المسخرة، في فلسطين، فعل جمال ثوري. والناس، في فلسطين، “بيرشُّوا ع الموت سُكَّرْ” إن استطاعوا. والقيادة، في فلسطين، منكفئة، وجعلت من نفسها، حرفياً، مسخرة. والشعب، في فلسطين، مشتبك مع العدوِّ وجعله، حرفياً، مسخرة. .. وهذه مناسبةٌ لمديح الفكاهة الحمراء التي أمَّنت أداءَها للفلسطينيين حميمةُ المسافة- صفر من العدو.

 

 

المسخرة، في فلسطين، فعل جمال ثوري. والناس، في فلسطين، “بيرشُّوا ع الموت سُكَّرْ” إن استطاعوا. والقيادة، في فلسطين، منكفئة، وجعلت من نفسها، حرفياً، مسخرة. والشعب، في فلسطين، مشتبك مع العدوِّ وجعله، حرفياً، مسخرة. وبين القيادة ومثيلاتها من الرسميَّات العربية والشعب، أمثولة أخلاقية، هي القدس: الحيِّز الذي فيه تُختبَر المعجزات، وتنماز الخِراف من الجِداء. ومن لا يتعرَّف، اليوم، على مقدار حُبِّه لحُماتها، ويكون معها بكل ما استطاع، فلا قلب له. وهذه مناسبةٌ لمديح الفكاهة الحمراء التي أمَّنت أداءَها للفلسطينيين حميمية المسافة- صفر من العدو، ومناسبةٌ، كذلك، للقول على مشهدية الانتفاضة؛ وقواعد الاشتباك؛ وأداءات الفكاهة؛ ورصد غاياتها… حيث بين الجمالية والفاعلية، تؤدِّي المسخرة مهمَّتها النبيلة.

 

في معازل الضفة، التي أسماها العدو “مناطق السلطة”، نضجت ثمرة أوسلو المرَّة، فأُجهضت مشهدية الانتفاضة، فكرةً وممارسةً وبنية، عبر وكلاء حالوا بين شعبهم المقهور وعدوِّه المتغطرس، وأتاحوا له مداخل آمنة، خضوعاً وتنسيقاً، لتنفيذ استباحاته المتوالية: تنكيلاً، واعتقالاً، وهدماً… وحاولوا فرض منطق “السِّلْمية” الأحمق على مواجهة العدو-عدو الشعب، لا عدو السلطة. وبامتثالهم لقواعد المواجهة الناعمة، صاروا هم الجسم النافي لإمكانية الاشتباك مع العدو من المسافة- صفر، صاروا “جداره الحريري” و”جداره الطيِّب” في آن معاً… ومنحوه وعداً، خالداً في سجلِّ هزيمتهم، ألا تقوم انتفاضة ثالثة وهم في السلطة، فيما احتفظ العدو، راضياً عن أداء وكلائه، بـ”جداره الحديدي” الأثير.

وفي غزة المحاصرة، وعلى الرغم من تثبيت المقاومة الفلسطينية الباسلة معادلةَ الردع بالحديد والنار، حَرَم “السلكُ” أبناءَ غزة، أيضاً، من حميمية الاشتباك من المسافة- صفر مع العدو، اللهم في لحظات النزال العسكري المجيد، وفي مسيرات العودة، التي لم تنجز هدفها بعد. ورغم ذلك كلَّه، لم تنعدم مقاومة العدو في هاتين الجغرافيتين جراء قناعة الفلسطينيين المظلومين فيهما بأن دولة الاستعمار الصهيوني شرٌّ مطلق، وأنها ماضية في مخطط تطهيرها العرقي الذي تحكمه مقولتها “إن حرب العام 1948 لم تنتهِ بعد”، أي إنها لن تنتهي إلا بتطهير فلسطين من أصحابها الأصلانيين.  

