مقدّمة

تكشف هذه الحرب، من حيث أساليب الهجمات العسكريّة وآثارها (المرئية) للجميع في عصر«الميديا» الاعتداءات المكثفة التي يشنّها الاحتلال «الإسرائيلي» على أجساد النساء الفلسطينيّات وجنسانيتهنّ.  لكن، ما توثقه الصور وبث الإعلام الحي والتقارير الأممية من صورٍ وأنماطٍ لذلك، لا يعني أنّ عنف النظام الاستعماري الموجّه ضدّ المرأة الفلسطينيّة ظاهرةٌ تسود فقط في أوقات تصعيد العدوان العسكري والمواجهات المسلّحة بين الشعب الفلسطينيّ ومقاوميه والاحتلال؛ إذ عانت المرأة الفلسطينية منذ النكبة حتّى حرب الإبادة الحاليّة، من عنفٍ استباحَ جسدها وحقّها في الوجود. وهذه الانتهاكات الجسيمة التي يمكن رصدها تاريخيًّا ومن الأحداث الراهنة، سواءً من خلال مشاهدها المباشرة أو غير المباشرة الكامنة في مختلف آثار وأبعاد الاحتلال «الإسرائيلي» للشعب الفلسطيني، تُبيّن كيف يمثل العنف جوهرًا للسياسات «الإسرائيلية» التي تخدم رؤية الصهيونيّة بسط السيادة وتعميق الاستيطان.

يقصد بذلك، أنّ العنفَ ثقافةٌ بنيّويّة متجذّرة وليس ظاهرة عسكريّة فقط (أي هو أيديولوجيّة وممارسة)، لا سيما أنّ وجود المجتمع «الإسرائيلي» قام على العنف أصلاً. بالتالي، تجمع بواعث استخدام العنف ومسوغاته في العقلية «الإسرائيلية» أو اليهودية الصهيونية الإحلاليّة، بين ما هو ديني وثقافي وتاريخي وسيكولوجي وسياسي وعسكري. وعليه، تحاول هذه المقالة قراءة استهداف الاحتلال العنيف للمرأة الفلسطينيّة باعتباره – أي العنف- وسيلة وأداة لتحقيق مشروع الحركة الاستيطانيّة على الأرض الفلسطينيّة. 

النساء الفلسطينيّات: هدف عسكري في حرب الإبادة

في ظلّ حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال على قطاع غزّة، وعدوانه المتصاعد في الضفّة الغربيّة خاصةً في مخيماتها، واشتداد سلطته الرقابية وأدواته القمعية في «أراضي الــ48»، ضاعفت القوات «الإسرائيلية» من انتهاكاتها ضدّ النساء الفلسطينيّات في عموم جغرافيا فلسطين المحتّلة.

يتمثل ذلك في حالة تصعيد القمع والتنكيل ضدّ الأسيرات منهنّ، وحملات الاعتقال الواسعة غير المسبوقة في الضفّة الغربيّة التي طالت الكثير منهنّ، وفي سياسات الصمت والإسكات (تكميم الأفواه) في الداخل المحتّل ضمن سياسات العقاب الجماعيّ؛ ولعلّ ما حدث مع البروفيسورة «نادرة شلهوب-كيفوركيان» أبرز مثال على ذلك. [1] أضف إليه، تقارير الأمم المتحدة – شباط 2024، التي كشفت عن وضع المعتقلات من فتيات قطاع غزّة ونسائه في سجون الاحتلال، وتنكيل جنوده بهنّ بممارساتٍ -سنبيّنها لاحقًا- يتضح من خلالها أنّ الانتهاكات «الإسرائيلية» بحقهنّ هي ضمن استراتيجية عسكرية ممنهجة في حرب الإبادة هذه، وأنّ هذا الاستهداف، بمختلف أنماط العنف الكامنة في الفكر الصهيونيّ، هي  ممارسةٌ سياسية وأيديولوجية كما يحاجج  المقال.

