في رادار لشهر أيار الفائت، انتقينا لكم خمس قراءاتٍ تتناول معركة سيف القدس والهبة الشعبية الفلسطينية، بمشاركة الفلسطينيّين في مختلف أمكان تواجدهم، في صورة ملحمية أعادت أمل التحرير وخيار المقاومة إلى الواجهة. إعداد عبد الله سامي أبو لوز. 

 

في رادار لشهر أيار الفائت، انتقينا لكم أربع قراءاتٍ تتناول معركة سيف القدس والهبة الشعبية الفلسطينية، بمشاركة الفلسطينيّين في مختلف أماكن تواجدهم، في صورة ملحمية أعادت أمل التحرير وخيار المقاومة إلى الواجهة، وأحبطت مخططات التطبيع التي سادت في المنطقة. 

نستهل حديثنا بمقال “زمن الوصل: سيف القدس يجترح الأفق الجديد” للكاتبين دعاء علي وشاكر جرار، ثم نُعرّج على مقال بشار اللقيس، والذي جاء بعنوان “من جيش الشعب إلى الجيش الشعبوي”، وصولاً لمقال “بقية السيف” لعامر محسن، ونختتم بمقال ايمان حسين، “هزيمة إسرائيل أمام السردية الفلسطينية”.

زمان الوصل: «سيف القدس» يجترح الأفق الجديد

يستلهم الكاتبان شاكر جرار ودعاء علي في عنوان مقالتهما على “حبر” رثاء لسان الدين محمد بن عبدالله بن الخطيب للأندلس، ويتجاوزانه في نفس الوقت. إذ وظفا عبارة “زمان الوصل” التي ترمز للوقوف على الأطلال، والبكاء على الأيام الحِسان، في استهلال لحظةٍ زمانية تتجاوز حالة العجز التي أصابت المنطقة في مواجهة مشروع التسوية والتطبيع المتواطئ عضوياً مع المشروع الاستعماري الصهيوني. 

يحكي المقال عن التكثيف الزماني الذي اجترحته المقاومة في معركة سيف القدس، وأحيت به السردية الوطنية على المستوى الوطني والعالمي، بمشاركة الفلسطينيين في الداخل المحتل وغزة والضفة الغربية والشتات. إضافة إلى تحقيقها نصراً على مستوى الرأي العام الشعبي الغربي، لقد أعادت المقاومة حلم التحرّر إلى الواجهة، وربطت ما بين زمنين فصلت بينهما مرحلة “أوسلو”، التي أثبتت فشلها كخيار، يطمر مؤيديه رؤوسهم في الأرض، متعامين عن حقيقة المشروع الصهيوني القائمة على إحلال شعبٍ مكان آخر بالقوة. 

أشار الكاتبان إلى المحاولات الفورية التي نفذها المتواطئون في مشروع التسوية للالتفاف على إنجازات المعركة. شعر هؤلاء بتهديد وجودي حقيقي، ولا غرابة في ذلك، فهم امتداد لمشروع “أوباما” في فرض السلطة على الشعب الفلسطيني، واللعب على تناقضات الداخل الفلسطيني، وتقوية طرف منتفع، على حساب آخر نِد. أيضاً، يتحدث المقال عن انبثاق أفُقِ مشروعٍ مناقض يعبّر عن خيار الشعب الفلسطيني الأصيل، وشعوب المنطقة كافة، في المقاومة والتحرّر من أسر الاستعمار، تكون فيه المقاومة المسلّحة في المنطقة رأسَ حربةٍ تلتف حولها المواجهة الشعبية. وأنّ هذا الخيار هو الأنجع والأقل تكلفة، مقارنةً بمسار التواطؤ والهوان التطبيعيّ. يحمل الأفق المنبثق بفضل تطور قدرات المقاومة فرصةً ذهبيّةً بتغيير قواعد اللعبة وشلّ وتفكيك العدو المستعمِر إذا ما اندلعت أيّ موجهة عسكرية جديدة. 

