ملخّص

تناقش هذه الورقة أثر عمليّات المقاومة التي تستهدف قطاعات جيش الاحتلال العسكريّة في محور «نتساريم»، بالتركيز على قدرة الاحتلال على الصمود فيه وتحويله إلى منطقة عسكريّة بشكل دائم، وعلى قدرة المقاومة على استنزافه فيها وطرده منها؛ أي تحويله إلى عبء استراتيجيّ، وانعكاسات المعركة الدائرة هناك على المسار التفاوضيّ.

تخلُص الورقة إلى أنّ تموضع قوّات الاحتلال في هذا المحور يعرّضها إلى حالة استنزاف ويحمّلها كلفة لا تستطيع قيادة الكيان احتمالها، مرجّحةً انسحاب الاحتلال من المحور عند أيّ اتفاق سياسيّ مع المقاومة.

مقدّمة

تنصّ العقيدة العسكريّة لدولة الكيان على ما يسمّى بالاحتلال من أجل تقليص خطر العدوّ، والقصد من ذلك أنّ تحقيق غايات الأمن والردع يتطلّب الاعتماد على استراتيجيّة مركزيّة، وهي احتلال أرض العدوّ والاستحواذ عليها. ويؤمن الجيش «الإسرائيليّ» بضرورة وجود «عمق استراتيجيّ» لضمان الأمن، وهو مفهوم يعني ضرورة السيطرة على أراضٍ خارج الحدود المباشرة لحماية الجبهة الداخليّة ومنع الهجمات، الأمر الذي تجلّى واضحاً في مسألة احتلال محور «نتساريم» في معركة طوفان الأقصى التي تعتبر أكبر المعارك في تاريخ الصراع الفلسطينيّ-«الإسرائيليّ». حيث سعى العدوّ من خلال احتلال المحور إلى حسم صراعه مع المقاومة، أو استعادة الردع -بالحدّ الأدنى- عبر خلق واقع أمنيّ وعسكريّ جديد في القطاع.

الجغرافيا والاحتلال الأوّل (2005-1971)

محور «نتساريم» هو الاسم «الإسرائيليّ» لمنطقة احتلّت سابقاً في وسط قطاع غزّة (ما بين مدينة غزّة والمحافظة الوسطى) وأقيمت عليها مستوطنة «نتساريم» عام 1972، والتي أُخليت يوم 15 أغسطس(آب) 2005 بأمرٍ من رئيس الوزراء «الإسرائيليّ» الأسبق «أرئيل شارون»، ضمن ما يُعرف بخطّة فكّ الارتباط، وقد شهدت نهاية الوجود «الإسرائيليّ» في قطاع غزّة بخروج آخر جنديّ «إسرائيليّ» من بوابة «كيسوفيم» في الثاني عشر من سبتمبر(أيلول) 2005.

لا يعتبر محور «نتساريم» جديداً في قطاع غزّة، بل كان ضمن خطّة الأصابع الخمسة التي قدّمها رئيس الوزراء «الإسرائيليّ» السابق «أرييل شارون» عام 1971 عندما كان قائداً للمنطقة الجنوبيّة. حيث أنشأ الجيش «الإسرائيليّ»، إثر هزيمة 1967 واحتلال قطاع غزّة، خمسة ارتكازات في القطاع للسيطرة على محاوره، واحد منها قديم وأربعة منها مستحدثة، وتهدف إلى تسهيل السيطرة الأمنيّة والعمليّاتيّة على القطاع.

جدّد «شارون» في حينه مستوطنة «كفار داروم» المنشأة منذ العام 1946 قبل النكبة، وأنشأ أربعة ارتكازات جديدة وهي؛ «إيرز» شمال القطاع، و«نتساريم» جنوب مدينة غزّة ووسط القطاع، و«كفار داروم» شرق دير البلح، و«نيتسر حزاني» شمال خانيونس و «موراج» شمال رفح.

تطوّرت هذه الارتكازات العسكريّة فيما بعد إلى مستوطنات، وقسّمت المنطقة جغرافيّاً إلى خمس كتل استيطانيّة كما يلي:

  • المنطقة الشماليّة: والتي ضمّت ثلاث مستوطنات في بيت حانون وهي «نيسانيت» و«دوغيت» و«إيلي سيناي»، وتعتبر امتداداً لمنطقة عسقلان المحتلّة عام 1948.
  • ممرّ «نتساريم» أيّ المنطقة بين مدينتي غزّة ودير البلح: وهي نفس المنطقة التي يشقّها طريق 749 الذي أنشأه الاحتلال بداية العام 2024.
  • ممرّ «كيسوفيم»: الفاصل بين دير البلح وخان يونس، والذي بنيت مستوطناته على الجانب الغربيّ فقط وهي تجمّعات شمال «غوش قطيف» و«كفار داروم»، ويشكّل الطريق الوحيد المؤدّي إلى «غوش قطيف».
  • ممرّ «صوفا»: الذي يقع بين خان يونس ورفح.
  • «ياميت»: وهي مستوطنة محاذية لحدود رفح مع مصر قبل عام 1982، وبجوارها حوالي خمسة عشر مستوطنة أخرى أُخليت جميعها عقب اتفاقية «كامب ديفيد» بين مصر و«إسرائيل»، والتي عرفت لاحقاً بمحور «فيلادلفيا».