من جانب آخر، تشير إحصائيات الإعلام الحكومي في قطاع غزّة، والبيانات الصادرة عن عدّة مؤسسات ومنظمات دولية، أنّ فئتي النساء والأطفال تُشكِّلان النسبةَ الأعلى من مجموع حصيلة الشهداء التي تتحدّث يوميًا عدّة مرّات. ورغم ضرورة تجاوز المنطق العددي الذي فرض، إعلاميًّا، سيادته على هويّة الجسد، وفيه انتهاك لقدسية الروح الواحدة من خلال التركيز على جنس أو/ و فئة عمرية محددة. إلّا أنه من الضروري التفكير في نسبة الشهداء من النساء من منطق وجود استهدافات مقصودة لغايات متعدّدة. ذلك بالتعامل مع الأرقام (فقط) كمعطى في عملية التحليل التي ستربط لاحقاً قتل النساء بالأيديولوجيا والفكر الذي تقوم عليها الصهيونيّة. وهو ما سيبين (ضمنيًّا) ضرورة التعامل مع سرديّات الاحتلال والعالم الغربيّ باعتبارها مزدوجة المعايير، وحتماً ستربط قتل الرجال بادّعاء انتمائهم للمقاومة من ذات منطلقات فهم قتل النساء والأطفال، الذي يفتقر حضوره في خطاباتهم على وجود أي مبرر (والقتل لا يبرر) لاستهدافهم/نّ. ذلك يعني أنّ هذا ليس تهميشًا لحق الرجال في الحياة أو تجاهلاً لأعداد الشهداء منهم وصور التنكيل بهم، وإنّما للكشف عن أنّ حرب الإبادة التي يشنّها الكيان الصهيوني على قطاع غزّة تتجاوز دوافعها أهدافه المعلنة بكثير.

تجليات  العنف «الإسرائيلي» ضدّ النساء الفلسطينيات في غزة

تتجلى أفعال انتهاك سلطات الاحتلال لجسد المرأة الفلسطينيّة؛ بما يتجاوز كلّ ما هو إنساني، أخلاقي، قانوني وحقوقي، في السياسات السلطوية-العنيفة المُمارَسة عليه. وهي التي يمكن أن نقسمها حسب مشاهد ووقائع استباحة أجساد النساء الغزيّات وما ورد في البيانات والتقارير الأممية إلى الصور سنأتي على ذكرها، مع الإشارة إلى أنّها متداخلة وتشترك في غاياتها الاستعماريّة، كما تندرج جميعها في سياسات العقاب الجماعي وذلك لمسعاها في تقويض وحدة الجبهة الداخلية واستهداف المجتمع وضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة واستنزافها.

إبادة الجسد

إحدى أهم نقاط التحليل التي يمكن من خلالها فهم قتل قوات الجيش «الإسرائيلي» للفلسطينيّات، سواءً بالغارات الجويّة أو في حالات الإعدام الميداني التي أشارت إليها عدّة تقارير، هي محاولة الاحتلال فرض هيمنته على قدرتهنّ الإنجابية، وعلاقة هذا ببنية الاستعمار «الإسرائيلي» بوصفه استعماراً إحلالياً/اقتلاعياً قائماً على غاية النفي وجوهرها فرض هيمنة عرقيّة لصالح اليهوديّة. أي أنّ  «أجساد النساء الفلسطينيات وجنسانيّتهن تُستهدف بشكل ممنهج كجزء من ‘منطق الإجلاء’ والإبادة العرقية اللذين يعتمدهما المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي». [2] 

تُقرأ خصوصية جسد المرأة الفلسطينيّة من حيث حالة «تسييس» وظائفه/دوره البيولوجيّ من جانبين. يرتبط الأول بحضور ذلك الدور في الخطاب الوطني النضاليّ الذي كثيرًا ما يربط قدرة المرأة على الإنجاب في مسيرة الكفاح ويتغنّى بارتفاع معدل الخصوبة لديها وأثره على التوازن الديمغرافي، بالإضافة إلى الأهمية الكبيرة للدور الذي تلعبه المرأة في استمرار التوريث الجيلي للقضية الفلسطينيّة والتنشئة على المقاومة وحب الوطن. ويتمثّل الجانب الآخر في حضور هذا الدور في الخطاب الاستعماري وسياسات الإبادة، وهو ما يتجلّى في الأسس التي تقوم عليها المنظومة الاستعماريّة الساعية إلى إبادة الفلسطينيين بوصفهم العرق الآخر من منظور الكيان؛ فتتّخذ من قتل الفلسطينيّات (الذي يقضي على أرحامهنّ ووظائفها) أداةً لتحقيق إبادة جيليّة؛ بما يخدم مصالح الاستيطان في التحكم بخصائص الديموغرافيا وضبطها لصالح الشعب المستعمِر، وصولاً إلى غاية التطهير العرقي.