يختتم كاتبا المقال بالحديث عن وجوب استحداث مظلّة سياسة جامعة تضمّ جميع أطراف المكوّن الفلسطيني في الداخل والشتات. يُعاد تعريف القضية الفلسطينية من خلالها من جديد، بوصفها مشروع تحررٍ وطني. وتتجاوز المظلّة أوهام إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية. وتؤسس لواقع جديد، تُحرّر فيه الأرض وتُفكك المستعمَرة، وتتحقّق عودة اللاجئين، وتُحفظ فيه حقوق الناس كافة بغض النظر عن دينهم أو عرقهم.

للقراءة، من هنا

من جيش الشعب إلى الجيش الشعبوي

في مقاله المنشور في “الخندق“، يحاول بشار اللقيس تتبع مظاهر التحولات الجذرية في هوية الجيش الصهيوني، راصداً التغير في بنية القواعد التعبئة الاجتماعية والبيئات التي يخرج منها الجنود والضباط الصهاينة. إذ ازداد الحضور الديني الصهيوني ذو الطابع المسيحاني، وهذا ما لوحظ في التبدل في الحقل المعرفي الصهيوني المختص بدراسة “الجيش الإسرائيلي”. إذ شهد الحقل انتقال من دراسة علاقة الجيش بالمؤسسة السياسة المدنية إلى علاقة الجيش بالمجموعات الدينية، بما يشي بتحولٍ جذري في مصادر الجيش الاجتماعية. وتُعزى أسباب التحول إلى تغيرٍ في رؤية النخب القديمة من “الأحوساليم” (وهم الأشكنازيين العلمانيين) للخدمة العسكرية، فغدا الجيش مكاناً للحراك الاجتماعي الاقتصادي، ومدخلاً للحياة المدنية، فارتفعت قيمة الوحدات التكنولوجية مقابل الوحدات القتالية. وانعكس التحول في صورة تراجعٍ في نسب الاستعداد لانخراط الضباط في الوحدات القتالية من 33% إلى 23% خلال ثلاث سنوات (2013-2016). تسبب التحول في تغير في تركيبة المجندين في “الجيش الاسرائيلي” من علمانية إلى صهيونية دينية. 

وينبه الكاتب إلى الدور الكبير الذي لعبته المدارس الدينية العكسرية التابعة للصهيونية الدينية في هذا التحول، إذ شكلت حلقة وصل بين الشبان المتدينين الذين يرون أنّ تعليم التوراة قيمة عليا في حياتهم، وبين الجيش، كقيمة قومية – دينية. ويتناول الكاتب أيضاً، التوجهات الأدبية السوسيولوجية حول حضور الدين وأبناء الصهيونية خصوصاً في المؤسسة العسكرية، بسبب التغيرات الديموغرافية في القواعد الشعبية المغذية للجيش الصهيوني، ويلخصها في ثلاثة توجهات، التوجه الأول يعقلن التحول، ويرى أن التيار الديني القومي يريد توسيع نفوذه وفرض أجندته على المؤسسة العكسرية.  أما التوجه الثاني فيرى التحول نابع من تحولات أيدولوجية داخل التيار القومي نفسه أيدولوجياً وثيولوجياً. فيما يرى التوجه الثالث في التحول الديني في الجيش صيرورة طبيعية بدأت منذ عام 1967، وكانت جزءاً من عملية أوسع تم فيها تديين الصهيونية والدولة، إضافة إلى تحولات في المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني. 

لا يعتبر المجتمع الصهيوني التديّن، بما يشمل المؤسسة العسكرية، ظاهرة سلبية، بل يرى فيها تعبيراً عن جوهر الهوية والتراث اليهوديين. إذ ترى الصهيونية الدينية احتلال عام 1967 لب عملية الخلاص والدولة، والجيش يقع في قلب علمية الخلاص، بصفته محافظاًً على الأرض والاستيطان. وهكذا نرى طبيعية تفسير الاحتلال والاستيطان من خلال خطاب ديني يطغى عليه الطابع المسيحاني. ومن هنا، أرادت نخب مشروع 1948 تكريس مشروعها من خلال شرعنته إقليمياً، واعتبرت الاحتلال عام 1967 جزءاً من خدمة مشروع 1948 وليس بداية مشروع جديد. 

