يعود محمد قعدان إلى عام النكبة ليبحث في تناقضات مشروع المواطنة ومآلاته، ودوره في تحديد سيرورة الصراع وخلق هويةٍ ومفهوم نضالي مشوّهين، مسلطاً الضوء على الدور الذي تلعبه المقاطعة في الخروج من مأزق السعي وراء الحقوق المدنيّة.
* الصورة الرئيسية: الرئيس الصهيوني “بن تسفي” وزوجته في زيارةٍ إلى بيت عضو الكنيست فارس حمدان في باقة الغربية (1956)
تتجه “إسرائيل” نحو انتخاباتٍ جديدة، بعدما صوّت الكنيست الصهيونيّ على حلّ ذاته للمرة الثالثة إثرَ فشل الحزبيْن المتنافسين – ممثليْن بـ “بنيامين نتنياهو” و”بني غانتس”- في تشكيل الحكومة الجديدة. أما القائمة العربية المشتركة، فتطمح بزيادة عدد مقاعدها في الانتخابات المقبلة، فضلاً عن قطعها مزيداً من الوعود لتحقيق مكاسب اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ لفلسطينيّي الداخل المحتل، متوهمةً بقدرتها، كـ “قوة ثالثة” في الجهاز الاستعماري، على حسم “المعضلة” الصهيونية وإقصاء “نتنياهو”، فيما يبدو كمقدّمةٍ لتوصيةٍ جديدةٍ بـ “غانتس”. وفي موازاة ذلك، تناور بعض هذه الأحزاب لفرز نفسها عن شركائها في القائمة المشتركة، محاولةً منها توضيح “استثنائية” مشروعها السياسي وتكتيكاته. ومن هنا، تنطلق أهمية إعادة قراءة تشكّلات العمل السياسيّ في الداخل المحتل، وإمكانياته البنيويّة منذ البداية؛ منذ عام النكبة.
يبحث هذا المقال في المجالات الزمنية والمكانية التي يخلقها “النضال” من الكنيست الصهيوني، بهدف فهم جذور وبنية العمل السياسي في الداخل المحتلّ وتناقضاته ومآلاته في الحكومات الصهيونية القادمة، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه المقاطعة في الخروج من المأزق النظري والسدّ السياسي الذي أوصلنا إليه مشروع “المواطنة” والسعي وراء الحقوق المدنيّة. كما يحاجج المقال أنّه، وانطلاقاً من التناقضات التي أنتجتها مشاركة الأحزاب العربية في الكنيست الصهيوني، وضمن السياق الوطني العام، تمثّل مقاطعة الانتخابات في مضمونها المادّي فعلٌ احتجاجيّ ضدّ المستعمِر، وعلى أدوات الأحزاب السياسية المستنفَذة في الداخل على حدّ سواء. [1]
بدايات “التأهيل”
“يُمنح حقّ المواطنة في المقام الأول للسكان الذين ولدوا في البلد”. [2]
عند قراءتنا لكلمات توفيق طوبي، نظنّها للوهلة الأولى تدافع عن الفلسطينيين في الداخل المحتلّ، ولكنّنا في حقيقة الأمر ننظر إلى بداية تشكّل مشروع وخطاب “الحق في المواطنة” الذي هيمن على العمل السياسي والحزبي، وأفضى لمشروع التوصية برئيس هيئة الأركان السابق “بني غانتس”.
بينما كانت تتعرّض البلاد لتغيّرٍ بنيويٍ عنيفٍ مع تأسيس دولة الكيان وإعادة تشكيل العلاقات المادّية على أسسٍ إثنيةٍ ودينيةٍ، مقابل اقتلاع الفلسطيني من أرضه وإبادة الشكل الثقافي والاجتماعي لفلسطين، أطلق بعض السياسيين الفلسطينيين عدّة خطواتٍ ساهمت في تحديد “موضوع النضال” في الداخل المحتلّ، والفضاء السياسي الذي يخدمه، إضافةً إلى تشكيل الملامح الأولى للمشروع السياسي الهادف إلى “تأهيل” من بقي في الأراضي المحتلة عام 1948 للمواطنة في الدولة اليهودية الاستعمارية.