العنف الإنجابي

تكثر الشهادات والتقارير التي تتناول جرائم آلة الحرب «الإسرائيلية» بحق النساء في حالتي الحمل والولادة وتوثق أمثلتها المتعددة. منها؛ قيام الفرق الطبية بإجراء عمليات ولادة قيصرية بلا بنج، وغياب وجود المسكنات وضرورات الرعاية الطبية؛ جرّاء استهداف الاحتلال لكلّ مستشفيات القطاع وفرض حصارٍ عسكري عليها أخرجها عن الخدمة لغياب اللوازم العلاجية، وهو ما دفع ببعض الأطباء للاضطرار إلى استئصال الرحم لكثيرٍ من الحالات؛ تفاديًا لمضاعفات النزيف وتأثيره على حياتهنّ، ممّا يعني خسارتهنّ القدرة على الإنجاب وبالتالي حرمانهنّ من حقهنّ في الأمومة. أضف إليه، غياب كلّ مقومات الصحة الإنجابيّة للنساء أثناء الحمل وبعده؛ كحرب التجويع التي تحيل إلى وجود سوء تغذية قسريّ، والحرمان من منتجات النظافة الصحيّة والمستلزمات النسائيّة الخاصة، وما تسبّب في تفاقم معاناتهنّ وتعريضهنّ لمخاطر الإصابة بالأمراض.


يرتبط هذا الشكل من العنف بالصورة السابقة من حيث وحدة الغاية الصهيونيّة لهذه الممارسة. حيث تستهدف جرائم الحرب «الإسرائيلية» القدرات الإنجابية للنساء الغزّيات لدورها في استمرارية وجود مجموعة عرقية ودينية/(الوجود الفلسطيني). [3] إذ طالما كان التخوف الديموغرافي من ارتفاع الكثافة السكانية للفلسطينيين على «الإسرائيليين» حاضرًا في خطابات النظام الاستعماري وبرامجه الهادفة إلى تحقيق الهيمنة اليهودية، كما كان محرّكًا لكثير من الممارسات العنيفة بحق الفلسطينيين عامةً.

العنف السجني والعنف الجنسيّ

تعدّ منظومة المعتقل، بما فيها من استراتيجيات قمعية وتعذيبية وانتقامية، إحدى أبرز أوجه تقنيات ممارسة التنكيل النفسيّ والجسديّ الممنهج، الذي يستهدف إنسانيّة وكرامة وجسد الفرد الأصلاني، دون اعتبارات تراعي خصوصية الجنس والعمر. إذ طالما شملت مختلف الإجراءات العقابية في السجون «الإسرائيلية» النساء والأطفال، باستغلالٍ استعماري خاص لحساسية هاتين الفئتين في التكوين الثقافي والاجتماعي للمجتمع الفلسطيني تبعًا لارتباطهما بالكثير من قيمه ومفاهيمه.

على سبيل التعداد لا الحصر، تتنوّغ ممارسات عنف الاعتقال السياسي ضدّ الأسيرات، منذ النكبة حتّى اليوم، وسواءً كنّ مرابطات مقدسيّات أو أمهات أو زوجات مقاومين أو مقاومات أو متهمات في عمليات مقاومة، وتتمثل في سياساتِ كلٍّ من الاعتقال الإداري، والإهمال الطبّي، واحتجاز الجثامين، وأساليب التحقيق والتفتيش والاقتحام، والحرمان من التعليم، والاعتداءات الجسديّة والجنسيّة، فضلاً عن العزل الانفراديّ وسوء التغذيّة وغيرها. وتتكاثف أساليب العنف الاستعماري هذه أكثر في حالة الحروب والعدوان العسكريّ، وهو ما تدلّل عليه شهادات الأسيرات المفرج عنهنّ في الصفقة الأخيرة، وما تصدره الجمعيات الحقوقيّة أو المنظمات والمؤسسات الدوليّة. وذلك في ظلّ وجود رغبة انتقاميّة لدى جميع أفراد ومؤسسات المجتمع «الإسرائيلي». مثلًا؛ بيّنت دراسة تناولت موضوع «شهوانيّة» الاستعمار في الحرب على القطاع عام 2014 بأنّ العنف الممارس على أجساد النساء الفلسطينيّات حينها، لاقى «تأييدًا من المجتمع الإسرائيلي الصهيوني الذي تماهى مع الدولة بمؤسساتها الرسمية العسكرية وغير العسكرية وبجامعاتها الأكاديمية، فتشكّلت وحدة استعمارية تعبّر عن شهوتها الجنسية الاستعمارية بصوتٍ مماثل وبمضامين متماثلة». [4]