يقع ممرّ «نتساريم» (المحور الأوسط) ما بين مدينة غزّة والمحافظة الوسطى، حيث يبدأ من المنطقة المقابلة لكيبوتس «بئيري» شرقاً، وصولاً إلى ساحل البحر الأبيض المتوسّط غرباً، ويبلغ طوله حوالي ثماني كيلومترات، وتجاوره منطقتا جحر الديك والمغراقة، ويقطعه شارع صلاح الدين من المنتصف، وتحدّه مدينتا الزهراء والأسرى من جنوبه الأوسط وجنوبه الغربيّ، كما يشغل حيّ الزيتون المساحة الأكبر من حدوده الشماليّة، أمّا الجهة الشماليّة الغربيّة فتجاوره منها منطقتا الصبرة والشيخ عجلين.

أمّا على صعيد الحدود العسكريّة، فيقع محور «نتساريم» بين لواءي غزّة والوسطى، وتحيط به أربع كتائب مدافعة للمقاومة، حيث تحدّه من القاطع الشماليّ-الغربيّ كتيبة تلّ الهوا، ومن القاطع الشماليّ-الشرقيّ كتيبة الزيتون، ومن القاطع الجنوبيّ-الغربيّ كتيبة النصيرات، ومن القاطع الجنوبيّ-الشرقيّ كتيبة البريج.

استراتيجيّة المقاومة في محور «نتساريم» خلال انتفاضة الأقصى

تمثّلت استراتيجيّة المقاومة في انتفاضة الأقصى (2000 – 2005) في بناء نواةٍ عسكريّة صلبة بغيّة تحرير قطاع غزّة من الوجود «الإسرائيليّ»؛ من مستوطناتٍ ومواقعَ عسكريّة. لتحقيق ذلك، استهدفت المقاومة هذه المواقع العسكريّة والمستوطنات متّبعةً في ذلك عدّة تكتيكات منها؛ عمليّات الإغارة والاقتحام، واستهداف هذه المواقع بقذائف الهاون والصواريخ محلّية الصنع، وعمليّات التفجير عبر الأنفاق. كما استهدفت المقاومة الحواجز وقوّات العدوّ على الطرق المؤدّية إلى المستوطنات ومواقع جيش الاحتلال. وكانت أبرز تلك العمليّات في محور «نتساريم»:

  • تفجير أوّل دبّابة «ميركافا» عام 2001.
  • تفجير الاستشهاديّ حسين أبو نصر شاحنة مفخّخة على طريق «نتساريم»، فجر الجمعة يوم الخامس والعشرين من مايو (أيار) عام 2001.
  • محاولة اقتحام مستوطنة «نتساريم» بتاريخ 11 مارس (آذار) عام 2002، حيث اشتبك مقاتلو القسّام مع دوريّة عسكريّة على مشارفها. 
  • اقتحام مقاتل من «سرايا القدس» للمستوطنة بتاريخ 29 مارس (آذار) عام 2002.
  • تفجير الاستشهاديّ طارق حميد سيّارته في تجمّع للاحتلال بالقرب من مستوطنة «نتساريم» عام 2003.
  • عمليّة اقتحام المستوطنة بتاريخ 24 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2003، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين.

كلّفت تلك العمليّات الاحتلال «الإسرائيليّ» 164 قتيلاً و812 جريحاً خلال السنوات (2000 – 2005)، ممّا دفعه إلى ترك قطاع غزّة وتبنّي خطّة فكّ الارتباط. انتهى تنفيذ الخطّة عندما أغلق آخر جنديّ بوّابة «كيسوفيم» بحضور قائد فرقة غزّة آنذاك أفيف كوخافي يوم 12 سبتمبر (أيلول) عام 2005، عندها سقطت نظريّة شارون القائلة إنّ «نتساريم كالنقب وتل أبيب».

كان نصيب محور «نتساريم» من هذه سبع عمليّات اقتحامٍ واشتباك، والعديد من عمليّات إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، والتي خلّفت عشرة قتلى وخمسين جريحاً. وكانت أبرزها عمليّة 24 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2003، عندما تسلّل مقاتلان فلسطينيّان إلى المستوطنة فقتلا ثلاثة جنود وأصابا خمسة آخرين بجراح، توفّي أحدهم في اليوم التالي متأثّراً بإصابته. واستشهد في هذه العمليّة المقاتل سمير فودة من «كتائب القسّام»، بينما انسحب المقاتل الثاني من «سرايا القدس» بسلام. 

