ترجمة: كريم قرط

تحولت هذه الحركة إلى ميليشا كبيرة في «إسرائيل»، ولم يكن ذلك سوى البداية

ظلام دامس يخيم غابة “لاهف” الواقعة في النقب، فقط ضوء أصفر من مزرعة رمان، أصبحت مشروعا شبابيا متداعيا، يتوهج في ذلك الظلام. في العريشة المطلة على المزرعة رُتبت مائدة وُضع عليها كعك، وبرتقال، ومشروبات ساخنة؛ مخصصة لضيافة أعضاء وحدة الجيبات ومتطوعي “الحارس الجديد”. يستعد هؤلاء المتطوعون لتنفيذ نشاطات عملياتية في أعماق الغابة. يقف قائد العملية وخلفه شاشة بلازما تظهر عليها خارطة المنطقة، يبدأ توجيهاته باسترجاع الأحداث الأخيرة التي جرت في هذا المكان: تجربة سلاح، صفقات بيع عتاد عسكري خاص بالجيش، قطع أشجار الصنوبر، إفساد متعمد للمحاصيل، إحراق طاولات التنزه. يبدو أن المجموعة تستعد لليلة متوترة في هذه الغابة التي تعجّ بالعنف والجريمة.

يؤكد قائد القوات على أن هدف القوات هو “خلق حضور”، ففي حال حدث احتكاك بينهم وبين مجرمين، عليهم أن يتصلوا بالشرطة، لا أن ينجروا لمواجهة مباشرة معهم. ففي الأساس، لا توجد لهذه القوة العملياتية _ التي لا تتكون من شرطة أو متطوعي الحرس المدني _ أية صلاحيات شُرَطية حقيقية.

ولكن ذلك لا يعني أن هؤلاء الناشطين لا يعملون بصورة وثيقة مع الشرطة. فخلال هذا الأسبوع فقط، في أعقاب “موجة الإرهاب”، أعلن رئيس الوزراء نفتالي بينت عن نيته إنشاء قوة مسلحة مدنية – حرس وطني جديد- التي من المحتمل أن تتأسس بشكل جزئي على البنية التحتية للـ “الحارس الجديد”. إذ توجد لهذه المنظمة بنية تحتية هائلة بشكل مؤكد، فخلال الخمس عشرة سنة التي مضت على إنشاء المنظمة، التي أنشأت لمساعدة المزارعين في مواجهة أعمال التخريب والنهب، تطورت “الحارس الجديد” لتصبح إمبراطورية حقيقة. فلديها اليوم 400 عامل، وعشرات آلاف المتطوعين، وحركة شبيبة مكونة من 24 ألف طالب، وأربع مدارس زراعية، ونواة “ناحال”، وغيرها. وتبلغ ميزانية المنظمة 82 مليون شيكل تأتي معظمها من دعم حكومي كريم. في الحقيقة، من بين كل المنظمات التي تدير برامج تربوية في البلاد؛ يحصل الحارس الجديد على الدعم الأعلى من أموال الدولة. عدا عن أنه يحظى بمساندة سياسيين من كل أطراف الطيف السياسي.

بمهارة بارعة استطاع أعضاء المنظمة إمساك العصا من طرفيها. فهذه المنظمة التي عرّفت نفسها من البداية ضمن اليمين المتطرف، تقدم نفسها كمنظمة غير سياسية وتؤكد على روحها المبائية (نسبة لحزب مباي). وقد موّلها متبرعون أمريكيون أغدقوا أموالهم على المستوطنات طوال سنوات، بالإضافة إلى رياديين «إسرائيليين» منتمين لليسار أيضاً. وقد افتخر نشطاءٌ من اليمين المتطرف بالتعاون مع المنظمة، وكذلك أيضاً أعضاء المستوطنات العمالية.

يحصل رؤساء المنظمة على ميزانياتٍ من مكتب خدمات الدين تحت بند “تعزيز الهوية اليهودية”، ولكنهم يعلنون أنهم يعملون لبث الحياة في روح الصهيونية العلمانية. تنكر المنظمة أي علاقة لها بأي أجندة سياسية، إلا أنه يحاضَر لطلاب المرحلة الثانوية عن مشكلة “الإرهاب الزراعي”، وحتى أنهم يرسَلون للتطوع بمشروع لجمعية يمينية. في حين يعمل أعضاؤه في تطوير البؤر الاستيطانية، ولكنهم بشكل رسمي لا يمارسون نشاطاتهم في الضفة الغربية.

في البداية نظر مسؤولون شرطيون للمنظمة بريبة، وأشاروا إليها بأنها “منظمة شبه سرية تمارس نشاطها كمليشيا”، وكانت لديهم مخاوف من قيامها بأخذ القانون باليد. ولكن اليوم يدور الحديث عن أن ذات المؤسسة تُعدّ وتُجهّز لتأخذ على عاتقها مهمة حفظ القانون.

في الأسابيع الأخيرة ، رافق ملحق “هآرتس” النشطاء الأساسيين للمنظمة، وتتبع جذورها الفكرية، وقواعد دعمها وأنشطتها الميدانية. وذلك في محاولة لفهم كيف تمكنت منظمة واحدة متواضعة بدأت كمبادرة من مزارعين اثنين، من أن تصبح إمبراطورية في مجالات التعليم والحراسة والزراعة، التي من المحتمل أن يقام الحرس على صورتها “الحرس القومي”.

*****

ينضم “يؤال زيلبرمان” مؤسس ومدير عام المنظمة، لعملية توجيه في غابة لاهف. حيث يقوم بالتأكيد على بعض القواعد العامة، ولكنه بشكل أساسي يستغل المنصة لعرض رؤيته للمنظمة التي أقامها عام 2007، بعد فترة وجيزة من إتمام خدمته في وحدة “شييتت” البحرية.

يروي “زيلبرمان” الذي يُعدّ من أبناء الجيل الثالث لمربي الماشية في موشاف “تسبوري” في الجليل الأدنى، أن أباه كان على وشك التخلي عن مشروع حياته بعد أن أُنهك من الاحتراب مع أبناء حمولة مجاورة حاولت السيطرة على أرضه. “أنا أحدِّثك عن ضربات مادية، حريقٌ التهم ثلثي المنطقة، تسميم ماشية”. ويُحدّث ويسهب عن عجز الشرطة التي كانت تتجاهل محنة والده. (يوجد توثيق لمئتي شكوى قدمها والده وأغلقتها الشرطة بحجة عدم وجود مصلحة عامة).

ذات يومٍ على مائدة السبت أخبره والده أنه قرر إغلاق المشروع، ولكن “زيلبرمان” قرر أن يقوم بعمل ما، وقال لوالده: “على جثتي”. وبعدها حدد موقع تلة استراتيجية في محيط المزرعة، وانتقل للإقامة عليها، “بخيمة صغيرة، وفرشتين وعلم «إسرائيل»، هكذا لمدة سنتين ونصف”. وهناك، بجانب الموقدة، تعمق في قراءة كتابات “يتسحاق بن تسفي” و”أهارون دفيد غوردون” ؛ اللَّذين يقتبس منهما حالياً، إلى جانب اقتباسات قصيرة لأشخاص مثل “نورداو، فيتكين، وكاتسنيلسون” الذين دُمجت أفكارهم في لب أيديولوجيا “الحارس الجديد”. حيث يوضح زيلبرمان: “إذا لم يكن لديك أساس معنوي وأساس مادي فقدت علاقتك بالحكاية، وبقيت بدون فهم لما هو موقعك في هذا المدى”.