 تناولت تقارير أمميّة عن تعرّض سيدتين على الأقل، من المعتقلات الغزّيّات للاغتصاب في سجون الاحتلال مع وجود تهديداتٍ مستمرة لأُخريات، بالإضافة إلى البيانات والشهادات التي كشفت عمّا تواجهه المعتقلات من عنفٍ لفظي وجسديّ-جنسيّ أثناء الاحتجاز وفي التحقيق والاستجواب، الذي تعرضنّ فيه لتعريّة قسريّة (التجريد من الملابس)، ولمسٍ قسريّ (تفتيش عاري)، ونزع الحجاب، وضرب مبرح، وإيماءات جنسية لفظية، وغيرها من الاعتداءات والتهديدات الجنسيّة التي تعكس أنّ «سياسات الإرهاب والعنف الجنسيّ في المعتقلات والسجون الإسرائيلية ما هي إلّا جزء لا يتجزأ من النهج الإسرائيليّ الشموليّ، وخلالها تبرز صورة جليّة للذهنيّة والممارسة الاستعماريّة يجري وفقها توظيف الأدوار الجندريّة النمطيّة، والقوالب الاستشراقيّة الذكوريّة كفلسفة سلطويّة يتصرف بحسبَها الرجل الأبيض بزيّه كمحقِّق تارةً، وكسجّان تارة أخرى». [5]

العنف في العقوبات الجماعية 

إنّ أحد أبرز أوجه العنف غير المباشر أو غير المرئي الذي يطال النساء الفلسطينيّات عمومًا، هو ما يكمن في الظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يتحمَّلْنَها قسرًا جرّاء أحداثِ الحروب وتَبِعاتِ الاستعمار وأساليبه في الهيمنة الماديّة والرمزيّة. تتعدّد أمثلة ذلك في حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال على القطاع كعقابٍ جماعيّ. ومنها؛ قصف المنازل التي تعتبر فضاءً خاصًا للمرأة وتأثيره على انتهاك خصوصيتها، وحالة النزوح ومتطلباتها وآثارها على المرأة، أو قتل الأطفال أمام أمهاتهنّ والرجال أمام زوجاتهنّ، وما ينتج عنه من فرض أدوار جديدة على المرأة التي تصبح المعيل الوحيد للأسرة بعد تَرَمُّلها وتَيْتيم أبنائها.


ولا يقتصر العنف الناتج عن سياسات العقاب الجماعيّ أو عسكرة الفضاءات الفلسطينيّة على ما يحدث في قطاع غزّة. إذ تتعرض المرأة الفلسطينية في بقية الأرض المحتلة إلى شتى أشكال التنكيل، من الضغوطات النفسيّة إلى الممارسات القمعية التي تفرض عليها أشكال محددة للسلوك بسبب فلسطينيّة هويتها فقط، سواء في الداخل المحتلّ أو في الضفة الغربية، حيث تتعرّض المرأة للعنف بوصفها زوجة و/أو أم شهيد أو مطارد أو أسير، ويُهدم منزلها إنّ كان منفذ العملية الفدائية ابنها أو زوجها. هذا عدا عن انتهاك الخصوصية والتدمير والتخريب في المداهمات الليلة للمنازل، والعنف الذي تواجهه في طريقها للمدرسة، والقطاعات الصحية، والزيارات العائلية وغيرها؛ تبعًا للحدود التي ترسمها السياسة العنصرية للقوة الاستعمارية، [6] بالحواجز والمستوطنات والمعابر، وكلّ أدوات التشظية الجغرافيّة للأراضي الفلسطينيّة. أضف إليه ما تتعرض إليه المرابطات المقدسيّات جرّاء السياسات العنيفة التي تستهدف المسجد الأقصى وعلاقة الجماعة الفلسطينية فيه كمقدّس؛ إذ طالما لعبت المرابطة المقدسيّة دورًا في حشد الفلسطينيين في باحات الأقصى وأثرت في شكل وحجم الهبّات وردّ الفصائل السياسية في غزّة، كما كان لها دور في كسب الدعم والتأييد الدولي وتوسيع الحاضنة الجماهيريّة، عن طريق ما نقلته المرابطات الفلسطينيّات عبر الإعلام عن عنصرية الاحتلال، ووحشية تعامل الجنود والمستوطنين معهنّ، وعن تجربتهنّ مع التحقيق والاعتقال؛ وقدأنشأ وجودهم «كعنصر نسائي يواجه اعتداءات الجنود رغم ضعفهم البدني… حالة عالية من التفاعل مع الأقصى وقضيته». [7]