مثّلت العمليّة الحدث الأهمّ في وعي قادة جيش الاحتلال، إذ نشر الشاباك عام 2017 وثائق تشير إلى أنّ العمليّة جعلت من مسألة الانسحاب من غزّة عند شارون حتميّة، وعجّلت قراره بالانسحاب.

الاحتلال الثاني: معركة الفرقان – عمليّة الرصاص المصبوب (2008 2009) 

مساء السبت في الثالث من يناير (كانون الأوّل) عام 2009، تقدّم لواء المدرّعات «401» ولواء المشاة «جفعاتي» نحو محور «نتساريم» واحتلّوه في ليلةٍ واحدة. نجحت هذه الفرق حينها في بناء قاعدة انطلاق عمليّاتيّة لمناورة القوّات تّجاه مدينة غزّة من المحور الجنوبيّ- نحو أحياء تلّ الهوا والصبرة، وكذلك تّجاه المنطقة الوسطى من المحور الشماليّ- نحو منطقة المغراقة.

استمرّت المعركة اثنين وعشرين يوماً وانقسمت إلى قسمين؛ الأيّام السبعة الأولى التي اشتملت على عمليّات قصفٍ جوّي ونيران تمهيديّة. أمّا الأيّام اللاحقة، فاشتملت على عمليّة برّية واسعة انتهت بانسحابٍ أحاديّ الجانب لجيش الاحتلال، بعد إخفاقه في تحقيق أهداف العمليّة المتمثّلة في إنهاء حكم «حماس»، وإيقاف إطلاق الصواريخ، واستعادة الجنديّ الأسير لدى المقاومة جلعاد شاليط.

الاحتلال الثالث: معركة طوفان الأقصى (الطريق العمليّاتي 749)

في ليلة الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، أيّ في الليلة العاشرة للعمليّة البرّية في قطاع غزّة، والموافِقة لليلة التاسعة والعشرين لبداية الحرب (2023)، أعلن الناطق العسكريّ لجيش الاحتلال «دانيال هاغاري» احتلال محور «نتساريم». حيث قال الناطق العسكريّ إنّ الفرقة «36» من لواء المدرّعات وصلت إلى ساحل البحر في مدينة غزّة. [1] وكانت الفرقة «36» قد تقدّمت في ليلة السابع والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) من المحور الشرقيّ لقطاع غزّة (محور جحر الديك) واستمرّت في التقدّم لمدّة عشرة أيّام حتّى نجحت في احتلال المحور والوصول إلى أقصى غرب القطاع، وبذلك قسمته إلى قسمين، شماليّ وجنوبيّ.

بدأ الجيش من فوره ببناء طريق عمليّاتيّ يفصل شمال قطاع غزّة عن منطقتي الوسط والجنوب، والذي يمتدّ من الحدود الشرقيّة حتّى السواحل الغربيّة. وبدأ أيضاً بعمليّات تجريف لمساحات واسعة في محيط هذا الممرّ وصلت إلى عمق أربعة كيلومترات على جانبيه الشماليّ والجنوبيّ، بهدف تشكيل نقطة ارتكاز لقوّات الجيش.

في يوم 17 فبراير (شباط) 2024، نشرت قناة 14 «الإسرائيليّة» تقريراً يسلّط الضوء على الطريق العمليّاتيّ الذي أطلق عليه اسم «طريق 749»، حيث أظهر التقرير أنّ الطريق مخطّط له منذ بداية العمليّة البرّية في القطاع. [2]

قال قائد الكتيبة «601» من سلاح الهندسة [3] المقدّم شمعون أوركابي في التقرير «نعمل في منطقة ممرّ «نتساريم» التي تعدّ حاجزاً بين شماليّ قطاع غزّة والمناطق الوسطى والجنوبيّة. هذا الطريق هدفه حماية المنطقة، ومداهمة المناطق التي يوجد فيها العدوّ، ومنع المرور إلى الشمال». [4]

بحسب تقارير «إسرائيليّة» وبعض الشهود الفلسطينيّين، يتكوّن هذا الطريق من ثلاثة مسارات عرضيّة؛ الأوّل مخصّص لعبور الآليّات المجنزرة والمدرّعة، والثاني للعربات و«الجيبّات» المدولبة، أمّا الثالث فخصّص للحركة السريعة. كما وبنو مواقع لمبيت الجنود وتخزين الأسلحة والتحقيق مع الأسرى الفلسطينيّين.

وأنشئت أربع عقد دفاعيّة في المحور باعتباره موقعاً عمليّاتيّاً متقدّماً، وفي إطار تأمين نقطة الارتكاز هذه وبناء تحصينات دفاعيّة، عمد الجيش «الإسرائيليّ» إلى بناء سواتر إسمنتيّة ضخمة وأخرى ترابيّة مرتفعة، ونصب العديد من أجهزة الرصد المتطوّرة، وأبراج المراقبة، إضافة إلى تحليق طيران استطلاعيّ فيه على مدار الساعة، وعمليّات التمشيط مدفعيّ وناريّ في ساعات الصباح والمساء وما بينهما.