في اليوم السابق، وعلى بعد 200 كيلومتر شمالَ غابة لاهف، تحدث “زيلبرمان” في احتفال أقيم في التجمع البدوي في زرزير بمناسبة افتتاح أول مزرعة زراعية لمنظمة الشبيبة التابعة للحارس الجديد “الحركة الجديدة” في وسط المجتمع البدوي. حيث تخطط المنظمة لإنشاء ست مزارع زراعية على هذا النحو في المجالس المحلية البدوية في الشمال. ولم ينسَ زيلبرمان في هذا الموقف أيضا أن يذكّر بأرث عائلته في موشاف “تسيبوري” المجاور.  وفي موقف مختلف تماماً قال في خطابه : “أنا سعيد لتمكني من أن أصبح راعي غنم، وأنني نشأت مع أصدقاء من هذه المنطقة، هذا شرفٌ كبيرٌ جداً”.

كيف تتمازج رياح التصالح والأخوة مع التوجيهات الحماسية في غابة لاهف؟

 

يجيب “زيلبرمان” على السؤال: ” لم أرى البدو كتهديد، طوال حياتي. هذا تفسيرك. كان جدي يتحدث اللغة العربية، وعرّفه كثيرون بأنه “مختار” القرية، نشأت طوال حياتي مع البدو، هم جزء من مشهد طفولتي. ولكن نعم، إلى جانب ذلك، كانت هناك ذات العائلة الإجرامية التي قالت بوضوح أنها ستفعل كل شيء لإخراج أبي من منطقته. سيفحص كل شيء عند الحديث عن هذا الأمر”.

في ساحة المركز الثقافي الشبابي في زرزير، قام معلموا سنة الخدمة في الحارس الجديد بزراعة أحواض بالتوابل، القرنبيط، والجرجير، بمشاركة فتيان من البدو يبلسون قمصان المنظمة المزينة بشعارها المتمثل بشخصية “ألكسندر زييد” أحد مؤسسي منظمة الحارس الجديد. وقد امتزجت على القمصان اللغات العبرية، والعربية، والإنجليزية.

بعد عدة دقائق سيصل هنا وزير الزراعة “عوديد بورير”، ومراسلون من وسائل إعلام عربية معجبون بالمبادرة. طلب صحافي وحيد الاستيضاح إذا كان بالإمكان تكرار هذه التجربة في المجتمع الدرزي ريفياً.

ثُبّت ملصق ضخم، على سيارة أحد حضور الاحتفال، مكتوب عليه: “في النقب سيُختبر شعب إسرائيل” – كإشارة للتحذير. في ظل هذا الواقع، يشكل النقب نقطة احتكاك دائمة بين المجتمع البدوي والدولة. ففي يناير الماضي وقعت اشتباكات ضخمة، أحرق خلالها شبان بدو المركبات وأشعلوا الإطارات، ورموا الحجارة على السيارات والشرطة؛ احتجاجا على قيام الصندوق القومي اليهودي بزراعة أشجار في غابة “يتير” بمشاركة وفد من أعضاء كنيست يمينيين الذين أجّج قدومهم المواجهة.

ولكن  منظمة الحارس الجديد لم تكن ترى ماذا يحدث على الجانب المقابل. ففي الواقع، كانت منظمة الحارس الجديد هي المقاول التنفيذي للصندوق القومي في المنطقة، وأعضاؤها هم من زرعوا الأشجار التي حدثت المواجهة على أثرها.  يجادل أعضاء الحارس الجديد بأنهم لم يتصرفوا انطلاقا من أي أجندة، ويقولون أن هذا الأمر هو جزء من تعاونهم الوثيق مع الصندوق القومي ( يحوّل الصندوق للمنظمة ملايين الشواكل سنويا مقابل العناية بمناطق مفتوحة). إلا أن “زيلبرمان” دعا في المقال الذي نشره في صحيفة “يسرائيل هيوم”، في اليوم التالي للأحداث، “لاستمرار الزراعة، ولتعميق جذورنا في هذه الأرض حتى نكون مستحقين لها”، وأقرّ أن “التنازل عن عمل صهيوني كزراعة الأشجار سيكون بمثابة الخضوع”.

حسب وجهة نظر الحارس الجديد، فإن ما يبدو على أنه تناقض، هو عملياً ليس إلا تعبيراً عن “الواقع المعقد”. فبالنسبة لهم، لا يوجد أي تناقض بين الدور الذي يمارسونه في النقب، وبين الدور الذي اتخذوه على عاتقهم للتقارب مع البدو في الشمال. زرزير، يتير – هي نفس الثورة.

****

انتهى اللقاء التوجيهي في غابة لاهف، وها هي إشارة لانتشار القوات في المنطقة. قائد العملية يطلق طائرة مسيَّرة في السماء، وتُرسَل الجيبات لأطراف الغابة. في طريقنا لوجهتنا تحدثت مع “أون ريفمان” شريك “زيلبرمان” في إنشاء الحارس الجديد.

نشأ “ريفمان” في “كيبوتس ربيبيم”  وأبوه هو “شموليك ريفمان” الذي تولى رئاسة مجلس “رمات نيغف” منذ عام 1991 وحتى استقالته في عام 2017. في الجيش عمل “أون” في وحدة “سييرت متكال”. روى لي “ريفمان”: “أتذكر نفسي عندما كنت عائدا إلى البيت ذات جمعة وينتابني شعور بأنني أقوم بالعمل الأهم في العالم، وعندئذٍ رأيت حظيرة تشتعل في كيبوتس “ربيبيم”. لماذا؟ لأن بيتاً ما في قرية بيت هداج، التي تسكنها قبيلة بدوية قرب الكيبوتس، صدر بحقه قرار إخلاء، وكان هذا هو انتقامهم. حادثة كهذه خلَّفت خسائرَ بنصف مليون شيكل. وأنا أسائل نفسي كيف يكون من المنطقي أن لا تكون الدولة حاضرة هنا”.

كان الحدث التأسيسي بالنسبة لريفمان هو قضية “شاي درومي” الذي أطلق النار عام 2007م على متسللين اقتحموا مزرعته المنعزلة في النقب وقتل أحدهم. باشر “ريفمان” العمل على الفور، حيث جنّد متطوعين ليقوموا بإعادة تأهيل المزرعة خلال انشغال “درومي” في أموره القضائية، وقاد “ريفمان” النضال المجتمعي لأجله. ومنذ ذلك الحين خط “ريفمان” طريقه، أيضا، مع “زيلبرمان”.

التقى “ريفمان” “بزيلبرمان” عن طريق “أريز إيشيل” مؤسس مدرسة “معييان باروخ” التحضيرية، التي درس فيها الاثنان. و”إيشيل” هو أحد مؤسسي حركة “جيل كامل يطلب السلام” المقرَّبة من سياسيين يمينيين، مثل “جدعون ساعر” و”نفتالي بينيت”.