حالة تطبيع العنف «الإسرائيلي» ضدّ المرأة الفلسطينيّة

كل ما سبق، وهو الموثق في شهادات كثيرة ومصادر وبياناتٍ متعددة ومختلفة، يَطرحُ اليوم تساؤلاً عن دور الحركات النسويّة والمنظمات الحقوقية والسياسيين الدوليين والناشطات الغربيّات مما يحدث في قطاع غزّة وعموم فلسطين من عنف؟ وهم الذين تسابقوا على تبني سرديّة الاحتلال عن أحداث السابع من أكتوبر، ومزاعمه بأنّ حركة المقاومة الإسلامية – حماس قتلت واغتصبت نساءً «إسرائيليات»، دون وجود أي أدلة صريحة وقبل إجراء تحقيقات في ذلك. بالمقابل، يتمّ التعامل مع ما حدث في القطاع من منطلق التشكيك أولًا، مع غياب وجود أيّ إدانة صريحة وواضحة لـ«إسرائيل» أو تيار حقوقي يناهض عنف الاحتلال ضدّ الفتيات والنساء الفلسطينيّات.

من جديد، يكشف ذلك عن سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير لدى تلك الحركات والمؤسسات التي أخذت تبرّر ضمنًا وصراحةً إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة بالحديث عن تعرض «الإسرائيليات» لعنفٍ جسديّ وجنسيّ دون تمحيص لرواية الاحتلال هذه. ما يجعلنا نتساءل اليوم عن منطلقات الحركة النسويّة بمختلف تياراتها، وعمّا إذا كانت ملونة (بيضاء)؟ أو جهويّة أو فئويّة أو عرقيّة (غربيّة)؟ فالحركة الحقوقيّة النسوية التي تعمل من أجل المرأة عالميًا، تفشل اليوم في تحقيق المساواة بين المرأة والمرأة! الشرقيّة والغربيّة، وتبدو -تبعًا لمواقفها- وكأنها تطبّع وجود العنف ضدّ الفلسطينيات. رغم أنّها تعلم، وفقًا لإدراكها لواقع المجتمعات العربيّة، أنّ المخفي من صور العنف الاستيطاني ضدّ المرأة الفلسطينيّة أعظم ممّا هو معلن. تبعًا للطابع البطرياركي/الأبوي للمجتمع الفلسطيني ومنظومة الأعراف والمعايير وحساسية مكانة المرأة في تقييماته الثقافية؛ وهو ما يخفّض من نسبة البلاغات والاعترافات النسائية بالتعرض للعنف الجسدي والجنسي لاصطدامها بحاجز صمت اجتماعي وثقافي(تابو)؛ [8] ففي«حال تسريب هذه الشكاوى إلى الحيّز العامّ الفلسطينيّ يكون الثمن الاجتماعيّ والاقتصاديّ عليها باهظًا». [9] أضف إلى ذلك، أنّ الطبيعة العنيفة للنظام الاستعماري تفرض على الفلسطينيّات الإخفاء القسريّ لدلائل تعرضهنّ للعنف؛ لخوفهنّ من «التنكيل الانتقاميّ وإعادة إحياء تجربة التعذيب ». [10]