لم يكن انبثاق الجليل في القرن الثامن عشر ككيانٍ سياسيٍّ مصادفةً، ولا حدثاً معلّقاً في فضاءٍ منفصلٍ عما يحيط به من ظروفٍ موضوعيّةٍ ساهمت في خلقه وتكوينه. ظروفٌ تنوعت أسبابها ومحركاتها بين فضاءاتٍ محليّةٍ وإقليميّةٍ ودوليّةٍ. كان صعود الجليل عمليةً تراكميّةً بطيئةً سارت بهدوءٍ حتى نضجت الظروف بما يكفي، لتخلق فرصةً استغلّتها عشيرة الزيادنة التي حظيت بزعيمٍ تمتّع بصفات القيادة والمبادرة والحنكة في ميداني الحرب والسياسة، مُتمكّناً من ترجمة هذه الفرصة، في الوقت المناسب، إلى أفعالٍ منسّقةٍ على الأرض، وواضعاً الأساسَ للكيان السياسيّ المحليّ الذي سيكون له، لاحقاً، أعظمُ الشأن بين أقرانه في سورية العثمانية.
* يمكنكم، قراءنا الأعزّاء، قراءة وتحميل هذه الدراسة بصيغة (PDF)، من هنا.
(1)
توطئة: السياق العام للدراسة
انتهت الحرب الروسية العثمانية السادسة بتوقيع طرفيها معاهدةَ صلح “كُجُك كاينارجة” (Küçük Kaynarca) في منتصف العام 1774. كان ذلك إيذاناً بانسحاب الأسطول الروسي العامل في البحر المتوسط، والذي رابطت سفنه على الساحل السوري ومداخل بحري الأدرياتيك وإيجة خلال السنوات الأربعة الماضية، بعد انتصارها الساحق على العثمانيين في معركة “تشسمي” (Çesmy) في حزيران 1770، مُحاصِرةً بذلك أيَّ نشاطٍ بحريٍّ عثمانيٍّ جنوب بحر مرمرة.
تنفّس العثمانيون الصُعداء في المتوسط أخيراً، وكانت أولى مهام أسطولهم الجديد، الذي أعاد الانتشار في مناطق نفوذه التقليدية، المساهمةَ في محاولة الإمبراطورية العثمانية الأخيرة القضاءَ على عاملها المتمرّد في سورية الجنوبية؛ [1] ظاهر العمر الزيداني، وتفكيك مقاطعته.
رست سفن الأسطول العثماني الجديد أمام ميناء مدينة عكا تحت قيادة القبطان حسن باشا في آب 1775، بعد توقفين سريعين في صيدا ثم حيفا سيطر خلالهما على المدينتين وقلعتيهنَّ. كانت مقاطعة الزيادنة لا تزال غارقةً في الفوضى، بعد أن عصفت بها حملة قائمقام مصر المملوكي، محمد بك أبو الدهب، قبل أقل من ثلاثة أشهرٍ، والذي تُوفي بشكلٍ مفاجئٍّ خلال الحملة قرب عكا.
لم يكن ظاهر العمر الزيداني قد التقط أنفاسه بعد، أو أعاد ترتيب صفوفه، ليصطدم بالعثمانيين على عتبة ميناء عاصمته، ليخوض مع حسن باشا مُفاوضَةً سريعةً آلت إلى الفشل، ويرى مدافع السفن العثمانية تدكُّ ميناءه، بينما رفعت قواته من المرتزقة المغاربة يدَها عن المدافع المنصوبة فوق سور عكا، رافضةً الاستجابةَ لأوامر إطلاق النار.
عَلِمَ ظاهر العمر أنّ قواته العسكرية النظامية قد قررت خيانته، وأنّ أمله الوحيد يكمُن في الانسحاب فوراً خارج عكا والتراجع إلى برِّ الجليل، حيث قلاعُ الزيادنة الحصينة في طبرية وصفد ودير حنا، لكنه بالكاد استطاع إدراك مخرج مدينته حتى عاجَلَه أحدُ مغاربته المرابطين فوق السور برصاصةٍ غادرةٍ أردته قتيلاً على الفور.
أُسدل الستار بوفاة ظاهر العمر الزيداني التراجيدية في 22 آب 1775 (وُلد على الأرجح في 1689) على أهم مراحل صعود عكا والجليل، [2] باعتبارهما أهمَّ مراكز القوى المحلية في سورية العثمانية منذ تفكُّك إمارة فخر الدين المعنِّي الثاني في جبل لبنان في 1633. [3]
ولم تحُوْل إجراءات العثمانيين الصارمة، التي أزاحت الزيادنة كلياً عن المشهد السياسي بعد مقتل شيخهم الأبرز ظاهر العمر، [4] دون استمرار عكا والجليل في تمثيل ما كانت تمثّلهما كشوكةٍ في خاصرة السلطة العثمانية في الإيالات السورية، [5] وكمركزِ قوةٍ محليٍّ مثَّل مصدراً للنفوذ السياسي في سورية الجنوبية. [6]
كما لم تحُوْل تلك الإجراءات دون استمرار عكا في النمو، اقتصادياً واجتماعياً، لتصبح في عهد أحمد باشا الجزار، خليفة ظاهر العمر، ثالثَ أكبر مدينةٍ في سورية من حيث عدد السكان بعد دمشق وحلب، وأكبرَ وأهمَّ ميناءٍ سوريٍّ على المتوسط، [7] وثالثَ أهمّ شبكةٍ للتجارة العثمانية الخارجية بعد إزمير وحلب.