استطاع “إيشيل” أن يلاحظ روح المبادرة لدى “ريفمان” و”زيلبرمان”، ورتّب للقاء بينهما في “تل أبيب”. وفي ذلك اللقاء الذي حضره ثلاثتهم صيغت المبادئ الأسياسية للمنظمة المستقاة من روح “الصهيونية المبائية” التي كانت موجودة في الماضي.  ولضرورة تطبيق هذه الاستراتيجية قُرّر الامتناع عن ممارسة أية نشاطات في الضفة الغربية.

بغض النظر عمّا إذا كانت مبائية أو لا، فمنذ بداية طريقها عرّفت المنظمة نفسها ضمن اليمين المتشدد. عُقد الاجتماع التأسيسي للمنظمة عام 2008 في الجليل كردٍّ على “يوم الأرض”. كان السياسي الأبرز الذي حضر الاجتماع هو عضو الكنيست “آفي إيتام” (من الاتحاد القومي). وكان أحد ضيوف الشرف فيه “مئير هارتسيون” الذي حظي بهالةٍ أسطوريةٍ لدى اليمين المتطرف نظراً إلى دوره في عمليات الانتقام في سنوات الخمسينيات، وخاصة لدوره في قيادة عملية ثأر قُتل خلالها خمسة من البدو.

كان “زيلبرمان” في ذلك الوقت أكثر عدوانية مما هو عليه اليوم، حيث قال في ذلك الاجتماع : “إنهم (العرب) فقط ينتظرون أن نقول لهم أن هذه (الأراضي) لنا، فهم لم يفهموا بعدُ هذا الأمر”.

اعتمدت المنظمة في سنواتها الأولى بشكل كبير على تبرعات “آرفينغ موسكوفيتش” الذي يُعد الراعي الأبرز للاستيطان في شرق القدس. كما أن المنظمة مُوّلت طوال سنواتها من الصندوق المركزي لـ «إسرائيل»، الذي يدعم المنظمات اليمينية، مثل “حونينو” ، “الييشوف اليهودي في الخليل” و “إم ترتسو” وبالإضافة إلى ذلك، تتلقى المنظمة دعماً من صناديق أخرى معروفة بدعمها للمنظمات المتبنية لأفكار “كاهانا” والمنظمات الساعية لإقامة الهيكل الثالث.

كانت مصادر التمويل واضحة في طبيعة نشاطات المنظمة، ففي ذات السنوات عمل أعضاء الحارس الجديد بتعاون وثيق مع أعضاء منظمة “إم ترتسو” . وهناك منشورات تظهر أن متطوعي المنظمة الأوائل كانوا مسلحين. إلا أن “زيلبرمان “يوضح أن “المنظمة لم تدعُ أعضاءها قط للقدوم للحراسة وبحوزتهم سلاح، ولكن إذا جاء شخص ما وبحوزته سلاح شخصي فهذه مسألة خاصة به”.

في البداية، كانت نشاطات المنظمة مدفوعة بحافز إثارة الاستفزاز أيضاً. ففي عام 2008 أقامت المنظمة مظاهرة احتجاجية مقابل مسيرة عربية بمناسبة يوم النكبة في قرية صفورية المهجرة الواقعة بجانب كيبوتس “تسيبوري”، وتحولت المناوشات بين المسيرتين إلى اضطرابات عنيفة.

وبعد قرابة سنة من إنشاء المنظمة، خرج أعضاؤها في نزهة جماعية رداً على مسيرة عربية مشابهة في منطقة “رموت مشني”.  كما يظهر مقطع مصور نشر على اليوتيوب عام 2012 وهم يزرعون أشجاراً في الجليل الأدنى بمناسبة عيد الشجرة اليهودي إلى جانب منظمة يقودها ناشط اليمين المتطرف، الذي يقيم في القدس أرييه كينغ”. وفي ذات العام وصف “كينغ” منظمة الحارس الجديد، خلال مقابلة معه على القناة السابعة، بأنها “قوة تعزيزات” مهيأة للعمل في حالة حدوث مواجهات مع السكان العرب في الجليل.

وبالإضافة إلى ذلك، بنى سياسيون يمينيون علاقاتٍ متينةً مع المنظمة. حتى أن “بينيت” نفسه شغل منصب عضو لجنة في الحارس الجديد عام 2010، وفي وقت قريب لتوليه منصب المدير العام لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية.  وكثيراً ما أشاد بالمنظمة خلال توليه مناصب وزارية. فمن بين أمور عدة، صُوّر “بينيت” وهو يرتدي قمصان الحارس الجديد خلال توليه منصب وزير الاقتصاد، وعندما تولى منصب وزير التعليم أشرف بنفسه على فعالياتٍ للمنظمة.كما افتخرت “إييلت شكيد” بعلاقتها الوثيقة بالحارس الجديد، وهي علاقة افتخر بها “اليمين الجديد” في برنامجه الانتخابي.

إلا أن المنظمة في السنوات الأخيرة تحولت لتنويع أسالبيها، وبدأت تتجه نحو التيار العام. حتى أن أعضاء الحارس الجديد ينكرون أي محاولة لتعريفهم ضمن معسكر اليمين، ويدَّعون أنهم منظمة غير سياسية. “إنها مأساة أن يتحول الاشتغال بحب الأرض والارتباط بها في أجزاء معينة إلى موضوع سياسي متعلق باليمين”. وقد قال أعضاء المنظمة سابقاً أن “المبائيين يتقلبون في قبورهم”، في إشارة لعدم ارتباطهم بالمباي.

تمكنت منظمة الحارس الجديد من السباحة مع التيار بشكل جيد. فقد أصبح السياسيون وأعضاء الكنيست بمختلف أطيافهم لا يفوتون فرصة لالتقاط صور مع نشطاء الحارس الجديد. هذا، وقد بدأت المنظمة باستقطاب شخصيات من مركز الخريطة السياسية، بما في ذلك “يائير لابيد”.

وبالإضافة إلى ذلك، أصبح هناك تنوع في الجهات المانحة للمنظمة. فنخبة “الهايتك” الإسرائيلية هي اليوم الشريان الاقتصادي الرئيس للمنظمة. حيث إن “يوسي أكرمان” المدير التنفيذي ورئيس شركة أنظمة “ألبيت” السابق، يشغل اليوم منصب رئيس منظمة الحارس الجديد. أما “شيلو حولاف” المؤسس والمهيمن على شركة NOS، فهو متبرع للمنظمة وعضو في مجلسها. كما أن رجل الأعمال “نوعم لنير”  الذي عرف بدعمه لحزب “ميرتس” سابقا، يتفاخر الآن بدعمه للمنظمة، حيث وضح خلال مقابلة هاتفية هذا الأسبوع: “دعمت ميرتس لأنني أرى أنهم مهتمون بمساعدة الناجين من المحرقة. وأنا أدعم الحارس الجديد لأنهم يمثلون القاسم المشترك الأساسي للإسرائيلي الجميل”.