أما في القدس، مدينة الأنبياء فعلاً، وفي بقية أرجاء فلسطين المحتلة في العام 1948، فقد كان الفلسطينيون أكثر حظوة من أبناء شعبهم الآخرين بأن حافظوا على حميمة الاشتباك من المسافة- صفر مع العدو. وعلى الرغم من مركزية البنية الأمنية الصهيونية (الجيش، والشرطة، وأجهزة المخابرات المتعددة)، وما يتفرَّع عنها من وحدات، إلا أن التقسيمات الاستعمارية لفلسطين التاريخية، فرضت تفاوتاً ما في “تطبيق” قواعد الاشتباك، أو “التعامل” مع الفلسطينيين يتعلَّق بـ”المكانة القانونية” لفلسطينيي القدس وفلسطين المحتلة في العام 1948 ، مع أنها لا تتعلق، بالتأكيد، باختلاف فاشيَّة المعايير، ومقدار وحشيَّتها.

ففي القدس، حيث لا “سلطة بلا سلطة”، ولا جدران “حريرية” ولا “طيِّبة” تُباعِد بين الظالم والمظلوم، ولا تعهُّد من “وليِّ الأمر” بعدم قيام انتفاضة ثالثة… أتاحت “ميزة” المسافة- صفر تحقيق إنجازات هامة، ليس على مستوى حماية القدس والمقدسيين وحسب، بل وعلى مستوى تهشيم صورة العدو وتهشيشها، ورفع الروح المعنوية في مواجهة واحدة من أعتى البنى الأمنية في العالم وأكثرها وحشية بصدورهم العارية، وبقوة الحق. فقد شهدت مواجهة باب العامود-الشيخ جرَّاح-المسجد الأقصى المحتدمة، الآن، ظاهرة نادرة، وهي تكرار مشاهد التهكُّم والسخرية من جنود العدو وضبَّاطه ومنظومته الأمنية بأسرها. وقد استثمر الفلسطينيون هذه المشاهد، الموثَّقة بالصوت والصورة، وعملوا على ترويجها، لتؤدي غايتها القصوى برفع الروح المعنوية، والتحفيز على الالتحام، بعد أن أدَّت غايتها الدنيا في تسجيل انتصارات خاطفة في لحظة الاشتباك.

لم يتوقف الأمر عند تشظية صورة الجندي المدجج بالسلاح والفاشية، بوصفه بُعبعاً يأمرُ فيُطاع، أو قدراً عنفياً لا يمكن ردُّه، بل تجاوز ذلك نحو جعله موضوعاً للمسخرة الفطرية، والفرجة المقصودة، حيث وجد درء السيل درءاً يصدعه. وقد ظهر هذان النوعان من المسخرة والفرجة، اللذان يحق للفلسطينيين تسجليهما كاختراع مقدسي بوصفه “فكاهة حمراء” لوَّنتها دماؤهم، في أربعة أشكال أدائية، استهدفت: قوة العدو البشرية (من جنود ومستوطنين وسياسيين فاشيين)؛ ومعداته العسكرية (من مركبات وأسلحة وأدوات بطش)؛ وسياساته القمعية (من إجراءات منع الحركة، والسحل، والاعتقال)؛ وفن “التفاوض” في حياة لا تعرف إلا المواجهة.

على مستوى القوة البشرية، عمد المقدسيون إلى الاشتباك مع جنود الاحتلال ومستوطنيه من المسافة- صفر، وتسديد ضربات مباشرة لمنطقة الوجه والرأس، بنمط قتال الشوارع الذي كسر “هيبة” الزي العسكري ومرِّغ “شرف” السلاح، الذي لا يسعف حامله، في التراب، فانتشرت تسجيلات: لشبل يصفع مستوطناً متديناً في القطار الذي يخترق جسد القدس؛ ولآخرين يركلون مستوطناً، لم تحمله قدماه، بعد أن تجرأ على المجيء إلى منطقة المصرارة؛ ولفتى يضرب بحجر جندياً من “حرس الحدود” مباشرة في الوجه، ويتركه يتلوَّى نازفاً وسط هتاف المتواجدين أعلى درجات باب العامود؛ ولشاب يقفز على رؤوس أفراد شرطة الاحتلال، أسفل درجات باب العامود، بعد أن نصبوا الحواجز لمنع الناس من الوصول إلى المسجد الأقصى للصلاة؛ ولمجموعة شباب يهشمون وجهيْ جنديين صهيونيين في العيسوية بعد أن حاولا اعتقال أحد رفاقهم؛  ولشاب عفيِّ البنية لا يتمكَّن أفراد وحدة كاملة من الشرطة من إدخاله في السيارة خلال الاعتقال؛ ولشاب آخر يواجه جنود الاحتلال عند أحد أبواب المسجد الأقصى، ويتحدى أحدهم أن يلقي سلاحه، ويهدده بأنه “سيشقَّه نصفين”؛ ولشابة مسحت الأرض، حرفياً، بشرطية إسرائيلية بعد أن جرَّتها من شعرها جرَّاء تطاولها على مجموعة من الفتيات المقدسيات الجالسات على مسطبة داخل البلدة القديمة، في مواجهة سابقة. 