أسَّس الزيادنة بذرةً لمشروعٍ اقتصاديٍّ قويٍّ، ونجحوا في رعايته حتى تحقق نجاحه الملحوظ، صاعداً بعكا إلى مصافِ المدن الكبرى على ساحل المتوسط، على الأقل حتى الغزو المصري في 1831، والذي تلاه انحدارٌ في مكانة عكا لصالح جارتها بيروت، وكذلك حيفا التي ظلت، حتى ذلك الوقت ومنذ فجر تاريخها، حبيسةً في ظلِّ عكا الأقوى والأشهر، بل إن تفوُّق حيفا اللاحق قد زُرعت بذرته، بالفعل، في عهد الزيادنة الذين تحكموا فيه وساهموا في صناعته. [8]
تهدف هذه الدراسة إلى تقديمِ عرضٍ لتاريخ مقاطعة الزيادنة من منظورٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ. وسيغطي جزؤها الأول نطاقاً زمنيّاً يمتدّ منذ نهاية القرن السابع عشر حتى العام 1743، مُحلِّلاً الظروفَ التاريخيةَ التي نشأت في ظلّها المقاطعة الزيدانية، وعوامل صعودها، فضلًا عن التحديات التي واجهتها قبل وبعد توسعها الأول والأهمّ في ثلاثينيات القرن الثامن عشر. بينما سيستعرض الجزء اللاحق من الدراسة صعودَ منطقة الجليل وازدهارها الاقتصادي، في ظلِّ علاقات المقاطعة الزيدانية باللاعبين السياسيين في المنطقة السورية، وكيفية إدارة الزيادنة للصراعات التي نجمت عن التوترات التي فرضتها حسابات الاقتصاد والسياسة في سنواتها الأخيرة، متوقّفاً عند وفاة ظاهر العمر الزيداني في 1775.
وفيما يتعلّق بالدافع الأساسي لإجراء هذه الدراسة، فيمكننا القول إنّه لو استثنينا القرن التاسع عشر، خاصةً ما يعقِبُ فترة التنظيمات (1839 و1856)، يمكننا الادّعاء أنَّ تاريخ فلسطين العثمانية لا يزال حقلاً واعداً لم يُبذر فيه- على خصوبته- ما يكفي من بذار البحث، إذ إنّ تاريخ فلسطين الذي استُلب على يد المؤسسة الأكاديمية الغربية (بما فيها الصهيونية لاحقاً) وُضع على رفٍّ مهملٍ لسقوط إمكانية استغلاله ودمجه في الرواية الغربية لتاريخ المشرق، إضافةً لكون فلسطين القرن التاسع عشر، بحسب الأدبيات الأكاديمية الغربية، تُعتبر إقليماً منفصلاً ومعلّقاً في فضاءٍ مكانيٍّ لا يملك أدنى صلةٍ بمحيطه الأوسع.
كما ترى تلك الأدبيات الغربيّة فلسطين من منظورٍ زمنيٍّ لا يُقرّ بوجودها في التاريخ إلا عبر ثلاثِ مراحلَ فسحب؛ فهي إمّا مملكةٌ توراتيّةٌ متخيّلةٌ، أو مملكةٌ صليبيّةٌ قصيرةُ الأمد، أو أرضٌ عثمانيةٌ تتهيأ للاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي (الأوروبي)، وتُسحب من يد إمبراطوريةٍ لتتسلّمها يدُ إمبراطوريةٍ أخرى؛ وهو اندماجٌ تُوِّج بتدشين المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
أمّا التعمّق في تاريخ هذا النطاق الجغرافي إلى عمقٍ يتجاوز هذه التصورات القاصرة بالضرورة، فلم يكن أمراً مُلحّاً، لأن فلسطين قبل ارتباطها بأوروبا واقتصادها كانت مجرّد إقليمٍ مشرقيٍّ يظهر في التاريخ داخل سياقٍ مختلفٍ ومغايرٍ تماماً؛ الأمر الذي يجعل من هذه الدراسة ضرورةً منهجيّةً لمحاولة مُجافاة الصوت الغربيّ الذي حوصرت دراسة تاريخ فلسطين في إطاره.
بناءً على ما تقدّم، تسعى هذه الدراسة إلى تقديم عرضٍ وافٍ ومكثّفٍ لتاريخ مرحلةٍ مهمةٍ من فلسطين وسورية العثمانية؛ وهي مرحلةٌ كانت لها مساهمتُها المبكّرةُ في تشكيل فلسطين بالصورة التي نعرفها حالياً. والجديرُ بالذكر هنا أنّ الدراسة ستشكّل مقدمةً لمشروعٍ لاحقٍ سيُعنى بالاهتمام بدراسة هذا النطاق الجغرافي والزمني بشكلٍ أكثرَ عمقاً.
(2)
معالم تراخي القبضة العثمانيّة عن الإيالات السوريّة
عادةً ما تُقسَّم الحقبة العثمانية إلى مراحلَ زمنيةٍ محدّدةٍ لأسبابٍ منهجيةٍ تتعلق بأغراض البحث التاريخي. [9] وعادةً ما يُتفق، أيضاً، على جعل العام 1703 نهايةً لمرحلةٍ تُسمّى مرحلةَ التحوّلات (Transformation)، وبدايةَ مرحلةٍ أخرى تُسمّى الحكم القديم (Old Regime)، والتي تمتدّ حتى بداية مرحلة التحديث أو التنظيمات (Modernization/Reforms) في الربع الثاني من القرن التاسع عشر.