****

إحدى الأمثلة المهمة على تحول الحارس الجديد لمحط إجماع “إسرائيلي” أتت من النقاش الذي جرى في لجنة الداخلية للكنيست التي جرت في شهر كانون الأول الأخير. كان الجدال يدور حول قضية ملّحة -جريمة زراعية- ولكن النقاش بدا وكأنه منافسة للإشادة بالحارس الجديد بين أعضاء اللجنة. افتتحت النقاش رئيسة اللجنة “ميريف بن آري” (من حزب يش عتيد) قائلة: “أنا أبارك الحارس الجديد، أنهم يقومون بعمل رائع”. وانضم إليها في الإشادة بالحارس الجديد عدد من أعضاء الكنيست.

لم يقف الأمر عند هؤلاء السياسيين، فقد وصف ممثل النيابة العامة للدولة الحارس الجديد بأنه: “منظمة مقدسة من أشخاص يأتون على حساب وقتهم الخاص معرضين حياتهم للخطر في الليالي الباردة”. وتساءل: “إذا لم تكن هذه هي الصهيونية، فإين توجد الصهيونية إذاً؟”.  وحتى أن قائد حرس الحدود الكولونيل “أمير كوهين” عندما عرض خطة العلم  المعدة للتعامل مع الجريمة الزراعية المتصاعدة، أظهر أنها ستتكون من وحدتين ميدانيتين جديدتين – في الشمال وفي الجنوب – يكون أعضاؤهما من المتطوعين، وكان من المفترض أن يكون ألفٌ من هؤلاء من أعضاء الحارس الجديد.

إلا أن شخصاً واحداً فقط أصر على إفساد الاحتفال؛ “آمنون بإيري سوليتسيانو”، المدير العام المشارك في “مبادرات إبراهيم”، وهو تنظيم يهودي – عربي يسعى لتعزيز المساواة في «إسرائيل». حذّر آمنون: “سيكون من الخطأ الكبير تجنيد متطوعين حافزهم الأساسي هو يميني – قومي”. ولكن رئيسة اللجنة “بن آري” عارضته قائلة وقد بدت محبطة منه: “من الخسارة أنكم تعارضون”.  ولكنها توجهت لممثل الحارس الجديد قائلة لها: “شكرا جزيلا على كل ما تفعلونه، نحن هنا نقف خلفكم”.

خلال هذا الأسبوع تقدمت هذه المبادرة خطوة واحدة للأمام، مع إعلان بينت عن إقامة حرس قومي جديد يتشكل في الأساس من متطوعي الحارس الجديد. إذا تحققت دعوة بينت، فسيكون ذلك هو العنوان الأوضح على التعاون بين الحارس الجديد والشرطة الذي بدأ قبل قرابة العقد.

بدأ هذا التعاون في عام 2013، ولكنه بدأ بمستويات متواضعة، إذ بدأ حينها عشرات من متطوعي الحارس الجديد يتلقون تدريباً رسمياً ضمن حرس الحدود. وفي نهاية التدريب مُنحت لهم أزياءٌ وسلاحٌ وصلاحياتُ شرطي. وفي عام 2014 تقدم هذا التعاون خطوة إضافية. فقد قُرر حينها، بغطاء من وزير الأمن الداخلي “جلعاد أردان” ضم المتطوعين لقيادة حرس الحدود في الشمال. يعمل اليوم 160 من متطوعي الحارس الجديد في حرس الحدود، وبينما ما يزال قرابة 400 منهم أيضاً في مراحل التجنيد والتدريب.

ومع ذلك، لا ينظر الجميع إلى هذا الطرح بصورة إيجابية. حيث قال وزير الأمن الداخلي “عمير بارليف” لملحق هآرتس: “سنحت لي الفرصة للقاء متطوعي الحارس الجديد خلال نشاطات مشتركة بينهم وبين البدو في الشمال. كان هذا الأمر مثيرا للإعجاب، وأثار إعجابي أيضا أن هناك مجموعة منهم خدموا في الوحدات القتالية للجيش ولديهم حس التطوع والكثير من القيم والإرادة الطيبة، هذا الأمر مهم جداً. ولكن “البلماخ” قد تفككت قبل 74 سنة، ولا توجد اليوم في دولة «إسرائيل» إمكانية لإنشاء تنظيمات تمارس عملها كميليشيا. إن وضع شبه الخصخصة هذا هو خيار قد يؤدي للفوضى، وهو وضع خطير جدا لدولة “إسرائيل”. أنا لست مستعدا لهذا، والشرطة ليست مستعدة له. نريد أن يكون لدينا نظام وليس غرباً متوحشاً”.

ويضيف “بار ليف”، صحيح أنني أقود جهود إنشاء حرس قومي، ولكن جهازاً كهذا سيكون مشكلاً من حرس الحدود، ومن قوات نظامية، واحتياط، وأيضاً متطوعين. ولكن حسب “بار ليف” سيخدم هؤلاء المتطوعون في حرس الحدود.  حيث يرى أن: “من يطلب التطوع في الحرس القومي سيكون مرحّباً به، ونحن نشجع ذلك، ولكن هؤلاء المتطوعين سيوزعون على الوحدات المختلفة، ولن يعملوا كمجموعة منفردة، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على أعضاء الحارس الجديد. كل طرح يقول أن منظمات كهذه أو غيرها ستكون مجموعة فرعية داخل حرس الحدود، هو طرح مرفوض من أساسه”.

يدرك “زيلبرمان” جيداً معارضة “بار ليف” لهذا الطرح، ولكن ربما لهذا السبب توجه أعضاء الحارس الجديد لسياسي آخر من المحتمل أن يجدوا لديه أذناً صاغية، وهو رئيس الحكومة “نفتالي بينيت”. يروي “زيلبرمان” أن قادة الحارس الجديد التقوا قبل أسبوعين ببينت في مكتبه وعرضوا عليه رؤيتهم للحرس القومي. وفقا ل”زيلبرمان” كان هذا اللقاء هو الخلفية لإعلان “بينيت” خلال هذا الأسبوع. حيث قال: “عرضنا عليه خطة عمل مفصلة، تبناها مجلس الأمن القومي أيضاً، واعتبرها الهيكل الذي سيُنشأ حسبه الحرس القومي”.

يؤكد “زيلبرمان” أنهم: “لم يدّعوا قط أن الحارس الجديد هو الحرس القومي. طوال مسيرتنا كنا نقول أنه يجب إنشاء حرس قومي تابع لحرس الحدود. ولكن من حيث الواقع لا توجد لدى حرس الحدود ووزارة الأمن الداخلي البنية التحتية اللازمة لذلك فيما يخص استيعاب وتدريب المتطوعين. إن منظومتهم مُرهقة ومتهالكة وغير فعالة. ولكننا نعرف كيف ننفذ هذا الأمر ونضع أنفسنا في خدمة هذه المشروع”.

 

إذن عندما يصرح بينيت أنه سيُنشئ حرس قومي بمساعدتكم، فهو يفعل ذلك متجاوزاً بارليف؟

 

“أعتقد أن هذا صحيح، وذلك بناء على عدد الذين يتوجهون لنا في الأيام الأخيرة من كل المعنيين في الموضوع باستثناء بار ليف. أنا أتفهم أن من ينخرط في هذا الأمر يفكر بطريقة مختلفة عنهم بألف درجة. أنا أعلم أن هذا الحرس القومي لن يوجد بدوننا”.