استراتيجيّة جيش الاحتلال في محور «نتساريم» في معركة طوفان الأقصى

بنى الاحتلال استراتيجيّته تّجاه المحور على أمرين أساسيّين، الأوّل استراتيجيّ، والثاني عمليّاتيّ، هما:

  1. تحويل المحور ليكون الحدّ الشماليّ لقطاع غزّة الجديد: حيث يقع المحور في قلب استراتيجيّة الاحتلال القاضية بتهجير سكّان شمال غزّة تمهيداً لاحتلالها، فيصبح بذلك الممرّ الذي يقع في وسط القطاع، هو حدّه الشماليّ الجديد.
  2. الاحتفاظ برؤوس الجسور: ارتكز الاحتلال في سلوكه العمليّاتيّ فيما أسماه «حرب السيوف الحديديّة» على الاحتفاظ برؤوس الجسور التي أقامها على أطراف مناطق القطاع (الحافّة الأماميّة شرقاً وشمالاً) ووسطه، والانطلاق منها على نحوٍ عاجل وسريع نحو أهداف برّية دون تكلّف عناء بناءها مجدّداً، وكان أهمّ هذه الجسور هو محور «نتساريم» نظراً لأهمّيته العمليّاتيّة الكبيرة.

القيمة العمليّاتية والاستراتيجيّة لمحور «نتساريم»

استناداً إلى عقيدته القتاليّة والاستراتيجيّة التي دشّنها في هذه المعركة، سعى الاحتلال إلى إسناد مجهوده الحربيّ بثقل عمليّاتيّ مؤثّر في مسارين أساسيّين: الأوّل على صعيد الضغط السياسيّ، عبر خلق ملفّ النازحين، وتقييد حركة السكّان، وتحويله إلى ملفّ ضاغط في المفاوضات، وبات فيما بعد أحد خطوط «حماس» الحمراء الأربعة، وواحداً من نقاط الارتكاز التي تدور حولها رحى العمليّة التفاوضيّة، الأمر الذي كان من شأنه تحسين قاعدة الاحتلال التفاوضيّة. أمّا المسار الثاني فعلى صعيد الضغط العمليّاتيّ، حيث أتاح احتلال العدوّ للمحور فرصة بناء قاعدةٍ عمليّاتيّةٍ تمكّنه من تأمين مدى مناورةٍ واسع لقوّاته، والتي تتيح له مدى التحرّك إلى عمق المدينة، والوصول إلى نقاط عميقة خلال 15 دقيقة فقط؛ مثل ما حصل في عمليّة اقتحام مستشفى الشفاء للمرّة الثانية.

وعبر رصد الصور الجوّية، والصور والخرائط المنشورة في إعلام الاحتلال، تمّ ملاحظة وتوثيق العديد من أعمال الإنشاءات المتعلّقة بشقّ طرقٍ معبدّة بالـ«بيسكورس» وبناء مواقع مأوى ومبيت وأبراج المراقبة والاتصال من كاميرات ومستشعرات وأعمدة هوائيّة، وأيضاً متطلّبات الحماية من قذائف الهاون.

ونقل موقع «نيوزدسك إسرائيل» العبريّ صورةً نشرها مراسل القناة 12 «الإسرائيليّة» عميت سيغال تحت عنوان «هنا لنبقى»؛ توضّح الصورة وضع عمودٍ هوائيّ عملاق آخر على طريق «نتساريم»، كما نقل ذات الموقع بعد ذلك صوراً للأقمار الصناعيّة تظهر أعمال الإنشاءات في الممرّ البحريّ الواقع في محيط المحور كعمليّات توسعةٍ للمنطقة شمالاً وجنوباً. [5]

كما نقل الإعلام العبريّ خبراً عن إنشاء جيش الاحتلال موقعين عسكريّين هدفهما إحكام السيطرة وحماية القوّات من أيّ هجومٍ بجانب تهيئة الظروف الميدانيّة لإمكانيّة إعادة جزءٍ من النازحين. كما عبّد الاحتلال طريقًا من السلك الفاصل حتّى البحر، هدفه تسهيل حركة القوّات ونقل الإمدادات، فضلاً عن بعض التجهيزات الحيويّة في المكان، أمّا الأعمدة التي جرى إنشاؤها فهي عبارة عن منارة لها علاقة بالميناء قيد التجهيز.