انتهى في 1703 تواجدُ (آل كوبريلي Köprülü) في منصب الصدارة العظمى (منذ 1657)، وبدأت تتلاشى بذلك آثارُ حركتهم الإدارية الإصلاحية، التي حاولوا من خلالها المحافظةَ على استدامة منجزات حركةٍ مشابهةٍ قادها السلطان السابق مراد الرابع (1623 – 1640)، وهدفت إلى تسوية الأوضاع الإدارية في العاصمة والإيالات البعيدة عنها، وقمع حراكات التمرد وثورات النخبة العسكرية العثمانية المعروفة باسم “الانكشارية”، وتقليص حجم النفوذ الذي امتلكته القوى المحلية، وتعزيز مكانة الإمبراطورية عسكرياً على حدّها الشرقي في العراق بمواجهة سلاطين إيران الصفويين والأفغان من جهةٍ، وعلى حدّها الغربي في شمال الدانوب بمواجهة الإمبراطورية الروسية وممالك وسط أوروبا من جهةٍ أخرى.
وشَهِدت حقبتهم القصيرة، التي امتدّت لأقلّ من خمسةِ عقودٍ، بدايةَ التراجع العثماني في شرق أوروبا- بعد الفشل الثاني في فتح فيينا في 1683، والهزيمة الساحقة أمام الاتحاد الكاثوليكي المقدّس بقيادة أباطرة النمسا والمجر من آل هابسبورغ- [10] والذي تُوج بتوقيع العثمانيين معاهدةَ “كارلوفيتز” المُذلَّة في 1699.
ترافقت مع المرحلة التالية، مرحلة الحكم القديم، تغيّراتٌ إداريّةُ عميقةٌ أفسحت المجال، بشكلٍ أكبر، لامتداد ظاهرة مراكز القوى المحلية ذات الحكم شبه الذاتي في الأقاليم والإيالات، [11] خصوصاً تلك البعيدة عن المركز العثماني في إسطنبول، حيث خفَّف المركز العثماني قبضته على الإيالات، بعد أن أثبتت التجربة عدم قدرة “الانكشارية” على القيام بشؤون الحكم والإدارة، خاصةً في سورية التي تمتلك أهميةً كبرى؛ لكونها محطةً رئيسةً على طريق قافلة الحج التي تشكِّل رعايتها وحمايتها جزءاً كبيراً من شرعية السلطان كخليفةٍ للمسلمين.
كانت الإمبراطورية، في السابق، تستطيع موازنة المجازفة التي يمثُّلها الاعتماد على العناصر المحلية في الحكم والإدارة في منطقةٍ تتّسم بتركيبٍ اجتماعيٍّ متنوعٍ حدَّ التعقيد كسورية، بالاعتماد على قوة المركز وقدرته على الوصول السريع والمنظَّم للإيالات السورية، وكبح جماح أيِّ تمرُّدٍ قد ينشأ فيها، مثلما قضت بنجاحٍ على ثورة والي دمشق؛ والي حماة المملوكي سابقاً، جان بردي الغزالي، والذي أعلن الثورةَ فوراً بعد وفاة السلطان سليم الأول في 1520. [12]
أمّا مع بدء مرحلة الحكم القديم في 1703، فإنّ تزايد درجة ذاتيّة الحكم في الإيالات السورية، وازدهار ظاهرة مراكز القوى داخل المناطق البروفنسالية، [13] التي تتشكّل مجتمعاتها المحلية من غالبيةٍ ساحقةٍ من الفلاحين، قد تَرافَق مع ضعفٍ في قوة المركز العثماني وانحسارٍ لنفوذ النخب العثمانية في مركز إيالة دمشق، أو تراجع درجة ارتباطها بالمركز العثماني على الأقل، خاصةً بعد انشغال وزراء دمشق في الخروج لقافلة الدورة وقافلة الحج الشامي، [14] واللتين كانتا تُغيِّبان والي دمشق عن إيالته لمدّةٍ تزيد عن الأربعة أشهرٍ كلَّ سنةٍ، بالإضافة إلى تغيُّب والي صيدا خلال ضلوعه بواجبات قافلة الجردة كذلك، [15] [16] وهي مهامٌ كان يتكفّل بها خلال القرنين السابقين إما أُمراءُ سناجق سورية الجنوبية؛ كشيوخ آل رضوان أُمراء غزة، وشيوخ آل فروخ أُمراء نابلس، أو كبار ضباط “الانكشارية” المرابطين في دمشق.
ثمّة مَعْلمان آخران من معالم تراخي القبضة العثمانية عن الإيالات السورية. الأول يمكن مطالعتُه في سياسات التوظيف التي انتهجها العثمانيون لتعيين الولاة، فقد كان معروفاً أنّ العثمانيين استبدلوا ولاتهم بشكلٍ دوريٍّ، وعلى رأس كلِّ سنةٍ في الغالب، مُغيِّرين أماكنَ عملهم وإقامتهم، ومانعين إيّاهم من الاستقرار في مكانٍ واحدٍ لفترةٍ طويلةٍ.
كان الهدف من وراء ذلك منعَهم من تأسيس قواعدَ ثابتةٍ للحكم تمكّنُهم لاحقاً من إعلان الثورة. وعلى سبيل المثال، فقد عيَّن العثمانيون، خلال أول مئةٍ وثمانين سنةً من حكمهم لسورية 1517 – 1697، حوالي مئةٍ وثلاثين والياً لم ينجح سوى ثلاثةٍ وثلاثين منهم في البقاء في منصبهم لمدة عامين أو يزيد. [17] كان ذلك على النقيض مما حدث خلال القرن الثامن عشر، حيث استطاع واليان فقط أن يحتفظا بالمنصب لمدّةٍ زادت عن ثلاثةٍ وعشرين عاماً خلال الفترة 1743 – 1771، [18] بسبب مقدرتهما على الاحتفاظ باستقرار الأوضاع الداخلية من جهةٍ، وبسبب تشعُّب علاقاتهم بالبيت العثماني الداخلي وصِلاتهم مع كبار موظفي الحكومة من جهةٍ أخرى.
