تحاول هذه المقالة وضع “كارين إيه” في سياقها التاريخي، وإيضاح العوامل الرئيسة التي أكسبتها أهميةً؛ باعتبارها حدثاً محورياً في الشأن الفلسطيني. ولم تكن أهمية إنجاز هذه العملية بالنسبة للعدو الصهيوني مقتصرةً على الجانب العملياتي، من حيث الأداء المهني لوحدات الكوماندوس في سلاح البحرية، وتطهيرها لسمعة الوحدة التي تلطخت في “كارثة الشييطت”، ولا من حيث تشكيلها أساساً عملياتياً بالنسبة لكل العمليات “الجريئة” للجيش الصهيوني لاحقاً، بل من حيث تشكيلها نقلةً محوريةً في مسار الانتفاضة، وكذلك مسار العملية التفاوضية.
نشر “عاموس غلبوع”، العميد احتياط في الجيش الصهيوني، كتاباً يكشف فيه عن تفاصيل جديدة حول عملية السيطرة على السفينة “كارين إيه”، وهي العملية التي أطلق عليها الجيش الصهيوني اسم “عملية نوح”. حمل الكتاب، الذي نُشر قبل عدة أسابيع، اسمَ “حدثٌ دراميٌّ في البحر الأحمر”، في إشارةٍ إلى المكان الذي سيطرت فيه وحدة الكوماندوس البحرية الصهيونية “شييطت 13” على سفينة الأسلحة “كارين إيه”.
يتسلسل “غلبوع”، والذي كان في وقتٍ سابقٍ على رأس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، في سرد الأحداث وخطّ سير العملية، بدايةً من طرف الخيط الاستخباري الأول الذي قاد بعد ذلك إلى عملية متابعة ورصد السفينة، ومن ثمَ السيطرة عليها واعتقال طاقمها ومصادرة ما على متنها من أسلحة.
ويتنقل “غلبوع” بين مراحل العملية تلك، كاشفاً ما دار من نقاشات ومشاورات بين رئيس أركان الجيش الصهيوني آنذاك “شاؤول موفاز”، ورئيس حكومة الاحتلال “أريئيل شارون”، إضافةً إلى كلٍّ من قائد سلاح البحرية وسلاح الجو وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”. كما يذكر “غلبوع” مشاركة الأجهزة الاستخبارية الأمريكية، من خلال الأقمار الصناعية، في متابعة السفينة ورصد خطّ سيرها وجمع المعلومات الاستخبارية حولها، وتوقع مكان وزمان وصولها.
كانت أبرز التحديات العملياتية والتكتيكية في عملية السيطرة على السفينة بالنسبة للجيش الصهيوني متعلقةً، بالدرجة الأولى، بالتأكد من السفينة المقصودة، والتيقن من وجود شحنة الأسلحة على متنها، والاستعداد لأية مقاومة قد يبديها طاقمُ السفينة، فضلاً عن التعامل مع شحنة الأسلحة في حال كونها ملغومة، هذا إضافةً إلى التحدي الرئيس؛ وهو السيطرة على السفينة في بحرٍ هادئٍ ليلاً.
كانت تقديرات “يديديا يعاري” قائد سلاح البحرية الصهيونية حينها تتجه نحو السيطرة على السفينة في عرض البحر المتوسط، كونه تطفو على مياهه سفنُ الصواريخ التابعةُ لسلاح البحرية الصهيونية إلى جانب السفن الصهيونية الكبيرة، عدا عن خبرة جنود البحرية الصهيونية في التعامل مع الأحداث في مياه البحر المتوسط.
وعلى الرغم من مبررات “يعاري” السابقة، إلا أن التقدير والقرار النهائي كانا لرئيس الأركان “شاؤول موفاز”، والذي قضى بأن تتم عملية السيطرة على السفينة في عرض البحر الأحمر، وتجنب السيطرة قبالة شواطئ مصر، لتفادي أية مخاطر قد تنجم عن ذلك. كان “موفاز” وقتها حريصاً على الأخذ بالاعتبار أسوأ الاحتمالات، ويعكس ذلك حجم تخوفه من وصول شحنة الأسلحة تلك إلى قطاع غزة.
تحاول هذه المقالة وضعَ “كارين إيه” في سياقها التاريخي، وإيضاح العوامل الرئيسة التي أكسبتها أهميةً؛ باعتبارها حدثاً محورياً في الشأن الفلسطيني. ولم تكن أهمية إنجاز هذه العملية بالنسبة للعدوّ الصهيوني مقتصرةً على الجانب العملياتي، من حيث الأداء المهني لوحدات الكوماندوس في سلاح البحرية، وتطهيرها لسمعة الوحدة التي تلطخت في “كارثة الشييطت”[1] فحسب، ولا من حيث تشكيلها أساساً عملياتياً بالنسبة لكل العمليات “الجريئة” للجيش الصهيوني لاحقاً، بل من حيث تشكيلها نقلةً محوريةً في مسار الانتفاضة، وكذلك مسار العملية التفاوضية.