يشير بشار إلى صدعٍ  حقيقي في مصدر شرعية الجيش الصهيوني ومصدر إلهام أفراده بعد محاكمة أزاريا في أيار 2016، فقد ظهر جلياً ازدياد البعد الميليشياوي في الجيش الصهيوني، فتطور من كونه جيش الشعب إلى ما يسمى بالطابع الشعبوي للجيش. أخيراً، يختتم المقال بالحديث عن التضاد الفكري بين تيار ما بعد الحداثة بين المجتمع اليهودي والمؤسسة العسكرية من جهة، والصهيونية الدينية، من جهةٍ أخرى. فترى الصهيونية الدينية الرؤية القائمة في المؤسسة العسكرية على مواثيق الحرب الدولية والاعتماد على التكنولوجيا وإبعاد الجنود عن أرض المعركة بأكبر قدر، نقاط ضعفٍ يجب التخلص منها.

للقراءة، من هنا

بقية السيف

 يتحدث عامر محسن، في مقاله على “الأخبار“، في الممكن الذي بدا مستحيلاً متمنعاً، وغدا لائحاً في الأفق. يبدأ مقالته بحديثه عن ذكرياته في “متحف المقاومة في جنوب لبنان” فيستعيد ذكريات كان الأفق فيها مغلقاً بإحكام، يحاصر فيه العدو الصهيوني كل ممكناتنا. حتى أصبح الجندي الصهيوني في وعي جيل اجتياح الـ82 “سوبرمان” لا قِبل لأحدٍ بمواهجته. ورغم الانسداد الخانق الذي أحاط بكل أمالنا، تحرّر الجنوب كاملًا. بهذه المقدمة يمهّد محسن حديثه ليؤكد على احتمالية الممكن وواقعيته، ويتحدث البدايات النخبوية للمقاومة، وكيف كانت محاصرة تهدم المستحيل بسواعد متأهبة، ونفوسٍ مقبلة على الموت. 

بعد التحرير ينسب الجميع للمنتصر، الذي اختبأ في الجبال والأودية وقاتل واستشهد من أجل البلاد، ويبني الكثير من أبناء الطبقة المتوسطة حياته ويشق طريقه. لقد حمل هؤلاء بقية السيف في زمن تكالبت علينا فيه الأمم، وانتفت عنه القدسية، وانقطع الخيط الرابط بين الأرض والسماء. يجترح الكاتب بتحرير الجنوب اللبناني سردية تجعل من غزة نقطة انطلاقٍ لتحرير المنطقة كلها. ويضع بطانة تاريخية تشرح فرادتها الجغرافية وصمودها التاريخي وبسالتها العسكرية، في وجه الاستعمار البريطاني عام 1917 الذي كبدت فيه القوى العسكرية البريطانية نصف قوتها الهجومية وكسرت هجومها في موقعتين.

 ثم يربط محسن بين الماضي والحاضر، فيرى الحاضر امتداداً للماضي، وأن الظروف التي طورت فيها المقاومة في غزة أصعب وأشدّ تعقيداً بكثير من ظروف لبنان 2006، والعراق واليمن، راكمت الخبرات والمعرفة بشكلٍ لا رجعة فيه، وبتضحيات جسيمة، وراعت فيه خصوصيتها السياسية والجغرافية والاقتصادية في غزة. ثمّ يستكمل حديثه بتوصيف تكتيكات العقاب الجماعي اليهودية، التي تستهدف المدنيين بشكل أساس بهدف وضعهم في حالة من الرعب المتواصل والحصار والمراقبة.

