلى أماكن مقدسة. ساهمت في ذلك الحقيقةُ أن هناك العشرات من مقابر الصديّقين المنسية في جميع أنحاء البلاد. تقع إحدى هذه المواقع بالقرب من صخرة الخراب في اشتائول، حيث وجد القبر، والذي كان في الأصل للشيخ غريّب، اشتهر في سنوات الـ 80 حين تم تمييزه كقبر “دان بن يعقوب”.
بدأ سكان المنطقة بتطوير المكان وأقيم كنيس ومدرسة دينية في المكان، كما وُضِعت مقاعد للزائرين وتم تمرير خطّ مياه من المكان. لكن خلال هذا الوقت تم اكتشاف قبر آخر، بجانب جبل طابور، وعُرِفَ بأنه القبر الحقيقي لـ”دان بن يعقوب”- وبذلك تضعضعت مكانة القبر الذي يقع بجانب اشتائول. هدمت دائرة أراضي إسرائيل المباني التي بنيت حول القبر قبل نصف عام، وقبل ثلاثة شهور سُدَّ مبنى القبر نفسه. تم إهمال المنطقة التي تحيط بالقبر وامتلأت بالنفايات وهجر الناس المكان. لكن بالنسبة لمجموعةٍ صغيرة من أتباع “بارسليف”[4] لا تزال القداسة تحيط بالمنطقة، فقاموا باختراق السد وجددوا الصلوات في المكان. خلال زيارتنا هناك الأسبوع الماضي لاحظنا أن المكان يعاني من الإهمال، لكن كان هناك شابان يصليان في الداخل.
——————
الهوامش:
[1] ما يشبه مجالس الإفتاء أو القضاء التي كانت تتألف من 71 شخصية دينية تجتمع للنظر في القضايا والأمور الدينية لليهود.
[2] هو تمرد يهودي جرى بين الأعوام 610-617 قبل الميلاد من أجل الحفاظ على الاستقلالية الدينية لليهود خلال الفترة الهيلينية.
[3] اشتائول هي مستوطنة أقيمت على أراضي القرية الفلسطينية عسيلين، واستوطن فيها في فترة تأسيسها يهود يمنيون.
[4] تم تأسيس تيار “بارسليف” المتدين على يد الحاخام “نحمان” الذي عاش في مدينة بارسليف الاوكرانية.