إلا أن “بينيت” بدا حذرا أكثر، فقد صدر عن مكتب رئيس الحكومة أنه “بالفعل قد قابل أعضاء الحارس الجديد واستمع لموقفهم. إن رئيس الحكومة يقدر نشاطهم الناجح طوال هذه السنوات في الحراسة والحفاظ على الأمن وعلى أراضي المزارعين. ولكن مع ذلك، في هذه المرحلة تجري مباحثات منتظمة برئاسة وزارة الأمن الداخلي ومجلس الأمن القومي، وعلى إثرها ستتقرر طريقة مشاركة المواطنين في الحرس القومي – المدني”.

على أية حال، إن “زيبلرمان” مقتنع بأن إنشاء قوة مدنية مسلحة من هذا القبيل هو أمر ضروري. “لا يوجد فراغ” حسب رأيه. وفي الحقيقة، في الأسابيع الأخيرة أنشأت في كل أنحاء البلاد دوريات من المواطنين نتيجة وجود تراجع في الإحساس بالأمن العام، جزء من هذه الدوريات خرجت بمبادرة من أعضاء اليمين المتطرف. يقول “زيلبرمان” : “إن هذه المبادرات تتغذى على شعور هائل بانعدام الأمن، والذي ينشئها يقوم بذلك بسبب ضيقه وشعوره بأن الدولة تخلت عنه”.  ويضيف “زيلبرمان” أن هذه الدوريات يمكن أن يكون لها أضرار، ولا ينكر أن هناك تشابهاً معقداً بين الحارس الجديد وبين عصابات الشوارع، ولكن في المحصلة يرى أن الحارس الجديد هو الذي كان موجودا أولاً.

****

لقد تجاوزت نشاطات المنظمة منذ فترة طويلة مجالي الحراسة والحماية، إذ يكرس الحارس الجديد جهوده اليوم لنشر مبادئه بين طلاب المرحلة الثانوية.  حيث بقول “ران كوهين” (من الكتلة الديمقراطية)، الذي يتتبع أنشطة الحارس الجديد: “إن الحارس الجديد بدأ طريقه كمنظمة يمينية متشددة بدعم من رعاة المشروع الاستيطاني. ولكن في مرحلة معينة فهم أعضاء الحارس الجديد أن التوجه للمزارعين فقط غير كافٍ للتقدم في تحقيق أجندتهم، وإنما من الضروري عليهم أن يصلوا للفتيان والفتيات. ومن خلال عملية مخططة، بدأوا بتوجيه نشاطهم نحو الجيل الشاب، فقاموا بتسيير الرحلات، وتنفيذ الفعاليات والنشاطات التعليمية المخصصة للجيل الشاب. ولكن المحرك الأيديولوج

ي للمنظمة لم يتغير، وإنما أصبح متنكراً بصورة الوسط المعتدل”.

حسب الحارس الجديد، فإن العنوان الأبرز لنشاطاتهم هو مشروعُ “للحقيقة وللصون”، وهذا المشروع هو ثمرة التعاون بين المنظمة ووزارة الشؤون الدينية. يخرجون طلاب الصف العاشر، ضمن هذا المشروع، في رحلة لأربعة أيام يخوضون خلالها تجربة العمل في الأرض ويلتقون بمزارعين. وحسب الحارس الجديد، فمنذ انطلاق هذا المشروع شارك فيه عدد كبير من المدارس الثانوية.

نجحت المنظمة أيضاً في اجتذاب مؤسسات تعلميمية نخبوية تمثل معاقل اليسار الليبرالي. تروي “لئاه ميلر فورستات” – أم أحد التلامذة في الصف العاشر في مدرسة ليدي ديفيس الواقعة شمال تل أبيب – أن أولياء الأمور أُعلموا بنية المدرسة لمشاركة الطلاب في رحلة مع الحارس الجديد؛ خلال لقاء زووم روتيني. حيث تقول عندما سمعت ذلك “فجأة انشحذ سمعي، وقلت حسب معرفتي فإن الحديث يدور عن منظمة يمينية ذات أجندات واضحة.  حاولت الموجهة أن تهدّئ الأمور، وقالت إن طاقم المدرسة عقد مع المنظمة لقاءً تحضيرياً، وأكدت خلاله أنها لن تمنع أحداً من الأولاد من التعبير عن رأيه. فقلت لها، أنت بالتأكيد تمزحين، ليس من المفترض أن يكون الأولاد في موقف دفاعي ورد على المرشدين الذي يقومون بغسيل أدمغتهم. ولكن الموجهة بررت الموضوع بأن الرحلة رخيصة جداً، حيث إن المدرسة ستدفع مقابل يوم واحد في حين سيحصل الطلاب على أربعة أيام”.

لم تتراجع إدارة المدرسة عن موقفها، وكان رد فعل غالبية أولياء الأمور غير مبالٍ. حتى أن ابن “ميلر فورستات” اختار أن يذهب إلى الرحلة مع بقية طلاب صفه. وافقت ميلر فورستات مبررة ذلك: “لم أرغب في فرض استبعاد مجتمعي عليه”.

استطاع الحارس الجديد، منذ سنوات معدودة، أن يدخل أيضا لمدرسة “القرية الخضراء”، وهي مدرسة زراعية تقع بين “تل أبيب” و”رمات هشارون”. وفي هذه الحالة أيضاً كانت المعارضة محلية وباهتة. يروي وليّ أمر طالبة في الصف العاشر في المدرسة: “حاولنا أن ندفع أولياء الأمور للعمل ضد هذا الأمر، لأننا شعرنا أن هذا الأمر أزعجهم، ولكن الناس لم يريدوا أن ينضموا لمبادرتنا. لم أرسل ابنتي لهذه الرحلة، لطالما بدت لي هذه المنظمة كجسم يتستر بمساعدة المزارعين. في المحصلة، إن مصطلح “الإرهاب الزراعي” يهدف إلى إعطاء الجرائم الزراعية أبعادا قومية. عندما تتحول منظمة كهذه إلى جسم تربوي، فإن في ذلك خطر كبير. عندما قلنا هذا الكلام لإدارة المدرسة كانت إجاباتهم التي ردوا بها علينا من نمط ’أنه من المهم أيضا أن يتعرف الطلاب على وجهات نظر أخرى’”.

قاد “رام فرومان” ولي أمر طالبة في الصف العاشر في مدرسة “الأليانس” الواقعة في شمال “تل أبيب” ورئيس المنتدى العلماني، حملة احتجاج مشابهة. يقول “فرومان”: “كان واضحا لي من البداية أن هذه المنظمة هي منظمة سياسية يمينية، ولذلك حاولت الاعتراض. إلا أن إدارة المدرسة قررت المضي قدماً في هذا الأمر على كل حال”. طلب فرومان من ابنته أن تظل متيقظةً لمحتوى هذه الرحلة. حيث يروي: “عندما عادت ابنتي من الرحلة، أخبرتني أن المحتوى الأساسي في الرحلة كان المشاركة في قطاف الزيتون، ولكن في الليلة التي سبقت توجههم للكرم للمشاركة في قطاف الزيتون، أخبروهم أن الكرم نُهب نهاية هذا الأسبوع؛ نتيجة أعمال “إرهاب زراعي”، ولذلك لن يكون هناك قطاف. أنا أشك أن هذا كان تلاعباً. قالت لي ابنتي أنه لم تكن هناك أي علامات على أعمال “إرهاب”. ولكن الفكرة قد وصلت للطلاب”.