وليس من قبيل المبالغة القول أن “كارين إيه” كانت الدفعةَ الحقيقيةَ التي دفعت “شارون” للقضاء على عرفات، فوصول مثل تلك الشحنة – في حال تمّ– وقتَها إلى غزة، وانتقال جزءٍ منها إلى الضفة الغربية، حسب التقديرات الصهيونية، يكشف عن مسعى عرفات لتغيير وجه الانتفاضة وتطوير قوّتها ورفع زخمها. ما سبق يعني لقادة الاحتلال تغيير الوقائع على الأرض، و”جهنّم” يخلقها عرفات للكيان الصهيوني.
“المغنية” [2] في شراك “الشييطت 13”
سفينةٌ فارغةٌ من أيّة حمولة على متنها، تُبحِرُ من مكانٍ ما في بلغاريا وتصلُ إلى الخليج الفارسيّ. اقتصادياً، تُعتبر هذه رحلةً خاسرةً، ولا بدّ من وجود أهدافٍ أخرى لقطع هذه السفينة كل هذه المسافة وبلا أيّة حمولة على متنها، كانت تلك أولى المعلومات الاستخبارية التي وصلت “أمان”، لِتَتابع من بعدها بقية المعلومات.
تمّت عملية شراء السفينة “ريم كي” في لبنان أواخر آب من العام 2001. ومن هناك، أبحرت السفينةُ مارةً بمحطاتٍ عدةٍ: السودان، واليمن، ودبي، بهدف تغيير اسمها إلى “كارين إيه” وإجراء بعض الصيانة على محركها وتحميلها بشحنةِ موادٍ غذائيةٍ وتسجيلها عبر شركاتٍ وهميةٍ.
في الحادي عشر من كانون الأول من العام 2001، وصلت السفينة إلى مرفأ “كيش” في إيران، ومن هناك حُمِّلت بشحنة الأسلحة، ومن ثمَ أبحرتْ باتجاه خليج البحر الأحمر، حيث كان من المفترض أن تعبر قناةَ السويس وتُفرغَ حمولتَها قبالة سواحل قطاع غزة.
لكنْ في فجر يوم الثالث من كانون الثاني للعام 2002، نَفَذَتْ وحدةُ الكوماندوس البحريّ الصهيونية “شييطت 13″، وبقيادة “رام روتبرغ”، الذي غدا قائداً لسلاح البحرية لاحقاً، عمليتي إنزال لمجموعتين من عناصر الكوماندوس؛ الأولى كانت عبر خمسة زوارق مطاطيّة وقارب سريع من طراز “زهارون”، والثانية نَفَذَتْ إنزالَها من خلال مروحيات “بلاك هوك” المشاركة في العملية.
سيطر جنودُ الجيش الصهيوني على السفينة بالقرب من جزيرة “تيران” المصرية، واقتادوها إلى أم الرشراش (مستوطنة “إيلات”)، كما اعتقلوا كابتن السفينة عمر عكاوي[3] بالإضافة إلى أربعةٍ آخرين من عناصر الشرطة البحرية الفلسطينية. كان من المخطط أن يفرغوا شحنةَ الأسلحة تلك في ثلاثة قوارب للصيد يقودونها إلى غزة. كانت شحنةُ الأسلحة التي تزنُ ما يقارب الـ50 طناً، تتنوع ما بين صواريخ “الكاتيوشا”، ومدافع وقذائف هاون، وصواريخ مضادّة للطائرات، وألغام وصواريخ مضادّة للدروع من صنفي “لاو” و”ساغر”، وبنادق “دراغونوف” “كلاشنكوف AK-47″، وقاذفات “R.P.G”، بالإضافة إلى معدات غوص حديثة.
عرفات والمناورة بين السياسي والعسكري
تفجّرتْ قمةُ “كامب ديفيد” الثانية 2000، بعد أربعة عشر يوماً من المفاوضات المكثفة بين الوفدين الصهيوني والفلسطيني تحت الرعاية الأمريكية، على إثر رفض عرفات للمقترح الخاصّ بوضع القدس، والذي قدّمه “إيهود باراك”، والمتضمن لاقتراح ضمّ تجمعات استيطانية هي “معاليه أدوميم” و”غِفعات زئيف” و”غوش عتصيون” إلى القدس، والاكتفاء بمنح السيادة للفلسطينيين على بعض القرى التي جرى ضمّها إلى القدس بعد العام 1967.
كانت نية باراك واضحة في حشر عرفات في الزاوية، من خلال عرضٍ أخيرٍ لا يمكنُه رفضه، وإلا فإن عرفات قادمٌ ليحارب “إسرائيل، وليتخذ من الجزء الخاضع لسيادة السلطة طبقاً لاتفاق “أوسلو” وما تلاه من اتفاقات “قاعدةً للإرهاب”، فهو لم يأتِ لصنع السلام، بحسب ما ستحمله دعاية باراك حينها.