أمّا المَعْلم الثاني لتراخي قبضة العثمانيين، فتمثّل في الغياب شبه التام للأمن في جنوب سورية، وسيطرة القبائل البدوية على الطرق الواصلة بين المدن والمناطق البروفنسالية، وتهديدهم القوافلَ التجاريّةَ والقرى نفسها التي كان جزءٌ كبيرٌ منها يتعرض لهجمات البدو بشكلٍ دوريٍّ، حتى اضطر بعض سكانها لهجرها، [19] بل إنّ قرىً كاملةً قد أُفرغت من سكانها، بسبب تهديدات البدو المستمرة.
وكان تهديد القبائل البدويّة الأكبر لقافلة الحجّ الشامي، والقوافل التي كانت تخرج من غرب الأردن للالتحاق بها، حيث لم تكن تعبُر من مناطق نفوذها إلا بعد دفع أجرٍ لقاءَ حقّ الطريق، حتى إنّ السلطان كان يرسل أجر خفارة طريق الحج من مال الخزانة كلَّ سنةٍ مع موظفٍ يلتحق بالقافلة يُدعى “أمين الصُّرة السلطانية”.
ويروي جميع الرحالة، الذين زاروا الأرض المقدسة من عربٍ وعجمٍ، عن مناطقَ وفتراتٍ زمنيةٍ معينةٍ كثُرت فيها سيطرةُ البدو على طرق التجارة، وكيف أنّ أيَّ انتقالٍ لأيِّ مسافةٍ، مهما قصُرت داخل فلسطين، كان يتطّلبُ في الغالب دفعَ مبالغَ نقديةٍ للقبائل البدوية المرابطة على الطرق.
كان الوضع الأمني في سورية الجنوبية مرتبطاً بشكلٍ وثيقٍ بالقوى المحلية وقدرتها على فرض الأمن. تمتّعت مناطق من سورية الجنوبية بفتراتٍ من الأمان على طرق التجارة في الأوقات التي سيطر فيها حكامٌ محليون أقوياء، بصرف النظر عن ولائهم للمركز العثماني، كالشيخ محمد بن فروخ، حاكم نابلس خلال القرن السابع عشر، وأمراء آل طراباي، حكام بلاد حارثة (سنجق اللجون) خلال ذات الفترة تقريباً.
ونَعِم الجليل بفترةٍ من الأمان والسلم الأهلي خلال الفترة القصيرة التي وقع فيها تحت حكم إمارة فخر الدين المعني الثاني. وقد كان بديهياً أن تقع فلسطين فريسةً للفوضى وغياب الأمن مرةُ أخرى، مع بدء سريان إجراءات “آل كوبريلي” الإصلاحية، والتي جرَّدت، بقدر المستطاع، القوى المحلية من قواها ونفوذها في إطار سعيها للظفر ببسط سيطرة المركز العثماني على أطراف الإمبراطورية وإيالاتها بالكامل، خاصةً بعد أن عانت هذه القوى المحلية، في غزة ونابلس واللجون بالذات، من آثار الصراع المرير الذي خاضوه باسم السلطان العثماني ضد فخر الدين المعني الثاني، والذي انتهى بانتصاره وسيطرته على الجليل بعد سنواتٍ طويلةٍ من المقاومة. [20]
(3)
إرهاصات صعود عكّا والجليل
في ظلِّ كلِّ هذه الظروف، كانت منطقة الجليل تصعد لتشكِّل مركزاً جديداً لقوةٍ محليّةٍ سيكون لها شأنٌ كبيرٌ في سورية، خصوصاً بعد أن تسبّبت سياسات العثمانيين خلال القرن السابع عشر بحدوث فراغٍ سياسيٍّ لم يحدث وأن تمتَّع به الجليل من قبل. وبالرغم من أن الجليل لم يكوِّن، سابقاً، وحدةً سياسيّةً مستقلةً، إلا أنه مثَّل في الغالب جزءاً من مناطق نفوذ مراكز قوىً محليةٍ أخرى، في بلاد حارثة (آل طراباي)، وجبل نابلس (آل جرار والجيوسي وماضي)، وجبل لبنان (إمارة فخر الدين المعني الثاني وإمارة الشهابيين لفترة وجيزة)، بالإضافة إلى سلطات إيالتي دمشق وصيدا. [21]
كما ساهمت عواملُ أخرى، أيضاً، في تعميق حالة الفراغ السياسي التي عاشها الجليل، تزامناً مع بدء مرحلة “الحكم القديم” في مُستهلّ القرن الثامن عشر، كان أهمَّها اعتمادُ إيالة صيدا، والتي كان الجليل في تلك الفترة يتبع لها من الناحية الإدارية، على المشايخ المحليين كمسؤولين إداريين وملتزمين للضرائب بشكلٍ مباشرٍ، بدون أيِّ وساطاتٍ عبر مشايخ جبلي عامل ولبنان الذين امتلكوا نفوذاً كبيراً على الجليل منذ بداية تأسيس إيالة صيدا في 1660 وحتى ذلك الحين. [22]
كانت هذه الخطوة التي اتخذها والي صيدا بشير باشا، في الفترة ما بين 1705 – 1707، جزءاً من سياسةٍ هدفت إلى تقليص نفوذ المشايخ اللبنانيين ومنعهم من تكرار تجربة فخر الدين المعني الثاني. وانعكس ذلك إيجاباً على مشايخ عائلات زيدان ونجم ونافع وحسين الذين تنافسوا على النفوذ في الجليل فيما بينهم، في ذات الوقت الذي كانوا يعززون فيه موقفهم الاقتصادي مع تزايد انخراطهم في شبكات التجارة السورية الإقليمية، ومساهمتهم في صناعة وتوسيع شبكة التجارة الدولية التي ربطت بين سورية الجنوبية، الجليل تحديداً، وبين البرجوازية التجارية في فرنسا.