بالإضافة للرحلات، ترسل المنظمة طلاب المدارس لممارسة نشاطات “المشاركة المجتمعية”. حيث تبتعث المنظمة، على سبيل المثال، مئات التلاميذ لمزرعة أقامتها جمعية “إلعاد” في وادي “بن هنوم” جنوب البلدة القديمة في القدس، على أراضٍ مملوكة ملكية خاصة لفلسطينيين. أظهر الحارس الجديد أنه منخرط بشكل مكثّف في هذا المشروع، حيث يؤدي التلامذة الذين ترسلهم المنظمة أعمال بستنة وتطوير للمزرعة. في هذا السياق، يقول “أوروي إيرليخ”، من منظمة علماء الآثار (عميك شفييه): “إنهم يرسلون الأولاد والفتيان للعمل في أرض شخص آخر، ويعرّفون هذا الأمر لديهم على أنه عمل تطوعي لخدمة المجتمع”، في إشارة للسخرية التي ينطوي عليها هذا الأمر. ولكن “زيلبرمان” يرد على المنتقدين بأن هذا المشروع يجري بالتنسيق مع وزارة شؤون القدس (الإسرائيلية)، وبلدية القدس، وليس مع جمعية “إلعاد”.

خلال الشهر الماضي خرج طلاب مدرسة “تلما يلين” للفنون، أيضا، ليوم “مشاركة مجتمعية” بالاشتراك مع الحارس الجديد. ولكنهم توجهوا لمنطقة مفتوحة في جبال القدس بمحاذاة الخط الأخضر. بينما شارك طلاب أستوديو “أنوكري” في يافا، ذي التوجه الفني بيوم “مشاركة مجتمعية”، بمعية الحارس الجديد في منطقة “حيبل لخيش”.

يقول “رون غرليتش” مدير عام جمعية “سيكوي” السابق الذي يسكن في مستوطنة “سريغيم” في “المجلس الإقليمي ليهودا” أن ابنته دعيت للمشاركة في نشاط زراعة الأشجار، الذي نظمه الحارس الجديد، بمناسبة عيد الشجرة اليهودي. يوضح “غرليتش” : “لقد أخذوا الأولاد لزراعة الأشجار في النقب، تعهدوا أن هذا النشاط لن يكون سياسياً، ولكن في الواقع وصل إلى هناك كل قيادات الحارس الجديد، وغرسوا في الأولاد أفكاراً كارثيةً مفادها أن العرب لصوص يفسدون الحقول”.

يضيف “غيرليتش” : “في مستوطنتنا يوجد عدد من متطوعي سنة الخدمة المنتمين للحارس الجديد، إنهم ثلة رائعة حقا. يتمزق قلبي وأنا أشاهدهم، كان بالإمكان استغلال إرادتهم للتطوع بألف طريقة أخرى. توجد الكثير من المشاكل المجتمعية في الدولة. وبدل أن يُوجهوا للتطوع في حلها، هاهم يحرسون الحقول في الليل من العرب. واضحة هي المشاعر التي سيوقظها بداخلهم هذا التطوع تجاه العرب”.

لقد قرر الحارس الجديد أن ينشأ حركة شبيبة خاصة به. فبعد نقاشات قرروا أن تتأسس حركة الشبيبة على قواعد فرقة “بني هموشافيم” التي كانت جزءً من الحركة العاملة والمتعلمة التابعة للحركة الاستيطانية العمالية.

لقد أتاح الارتباط بإحدى قواعد القوة المهمة لحزب العمل تاريخياً، للحارس الجديد أن يحكم قبضته على الحيز الريفي لحركة الاستيطان العمالي. وبنفس القدر من الأهمية ، فقد أتاح هذا الارتباط للمنظمة الحصول على حصة من عشرات الملايين من الشواقل التي تحولها وزارة التعليم إلى حركات الشبيبة كل سنة.

نظر أضلاع المثلث الثلاثة – الحارس الجديد، وحركة الموشافيم، والشبيبة العمالية –  إلى هذا الأمر كحدث صادم، إلا أن آراءهم حوله تباينت. فقد وصف أعضاء الشبيبة العمالية هذا الحدث بأنه محاولة هيمنة على حركتهم تهدف إلى تفكيكها. فيما عبّر عدد غير قليل من أعضاء حركة “الموشافيم” عنه بأنه “اختطاف”. ولكن الحارس الجديد عرض الحدث بسردية مغايرة تقول أن حركة “أبناء الموشافيم”، على أية حال، أرادت أن تستقل بنفسها، وضمن هذا المسعى قام الحارس الجديد بتبنيها كجزء من “تعاون قيّم واستراتيجي”.

في اللحظة التي اتخذ فيها هذا القرار، طلب من طلاب الأنوية التابعة لحركة “أبناء الموشافيم”، في كل المستوطنات التي كانت الحركة تمارس نشاطها فيها، أن يستبدلوا شاراتهم الحمر بالشارات الزرقاء (لازوردية) الخاصة بالحركة الجديدة. استجاب معظم الآباء لهذا القرار، إلا أن ثلة صغيرة تساءلوا حول الأسباب التي تقف خلفه. إحدى الأمهات من موشاف “يد حناه” التي كان أبناؤها طلاباً في حركة “أبناء الموشافيم”، تقول: “كان لدي إحساس غير لطيف بأن أحداً ما يحاول أن يمارس السياسة على ظهور الأولاد”. قرر الآباء في موشاف “يد حناه” أن لا ينتقلوا مع حركة “أبناء الموشافيم” للحارس الجديد، وضموا أولادهم لحركة الشبيبة التابعة للاتحاد الزراعي. إلا أن الغالبية العظمى من “الموشافيم” التابعين للمجلس، البالغ عددهم 41، انضموا للحارس الجديد.

كان التوجه في مجالس أخرى مشابها. ففي المرحلة الأولى، انضم قرابة 300 فرع من فروع “أبناء الموشافيم” للحركة الجديدة، وظل مئة فرع فقط ضمن فرقة “أبناء الموشافيم”. كان هذا الأمر، من وجهة نظر الحارس الجديد، نجاحا باهرا. إلا أن أزمة مستمرة ثارت خلال عملية الانتقال حول إدارة حركة الموشافيم. ولذلك قررت “أبناء الموشافيم” التراجع عن التقسيم، وعليه فقد انسحب قرابة 170 مستوطنة (ييشوف) من التحالف مع الحارس الجديد. يقولون في المنظمة أن حركة الشبيبة التابعة لهم يبلغ تعداد طلابها 24 ألف طالب موزعين على 260 ييشوف.