أدّت عثرة “كامب ديفيد” تلك إلى تفكير عرفات بالنحو تجاه خيار الهبة التحريكية، محاولةً منه لممارسة ضغط على الحكومة الصهيونية وكسر تعنتها، عبر المناورة بين الأداتين السياسية والعسكرية، ذلك لم يكن سلوكاً غريباً على عرفات، بل كان مُتَبَعاً لديه في كل صراعاته، سواء تلك التي خاضها أمام خصومه في منظمة التحرير أو أعدائه في الأردن ولبنان، كان آخرها “هبة النفق” التي جاءت بعد التعثر في محادثات إعادة الانتشار في الخليل، والتي تلاها توقيع بروتوكول إعادة الانتشار في منطقة الخليل 1997.
لا يعني ذلك، بطبيعة الحال، أن خيار الانتفاضة كان خياراً متفرداً ضَبَطَه عرفات، ورضخّت الفصائل من خلفه له، بل كانت الفصائل والجماهير مستعدّة لهكذا خيار وهكذا وجهة، غير أن حماسَ عرفات باستخدام ورقة الانتفاضة لتثميرٍ سياسيٍّ مَنَحَه دفعةً سياسيةً كبيرةً للخطو نحو الفعل الانتفاضي، دون أن يعني ذلك أنه تَمَكَّنَ من احتواء فصائل المقاومة تحت جناحيه، بل شهدت الانتفاضة مرحلة مدٍّ وجزرٍ بهذا الخصوص، لنشهد أحياناً انفلاتَ الأمور من بين يديه وحيازةَ فصائل المقاومة بعضاً من السيطرة على كثير من مجريات الانتفاضة.
بذلك انطلقت الانتفاضة الثانية في 28 أيلول 2000، في أعقاب حادثة اقتحام “شارون” للمسجد الأقصى، ليشارك عرفات في قيادة خطّ الانتفاضة العام وتولي ضبط وقعها وتسليحها، عبر كتائب شهداء الأقصى بشكلٍ أساس، وعناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، بالإضافة إلى رفع الضغط عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة الأخرى، وإطلاق سراح بعض عناصر هذه الفصائل من سجون السلطة، ليشكلوا ردّاً على ما اعتبره عرفات حينها “تعنتاً إسرائيلياً”.
دَفَعَ القمعُ العسكريُّ الوحشيُّ من قبل المنظومة الصهيونية للانتفاضة الفلسطينيين للجنوح أكثر نحو الفعل العسكريّ على حساب الفعل الجماهيريّ، الذي بدأ في الاختفاء من نقاط التماس في ظل الاستخدام الصهيوني لقوّةٍ ناريةٍ كاسحةٍ شملت استخدام سلاح الطيران والقصف الصاروخي.
بالمقابل، شَمِلَ انحسارُ الفعل الجماهيريَ، أيضاً، انخفاضَ أعداد الضحايا من الفلسطينيين، وهو المشهد الذي كان عرفات يراهن عليه لفضح المنظومة الصهيونية كـ”قوّة مجرمة”، وبذلك لم تعد الانتفاضة حرباً على الصورة أمام رعاة عملية السلام والرأي العام الدولي، بل معركةً حقيقيةً يجب أن تُخَاض على الأرض.
وفي شهر حزيران من العام 2001، جاءت “خطة تينت” لوقف إطلاق النار، والتي بمقتضاها تلتزم كلّ من الأجهزة الأمنية الصهيونية والفلسطينية بالاتفاقيات الأمنية التي وُقِعَت بين الطرفين سابقاً، في شرم الشيخ في شهر تشرين الأول من العام 2000، والتي أعاد “تقرير لجنة ميتشل” لشهر نيسان من العام 2001 التأكيد عليها.
شملت خطة وقف إطلاق النار ثلاثة محاور رئيسة؛ وهي: وضع حدٍ للعنف، وإعادة بناء الثقة بين الطرفين، واستئناف المفاوضات. غير أن عرفات بدا أنه غير راضٍ عن تفاهمات “تينت” و”ميتشل”، وإعلانه لوقف إطلاق النار دون حصد أي مكاسب من مناورته. كما وبدا وكأنه مجبرٌ على ذلك، بفعل الضغط الأمريكي عليه، لكنه رغم ذلك لم يرفضها، وكان يعتقد- كالعادة- بإمكانية الاستمرار بالمناورة لمواصلة عملية الضغط وكسر التعنت الصهيوني.
بناءً على “خطة تينت”، بدأ مبعوث وزير الخارجية الأمريكي “كولن باول” الجنرال “أنتوني زيني” بعقد اجتماعاتٍ أمنيةٍ ثلاثيةٍ مشتركةٍ[4] بهدف متابعة خطّة وقف إطلاق النار من خلال العمل على مستوياتٍ عدة، تتمثّل في تقليص الأحداث وخفض مستوى “العنف”، وتفكيك البنى التحتية لمنظمات المقاومة، والحدّ من أيّة قدرة تهديدية تمسّ المنظومة الصهيونية، وذلك من خلال السيطرة على مقدرات وسلاح المقاومة وتضييق الخناق على طرق تهريب السلاح إلى الأراضي الفلسطينية.