نتذكّر هنا المحامي والسياسي حنّا نقّارة، والذي هُجر قسراً في النكبة وقدّم بعدها طلباً لنيل حقوق “المواطنة الكاملة” في دولة الاحتلال حديثة التأسيس، ليتمّ ترحيله وعائلته إلى لبنان ويعود مجدداً إلى حيفا ويمضي ثلاثة شهورٍ في السجن رفضاً لـ “عدم أهليّته” للمواطنة الكاملة في الدولة الاستعمارية.
نقّارة الذي أجاد العبرية أصبح عنواناً في القضايا القانونية المتعلّقة في “حق المواطنة” وممثلاً للفلسطينيين في المحاكم الصهيونية، ورُفعت العديد من القضايا الشبيهة للمحكمة العليا الصهيونية إلى جانب تنظيم مظاهراتٍ تمّ قمعها. [3] وفي ذات الوقت، كثّف العدوّ حملات وسم الفلسطيني بالتخلّف الحضاري بينما أقرّ سياساتٍ تستدعي بذل الفلسطيني جهداً كبيراً لنيل “حق المواطنة”، دون اعتبار ذلك امتيازاً بأي شكلٍ، في مقابل سياسات التخلّص من أكبر عددٍ ممكنٍ من الفلسطينيين في القرى المجاورة لسوريا وغزّة والضفة الغربية. وقد شارك بعض الفلسطينيين في أحزابٍ صهيونيةٍ، كرستم البستاني وسيف الدين زعبي اللذيْن نشطا لنيلِ “حق المواطنة”، كما بادر الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” أيضاً. [4]
كانت هذه الشبكة القانونية-العسكرية المادّة التي صاغت مشروع “المواطنة” في الداخل المحتلّ، متّخذةً التناقضات التي خلقها المستعمِر على الجغرافيا والمكان والزمن أساساً لمشروعها، ليفتتح قرار المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني الأولى مساراً مخالفاً لما تبنّته الحركة الوطنية الفلسطينية في نضالها ضدّ الاستعمار الصهيوني. هذا بالإضافة إلى إقصاء مشاريع سياسيةٍ أخرى كحركة الأرض التي أسّسها صبري جريس ومنصور كردوش وحبيب قهوجي عام 1959 وتمّ حظرها، وتهدئة وقمع محاولات جماهيرية لكسر وتحدّي الهيمنة الاستعمارية، كالتظاهرات ضدّ سلب الأراضي وقوانين “الأساس” التي اقتضت بفصل الفلسطيني عن أرضه، وغيرها من المحاولات التنظيمية التي نجدها عند النقابي الشيوعي بولس فرح وغيره. [5]
مشروعٌ مأزوم وتناقضات بنيويّة
بفعل قبول والتزام القوى السياسية بالعمل ضمن المحدّدات الاستعمارية، ارتبط مشروع “المواطنة” بالبنية الاستعمارية بشكلٍ وظيفي، رامياً إلى تحقيق التوازن بين طموح كسب “شرعية الفلسطيني”، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تجاه المنظومة الاستعمارية وتجاه الذات كشعبٍ مستعمَر، ما أدّى إلى خلق تناقضاتٍ مكانية وزمنية معرّضةٍ للانفجار.
وبحسب عزمي بشارة، نجمت هذه التناقضات عن “أسرلة” الثقافة والسياسة والاقتصاد، والتي يعتقد أنّها أصبحت مركّباً مكوّناً في هوية الفلسطيني في الداخل المحتلّ. ولن يأتي الانفجار بسبب تطوّر الوعي القومي الفلسطيني، على حدّ قوله، إنما نتيجةً لوصول “الوعي المدني “الإسرائيلي” إلى طريق مسدودٍ ما دامت الدولة دولة يهود”، أو بحثاً عن حقوقٍ جمعيّة. [6]
وعلى عكس بشارة، يرى هذا المقال أنّ مشروع المواطنة الذي التزم بالعمل السياسي ضمن محدّدات المنظومة الاستعمارية هو ما أنتج هذه التناقضات، وأنّ كبح الانفجار هو محاولة بشارة في مشروعه السياسي “التجمع الوطني الديمقراطي”، محاججاً أنّ هذه الممارسة السياسية، وإن تمكّنت من كبح أو تهدئة الانفجار لمدّة معينة، لا تلغي إمكانيّات حدوثه.