*****

في شتاء 2020، أُرسل الجندي آبشلوم زوهار سال، من لواء ناحال خلال خدمته النظامية، لحراسة مزرعة “أل نوفيه”، وهي بؤرة استيطانية في شمال الضفة الغربية، أقامها الزوجان “بي إيل” و”نداف شفيرتس” بالقرب من مستوطنة “ريحان” وقرية قفين الفلسطينية، ويسكنان فيها مع ابنتهم الصغيرة وحدهم، ويديران فيها مزرعة أغنام. لم يخفِ “زوهار سال” استياءه من هذه المهمة التي أدَّاها عشر مرات خلال ثلاثة أشهر. يقول “زوهار سال”: “كنت تقريبا في نهاية خدمتي، ولم أخشَ من إبداء رأيي من استخدامنا لحراسة بؤرة منعزلة تسكنها عائلة واحدة”.

سرعان ما اكتشف “زوهار سال” أن هذه المزرعة ليست موجودة بفضل الحماس الأيديولوجي للزوجين المؤسسين، وإنما بشكل أساسي بسبب الوجود الدائم والمكثف لمتطوعي الحارس الجديد في المكان. يقول “زوهار سال” الذي أنهى خدمتها العسكرية في ذلك الوقت: “أقدِّر أنني قابلت، خلال تلك الفترة، أكثر من 20 عضواً من أعضاء الحارس الجديد ومنظمة الحراسة في يهودا والسامرة (وهذه الثانية هي منظمة متشددة استلهمت تجربة الحارس الجديد، ولكنها منفصلة عنه). في الواقع، إن هؤلاء المتطوعين هم من أداروا المزرعة، وهم من يرعون الأغنام، ويصلحون الأعطال التي تحدث، ويحرسون المزرعة بطبيعة الحال. لقد فهمت أن هؤلاء المتطوعين هم من يحرسون البؤرة عندما لا نكون نحن، الجنود، موجودين. تبادر لي أن أتحدث معهم، وأن أسألهم عما يبحثون هناك. لقد كان هذا الأمر واضحاً بالنسبة لهم، “للاستيطان في «أرض إسرائيل»، لمحاربة العدو العربي، ولتعزيز الاستيطان”، هذا ما كانوا يسعون إليه.

يكمل “زوهار سال”: “جلسنا أيضا على موائد مع الزوجين ومع المتطوعين، روى لي صاحب المكان أنه أحضر سلاحه لأحد المتطوعين حتى يشعر كيف يكون هذا الأمر”.

كان نشاط الحارس الجديد في البؤرة علنياً وثابتاً. تُنشر صور على صفحة الفيسبوك الخاصة بالمزرعة تُظهر المتطوعين خلال ممارسة أعمالهم. كُتب في أحد المنشورات على الصفحة: “وصل إلى هنا 150 متطوعاً من الحارس الجديد، يحملون مجرفةً بيد والنار في أعينهم. أعددنا هذه المنطقة معاً لزراعة كرم عنب، لقد كانت تجربةً مجنونةً ومثيرة”. وفي منشور آخر كتب الزوجان: “إن هؤلاء الشبان هم مستقبلنا”.

تقول “ليئات كوهين بينت” المتحدثة باسم الحارس الجديد، أن الأمر ليس على هذا النحو، حيث تشير إلى أن الحديث لا يدور عن تعاون رسمي بين البؤرة ومنظمتها. فحسب قولها:”إن أصحاب المزرعة هم من خريجي منظمتنا، ولذلك فمن الطبيعي أن يكون لهم أصدقاء ومعارف في المنظمة”. مع أنه يبدو أن لدى مؤسسي المنظمة رأي آخر.

إذ يقول “ريفمان”: “عليّ أن أقول أنني مع الوقت تخلصت من الاكتراث بهذا الموضوع “نعمل في يهودا والسامرة، لا نعمل في يهودا والسامرة”، بالنسبة لي حيث يكون لدولة «إسرائيل» عمل زراعي، فهذا أمر رائع أن نكون هناك”.

في الواقع، صحيح أن المنظمة امتنعت  في عقدها الأول عن ممارسة نشاطاتها في الضفة الغربية علانية، إلا أنه من المعروف أن هذه السياسة تغيرت في السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، قد وُثّق وجود عناصر من المنظمة في بؤرة ومزارع مقامة في الأغوار برفقة مستوطنين شوهدوا بشكل موثق وهم يعتدون على نشطاء يساريين (إسرائيليين) ويضايقون سكاناً فلسطينيين في المنطقة.

يبرر “زيلبرمان” ذلك بقوله: “إن ما تدعوه أنت بؤراً استيطانية هي مزارع زراعية أقيمت بتعليمات من الجيش. لقد رأت المملكة، أو الدولة كما يقال، أن هناك ضرورة حيوية للاستحواذ على تلك المناطق المفتوحة، ولذلك أرسلت هؤلاء الأشخاص إلى هناك. وأنا مخلص أشد الإخلاص لهذه السياسة. ما الفرق بين وجودي أنا في الأغوار وبين وجود حركات مثل الشبيبة العاملة والمتعلمة أو معسكرات المهاجرين المنتمية لليسار؟”.

أما في ما يتعلق بمسألة شرعية هذه البؤر الاستيطانية، فإن لدى “زيلبرمان” إجابة واضحة، إذ يقول: “إذا أثبت لي أن هناك مزارعاً وحيدا تقول عنه الشرطة “أنه مجرم”، أو أن هناك إجراءات قضائية تتخذ ضده بتهمة العنف، فإنني سأنسحب من هناك فورا. ولكن طالما هو موجود هناك بغطاء من دولة «إسرائيل»، فمن أنا حتى أعارض وجوده؟ أنت تطلب مني أن أنظر للأمور من منظور سياسي بين يمين أو يسار. وأنا لا أرغب في ذلك”.

لقد ساهم أعضاء الحارس الجديد أيضا في إنشاء الحديقة “القومية” “ناحل رفائيم” التي أنشأت عام 2018 على أراضي القرية الفلسطينية (الولجة). تمثلت مساهمة الحارس الجديد في تجنيد طلاب مدرسة “بيوآر” في القدس لخدمة المشروع، الذين نفّذوا أعمال تطوير لعين الحنية، إحدى أروع زوايا الحديقة، التي توجد على الحدود مع الخط الأخضر من الجانب الإسرائيلي. وبعد سنة من ذلك، افتخر “أرييه كينغ” بتخليص قطعة أرض في شرق القدس من “أيدي الأغراب”، وتوجه بالشكر لأعضاء الحارس الجديد “على المديرين ومتطوعيهم” الذين شكّلوا قوة مساعدة لحصاد تلك القطعة.