ونقل موقع «حدشوت مهريقع» العبريّ صورة للمحور أرفقها بتعليق: «في وسط الصورة: الطريق 749 الذي يقسم قطاع غزّة في منطقة نتساريم»، ما يجري وما جرى من عمليّات مثل عمليّة شمال النصيرات، والتي أطلق عليها الاحتلال عمليّات توسيع للممرّ الأمنيّ، هي عمليّات لمسح المناطق المطلّة على منطقة «نتساريم» ومنع رصد أو ضرب القوّات منها وإقامة الموقعين لهذا الغرض، فقد كانت قوّات الجيش تعرّضت لضربات هاون عدّة مرات خلال تواجدها في منطقة «نتساريم» لذلك كان من الضروريّ توسيع هذا الممرّ بالنسبة للاحتلال. [6]

قوّات العدوّ المزجّة في المحور

منذ بداية المعركة، كلّفت الفرقة 36 بمهمّة فصل القطاع عبر احتلال محور «نتساريم»، ثمّ انتقلت المهمّة إلى الفرقة 99، المعروفة بفرقة «مشاة النار»، وأسندت إليها مهمّة توسعة المحور، والقيام بعمليّات خاصّة في المنطقة الوسطى وجنوب مدينة غزّة، وبناء تحصيناتٍ دفاعيّة وأنظمة رقابة وسيطرة، بغرض تأمين القوّات من الهجمات الناريّة والأرضيّة للمقاومة.

أجرت هيئة أركان الاحتلال عمليّات استبدالٍ عديدة للقوّات العاملة في المحور، وكانت إحدى أهمّ الوحدات العاملة في المحور لواء «ناحال» التابع للفرقة 162 الآليّة تنظيميّاً، ولكنّه أُلحق عملياتيّاً للفرقة 99 المسؤولة عن محور «نيتساريم». وتمّ بعدها استبدال الألوية العاملة في المحور بألوية أخرى، ووحدة 888 متعدّدة الأبعاد «الشبح»، واللواء احتياط 2 «كرملي»، واللواء احتياط مشاة 679 «يفتاح»، ثم تمّ إسناد مهمّة السيطرة على المحور للفرقة 252، ومعها بشكلٍ عضويّ لواء «القدس 16»، وأُلحق بها عملياتيّاً اللواء العاشر المدرّع التابع للفرقة 340.

تركّزت طبيعة العمليّات الخاصّة للفرقة في المحور على العمليّات النوعيّة عبر تكتيك الهجمات ذات الأغراض الخاصّة كالإغارات والهجمات الإيذائيّة، من خلال المناورة المحسوبة في قطاعاتٍ صغيرة، منعاً لاستنزاف القوّات، وإدامة إراحتها عبر عمليّات سحبٍ وتبديلٍ لها خارج مسرح عمليّات القطاع، وذلك لإعادة تنظيم صفوفها وترميم قدراتها وتدريبها لاحتماليّة استئنافها القتال.

استراتيجيّة المقاومة في محور «نتساريم» في معركة طوفان الأقصى

بنت المقاومة استراتيجيّتها في القتال في «نتساريم» على تحويله من محور تموضعٍ استراتيجيّ إلى جيبٍ مهلك عبر استهداف قطاعات جيش الاحتلال المتواجدة فيه، ممّا اضطرّ الجيش «الإسرائيليّ» إلى التراجع والانكفاء بغرض الدفاع عن المحور بدلاً من استثماره للإغارة والهجوم.

وعلى الرغم من صعوبة تضاريس المنطقة على المُدافِع، وقسوة ظروفها، إلّا أنّ عمليّات المقاومة الدفاعيّة بدأت ضدّ قطاعات الفرقة الـ 36 المتقدّمة من المحور الشرقيّ (محور جحر الديك) منذ الليلة الأولى للعمليّة البرّية، واستمرّت حتّى تاريخ كتابة هذه الورقة. ويمكن تقسيم طبيعة المعارك التي جرت هناك إلى ثلاث مراحل أساسيّة:

  1. المرحلة الأولى، والتي بدأت في الليلة العشرين للحرب، ليلة السابع والعشرين من أكتوبر (تشرين الأوّل)، وحتّى إتمام جيش الاحتلال السيطرة على المحور. استمرّت هذه المرحلة شهراً كاملاً تقريباً، تواصلت فيها عمليّات المقاومة بشكلٍ يوميّ، وتركّزت على الكمائن، ومهاجمة قوّات الاحتلال المدرّعة عبر الأنفاق، خاصّةً في منطقة جحر الديك، بالتزامن مع عمليّات إطلاق هاون.
  2. المرحلة الثانية، والتي بدأت مع إتمام العدو السيطرة على المحور، حتّى مطلع شهر أبريل (نيسان). تقلّصت في هذه الفترة كثافة هجمات المقاومة المباشرة على قطاعات جيش الاحتلال المتواجدة في المحور، وتركّزت على استخدام النيران القوسيّة (صواريخ رجوم، وقذائف الهاون) لاستهداف قطاعات العدوّ، نظراً لانشغال كتائب المقاومة المجاوِرة للمحور بالمعارك الدفاعيّة.

أظهرت الصور التي نشرها القسّام، في العديد من مشاهد العمليات الموثّقة لاستهداف تجمّعات العدوّ في الطريق العمليّاتي في منطقة «نتساريم»، دقّةً عاليةً لرمايات الهاون، والتي تصل إلى نسبة خطأ أقلّ من أمتار قليلة فقط.

