لن أقول لك ما الذي يجعلنا باسلاً أكثر أو باسلاً أقل؛ فلعلّك تعرفه .. لكنّ ما يشغلني حقّاً هو ما يميّز باسل .. ما يجعل باسل باسلنا؟

صديقي، لماذا نحبّ باسل؟

 

يراودني هذا السؤال كلّما رأيتُ صورته .. وأحياناً يكون السؤال: لمَ نتشدق بباسل؟!

 

سأقول لك .. نحن نحبّ باسل لأنه منّا وفينا..

 

 

كان باسل يفكّر فيما نفكّر فيه، ويقرأ ما نقرأه، ويكتب كثيراً كما نكتب ..

باسل .. يمنحنا الاطمئنان بأنّنا على حقٍّ

وباسل .. يذكّرنا بقضايانا التي لم نتنكّر لها .. وأنّه لا يزال هناك سبيلٌ إليها .. وأنّ عاقبتها رُشدٌ.

وباسل .. يمثّل تحدّينا لأنفسنا عندما نشكّ في تحدّينا للعالم

لذلك باسلٌ فينا، بداخلنا باسلٌ يزيد وينقص .. يثور ويهدأ .. يقوى ويضعف .. ويفكّر ويفكّر،

لن أقول لك ما الذي يجعلنا باسلاََ أكثر أو باسلاََ أقل؛ فلعلّك تعرفه .. لكنّ ما يشغلني حقّاً هو ما يميّز باسل .. ما يجعل باسل باسلنا؟

ما يميّز باسل ليس كونه مثقفاً فذّاً، فمن المثقفين من هو أوسع ثقافةً منه وأكثر اطّلاعاً .. ولم يكُن صاحب مشروعٍ لم يسبق له مثيل. وكانت نشاطاته من صنف ما كان في مداره، وكان مؤهَّلاً لأن يكون كلّ ذلك: مثقفاً، ناشطاً، قائد كشافةٍ .. وكذلك لم تكُن قضية باسل بالجديدة.

ما كان يميّز باسل حقّاً .. هو صدقه وإخلاصه لما أسماه رفاقه “عشقه” لـمّا رأوا أنّ العشق وحده يفسّر ما كان يفعله باسل ..

لا أرى الحب كافياً وافياً لتفسير كلّ شيء.. صدّقني كان باسل مُخلِصاً لـ”ورطته”. نعم، كان باسل متورّطاً .. لكنّه لم يتهرّب من ورطتِه .. ولم يخادع نفسه بشأنها .. وطوّر أسلوباً في التعامل مع هذه الورطة التي لم يستطِع منها فِكاكاً .. فرأى فيها جمالياتٍ ليس بمقدور من كان كلّ همّه التخلّص من الورطة أن يراها ..

لقد “ورّط” نفسه في قضيته كما تورّط في فلسطينيّته،

وكلّما ثَقُلت الورطة، كان الحلّ في الاندماج بها أكثر والتوغّل فيها أعمق ..

وهذا حلّ من كان التحرّر قدرَه .. وكان آخر ما “ورّط” نفسه فيه استشهاده ..

كان باسل واعياً بموقفه ولم يرغب إلّا في زيادة جلاء رؤيته .. أيرغب في أن يكون “عاديّاً” يحيا مبسوطاً كما يريد الناس، وهو المختلف بنفسه وعلمه!

كان يرغب في أن يتّسق مع ذاته .. فأورثه هذا ذاتاً جديدةً صاغها بروحه وإرادته وورطته!

ولأنّ باسل منّا .. فهو لم يُولد صادقاً ولا مخلصاً هكذا .. بل تطلّب كثيراً من العناء والمشقّة والمجاهدة .. هو يقول ذلك في أواخر ما كتب إلى “عزيزه”: “لكي تكون حقّاً ثائراً صادقاً عليك أن تبذل الجهد..” [1] هذا أكثر ما في باسل من فتنة، أن تكون باسلاً هي مسألة جهدٍ لا معجزة.

بذل باسل جهداً ليكون باسل .. تنازل عن قناعاتٍ وأفكار قديمةٍ وراسخة، واطمأنّ إلى أفكارٍ أخرى بعضها قديمٌ وراسخ .. تخلّى عمّا يفتّ في قضيته وما يُوهن منها .. أو يكسر اتّساقه مع ذاته الآخذة في التشكّل .. ولم يتخلَّ عن أسئلته ..

لم يكُن يعلم أنّ التحرّر مسلكٌ مليءٌ بالريبة، ولـمّا علِم استعان على ذلك بالعزيمة.. وعلِم أنّ الحرّ لا يحصل على كلّ شيء .. بل لا يجب أن يريد كلّ شيءٍ، فتخلّى عن حياةٍ كالحياة وجاهد ولم يعانق إلّا الحرية .. والحقيقة.

يذكّرنا باسل بتساميه –لا كماله- عندما يكتب عن أفكاره ..

وبتسامينا عندما نذكره ونذكر قضايانا ..

هذا التسامي ما يجعل لوجودنا معنى ..

ما يرفعنا لنلامس أطراف ملائكةٍ تارةً .. وحلماً تارةً أخرى.. فكرةً .. أو صورةً .. أو ربما إجابةً كتلك التي تلقّاها!

*****

[1] وجدتُ أجوبتي: هكذا تكلّم الشهيد باسل الأعرج (2018)، القدس: دار رئبال. ص 321.