 يرى الكاتب أن تحرير فلسطين يأتي من خلال مسارٍ تراكمي تصبح فيه تكاليف الحروب المستمرة العنيفة على “اسرائيل” مستحيلة، حين تصبح المقاومة محاطة بمنظّماتٍ صلبةٍ ومتشابكة، وتصبح عشرة أو عشرين ألف صاروخٍ دقيقٍ مصوّب على “اسرائيل”، حينها سيكون على الصهاينة الاختيار بين تفكيك دولتهم أو زوالها بالقوّة. ويختتم مقاله بتسطير حقيقة صريحة، أن الفلسطينيين كانوا مستعدين للتضحية والاحتمال أكثر من الجميع، وأن غزة كانت ولا تزال، “عاصمة فلسطين” على مدى سنواتٍ طويلة.

للقراءة، من هنا

هزيمة “إسرائيل” أمام السردية الفلسطينية

بعدما ساد انطباع بفقدان القضية الفلسطينية لمركزيتها على المستوى الإقليمي والعالمي. تتحدث إيمان حسين، في مقالها المنشور على منصة “ثمانية“، عن التغير الحديث في السردية الفلسطينية، وأثره في نقل القضية من النطاق الإقليمي والديني إلى الإنساني العالمي، وإعادتها إلى الواجهة مرة أخرى. إذ استطاعت هذه السردية ربط النضال الفلسطيني بالنضالات الأخرى، وخرق التصور السائد حول القضية الفلسطينية.

تسلط الكاتبة الضوء على الطبيعة الجوهرية العنصرية للمجتمع الصهيوني. إذ استطاع “نتنياهو” خلال السنوات الأخيرة أن يصور الفلسطينيين داخل “إسرائيل” على أنهم «طابور خامس» وخطرٌ ديموغرافيّ، ما يدحض الصورة التي تحاول “إسرائيل” رسمها على أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. وتشير الكاتبة إلى التزامن ما بين الهبة الشعبية الأخيرة مع الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة التي أوضحت مدى تشابه التطهير العرقي في حي الشيخ جراح مع النكبة وما تلاها من تطهير عرقي لمدن وقرى فلسطينية في العقود الماضية.

وبهذا، تجلت حقيقة ارتباط خسارة الفلسطينيين لأراضيهم بقيام دولة الكيان. وازداد الجلاء بحرب “إسرائيل” على الصحافة والإعلام خلال الحرب الأخيرة، إذ تفجيرها برج يحوي مكاتب إعلامية منها مكتب “أسوشيتيد برس” في غزة حَادت بوصلة الإعلام العالمي عن “إسرائيل”، فتزايد انتقادها للانتهاكات “الإسرائيلية”، ولذلك أصبحت الحرب الإعلامية مائلة لصالح الفلسطينيين. من هنا، سعت “إسرائيل” إلى طمس الوجود الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب الدعم الكبير الذي حظيت به القضية، إذ عقد وزير الجيش الصهيوني “بيني غانتس”، اجتماعاً على منصة “زوم” مع المديرين التنفيذيين لموقعي “فيس بوك” و”تيك توك” في منتصف أيّار، وحثهم على محاربة المحتوى الفلسطيني وإزالته بشكل استباقي.

كما حاولت بعض جيوب الضغط “الإسرائيلية” في الغرب تشغيل بطاقة اللاسامية لكبح الانتقادات الموجهة “لإسرائيل”. لكنّ ممارسات الكيان الصهيوني التضليلية للإعلام، والتي ظهرت بوضوح بمحاولة خداع فصائل المقاومة الفلسطينية للزحف نحو شبكة الأنفاق لقصفها وتدميرها، زادت في ميل الكفة لصالح القضية الفلسطينية، وحثت وسائل الإعلام الغربية على الاستعانة بأصوات فلسطينية من داخل وخارج غزة لنقل أحداث الحرب على القطاع، والانتهاكات في القدس. وقد ساهم هذا التغيّر، مع ما كان يجري على الأرض، في تشكيل وعي جديد للقضية الفلسطينية أثَّر على تناول وسائل الإعلام للأحداث. ولذلك، أصبحت السردية اليوم في يد أصحاب القضية، لا في يد المحتلّ وأعوانه.

للقراءة، من هنا