اعتبرت القائمة المشتركة أنّ تشكيلها جاء “صفعةً مدويةً لليمين العنصري الذي أراد تصفية التمثيل العربي والديمقراطي في البرلمان، وردّاً على الهجمة الفاشية والسياسات والممارسات العنصرية”. بكلماتٍ أخرى، تقول لنا القائمة المشتركة إنّ حاجة التمثيل في البرلمان الاستعماري نبعت من الرفض، وإنّ فعل المشاركة في “الكنيست” ينطلق من الموقف السلبي تجاه ممارسات دولة الاحتلال وسياساتها؛ أيّ نرفض “يهوديّة الدولة” ونعبّر عن ذلك بقبول “مؤسسة الدولة” كمكانٍ للنضال ضدّ ممارساتها.
هذا التناقض المكاني أنتج أزمةً عدميةً يلمس فيها الفلسطيني انعدام جدوى الممارسة السياسية بشكلها هذا، فينفصل عن العمل السياسي أو يرفضه، ليصبح غير مسيّسٍ أو فاقداً للإرادة السياسية، على الرغم من تقديم القائمة المشتركة أهدافها له:
“تناضل القائمة المشتركة من أجل حقوق العاملين والعدالة الاجتماعية والبيئية، ومن أجل مصالح الطبقات المستضعفة في مواجهة سياسة إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، وتكافح ضد الفقر والبطالة عمومًا وفي المجتمع العربي خصوصًا، ومن أجل رفع الحد الأدنى للأجور إلى 60% على الأقل من الأجر المتوسط، وضمان الحقوق الأساسية في التعليم والصحة والسكن والرفاه لجميع المواطنين.” وأيضاً: “العمل لأجل وقف مصادرة الأراضي ولأجل استعادة الأرض التي صودرت خاصة تلك التي صودرت لما يسمى أغراض عامة، ولم تستغل لهذه الأغراض حتى الآن. والعمل لأجل توسيع مناطق نفوذ القرى والمدن العربية وتوفير خرائط هيكلية ملائمة للاحتياجات العامة والخاصة…التصدّي لسياسة هدم البيوت والتأكيد على الحق في المسكن والمطالبة بتوفير قسائم أرض وبيوت بأسعار مخفّضة للأزواج الشابة في كافة التجمعات السكنية العربية”.
إنّ ما يصوّره البعض كـ “عدم اكتراثٍ” بالشأن الوطني والعام لدى الأصوات المنادية بمقاطعة انتخابات الكنيست الصهيوني هو اكتراثٌ واعٍ بخطورة، أو عدم جدوى، المشاركة في البرلمان الاستعماريّ. تدرك هذه الأصوات انعدام إمكانية تأثير “نضال الكنيست” إيجاباً على واقعها، فضلاً عن استحالة تحقيقه لأهدافه المعلنة أو لأيّ مكسبٍ آخر من العدو. فهذا المشروع يرفض شرعيّة تحديد السلطة الاستعمارية لمصير المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل ولكنّه يقبل بمكان إنتاج هذه السلطة، أي الكنيست الصهيوني، و”يلعب” ضمن قوانينها. لذا، يرتبط الخروج من هذه الأزمة والتناقضات التي أنتجتها بالنضال ضدّ المنظومة الاستعمارية من خارج مؤسساتها.
ومن خلال السؤال الزمني (متى بدأت القضية الفلسطينية؟)، سنحاول رصد التناقض الزمني الذي ينتج عن إجابة مجمل أحزاب الداخل المحتل عن هذا السؤال، وفهم موقع المجتمع الفلسطيني في أراضي 48 ضمن الهوية الوطنية الفلسطينية.
منذ تأسيس دولة العدوّ، التزمت القيادة الفلسطينية في الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” في قرار الأمم المتحدة لعام 1947 القاضي بـ “حلّ الصراع” وتقسيم البلاد بين أهلها والمستعمِرين، ليتحدّد بذلك الإطار الزمني للعمل السياسي، دون العودة إلى بداية الاستعمار الاستيطاني المنظّم في البلاد منذ الاحتلال الإنجليزي. ومع التوسع الاستعماري في عام 1967، تطوّر هذا الوعي الزمني ولكن ضمن المُحدّدات الاستعمارية، بمعنى أصبحت القيادة الفلسطينيّة للقائمة الشيوعية (راكح) تُطالب بدولةٍ فلسطينيةٍ على الأراضي المُحتلّة عام 1967.