أما على مستوى المعدات العسكرية، فقد حوَّلها المقدسيون إلى مسارح متحرِّكة للفرجة التلقائية: فسخر الشباب من آليَّة رش المياه العادية باختراع معطِّر للجو؛ ورفع شاب العلم الفلسطيني على سيارة للشرطة الإسرائيلية في باب الواد بعد نجاح فزعة المقدسيين لنجدة إخوتهم الفلسطينيين القادمين من الجليل والمثلث وديار بير السبع نحو الأقصى، حيث قطعت شرطة الاحتلال الطريق على حافلاتهم. لم يكتف الشباب بحمل إخوتهم إلى قلب القدس في سياراتهم، بل أغلقوا طريق يافا-القدس، عند باب الواد… أغلقوا الطريق الرئيسي المؤدي إلى “تل أبيب” مدة أربع ساعات؛ ومزَّق شاب العلم الإسرائيلي المرفوع على سيارة مستوطن في طريق بيت حنينا-لفتا (“طريق بيغن”)، وتحدَّى مستوطناً آخر أبدى امتعاضه؛ وكسَّر شاب زجاج سيَّارة للشرطة الصهيونية بقدمه بحركات قتال شوارع في محيط شارع صلاح الدين؛ وحاول مقدسيٌّ ساخر، في مشهد سابق لانتفاضة باب العامود، أن يصعد إلى المقعد الأمامي في سيارة الشرطة خلال اعتقاله ومجموعة من رفاقه؛ وغنِم آخرون أدوات قمع من عصيٍ وخوذ خلال المواجهة داخل أسوار الأقصى.

وأما على مستوى سياسات العدو القمعية، فقد أذهلت العالم الصور الأيقونية للفلسطينيين الباسمين في لحظات الاعتقال، فيما تبدو ملامح الرهبة والارتباك والجزع على الجنود المدجَّجين بالسلاح، وهم يستمعون لعبارات اللامبالاة الرزينة من رفاقهم: “هوينة”، فيما يصرخ المعتقل: “القدس عربية“؛ وانتشرت، ضمن هذه الابتسامات الثورية حادثة اعتقال شاب من البلدة القديمة تسأله طفلته، عن “لعبتها البيضاء“، يبتسم وهو يخرج من باب منزله مواجهاً طفلته وأهله، فيما يسأله ضابط الوحدة، بالعبرية: “ابنك؟”، فيجب: “نعم”. يقول الضابط: “لقد كبر!” يرد الأب: “الحمد لله”. يعقَّب الضابط: “لا يجب أن يرى الطفل اعتقالك”، ويطلب من الأهل إغلاق الباب! وسبقتها مشاهد فتى يمنح رفيقه “نَفَسَ أرجيله” أخير وقد اقتاد الجنود رفيقه للاعتقال في إحدى حواري البلدة القديمة؛ ويقتحم طفل دشمة شرطة العدو المقامة على يسار درج باب العامود، فيستفز أفراد الوحدة، يحاول أحدهم الإمساك به، فيقفز الطفل مع حركة بهلوانية ساخرة… يقهقه الأطفال والحاضرون، ويعود الشرطي بخيبته.