وعكست أجهزةُ السلطة الأمنية العملَ على تلك المستويات، عبر خطة عمل تضمنت خطوات عديدة، بدأتها بإرسال تهديدات إلى فصائل المقاومة الفلسطينية وبالتحديد حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتحذيرهم من المساس بالخطوط الحمر، متمثّلةً في “وحدانية السلطة”، والتقيد بوقف إطلاق النار، وعدم الإقدام على أي أعمال “عنف” ضدّ الكيان الصهيوني.
لم تكتفِ السلطة بإرسال التهديدات والتحذيرات، فأقدمت لاحقاً على شنّ حملة اعتقالات طالت صفوف القيادات السياسية والعسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وإغلاق العديد من المؤسسات التابعة لكلا التنظيمين، وخصوصاً الإعلامية منها، فضلاً عن السيطرة على المؤسسات التربوية والصحية والتعليمية ووضعها تحت سيطرة مؤسسات السلطة “صاحبة الاختصاص”.
طالت تلك السيطرةُ المساجدَ كذلك، إذ وُضِعت تحت إشراف وزارة الأوقاف، التي قامت عبر الشرطة بنزع كل الملصقات والمنشورات المحرضة على المقاومة عن جدران وبوابات المساجد. كما عملت السلطة على تجفيف مصادر التمويل للحركتين، إذ بدأت بمتابعة حركة التنظيمين المالية في البنوك وكل ما يصلهما من أموال عبر البنوك والمؤسسات المالية، إضافةً إلى ملاحقة تجار الصيرفة الذين يتعاملون مع التنظيمين ويجلبون الأموال لهما.
لم تتوقّف آليات ترجمة السيطرة عند ذاك الحد، بل طالت الإجراءات كذلك أذرع المقاومة، حيث عملت أجهزة أمن السلطة على الحدّ من ظاهرة إطلاق قذائف الهاون عبر إيقاف ورش عمل صناعة قذائف الهاون ومصادرة كل تلك القذائف وماكينات الصناعة. كما ركّزت جهودها الأمنية على متابعة وملاحقة أي شخص تشتبه باختصاصه في تلك المجالات، فيما أوكلت لقوات الأمن الوطني مهمة تفتيش الأماكن التي يتخذها المقاومون لإطلاق قذائف الهاون.
على الرغم من مثابرة السلطة في تضييق الخناق على فصائل المقاومة، إلا أن الكيان الصهيوني لم يلتزم بوقف إطلاق النار، بل واصلت أجهزتُه الأمنيةُ والعسكريةُ عملياتها واستهدافها لأهدفٍ فلسطينيةٍ، كانت من ضمنها أهدافٌ مدنيةٌ وأمنيةٌ تابعةٌ للسلطة.
وانتهج “شارون” سياسة الاغتيالات الفردية لقادة الفصائل الفلسطينية، لتدّل تلك السياسة على التوجه الصهيوني العازم لإنهاء الانتفاضة بالقوّة والقضاء على عرفات، سواء تمكّن الأخير من ضبط الأمور أو في حال استمر في المواجهة. بدوره، أدرك عرفات ذلك التوجه، وهو ما انعكس في توجهه على رفع وتيرة مناورته العسكرية من جهة، وخفض حدة الضغط على فصائل المقاومة من جهةٍ أخرى.
“كارين إيه”: مفترق الطرق وبداية النهاية
أدرك عرفات منذ بداية الانتفاضة أن ما لديه من سلاح لن يمكنه من المناورة عسكرياً بشكلٍ جيدٍ، وخصوصاً أمام قوة البطش الصهيونية في ردع الانتفاضة. كان الإمساك بملف التسليح يعني بالنسبة لياسر عرفات ورقةً إضافيةً للسيطرة على الانتفاضة ومسارها، وثقلاً خاصاً له على حساب الفصائل الأخرى المشاركة في الانتفاضة عسكرياً.
ما سبق دفع به إلى تأسيس شبكة تضم قيادات في الأجهزة الأمنية للسلطة، تتولى مهمة شراء السلاح من الخارج وإيصاله إلى الأراضي المحتلة. كَشفت حكومة الاحتلال عن أسماء عدد منهم بعد حادثة “كارين إيه”، واتهمتهم بعقد صفقات سلاح والتواصل مع إيران وحزب الله، وجلب السلاح وتهريبه إلى غزة،
كان على رأس تلك الشبكة كلٌّ من فؤاد الشوبكي [5]، وعادل المغربي المسؤول عن المشتريات في السلطة، وجمعة غالي قائد سلاح البحرية في السلطة، ومساعده فتحي عازم، بالإضافة إلى المسؤول المباشر عن شراء الأسلحة الضابط في سلاح البحرية عمر عكاوي، ومن خلفهم جميعاً يقف ياسر عرفات.
كانت بدايات الكشف عن جهود تهريب السلاح بالحادثة التي عُرِفت آنذاك باسم “حادثة البراميل”[6] والتي تلاها اغتيال كل من مسعود عياد[7] وجهاد أحمد جبريل. زعم الاحتلال حينها القضاء على خطّ تهريب السلاح الذي كان يديره الشهيدان، إضافةً للسيطرة على قارب الصيد “سنتوريني”[8] قبالة ساحل مدينة صيدا اللبنانية في السابع من أيار للعام 2000.