في شهر تشرين الأول/أوكتوبر عام 2018 بدأت منظمة الحارس الجديد بتقدم خدمات الحراسة لمزرعة “كشواله” وهي بؤرة استيطانية في منطقة غوش عتصيون. وبعد سنة من ذلك تمأسست وتوسعت نشاطات الحارس الجديد لتشمل منطقة إضافية، فقد جاء في منشور نشر على الصفحة الإخبارية لمستوطنة “ألون موريه” أن المستوطنة دعت عددا من المستوطنين للإبلاغ عن إعمال بناء فلسطينية لعدد من المنظمات، وكان من بين الذين تم إبلاغهم بذلك “أفيحاي بينتو” ممثل منظمة الحارس الجديد. وحسب خبر أوردته صحيفة “إسرائيل اليوم”، وتمت مشاركته على صفحة الفيسبوك الخاصة بالحارس الجديد، فإن المنظمة تقوم أيضا بمساعدة مستوطني بؤرة “آفيغيل” المقامة جنوب جبل الخليل، “في حراسة أراضيهم وممتلكاتهم”.

*****

ما زال الهدوء يخيم على غابة لاهاف، ولكن فجأة تتصل إحدى الجيبات وتبلغ عن أن هناك سيارة سكودا تسير بتهور بين مسارات الغابة متوجهة نحو قواتنا. لم تمضِ دقيقة حتى ظهرت سيارة السكودا، أغلق المتطوعون الطريق أمامها وتوقفت السيارة. سأل المتطوعون، وهم يوجهون أضواءهم نحو السائق وصديقه، عن سبب وجودهم في هذا المكان في هذه الساعة المتأخرة من الليل.  أجاب الاثنان إجابة منطقية مشيرين إلى أن هذه منطقة عامة مفتوحة. تركت الجيبات سيارة السكودا تكمل طريقها. يوضح “تامير أفوكسيس” مدير قيادة القطاع الجنوبي في المنظمة أن “أساس العمل الموجود هنا هو الحضور، عندما يقابلون (أعضاء منظمته) شخصا” ما، ويقولون له “سر على مهل، كل شيء على ما يرام”، إن هذا يؤدي إلى تراجع أعداد الجرائم بصورة كبيرة”.

إن هناك حقيقة أساسية يجب أن يُعترف بها، وهي أن المنظمة نجحت حيث فشلت الدولة. تحادث ملحق “هآرتس” خلال الأسابيع الماضية مع عدد من المزارعين في الجنوب ورووا له كيف أن المنظمة أبلت بلاءً حسنا في الدفاع عن مناطقهم. حيث يروي “بوكر” أحد مستوطني منطقة “رموت مشناه”، أن مجلس الكيبوتس اتخذ قرار التواصل مع الحارس الجديد بعد أن يئس أعضاء الكيبوتس من استجابة الشرطة حيال سرقة جيرانهم المتكررة للعجول. حيث يقول بوكر: “إن كيبوتسنا يقوم على هذا المصدر الاقتصادي، وقد وصلنا إلى حالة من الإحباط. في الربع الأول من هذا العام، تراجع عدد السرقات إلى النصف بعد أن استعنا بدوريات الحارس الجديد لحراسة المنطقة. وبعد ذلك وسّعنا التعاون معهم، وأضفنا مزيداً من المتطوعين، وفي الربع الذي تلاه عشنا حالة طبيعية لأول مرة منذ سنين”.

إن معظم هؤلاء المزارعين هم من أعضاء الكيبوتسات والموشافيم المنتمون لليسار، وربما هناك جزء منهم لا يشعرون بارتياح إزاء مصطلح “الإرهاب الزراعي” الذي تحول إلى مصطلح مرتبط بشكل وثيق بالحارس الجديد، ولكن من المؤكد أنهم يدينون بالشكر للحارس الجديد على نشاطاته.

لا يتنكّر أعضاء المنظمة من المصطلح الخلّاق “الإرهاب الزراعي”، ولكنهم يدعون أن هذا المصطلح موجود من تلقاء نفسه. أرتني المتحدثة باسم المنظمة “كوهين بينت” صورة أرسلها لها مزراع، كانت نصف أشجار بستانه قد اقتُلعت، ووُسم الصليب المعقوف على حائط مزرعته. قالت لي: “أنت قل لي، هل هذه جريمة أم إرهاب؟”.

يقول ريفمان: “طوال سنوات كان هناك جدال داخلي بيننا حول المصطلح الذي يجب أن نستخدمه، الجريمة أم الإرهاب. ولكن في النهاية توصلت إلى استنتاج بأن محاولة التفريق بين المصطلحين ستؤول إلى الفشل. لا يمكننا أن نتجاهل أن هناك دوافع قومية تقف خلف جزء من حوادث الجريمة الزراعية. إن السطو على البساتين وسرقة القطعان لا تحدث فقط بسبب قلة الاستثمار في تربية أبناء أم الفحم ومُصمُص، ولن تتوقف هذه الحوادث حتى لو خصصوا لهم المزيد من الميزانيات والموارد”.

يؤكد أعضاء الحارس الجديد على أن نشاطاتهم لا تقتصر على المزراع التي يملكها يهود. يوضح “زيلبرمان” : “لقد حللنا أزمات بين عرب وبدو في الشمال، أستطيع أن أحيلك لمزارع من رومة الهيب تأثر حتى البكاء عندما رأى متطوعين يهود يصلحون له سياج مزرعته الذي تقطّع خلال مواجهة مع حمولة مجاورة. طالما أن الدولة أذنت لشخص ما بأن يصبح مزراعاً، فإنه سيحصل على مساعدتنا. أنا لا أكترث بلون جلده، أو لمن يصوت في الانتخابات، أو لمن يصلي”.

****

كانت العمليات الأخيرة هي العامل الملح للدعوة لإنشاء الحرس القومي، إلا أن جذور هذه الدعوة نبتت قبل سنة عندما اندلعت أعمال الشغب في المدن المختلطة. حيث حذّر حينها أعضاء النواة التوراتية في اللد من أن الشرطة عجزت عن الدفاع عنهم، وطالبوا بـ”تعزيزات”. جاءت الاستجابة لهذه النداءات من طرف نشطاء يمينيين قادوا مبادرات، بعضها منظم وبعضها غير قانوني، توجهت على أثرها فرق من المتطوعين المسلحين للدفاع عنهم.

كان للحارس الجديد دور أيضاً في هذا الإطار. حيث جاء في بيان نشرته المنظمة في أوج الأحداث: “مطلوب على وجه السرعة متطوعون بالغون فوق سن 21 للحراسة والدفاع عن أمن سكان مدينة اللد…إن الشجاعة الشعبية والضمانات المتبادلة بين أبناء الشعب ستضمن الحفاظ على سيادة دولة «إسرائيل»  على كل أرجائها، وعلى كل مواطنيها”.

حسب البيان، كان دور المتطوعين يشمل حراسة الشقق التي هرب منها أصحابها، الرقابة الميدانية، ورفع معنويات السكان. كما أن البيان أكّد على “غرفة عمليات للمتطوعين” ستقام بالتنسيق مع الجهات التنفيذية والأمنية.

مرت سنة كاملة منذ ذلك الحين، من الواضح أن اللد لم تكن سوى محطة الإقلاع، بينما ينظر “زيلبرمان” إلى الأمام ولديه مخططات كبرى: “إن ما يلهمنا هو كتابات كُتبت قبل 100 سنة ما تزال ذات صلة بالواقع، كتابات فيها وميض للحاضر، ومن هذا المنطلق ها نحن نبني حركة ونحن ننظر إلى مئة سنة إلى الأمام، على الأقل”.