كانت تجارة سورية تعتمد في قسمها الأكبر على مدينتين رئيستين، فإقليمياً كانت دمشق مركزَ تجمُّع وانطلاق قافلة الحجّ الشامي التي كانت، بالإضافة لوظيفتها الدينية، تعمل كقافلةٍ تجاريّةٍ تربط الحجاز واليمن بشمال سورية والأناضول، اللتين ربطتهما كذلك بسورية الجنوبية ومصر، عبر الخط البري المارّ عبر الأردن عند جسر “بنات يعقوب”، الذي يتفرع ليصلَ إلى محطاتٍ مختلفةٍ؛ كالجليل ونابلس والقدس والخليل، وأخيراً يافا التي ارتبطت بدمياط المصرية عبر البحر.
كما اعتمدت تجارة سورية الخارجية على شبكةٍ دوليّةٍ كانت مدينة حلب رافدَها الأساسَ، باعتبارها إحدى أهمّ المحطات على طرق التجارة الواصلة ما بين أوروبا وجنوب ووسط آسيا، فكانت حلب جزءاً من خط الحرير المارّ من وسط آسيا عبر شمال إيران، وكذلك جزءاً من خطّ تجارة التوابل المنطلق من الهند وجنوب آسيا إلى أوروبا عبر الخليج الفارسي، مروراً بالجزيرة العربية وبادية الشام، إذ كانت حلب توزِّع ما يصلها من بضائع إلى الأقطار الأوروبية إما برّاً عبر الأناضول، أو بحراً عبر مينائي الإسكندرونة وطرابلس.
في ذلك الوقت، كانت حلب ثالثَ أكبر مدينةٍ في الفضاء العثماني، فيما كانت في إحدى الفترات صاحبةَ أكبر نصيبٍ من مداخيل الخزينة العثمانية من أموال الضرائب. [23] وفي الوقت الذي حافظت فيه دمشق على مكانتها الاقتصادية لارتباطها بشبكاتٍ تجاريةٍ تقع في مُجملها داخل الفضاء العثماني، تعرّضت تجارة حلب خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر لهزّاتٍ عميقةٍ إثر عدّة عوامل؛ كان أهمَّها سيطرةُ روسيا على شمال إيران في 1723، وتحويلها لمجرى خط الحرير ليمرّ عبر أراضيها. كما أن إنجلترا، الشريك الأكبر لتجارة الحرير مع حلب، كانت قد قلّصت اعتمادها على المدينة كمصدرٍ للحرير، وفضَّلت الاعتماد على مصادرَ أخرى. [24]
تَزامَن انحدار مستوى التجارة السورية الخارجية عبر شبكة حلب بتعزيزٍ متزايدٍ ومتواصلٍ للاعتماد الأوروبي، الفرنسي تحديداً، على المحاصيل التجارية في سورية الجنوبية، وذلك بتأثير سياسات النخبة التجارية البرجوازية الفرنسية التي أرساها “جان-باتيست كولبير”، [25] وزير المالية في عهد لويس الرابع عشر، خصوصاً بعد معاهدة “أوتريخت” في 1713، التي أطلقت يد التجارة الفرنسية في حوض المتوسط. وقد هدفت فرنسا إلى خلق موطئِ قدمٍ لها في المشرق للوصول إلى منابع المواد الخام المطلوبة لتعزيز صناعاتها المحلية.
كانت عكا والجليل مصدراً هامّاً للمحاصيل التجارية في أوروبا منذ العهد الصليبي. وقد تراجعت التجارة بين الجليليين والأوروبيين كنتيجةٍ لسيطرة المماليك على عكا في 1291، وتهميشهم المدينةَ ومكانتها التجارية، واستمر هذا التهميش في عهد العثمانيين.
كانت هناك محاولاتٌ أوروبيةُ متواضعةُ للتواصل مع القوى المحلية، وظّلت معدلات التجارة بين الطرفين ثابتةً عند حدٍّ أدنى لفترةٍ طويلةٍ، لم تتحرك إلا بعد سيطرة فخر الدين المعني الثاني على طرابلس، ودعوته الفرنسيين في طرابلس والاسكندرونة لإرسال تجّارٍ لديه في صيدا. [26]
خلال عشرينيات القرن السابع عشر، تعرّضت تجارة الفرنسيين في صيدا للمضايقات، بعد تفكُّك إمارة فخر الدين، وحرمانهم من الحماية التي كان يوفّرها لهم. وبالرغم من أن تأسيس إيالةٍ في صيدا في 1660 سمح للفرنسيين بتأسيس قنصليةٍ في المدينة ترعى شؤون ومصالح “الأمة الفرنسية” في الإيالة، إلا أنّ النشاط التجاريّ الفرنسيّ في صيدا وعكا لم يتحرّر بالفعل إلا خلال العقد الأخير من القرن السابع عشر، في ذات الوقت الذي تزايد فيه نفوذ الأعيان المحليين في الجليل، حيث ساهموا في إيصال الفرنسيين إلى كمٍّ أكبر من محاصيل الجليل، خصوصاً القطن، بأيسر السبل الممكنة. [27]
باختصارٍ، لم تكن حالة الضعف السياسي والعسكري التي عانى منها المركز العثماني لتمرّ مرور الكرام دون أيِّ تأثيرٍ على الأطراف المعنية، إذ إنّها أنتجت فراغاً سياسياً في الإيالات والأقاليم، ومنها الجليل. وترافقت هذه الحالة من الفراغ السياسي مع تقلُّصٍ في أهمية شبكة التجارة السورية الشمالية في حلب، وترافق معها أيضاً تزايدٌ لنصيب التجارة الخارجية من الاقتصاد السوري الجنوبي.