لم تقتصر علمياتُ التهريب على اتخاذ البحر طريقاً لها، بل كانت تتم كذلك عبر سيارات الشحن من الأردن ومصر والأراضي المحتلة عام 1948. وكان الكيان الصهيوني، وقبل أيام قليلة من سيطرة أجهزته على “كارين إيه”، ادعى سيطرته على شحنة “عبوات” وصلت من لبنان عن طريق الحدود السورية اللبنانية إلى هضبة الجولان، وكانت في طريقها إلى الأراضي الفلسطينية. ساهم انكشاف محاولات التهريب تلك إلى تكثيف الجهد الاستخباري الصهيوني ضدّ عمليات التهريب، ما جعل عرفات يتجه إلى خيار التصنيع المحلي[9].
تُظهِرُ جهودُ التهريب تلك أن “كارين إيه” لم تكن الجزء الوحيد في مساعي عرفات للحصول على سلاح، ولكنها كانت الجزء الأهم، كما تعكس نيةً حقيقيةً لدى عرفات في رفع مناورته العسكرية. خاصةً أنّ كل عمليات التهريب السابقة لسفينة “كارين إيه” كانت مقتصرةً على نوعيات من الأسلحة الخفيفة وبكمياتٍ محدودةٍ، إلى أن جاءت “كارين إيه” لتشكّل نقلةً حقيقيةً في نوع الأسلحة وكميتها؛ كان بإمكانها أن تفرض وقائعَ جديدةً على الأرض.
مثلما كان جلب تلك الشحنة تحوّلاً، فكان كشفُها والسيطرةُ عليها تحوَلاً هاماً كذلك، وخصوصاً أنها جاءت في وقتٍ كانت فيه الضغوطاتُ الدوليةُ والصهيونيةُ وحتى الفلسطينيةُ الداخليةُ في أقصى درجاتها على عرفات، فالرجل توترت علاقتُه مع الإدارة الأمريكية بعد فشل مباحثات “كامب ديفيد”، ومن ثم ازدادت سوءاً بعد أحداث 11 أيلول 2001، وإعلان الحرب الأمريكية على “الإرهاب”، ووضع عرفات في مصاف “المارقين – محور الشر” [10]، جاءت “كارين إيه” في ذلك الوقت لتثبّت الموقف الأمريكي والغربي من عرفات، وخصوصاً أن تعاونه في جلب السفينة كان مع إيران وحزب الله [11].
اعتبرت الإدارة الأمريكية، آنذاك، أن “كارين إيه” وجهود عرفات في جلب السلاح من الخارج، ما هي إلا نسفٌ لجهودها إزاء عملية السلام في الشرق الأوسط بشكلٍ عامٍ، وجهود الجنرال “أنتوني زيني”، مبعوث وزير الخارجية الأمريكي “كولن باول”، لوقف إطلاق النار بشكلٍ خاصٍّ. ووجّه حينها “جورج بوش” انتقاداتٍ حادةً لعرفات، واتهمه بقيادة الانتفاضة – “الإرهاب”، وطالبه بتهدئة الأوضاع من طرفه بدايةً، والإدلاء بتصريحات ترضي الرأي العام الأمريكي، وتطمئن الرأي العام الصهيوني.
كما بدأت موجة من المطالبات والاشتراطات الدولية بضرورة تغيير القيادة الراهنة، واستبدالها بقيادة جديدة ومختلفة. بالتزامن مع ذلك، مورست خلال هذه الفترة ضغوطاتٌ ماليةٌ على عرفات بدأت مع الضغط الأمريكي باتجاه تعيين سلام فياض وزيراً للمالية. كما حجز الاتحاد الأوروبي في حزيران 2002 على تمويل مخصص للسلطة لحين معرفة طرق استعماله.
بعدها بأيام، عُقِد مؤتمر “مجموعة الثمانية – G8” في كندا، مطالباً بضرورة إجراء إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية؛ تلك الإصلاحات تمثلت لاحقاً بإعداد خطة “المئة يوم”، التي تضمنت سلسلة من “الإصلاحات” التي تطال القطاعات العامة كافةً؛ وهي: الأمن الداخلي، والمالية، والقضاء، وغيرها من مؤسسات السلطة، إضافةً إلى توريد جميع إيرادات السلطة من الضرائب، والرسوم، وأرباحها من النشاطات التجارية والاستثمارية، والمساعدات الخارجية من منح وقروض دولية، إلى حساب خزينة واحد موحد يكون خاضعاً لنظام تدقيق صارم.