بات واضحاً أنّ هذه العمليّات التي تجري لاستهداف المقرّات القياديّة ونقاط تحشّد القوّات، تتمّ بعد عمليّة رصد دقيقة، وانتخاب محدّد لهدفٍ يتمركز به ثقل القوّات المتواجدة هناك، ويجري ذلك بالاستفادة من الميزة التكتيكيّة الأساسيّة للهاون، بأنّ قذائفه صمّاء لا تحمل شرائح إلكترونيّة ولا رقائق ذكيّة، وكذلك استثمار مسافة الرمي القصيرة نسبيّاً، حيث تحوّل هاتان الميّزتان دون إمكانيّة اعتراض هذه القذائف أو تحييدها بأيّ مضادٍّ أرضيّ مثل قبّة حديديّة أو «تروفي» أو معطف ريح أو غيره.

   3.  المرحلة الثالثة ، في الفترة ما بين أبريل (نيسان) وسبتمبر (أيلول). 

 في العاشر من أبريل (نيسان)، نقل موقع «والا» العبريّ عن مسؤولين في القيادة الجنوبيّة، بأنّ قيادة العدوّ الميدانيّة بدأت برصد نشاطٍ مشبوه لـ«نشطاء من حماس قرب محور «نتساريم»، يشمل جمع المعلومات الاستخباراتيّة عن النشاط المعتاد لـ قوّات الجيش في المنطقة». [7]

انطلاقاً من هذا التاريخ، بدأت المقاومة بالانتقال من الدفاع إلى شنّ هجماتٍ إيذائيّة لقطاعات العدوّ المتمركزة في المحور، وتكثّفت عمليّات الرصد والجمع الاستخباريّ، ثمّ لحقتها عمليّات قنصٍ مركّزة، مصحوبةً بعمليّات إطلاق هاون وصواريخ رجوم، ثمّ تطوّرت هذه العمليّات لتصبح هجماتٍ مضادّة صغيرة، تنفّذها مجموعات صغيرة من المقاتلين. إذ نشرت كتائب القسّام بتاريخ 18 أغسطس (آب) مقطع فيديو يوثّق عمليّة تسلّلٍ لأربعة مقاتلين، نصبوا كميناً ضدّ رتل قوّاتٍ لجيش الاحتلال، وأوقعوا أربعة جنودٍ ما بين قتيل وجريح. [8]

وعبر تتبّع بلاغات المقاومة وإعلاناتها، تمّ رصد تنفيذ المقاومة لـ 279 عمليّةً في كافة المراحل الثلاث، تنوّعت ما بين عمليّات إطلاق هاون وقنص وإغارة وكمائن وغيرها، ووردت الأرقام [9] وفق الجدول التالي: 

 

الأثر العمليّاتي لعمليّات المقاومة على موقف العدوّ

  • على الصعيد العملياتيّ

بعد أن طالت مدّة الحرب، وطال بقاء قوّات الاحتلال في المحور أكثر من المتوقّع، مع صمود المقاومة، باتت قوّات جيش الاحتلال عرضةً لخطر الاستنزاف، وباتت تسجّل مع مرور الوقت خسائر شبه يوميّة، حيث اعترف جيش الاحتلال حتّى تاريخ كتابة هذه الورقة بمقتل 31 جنديّاً وضابطاً بسبب عمليّات المقاومة التي استهدفت المحور، عدا عن مئات الجرحى والمصابين.

حوّلت المقاومة منطقة سيطرة العدوّ على المحور العملياتيّ من أكبر نقطة قوّةٍ لديه تمكّنه من اجتياح عمق مدينة غزّة في 15 دقيقة، إلى نقطة ضعفٍ خطيرةٍ تجبره على التخلّص منها سريعاً. فقلبت هذه الخسارة محور «نتساريم» من كونه حدّاً جنوبيّاً للمنطقة العازلة المفرَغة من السكّان والمقاتلين إلى خطّ وسطٍ ضعيف يتلقّى الضربات من كلّ الاتّجاهات، وتوصي المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة بالتنازل عنه بعد أن كانت تعتبره ركيزةً لنجاح خطّتها.

بل يمكن القول، إنّه وعبر رصد عمليّات المقاومة وملاحظة تطوّرها بشكل فاعل في المرحلة الثالثة، فضلاً عن دخول أشكالٍ جديدة من العمليّات، وآخذين بعين الاعتبار تقديرات العدوّ، ثمّة احتمال قائم لتنفيذ المقاومة هجوماً مضادّاً كبيراً على قوّات العدوّ في المحور، سواءً كان ذلك من تحت الأرض أو من فوقها، بغرض طرد القوّة الغازية خارج منطقة الدفاع، أو تكبيدها خسائر فادحةً وصولاً إلى استنزافها، بغيّة الضغط على المستوى السياسيّ لاتّخاذ قرارٍ بشأن سحب قوّاته من المحور، أو تخفيض قوامها وتقليص تحرّكاتها إلى أدنى مدى.