ساهمت تلك العوامل مُجتمِعةً في تهيئة الجو العام في الجليل خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر لانبثاق كيانٍ سياسيٍّ جديدٍ، على أن العامل الأهمّ الذي لم تتطرق إليه الدراسة، لحدّ الآن، تمثّل في الزيادنة وفلاحي الجليل أنفسهم، والذين استغلوا الظروف الموضّحة أعلاه، وتفاعلوا معها وساهموا في صناعة بعضها، من أجل تكوين هذا الكيان، وتوسيع نفوذه وتنمية اقتصاده، ليصبح أهمَّ القوى المحلية في تاريخ سورية العثمانية، وهو ما كان له بالغُ الأثر على التركيب الاجتماعي لعكا والجليل.
(4)
عشيرة الزيادنة وشيخُها الأبرز
سيكون من الصعوبة بمكانٍ تتبُّعُ التاريخ المبكّر للوجود الزيداني في الجليل، إذ لم تكن العشيرة قد بلغت بعد ما يكفي من الشأن، لكي يلحظ الإخباريون السوريون وجودَها، وهو ما يفسّر عدم تغطية أيٍّ من المصادر التي تناولت سيرة الزيادنة تلك الفترة، إلا شذراً وباختصارٍ شديدٍ.
وبالرغم من شُحّ المعلومات، يمكن الاتفاق على أن الزيادنة وصلوا إلى الجليل مهاجرين من الحجاز خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر، ليستقرّوا في عرابة البطوف الواقعة ضمن ناحية الشاغور في سنجق صفد. [28] تغيب أخبار الزيادنة بعد ذلك، ولا تظهر إلا في حادثة قرية سلامة، [29] إحدى قرى الدروز في الجليل، والتي كان يقطنها آل البيتم، ملتزمو ناحية الشاغور.
يهاجم الزيادنة قرية سلامة بقيادة شيخهم صالح، ويقتلون شيخ القرية، ويتمكّنون من تخريبها بشكلٍ كاملٍ وتهجير مْن تبقى فيها، حيث أصبحت خِربةً ولم تُسكن بعد ذلك قط. كان ذلك، بحسب بعض الترجيحات، خلال العام 1698، وهو ذات العام الذي هاجمت فيه قوى جبل لبنان، تحت قيادة بشير الشهابي، مقاطعات جبل عامل، وأنهت ثورةً حاول إشعالها مشرف بن علي الصغيِّر، شيخ المتاولة على والي صيدا. [30]
وكافأ الوالي قبلان باشا الشهابيين بمنحهم التزامَ مقاطعات جبل عامل والجليل، ليستخدم الشهابيون الزيادنة، ضمن عائلاتٍ أخرى على الأرجح، كمتسلِّمين ينوبون عنهم في إدارة أملاكهم الجديدة في سنجق صفد. ومن المرَّجح أن الاختيار وقع على الزيادنة، لا لانتمائهم القبليّ والطائفيّ المشترك مع الشهابيين فحسب، بل لدورهم في تطهير الجليل الأدنى من النفوذ الدرزي اليماني كذلك. [31] وبهذه الخطوة، رسّخ الزيادنة مكانتهم كأعيانٍ في الجليل، بالارتباط رسمياً بالإمبراطورية العثمانية.
تولّى الزيادنة، خلال الثلاثين سنةً التالية، مسؤوليةَ جمع مال الميري من القرى التالية على الأقل؛ عرابة البطوف، طبرية، دير حنّا، عيلبون، طمرة، شفا عمرو، الطيرة والدامون. [32] وبعد وفاة صالح الزيداني، ورث ابنه الأكبر عمر موقعه، ليرثه لاحقاً أصغرُ أولاده، ظاهر العمر، [33] بعد وفاته في 1705، وهو ذات العام الذي فكّ فيه والي صيدا، بشير باشا، ارتباط الشهابيين بالجليل، ومنح العائلات المحليّة فيه امتياز الالتزام على مناطق نفوذهم، وأصبحوا يلتزمونها باسم الإمبراطورية ونخبتها الحاكمة في صيدا مباشرةً. وقد أصبح بذلك ظاهر العمر، الشاب الذي بالكاد كان يبلغ السادسة عشرة حينها، ممثِّلاً ليس فقط لنفسه أمام الوالي في صيدا، بل لعشيرة الزيادنة بكاملها.
(5)
صعود الجليل ككيانٍ سياسيٍّ في عهد الزيادنة
كان وصول البضائع من الجليل إلى أسواقها في نابلس ودمشق أو عكا وصيدا يمرُّ عبر سلسلةٍ تتكوّن من ثلاثة أطرافٍ، استطاع الأعيان المحليون أن يموضعوا أنفسهم داخلها في موقع القلب وصِلة الوصل، بين الفلاحين والأرض من جهةٍ، والمشترين الإقليميين والأجانب من جهةٍ أخرى، والذين يقومون بتوزيع البضائع على مستهلكيها، أو يمثلون حلقةً أخرى في سلسلة التصدير.