وبعد أيامٍ قليلةٍ من حادثة “كارين إيه”، وليخفّف عرفات من حدة الضغط الصهيوني والأمريكي عليه، كان من المفترض أن يعقد مروان البرغوثي مؤتمراً صحافياً مع ممثلي الصحافة الصهيونية لإرسال إشارات طمأنة إلى المجتمع الصهيوني. إلّا أن الكيان الصهيوني أقدم على اغتيال القيادي في كتائب شهداء الأقصى في مدينة طولكرم، رائد الكرمي. شكّلت عملية الاغتيال تلك نقطةً مفصليةً في سقوط وقف إطلاق النار من الجانب الفلسطيني، وإعادة إطلاق الانتفاضة من جديد. خرج البرغوثي في المؤتمر يومها ليقول “إن لم يكن هناك أمنٌ لسكان طولكرم، فلن يكون هناك أمنٌ لسكان تل أبيب، الهدنة ملغاة وشارون فتح على الإسرائيليين أبواب جهنم”.
وبالفعل، شهدت الشهور اللاحقة ارتفاعاً عالياً في وتيرة العمليات الفلسطينية، حتى وصل عدد القتلى الصهاينة في العمليات الفدائية خلال شهر آذار من العام 2002 ما يقارب من 133 قتيلاً، وهو ما لم يحدث من قبل أو من بعد حتى.
بالمقابل، استغلت حكومة “اليمين – المتطرفة”، بقيادة “شارون”، حادثة “كارين إيه” لتشويه صورة عرفات، ولإضعافه سياسياً. وشكّل العامل الدولي والتغيرات في مجرى الانتفاضة على الأرض بعد “كارين إيه” دافعاً لحكومة الاحتلال للإقدام على اجتياحٍ بريٍّ للضفة الغربية في عملية “السور الواقي”، وفرض حصار على عرفات في مقر إقامته في المقاطعة في رام الله.
بدورها، شكّلت”كارين إيه” رافعةً لصالح خصوم عرفات داخل السلطة، فحتى ما قبل “كارين إيه” كانت تتملك عرفات ثقةٌ بأنه يمتلك هامشاً للمناورة، وبأنّ الإدارة الأمريكية مستعدة لتحمّل بعض المناورات العسكرية منه، إلى أن جاءت “كارين إيه” لتشكّل لهم دليلًا لا يقبل الدحض أن عرفات لن يسير في المسار الذي رسموه له، وبالتالي حان وقت إنهائه واستبداله، ليكون وجود البديل وجهوزيته آنذاك نقطةً حاسمةً في قرار القضاء على عرفات.
الحديث هنا هو عن تيار “دحلان – عباس”، الذي بدأت بوادر تشكله في العام 1999، كانت مواقف التيار متعارضة مع عرفات، وكان طرفا التيار على خلافٍ حقيقيٍ مع عرفات من ناحية موقفهما من المقاومة وعسكرة الانتفاضة وعملية التسوية. بدأ هذا الخلاف يأخذ منحىً تصاعدياً، وبدأ كل من دحلان وعباس يزاحمان رئيس السلطة والمنظمة في صلاحياته واختصاصاته.
ودخلت السلطة في أزمة حول الاختصاصات الدستورية لرئيس السلطة من جهةٍ، وصلاحيات رئيس الوزراء من جهةٍ أخرى، ما اضطر عرفات تحت ضغطٍ أمريكيٍ، إلى إجراء تعديل جوهري في “القانون الأساسي الفلسطيني 2002″، وبعد عامٍ فقط من صدوره، تم استحداث منصبُ رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية، وتحويل صلاحياته وجميع الضوابط القانونية والسياسية الناظمة لعمله، وتوضيح شكل العلاقة التي تربطه برئيس السلطة والسلطة التشريعية، انتقص التعديل الذي أُجري من صلاحيات رئيس السلطة عرفات لصالح رئيس الوزراء، والذي شغل منصبه، آنذاك، محمود عباس.
في يوليو 2004، ازدادت حدّة الأمور بين قطبي السلطة حول المرسوم الرئاسي الذي أصدره عرفات، والقاضي بتوحيد الأجهزة الأمنية في ثلاثة إطارات رئيسية؛ وهي: وزارة الداخلية وتشمل الشرطة والأمن الوقائي والدفاع المدني والشؤون المدنية، والمخابرات العامة والمكلّفة بمتابعة العمل السياسي، والأمن العام وتنضوي تحته قوات الأمن الوطني والاستخبارات العسكرية، والتي أصرّ عرفات على الاحتفاظ بتبعيتها له، بالإضافة إلى ذلك، أجرى عرفات سلسلة من التعديلات طالت قيادات الأجهزة الأمنية [12].
لحقت قرارات عرفات السابقة موجةٌ من الاستقالات الاعتراضية، بدأت باستقالة رئيس الوزراء حينها أحمد قريع، وكل من أمين الهندي، ورشيد أبو شباك، وجمعة غالي. وكان يشغل ثلاثتهم مناصب رئيس المخابرات العامة، والأمن الوقائي، وسلاح البحرية، بالترتيب. بالتوازي مع ذلك، بدأت الهجمات على عرفات من قبل خصومه في السلطة والمنظمة، وخصوصاً من قبل دحلان، وغدا حينها عرفات بالنسبةً لهم بلا أي “رمزية قدسية” على حسب قولهم.