  • على الصعيد السياسيّ

بعد فشل سيناريو التهجير، استثمر الاحتلال ملفّ النازحين ليكون إحدى الأوراق الضاغطة على المقاومة في الملف التفاوضيّ، وأصبح يمنع إعادتهم إلّا بمقابل وبعد إعادة أسراه، بل ويطرح إعادة جزءٍ منهم بينما تتمسّك المقاومة بشرط عودة النازحين بشكلٍ كامل. كما عُرض في كثيرٍ من الجولات التفاوضيّة السماح بعودة النساء والأطفال فقط دون الشباب. هكذا، سعى الاحتلال إلى إثارة القلق والخوف لدى النازحين وتصوير عودتهم بأنّها مستحيلة، وذلك في إطار محاولات إحداث حالة ضغطٍ شعبيّ على المفاوض الفلسطينيّ.

أمّا استراتيجيّة المقاومة في السعي لإفشال هدف العدوّ باحتلال هذه المناطق -من وجهة نظري- فقد زاوجت بين التحرّك السياسيّ النشط والفعل العسكريّ الحاسم، والذي يقلّص قدرة العدوّ على الاستمرار في التمركز في هذه المناطق. فالمقاومة تدرك جيّداً بأنّ الاحتلال الذي أراد السيطرة على هذا المحور لمنع عودة النازحين، قد أصبح بين فكّيْ كماشةٍ بين لواءي الوسطى وغزّة. بذلك باتت المؤسّستين الأمنيّة والعسكريّة تفضّلان الانسحاب على البقاء، وهذا هو سبب المرونة التي يبديها في موقفه فيما يخصّ أوّل خطّين أحمرين (الانسحاب وعودة النازحين) في جولات المفاوضات الأخيرة. بالتالي، الأمر الذي لم تعتبره المقاومة صحوة ضمير ولا عرضاً سخيّاً، إنّما تنازلاً بالإكراه، بل ربّما يصل الأمر لاحقاً إلى تحوّل الانسحاب من هذا المحور إلى مطلب صهيونيّ أكثر منه فلسطينيّاً.

ما هو مستقبل قوّات الاحتلال في المحور؟ 

كان من أبرز الأهداف المركزيّة لحرب «السيوف الحديديّة» التي يشنّها الكيان في معرض ردّه على معركة طوفان الأقصى يتمثّل في تهجير الكتلة السكّانيّة المتواجدة شمال قطاع غزّة إلى جنوب وادي غزّة، واحتلال المنطقة وتحويلها إلى منطقةٍ عازلة. ارتكزت الخطّة على عدّة تكتيكاتٍ مركزيّة أبرزها احتلال محور «نتساريم» لأهمّيته الاستراتيجيّة، وتنفيذ عمليّة قصفٍ سجّاديّ هائل؛ حوالي 50 ألف غارة من السماء، [10] وعشرات آلاف الهجمات من سلاحيْ المدفعيّة والبحريّة استهدف جلّها منطقة شمال غزّة. إضافةً إلى شنّ عمليّة برّية على المنطقة بقوم ثلاث فرقٍ عسكريّة، ومنع المياه والغذاء والدواء وكلّ ما يتعلّق بمقوّمات الحياة عن سكّان المنطقة.

وإلى جانب ما مثّله محور «نتساريم» من قاعدة انطلاق لعمليّات الجيش «الإسرائيليّ» تّجاه جنوب مدينة غزّة وشمال المنطقة الوسطى، فقد مثّل أيضاً حاجزاً لمنع عودة النازحين إلى شمال القطاع وضمان فرض السيطرة ونجاح تهجير السكّان نحو الجنوب وإخلاء شمال القطاع من الكتلة السكّانية.

ولكنّ محور «نتساريم» خسر أهمّيته الاستراتيجيّة بالنسبة للاحتلال في اليوم الذي رفض جزءٌ كبير من أهالي شمال غزّة النزوح، حيث بقيت كتلة سكّانية لا يقلّ عددها عن 700 ألف مواطن صامدين في المنطقة. أمّا أسباب إفشال أهداف الاحتلال، فتعود إلى: وعي الناس بالخطر الوجوديّ المحدّق بهم وبالقضيّة الفلسطينيّة، وكذلك صمود المقاومة بشكلٍ منقطع النظير في المعركة الدفاعيّة، فضلاً عن إصرار المقاومة الفلسطينيّة في كلّ جولة مفاوضات على إخلاء هذا المحور وضمان عودة حرّة للنازحين نحو الشمال وللتنقّل بين الشمال والجنوب.

بالمقابل، إنّ جميع الإنشاءات التي يقيمها العدو هي تحضيرات لوجستيّة مؤقّتة، تأتي في سبيل التحصينات العسكريّة الدفاعيّة، وإقامة نقاط الحماية من التهديدات المحتملة نتيجة السيطرة على منطقة في قلب جغرافيا تقع تحت وتيرة اشتباكٍ عالية الحدّة. كما تأتي أعمال التوسعة للمحور شمالاً وجنوباً في سياق تحييد الأخطار المحتمَلة أو التقليل منها، بالإضافة إلى ضرورة إقامة بعض المنشآت المعزّزة للسيطرة المدنيّة والتحكّم بحركة السكّان من الشمال إلى لجنوب، وبحركة المساعدات بالعكس.