لا بدَّ، هنا، من إدراك دور الالتزام كنظامٍ ضريبيٍّ، [34] والتأثيرات التي استحدثها على الإدارة والسياسة المحليّة في المناطق البروفنساليّة في سورية الجنوبية كشرطٍ مهمٍ لفهم الدور الذي لعبه الزيادنة في الاقتصاد المحلي، باعتبارهم جزءاً من الأعيان المحليين في الجليل، ولفهم أيضاً كيف وفّر لهم هذا النظام القدرةَ على الانخراط في شبكات التجارة التي ساعدتهم على مراكمة الثروة والنفوذ.
كان الالتزام في جوهره خصخصةً للنظام الضريبي، ومحاولةً من الإمبراطورية لتسييل الضرائب بدلاً من جمعها عيناً، في ظلِّ إرهاق خزانة الإمبراطورية المتواصل، بسبب الحروب المتواصلة على جبهات روسيا ووسط أوروبا وإيران، على أنّ الغرض الأساسي منه كان محاولةَ التغلّب على الصعوبات والمشاكل التي استحدثها نظام الإقطاع العسكري المعروف باسم “التيمار” في عهده المتأخر في منتصف القرن السادس عشر. [35]
وعلى العكس من “التيماريين” أو “السباهيين”، [36] لم يكن للملتزمين الحقُّ في تكوين وقيادة أيِّ تشكيلاتٍ عسكريةٍ، ولم يكونوا في ذات الوقت موظَّفين لدى الإمبراطورية بالمعنى الحرفي للكلمة. وقد حاولت الإمبراطورية استخدام موظفين رسميين يتمّ انتدابهم إلى القرى لجمع مال الميري، وهو شكلٌ من أشكال الالتزام لم يُلاقِ ما يكفي من النجاح ليُعمَّم استخدامه. [37] بينما كان الشكلُ الأكثرُ انتشاراً الاعتمادَ على عناصرَ محليةٍ، يتم اختيارها تبعاً لاعتباراتٍ تتعلق بوضعها الاجتماعي، ومدى ما تملكه من نفوذٍ محليٍّ يساهم في تيسير جمع مال الميري.
في ذات الوقت، سمح الوضع على الأرض في الجليل خلال القرن الثامن عشر للملتزمين بتحقيق ما حاولت الإمبراطورية حرمانهم منه، فقد استغلوا مناصبهم من أجل تعزيز وضعهم سياسياً واقتصادياً. كان أهمُّ ما يميّز نظام “التيمار” بالنسبة للفلاحين عدمَ اضطرارهم لدفع نصيب الإمبراطورية من الضرائب نقداً، وذلك لندرة توفُّر النقد أساساً لدى العامّة، وهو الوضع الذي لم يتغير كثيراً عندما اعتُمد نظام الالتزام، حتى بعدما تغيّرت العملة العثمانية الرئيسية، وبدأ استخدام القرش بديلاً عن الآقجة الفضية الأعلى قيمةً.
تبعاً لذلك، اضطر الفلاحون لبيع محاصيلهم من أجل تحصيل النقد، فلم يملكوا خياراً سوى تسليم جزءٍ من محاصيلهم للملتزمين كبديلٍ عن مال الميري، لكونهم الأقدرَ على بيعها، نظراً لتشكيلهم المفتاحَ الأساسيَّ لسوق التصدير، كما أنهم الأقدرُ على تمويل تسيير القوافل التجارية، والأقدرُ على حمايتها باستخدام مليشياتهم العائلية، أو بدفع أجر خَفَارة الطريق للقبائل البدوية المرابطة على طرق القوافل.
كما استعان الفلاحون بالملتزمين، أيضاً، في تصريف ما يتبقّى من المحصول المخصّص للبيع لذات الأسباب، خاصةً أنّ معظم الملتزمين في منطقة الجليل استثمروا رؤوس أموالهم في الزراعة، ليضمنوا الحقَّ في الحصول على منتوج الأرض حتى قبل زراعته أو إثماره، والحصول على الحقّ في تحديد واختيار المحاصيل المزروعة تبعاً لذلك، وذلك عبر نظام تسليفٍ ماليٍّ قديمٍ لا يزال يُستخدم في سورية الجنوبية حتى يومنا هذا، ويُسمّى في اللهجات المحلية باسم (الضمان) أو (التضمين).
لا يُعرف على وجه الدقة متى استُحدث ذاك الشكل من عمليات الشراء عبر الإقراض المسبق، إلا أنّ بعض المصادر المعاصرة للزيادنة تشير إلى وجوده ضمن تقاليد التجارة المحليّة الراسخة في المنطقة منذ وقتٍ قديمٍ، [38] بالرغم من الادعاء السائد بأنه تأسّس على يد تاجرٍ هولنديٍّ يُدعى “بول ماسهوك” كان يعمل ممثِّلاً للمصالح التجارية الهولندية والإنجليزية في إيالة صيدا. [39] يتولّى الملتزمون لقاء المحاصيل التي يضمنونها مهمةَ دفع مال الميري نقداً لسلطات الإيالة بعد تصريفهم البضائع، ليصبحوا مسؤولين أمام الإمبراطورية عن حقها من الضرائب.
سيَّر الزيادنة وغيرهم من الأعيان المحليين القوافلَ من الجليل إلى دمشق، ونقلوا البضائع بين المنطقتين، وقد خرج ظاهر العمر بنفسه على رأس بعض القوافل، وأسَّس أثناء وجوده في دمشق علاقةً وطيدةً مع كبار تجارها، نتج عنها زواجُه بابنة أحدهم.