بعد “كارين إيه”، حجّمت العوامل الدولية والصهيونية وكذلك الفلسطينية الداخلية الضاغطة على عرفات من قدرته على تمويل وتسليح الانتفاضة. تُرجم ذلك على الأرض من خلال إجراءات رقابة مالية صارمة وتقويض لصلاحيات عرفات الأمنية، عدا عن الحصار الصهيوني المفروض عليه.
افتقد عرفات قدرته في السيطرة على مسار الانتفاضة وقدرته على ضبط إيقاعها وتنظيمها لصالح فصائل المقاومة المسلحة التي أخذت الانتفاضة لاحقاً لموقع آخر يتجاوز سقف مناورات (عرفات) السياسية والعسكرية، وهو الأمر الذي صاحبه تطورٌ أخذ منحىً تصاعدياً على مستوى جهود تهريب السلاح وتصنيعه.
عرفات: “صاحب شرعية الشرعيات”
قد يظهر للبعض أن مجمل السياسات المتبعة من قبل عرفات خلال الانتفاضة كانت غريبةً عنه، لكن تاريخياً هذا عرفات وهذه سياسته، مُحتكِرَاً للشرعية السياسية، وشرعية المقاومة كذلك. يرى عرفات في نفسه قدرةً كامنةً على المناورة بين الشرعيتين دون التخلي عن واحدةٍ منهما وتحت أي ظرفٍ كان، وذلك كان أحد أهم أسباب صراعه مع التنظيمات الفلسطينية الأخرى، وخصوصاً الإسلامية منها، فهي من جهة تنافسه على شرعية المقاومة، ومن جهةٍ أخرى تخرق سقف مناوراته السياسية.
ويمكن القول أن المواقف النقدية و”السلبية” المتنامية حينها ضدّ عرفات، تعود في أساسها إلى اعتبار عرفات المقاومةَ ما هي إلا مجرد أداة مناورة في يده يملك وحدَهُ شرعيتَها، فلم يكن عرفات يتوانى عن فعل ما يُرضي الإدارةَ الأمريكيةَ على مستوى قمع وملاحقة فصائل المقاومة الفلسطينية، في محاولته للاحتفاظ بقدرة ما على المناورة ببعض الأدوات العسكرية من جهةٍ، والانفراد بشرعية المقاومة من جهةٍ أخرى.
وما كانت عودةُ عرفات إلى الأراضي الفلسطينية عبر بوابة أوسلو في التسعينيات إلا عملية ترسيخ لتلك الشرعيات المتعددة التي بدأت مع انطلاق الانتفاضة الأولى، فالرجل المحمل بأوزار هزيمة الخروج من بيروت 1982، كاد أن يفقد شرعيته نتيجة دخول منظمته في حالةٍ من الغياب السياسي واهتزاز بنيتها على إثر الأزمة المالية التي عاشتها، خصوصاً بعد حرب الخليج، إضافةً إلى تزامن ذلك مع الانتفاضة الأولى في الأراضي المحتلة والصعود المتنامي للحركات الإسلامية.
وكان ثمن عودة عرفات إلى الأراضي المحتلة هو لعبه – وعبر بنى سلطته الناشئة- دور “المتعاون الأمني”، فعندما تُبدِّي مصالحك ومصالح بيروقراطيتك على مصلحة أبناء شعبك السياسية، وفي ظل طبيعة نظام سياسي صهيوني-داخلي يمتاز بطابع حكم غير مستقر، فمن الصعوبة بمكان توافق مختلف الأحزاب والتيارات داخله على دفع استحقاقات سياسية ضمن عمليةِ تسويةٍ، خصوصاً في ظل اختلال موازين القوى. حينها لن يطول بك الأمر وأنت ترى نفسك تقدّمُ التنازلَ تلو التنازل؛ طوعاً وكرهاً.
هكذا وجد عرفات سقفَهُ السياسيّ يهوي على رأسه، ولجأ لتفعيل خيار المقاومة ومراكمة رصيدٍ من “العنف”، ومفاوضة “إسرائيل” على ذلك الرصيد، وبأي هدف؟ بهدف وضعها أمام التزامات “أوسلو” واستعادة مسار التسوية بطريقة تلائمه أكثر من نموذج “باراك” الذي حشره بالزاوية، أو نموذج “شارون” لتأديبه والقضاء عليه.
———————————
الهوامش:
[1] كارثة الشييطت: المصطلح الذي أطلق على أكبر إخفاق عملياتي منيت به وحدة الكوماندوس البحرية والمعروفة صهيونياً باسم “السرية 13 – شييطت 13″، وذلك إثر “عملية أنصارية”، الكمين الذي نفذه مقاومو “حزب الله” في الليلة الواقعة بين يومي 4-5 سبتمبر من العام 1997، وقتل فيه 11 جندياً وضابطاً صهيونياً من مقاتلي السرية، بالإضافة إلى أحد جنود فرقة الإنقاذ.
[2] المغنية: الاسم الذي أطلقته الاستخبارات الصهيونية على السفينة “كارين إيه” خلال عملية رصدها ومتابعتها.