وعلى الرغم من تعريفها فلسطينيّي الداخل على أنّهم “الباقون في الوطن”، كجزءٍ حيٍّ وفاعلٍ من الكلّ الفلسطيني، تتبنى القائمة المشتركة هذا الطرح وتحدّد الزمن للقضية الفلسطينية بدءاً من عام 1967، كما جاء في برنامجها لعام 2015: “تناضل القائمة المشتركة من أجل إحقاق السلام العادل في المنطقة استناداً إلى الشرعية الدولية، بإنهاء الاحتلال لكل الأراضي المحتلة عام 1967، وتفكيك كافة المستوطنات وجدار الفصل العنصري، وإطلاق سراح الأسرى السياسيين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة في حدود 4 حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحلٍّ عادلٍ لقضية اللاجئين الفلسطينيين، يضمن حق العودة وفق القرار 194”.
عملية خلق هويةٍ منفصلةٍ (بين الزمنين) هذه أدّت إلى إتاحة الخصوصية للعمل السياسي في الداخل، والعيش على بقايا مصانع واقتصاد وتقنيّة المركز اليهودي، وبالتالي فصل الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة عام 1948 عن الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة. والسؤال هنا إذاً: ما هي “هويّتنا” – فلسطينيو الداخل المحتلّ- في حال خروجنا من معادلة الصراع و”حلّه”؟
“الخصوصية” في سياق استعماري
إضافةً إلى تعزيز الهيمنة الاستعمارية، ساهم “النضال” من منبر الكنيست والسعي نحو حقوقٍ مدنيةٍ في تشويه علاقات الصراع الطبيعية (بين مستعمِر ومستعمَر)، بمعنى تشويه علاقات الهيمنة وتجريدها من السياق الذي نتجت عنه؛ الاستعمار الاستيطاني والسيطرة ونهب الأرض؛ الأساس الإنتاجي لحياتنا. وبين مسار المواطنة في الدولة الاستعمارية ومسار مقاومتها (كمنظمة التحرير الفلسطينية مثلاً)، حُدّد للفلسطيني في الأراضي المحتلّة عام 1948 تعبيراتٌ سياسيةٌ مغايرةٌ عن بقية الفلسطينيين. [7]
وعلاوةً على ذلك، شكّل مشروع المواطنة عائقاً أمام أيّ عملٍ سياسي نضالي حاول الانعتاق من مجالاته، لا سيّما خلال المرحلة التاريخية التي كانت فيها الفرصة سانحةً أمام الفلسطينيين في الداخل المحتلّ للاشتباك والالتحام مع منظمة التحرير الفلسطينية في كاملِ تطوّر وعيها المكاني والزمني لفلسطين، وعمل جاهداً على تهدئة النضالات التي نتجت عن الصراع على الأرض، خاصةً مصادرات أراضي الناصرة والقرى المجاورة في السبعينيّات.
وبالتالي، وإن قبلت هذه القوى السياسية العملَ، بالنظرية والممارسة، ضمن المحدّدات الاستعمارية، نعلم بأنّ أزمة هذا المشروع وتناقضاته معرضةٌ للانفجار في مكانٍ آخر كالشارع لتجد إمكانيّتها الحقيقية وتنتزع مكاسب لا يمكن تحقيقها من خلال “الكنيست”.
مثّل يوم الأرض أحد التعبيرات الغاضبة عن هذه الأزمة، والذي أوجدت فيه الجماهير الفلسطينية سقفاً سياسياً مختلفاً عن سقف الكنيست متحرّرةً من المجالات التي فرضها عليها مشروع المواطنة. كما شهد الداخل المحتل تظاهرات واسعة من أجل القدس والأرض والمقدّسات خلال الانتفاضة الثانية مقدّماً 13 شهيداً. وجاء الحراك الشعبي الرافض لمشروع “برافر” ليعبّر عن انفجارٍ آخر، على الرغم من استيعاب خطابه ومحاولات تهدئته من قبل القوى السياسية؛ فالكنيست الصهيوني والشارع ليسا على وفاقٍ. ولا يخفى “المأزق” الذي وقع فيه أعضاء الكنيست العرب مع وصول موجة هبّة العمليات الفردية في عام 2015 إلى الأراضي المحتلّة عام 1948، والذين سارعوا لتوضيح “انحراف” شهداء العمليات الفرديّة، مثل مهند العقبي وأبناء الجبارين، عن مشروع “المواطنة”.