وفي مشهد آخر يشهر طفل رشاشته البلاستيكية باتجاه الجنود، في الدشمة ذاتها، يُسْتَفَزُّ الضابط، ويسأل والده لماذا يعلِّمه على ذلك؟ يرد الأب أن الطفل يعرف ذلك ولا يتعلَّمه… يحاول الضابط مصافحة الطفل، فيرفض الطفل، ويرفع بندقيته البلاستيكية مرَّة أخرى، فينسحب الضابط مخذولاً؛ ويمرر عشرات الجنود المتَّرسين بحاجز حديدي تحت قوس باب العامود طفلاً لم يتجاوز السابعة من العمر خلال مواجهة ليلية، يدفع أكثرهم حمقاً الطفل من رقبته، يبتعد الطفل مسافة مترين، يثبِّت الطفل “مصَّاصة” الحلوى في فمه، ويلقمُ الجنديَّ حذاءه بضربة مباشرة في الوجه؛ ويختتم أطفال المشهد بجمع مخلَّفات قنابل الغاز والصوت داخل ساحات المسجد الأقصى: يرسمون خارطة بلادهم فلسطين وقبة الصخرة، ويكتبون: “لن تمرُّوا”. 

    

وأما على مستوى فن “التفاوض” في حياة لا تعرف التفاوض، فقد انتشرت مشاهد محادثة بين فتى مقدسيٍّ وضابط صهيوني حاول إقناع الشباب، في منتصف الهبَّة، بمغادرة درج باب العامود والاستمتاع بأجواء رمضان في الساحة، فيرد الشاب: “حلاوة رمضان في الدَّرج”؛ ويفاوض جنديٌّ كهلاً مقدسياً كي يغادر الدرج في مساء رمضاني، فيرد بأنه يحتاج ربع ساعة كي يشرب قهوته في “المكان المناسب-باب العامود”؛ ويتضرَّع عجوز بالدعاء إلى الله، في مشهد آخر، ويطلب من مجنَّدات العدو وجنوده أن يرددوا “آمين”؛ ويخيف عجوز آخر مستوطناً عند مدخل بيت الغاوي المحتل في الشيخ جرَّاح مرتين بحركة عابثة، من الخلف إلى الأمام، وبالعكس، فيرتعد المستوطن الشاب ويتقهقر؛ ويحاول خليليٌّ-مقدسي أن يقنع جندياً جاء لاعتقال شاب من الحي ألا يقوم بذلك، لأن الشاب سيضربه. ويحذِّره بطريقة بالغة الجدية، لكن في مشهد هزلي: “أنا بحكي عشانااااااااك! ولك هو بضربك، والله هذا مجنون يا عمي، والله بضربك! أنا عشانك بحكي! إسمع والله العظيم هونه أهل القدس مجانين يا عمي! أقسم بالله ما هم شافين حدا! يعني هذا بضرب كف وبدخل بنحبس، بتفرقش معه!”؛ ويعقد محام فحماوي محاكمة لمستوطن بدين جاء رفقة مجموعة من أصحابه لاقتحام حاجز الشرطة المنصوب في مدخل الشيخ جرَّاح كان قبل يوم قد رشَّ غاز الفلفل في أعين المعتصمين، يتعرَّف عليه، يتحدَّى الشرطة أن يدخلوه، ويواصل تصويره، ويفضحه، ويتحداه بالعبرية: “إرفع يدك إن كنت رجلاً”؛ ويرد الشباب على رسائل مخابرات العدو  النصية التي تهدد بملاحقة من تم تشخصيه كمشارك في “أعمال عنف في المسجد الأقصى”، بالقول: “لقد تم تشخيصكم بالمشاركة في أعمال قمع للمصلين في المسجد الأقصى. سوف نقوم بمحاسبتك. شباب القدس”…  وهكذا، دواليك. 