إذن، يمكن القول إنّ هذا التمركز مؤقّت ومرتبط بمسار الحرب وأهدافها وزخمها، ومرتبط أيضاً بمسار المفاوضات واستراتيجيّات الخروج المحتملة لإنهاء هذه الحرب. كما أنّ استقرار العدوّ في هذا المحور بطول 8 كم، وإضافة مسافات تماسٍ إضافيّة مع المقاومة في قطاع غزّة، يعدّ أمراً مكلفاً من الناحية العمليّاتية والتكتيكيّة. وفي حال بقاء أيّ قوّات للاحتلال في المحور لا يمكن للكيان احتمال الكلفة المتوقّعة لذلك، والدليل، بحسب تسريبات المفاوضات، أنّ العدوّ تخلّى عن فكرة البقاء في المحور، وقبِل بفكرة التنازل عنه، ويؤكّد ذلك ما جاء في مؤتمر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في الثاني من سبتمبر (أيلول) من الامتناع عن التطرّق إلى مسألة «نتساريم» مطلقاً، والتركيز فقط على محور «فيلادلفيا».

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأهداف التي ينشدها قادة التيّار القوميّ الدينيّ «الإسرائيليّ» من إعادة استيطان غزّة واحتلالها مرّةً أخرى هي أهداف غير واقعيّة وغير قابلة للتطبيق؛ فمفاعيل الانسحاب من غزّة وتنفيذ خطّة «فكّ الارتباط» عام 2005 لا زالت قائمة وبشكلٍ أكثر تأثيراً، كما أنّ عجز «إسرائيل» عن تنفيذ مخطّط التهجير واحتلال شمال غزّة يقضي على هذه الأماني، فإذا لم يكُن الاحتلال قادراً على تنفيذ هذا المخطّط بعد حشد أكبر قوّةٍ عسكريّة في تاريخه، متى يكون قادراً على ذلك؟ 

يعزّز هذا التقدير ما جاء في تقريرٍ نقلته صحيفة «يديعوت أحرنوت» حول مقترحٍ سابق كانت قد اقترحته قيادة الأركان، والذي يقضي بحفر قنواتٍ عرضيّة على طول محور «نتساريم» بشكلٍ يمنع عبور المركبات، ويوجّه المركبات القادمة من جنوب قطاع غزّة والمتّجهة إلى شماله نحو الشرق، باتّجاه شريطٍ أمنيّ «إسرائيليّ» عازل شيّد داخل القطاع ويمتدّ إلى السياج المحيط به، تطلق عليه تسمية «محيط»، وهناك يجري تفتيشها قبل دخولها إلى شمال القطاع. [11] أزيل هذا المقترح من جدول أعمال المفاوضات لعدّة أسباب، من بينها أنّ تطبيقه يستغرق وقتاً طويلاً، وسيدمّر المنطقة التي أقيم بسببها «المحيط»، كما أنّه سيؤدّي إلى ازدحامٍ كبير في حركة الفلسطينيّين، إضافةً إلى أنّ «حماس» والوسطاء يرفضونه كلّياً، حسبما ذكرت الصحيفة. وأضافت الصحيفة بأنّ فريق المفاوضات أبلغ «نتنياهو» بمعارضته الشديدة لهذا المقترح؛ لكنّ الأخير أصرّ على نقله إلى الوسطاء الذين يُتوقّع أن يرفضوه.

وتابعت الصحيفة بأنّ الجيش «الإسرائيليّ» هو صاحب هذا الاقتراح في الأصل، وكان يصرّ عليه حتّى غيَّر موقفه في مارس (آذار) الماضي؛ إذ يكمن الهدف منه في منع الفلسطينيّين من نقل الأسلحة إلى شمال القطاع؛ لكن، يبدو أنّ «الإسرائيليّين» تراجعوا عن هذا المقترح بعدما تبيّن أنّ منطقة شمال غزّة مليئة بأسلحة مخبّأة تحت الأرض. [12]  وبالتالي، أصبح الجيش يؤيّد انسحاب قوّاته من محور «نتساريم»، من دون شروطٍ خاصّة. وفي حينه، وافق «نتنياهو»، بعد ضغوطٍ شديدة عليه، على شطب المقترح في النسخة النهائيّة التي قدّمها الرئيس الأمريكيّ «جو بايدن»، باسم «إسرائيل»، في 27 مايو (أيار)، ولم يعُد هناك حديث عن تفتيش للمركبات، أو إبقاء قوّات بشكل يدفع «حماس» إلى رفض المقترح، على أن تكتفي الحركة بالإعلان أنّ الذين سينتقلون إلى شمال القطاع سيكونون غير مسلّحين. لكنّ «نتنياهو» أعاد تقديم هذا الطرح في المفاوضات الحاليّة. [13]