أعادت هذه الهبّات الشعبيّة، أو الانفجارات، الاعتبارَ إلى حقيقة كون الصراع هو جوهر العلاقة بين الفلسطينيين والصهاينة. وعلاوةً على تعبيرها عن المعاناة، تمكّنت هذه الجماهير من الإخلال بالتوازن الذي يسعى مشروع المواطنة لتحقيقه، بالإضافة إلى رؤية ذاتها الوطنية خارج المؤسسة الاستعمارية وأزمات هذا المشروع من خلال رفعها لحدّة المواجهة المباشرة مع الاحتلال والالتحام مع الحالة الثورية العامة في كل فلسطين.
ختاماً،
ليست المشاركة في الكنيست تكتيكاً سياسياً، إنما قرارٌ بتحديد سيرورة الصراع الدائر في فلسطين وكبح ممارسة النضال السياسي، بشكله الحقيقي؛ أي خارج المحدّدات والأطر الاستعمارية، أمام المجتمع الفلسطيني في الداخل الذي يعيش ضمن بنية استعمارية قامعة ومستغلّة، فضلاً عن خلق هوية ومفهوم نضالي مشوّهين لا معنى لهما إلا في الكنيست الصهيوني. وبما أنّ الواقع لا يعرف هذا الفصل في المنظور المادّي الجذري، فإنّ ما يعيشه الفلسطيني في عكّا تحت التهويد والتهجير والفقر هو ما يعيشه الفلسطيني في القدس وما يعيشه في مخيّمات البلاد والشتات.
ولذلك، ينبغي أن ينطلق طرح برنامجنا السياسي كما خطابنا من الواقع، وتحليل هذه التناقضات ومسبّباتها، وفهم دورها في إعاقة انفتاح أفقٍ فلسفيٍ معرفيٍ وتفكيرٍ متعلّقٍ بالكلّ الفلسطيني. وبرأيي، لن يصمد الداخل المحتلّ أمام هذه التناقضات، وسينفجر مرةً، وإلى الأبد، اقتصادياً واجتماعياً، إما باتجاه الخيار الوطني الجامع، ولا يُقصد القول إنّها طريقٌ سهلةٌ، أو إلى الخيار “الإسرائيلي” كاملاً. وتستمرّ القائمة المشتركة في مضيها نحو الخيار الأخير وكبح الخيارات والإمكانات النضالية المتاحة أمام الفلسطيني.
*****
الهوامش:
[1] حدّدتُ في مقالاتٍ بحثيةٍ سابقة، نُشرت على “الحوار المتمدن”، مدى اتساع مجال الفقر في الداخل المحتلّ (بعنوان: سؤال الحزب بالداخل الفلسطيني)، من خلال تحديد آليّات الاستغلال في العمل والنهب للأراضي، معتمداً على على المسح الاجتماعي-الاقتصادي الخامس للفلسطينيين في الداخل، الذي أجرته جمعيّة الجليل. ومّما اتضح لي أنّ نسبة المقاطعين تزداد تدريجياً، وهي مقاطعة احتجاجيّة غير مكترثةٍ بالانتخابات والممارسة السياسية للأحزاب العربيّة كونِها تعي عدم جدوتِها.
[2]The Knesset Protocols, vol. 6, 23 July 1950, p2701
[3] كان الفلسطينيون محكومين بإدارة عسكرية وقوانين طوارئ الانتداب البريطاني كما كان الحال عليه خلال الثورة الفلسطينية الكبرى؛ إيلان، بابيه (2019) ص67-88.
[4] إيلان، بابيه. (2013) ص 73.
[5] بالإضافة إلى ظهور الحركة الإسلامية، بقيادة رائد صلاح، لاحقاً والتي شكّلت إطاراً سياسياً غير مرتبطٍ بالأطر الاستعمارية، وتمّ حظرها إثر ذلك. ومن الممكن البحث في العلاقات المركّبة التي شكّلت الحركة الإسلامية الشمالية في مقالٍ منفصلٍ.
[6] عزمي، بشارة. العربي الإسرائيلي: قراءة في الخطاب السياسي المبتور. مجلة الدراسات الفلسطينية، مجلد 6، العدد24، 1995.
[7] M, Kabha. “Historical Development of the Israeli Communist Party” In, The Palestinians in Israel edited by N. Rouhana and A, Khoury. Mada al-Carmel, 2018, 175-186