ليست هذه المواقف أحداثاً وحسب، بل هي نصوص تاريخية، تكتب التاريخ وهي تصنعه. وعلى الرغم من عدم الكتابة، هنا، للتحليل، بل للتحريض على الاشتباك والتأمل في مساحاته الوفيرة… إلا إنه لا ضير من القول إن الأطر النظرية التي تفسِّر الفكاهة الاجتماعية والسياسية، بيضاء كانت أو سوداء، والتي أخذت في التبلور منذ أربعينات القرن الماضي في إطار تاريخانيات الضحك، قد لا تكون كافية لتفسير الفكاهة الثورية الحمراء، التي أنتجتها انتفاضة القدس. فقد انشغلت الدراسات الثقافية بـتحليل أثر الفكاهة على الأفراد والجماعات؛ ورصد الوظيفة التي تضطلع بها في صياغة الوعي السياسي والوطني وفولذته؛ وتحليل البني الخطابية في البلاغة الساخرة وتحديداً في المجالين السمعي-والبصري؛ وتحليل المضمون الثيماتي من حيث الفحوى والرسائل السياسية عبر فحص: صورة الواقع، والرسالة الأخلاقية، ووسائل التخييل المجازي.

تقوم نظريات الفكاهة، غير المتجانسة بالضرورة، على ثلاث مقولات عامة، تحكم العلاقة بين طرفين في حالة تنافر، هي: التصادم، والاستعلاء، والتنفيس. وحيث “يتواصل” الطرفان، لفظياً أو جسدياً، يصطدم المتوقَّع باللا-متوقَّع، حيث يبدأ الوضع الفكاهي بالتشكُّل، ويكسر توالي التفاصيل رتابة “المبدأ المعياري” القارِّ في ذهن المشاهد حول المآلات المعتادة في ظروف مشابهة، ومع نهاية الحدث يتكرُّس “المبدأ المفارِق”. هنا، يرى المشاهد أن تسلسل “الاعتيادي” قاد إلى نتيجة “غير اعتيادية” عبر ما أحدثه التعارض النصيّ بين المعياري والمفارِق، الأمر الذي يحرر نابض الدهشة، فيتحوُّل التناقض إلى ضحك، ويتحوَّل الضحك إلى فكاهة، وتتحوَّل الفكاهة إلى فرجة ثورية منتِجة.

لا يقال للمواجهة “مواجهة” إلا حين تلتقي الوجوه، وتتناطح الجباه، حرفياً، فتحدِّق في عين عدوُّك، “تنفذ من بؤبؤه”. هذه المواجهة، من النقطة-صفر، لا تتوقف إزهاراتُها عند رفع الروح المعنوية لدى المقدسيين، بل تُجرِّد الصهيوني من هالة الوحش-الآلة-النكرة التي نجحت حتى الآن في تسهيل إفلاته من العقاب بوصفه سناً في دولاب دولة العدو المتوحشة، وحسب. لكن هذه “الحميمية الثورية” تُعلن عن الإنسان الجبان في الصهيوني الجبان، وتجعله قابلاً للمواجهة، وقابلاً للهزيمة، وقابلاً للملاحقة، وقابلاً للثأر منه. وعن هذه المواجهة، يعلِّمنا درس الفلسفة أن الإنساني-واللإنساني لا ينفصلان، بل يتراصفان في لحظة النزال، يتجاوران التحاماً، لكنهما لا يتنافذان أخلاقياً، ولا يستويان.

يتجاوز المقدسيُّون بابتساماتهم وفكاهتهم الحمراء، في مواجهة أهوال سياسات العدو الفاشية وممارساته، تمثُّلَ رائعة إبراهيم طوقان: “عبس الهول فابتسم، وطغى الهول فاقتحم”، ولا يتوقَّفون عند وصف محمود درويش لمن “يصعدون إلى حتفهم باسمين”، وربما لا يفسِّر ثورية فكاهتهم، إلا أغنية ابن الشجرة، إبراهيم الصالح-أبو عرب، في أبطال عملية الزوارق (نهاريا الثانية)-“يمَّا سرينا بصبح” الذين يصاحبون الموت: يقتربون منه، يُبطِلونَ فاعليَّته، يرشُّون عليه سُكَّرْ.