[3] عمر العكاوي: حكمت عليه محكمة قوة الاحتلال بالسجن الفعلي لمدة 25 عاماً فيما حكم على كل من رياض عبد الله مهندس بالبحرية، أحمد عبد الهادي خريس ضابط ملاح بالبحرية، بالسجن الفعلي لمدة 17 عاماً، فيما تم الإفراج عن اللبناني سالم السنكري في صفقة تبادل الاسرى بين قوة الاحتلال و”حزب الله”.
[4] كان يشارك في تلك الاجتماعات من الجانب الفلسطيني كل من محمد دحلان وأمين الهندي وعبد الرازق المجايدة، فيما يشارك من الجانب الصهيوني كل من “آفي ديختر” و”غيورا آيلاند”.
[5] فؤاد الشوبكي: مدير الإدارة المالية العسكرية في السلطة الفلسطينية، وكان برتبة عميد، اتهمته قوة الاحتلال بشراء الأسلحة التي وجدت على متن “كارين إيه”، وبعقده لقاءات سرية مع أشخاص من الحكومة الإيرانية وبزيارة العراق سراً كذلك بغرض عقد صفقات أسلحة، واحتجزت السلطة الشوبكي في سجن أريحا على خلفية قضية “كارين إيه”، واعتقلته قوة الاحتلال بعد اقتحامها لسجن لأريحا في آذار 2006، وحكمت عليه لاحقاً بالسجن لمدة 20 عاماً.
[6] حادثة البراميل: في أواسط العام 2001، استيقظ أهل غزة على إطلاق نار من الزوارق الصهيونية قبالة شواطئ قطاع غزة، كانت تلاحق قوارب للبحرية الفلسطينية، التي كانت تلتقط عدداً كبيراً من البراميل، ونجت بالخروج بعدد منها إلى البر، وبعضها طفا على سطح البحر، هذه “البراميل” كانت محملة بأسلحة خفيفة.
[7] مسعود عياد: ضابط -من غزة-برتبة رائد في قوات أمن الرئاسة ال17، وكان ذا صلة بجهاد أحمد جبريل في لبنان، حيث كان الاثنان يديران خطاً لتهريب السلاح عبر البحر من لبنان إلى فلسطين.
[8] سنتوريني: سيطرت قوة الاحتلال على قارب صيد محمل بعتادٍ عسكري، قادم من سواحل لبنان وفي طريقه للوصول إلى سواحل غزة، كان على متنه صيادان لبنانيان، ويُعتبر طرف الخيط الذي أوصل للشبكة التي كانت وراء عمليات تهريب السلاح، التي كان من ضمنها “كارين إيه”.
[9] حتى بعد سفينة “كارين إيه” لم تتوقف عمليات التهريب، ففي أواخر أيار من العام 2003 أعلنت قوة الاحتلال عن اعتراضها لقارب الصيد “أبو حسن”، الذي كان محملًا بأسلحة في طريقها إلى قطاع غزة، واعتقلت من على متنه عدة أشخاص، أحدهم لبناني الجنسية وهو حماد أبو عمارة.
[10] محور الشر: مصطلح ذكر لأول مرة على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه السنوي أمام “الكونغرس الأمريكي” بتاريخ 29 يناير 2002، وكان يرمي به إلى كل من إيران، العراق، وكوريا الشمالية.
[11] اتهمت أجهزة أمن الاحتلال آنذاك “حزب الله” وتحديداً الشهيد عماد مغنية بمساعدة عرفات في إتمام الصفقة وتولي مهمة تجهيز الأسلحة وشحنها، وإرسال أحد عناصر الحزب ليرافق طاقم السفينة. وكانت السياسة الإيرانية في دعم الفصائل الفلسطينية تسلك اتجاهين، الأول، دعم القوة والفصيل القادر عسكرياً والأكثر قابلية على إنجاز العمل بشكلٍ سريعٍ، ذلك الفصيل كان حينها “كتائب شهداء الأقصى”، فيما الاتجاه الثاني يكون بالاستثمار مع قوة متماهية مع المشروع طويل المدى، وذلك على منوال علاقتهم مع حركة “الجهاد الإسلامي” وحركة “الصابرين” مؤخراً. وحتى الجناح الأقرب لإيران في الأراضي الفلسطينية، الجهاد الإسلامي، جنّد ضباط من المخابرات والاستخبارات الفلسطينية، وشكلوا هؤلاء “سرايا القدس” الجناح العسكري الجديد للجهاد الإسلامي، على حساب النشطاء التاريخيين “قسم: القوى الإسلامية المجاهدة”، الذين ألحقوا لاحقاً بسرايا القدس.
[12] كانت أبرز تلك التعديلات تعيين صائب العاجز بدلاً من غازي الجبالي قائداً للشرطة الفلسطينية في قطاع غزة، وتعيين قائد الاستخبارات العسكرية موسى عرفات أيضاً كقائد لقوات الأمن الوطني، ليحلّ محل عبد الرازق المجايدة.