خلقت هذه الظروف وضعاً جديداً أسَّس للنشاط السياسي في الجليل. خلال العقود الأولى من القرن الثامن عشر، كانت الصدامية المفتوحة بين ممارسيه ملمحَه الأساس، حيث لم يكن بالإمكان المحافظةُ باستمرارٍ على تسيير العلاقة، وفقاً لمصالحَ مشتركةٍ، إذ كانت مصلحة سلطات الإيالة الحفاظَ باستمرارٍ على تدفّق النقد إلى الخزانة، فيما كانت مصلحة الأعيان السيطرةَ على التزام أكبرِ عددٍ من القرى للوصول إلى أكبر قدرٍ من المحصول وأكبر نصيبٍ من التجارة. بينما كانت مصلحة الفلاحين توطيدَ الأمن واستقرارَ حالةٍ من السلم الأهلي تتيح لهم ممارسةُ عملهم بدون تهديداتٍ خارجيةٍ يضطرون على إثرها إلى هجر قراهم، أو المشاركة في الصراعات العسكرية بين الأعيان ومنافسيهم.
تسبّبت اختلالاتٌ طفيفةٌ في التوازن القائم بين الأطراف المذكورة في حدوث مواجهاتٍ عنيفةٍ، بعضها كان يشتعل بصفةٍ دوريّةٍ. ويذكر رحّالةٌ هولنديون، [40] مرّوا بالجليل في نهاية العقد الثاني من القرن الثامن عشر، أخباراً عن وجودٍ دائمٍ لمليشيا بدويّةٍ مرابطةٍ على السور الخارجي لبلدة طبرية تأتمر بأمر ظاهر العمر الزيداني، وتخوض صراعاً مستمراً مع عسكر عشيرةٍ أخرى تقع مضاربها على الجهة المقابلة من بحر الجليل؛ وهو صراعٌ لا يمكن أن يُفهم إلا في سياق التنافسية التجارية بين “ظاهر العمر” وحلفاء الزيادنة من أنسبائهم من عرب السردية من جهةٍ، والقوى المحلية الأخرى من أعيانٍ ومشايخ فلاحين وقبائلَ بدويةٍ من جهةٍ أخرى، حيث حاول كلُّ طرفٍ، على الدوام، تقليصَ امتيازات الأطراف الأخرى والتضييق عليهم لحسابه، ولزيادة نصيبه من التجارة الجليلية.
كما تذكر الروايات التاريخية أخباراً غامضةً عن عددٍ غيرِ محدّدٍ بدقةٍ من المواجهات التي اضطر مشايخ الجليل لخوضها ضد سلطات الإيالة في صيدا بسبب تأخّرهم عن دفع مال الميري، وهي مواجهاتٌ معتادةٌ تظهر إشاراتٌ لها في المصادر التاريخية على طول الفترة التي قضتها سورية تحت الحكم العثماني. وقد كان الولاة والمتسلّمون يهدفون، من خلالها، إلى إجبار الملتزمين والفلاحين على دفع مال الميري في حال انكسر عليهم، أو في حال رفضوا دفعه، معلنين الثورةَ ضد السلطات بسبب فساد المحصول أو انخفاض كميته لأسبابٍ متعددةٍ.
ولطالما تميّزت هجمات النخب العثمانية على قرى الفلاحين بوحشيتها المفرطة واستغلالها كاستعراضٍ مهيبٍ للقوة. وكانت أبرزُ المواجهات التي شارك فيها الزيادنة ضد السلطات العثمانية مشاركتَهم في التصدي لحصار قلعة البعنة الذي فُرض عليها في العام 1721 على الأرجح، [41] إذ شنَّ والي صيدا، محمد باشا أبو طوق، حملةً عسكريةً على الجليل لإجبار الملتزمين على دفع المستحقات المتأخّرة من مال الميري بعد عامين متتالين من الجفاف.
وينسب بعضهم الحملة إلى والده والي دمشق، عثمان باشا أبو طوق، وربما كانت الحملة تعاوناً بين الطرفين، مُستهدِفةً قلعةَ البعنة التي اضطر الوالي لإخضاعها لحصارٍ استمر أكثرَ من أربعين يوماً حتى أجبر أهلها على التسليم.
وتُظهر الروايات أن ظاهر العمر قد تدخّل بنفسه في الدفاع عن البعنة، بعد نداءٍ أرسله شيخ البعنة لجيرانه وحلفائه من مشايخ الجليل. ويظهر ظاهر العمر في الروايات، التي تصف الحدث، كشابٍّ يافعٍ يُظهر من الرعونة والاندفاع أكثر مما يظهره من التعقُّل، إذ إنّه ذهب منفرداً دون أيِّ دعمٍ عسكريٍّ من عائلته وحلفائها، بشكلٍ لا يتناسق مع الصورة الأكثر منطقيةً لزعيمٍ عشائريٍّ وقرويٍّ محليٍّ في الثانية والثلاثين من عمره على الأقل، ويملك تحكُّماً في مليشيا يصل تعدادها إلى مئة جنديٍّ، تُرابِط على مدخل طبرية بشكلٍ شبهِ دائمٍ، بحسب وصف رحّالةٍ زاروا طبرية قبل حادثة البعنة بثلاثِ سنواتٍ فحسب.
والأقرب للصواب أنّ ظاهر العمر قد حاول تعزيز البعنة بالفعل، ليس من أجل دعم حليفه المحتمل فيها فقط، بل من أجل إبقائها عقبةً في وجه السلطات حتى قدوم موعد قافلة الجردة (أو حتى قافلة الحجّ) التي سيضطر والي صيدا أو دمشق للمغادرة للحاق بها، وبالتالي تعطيل مخطط استمرار الحملة، حتى لا تتمكن من الوصول إلى جميع البلدات التي انكسر عليها مال الميري، وكان هذا ما حدث بالفعل. كما أن الوالي الذي عُزل فور عودته من قافلة الجردة لم يستطع تنفيذ الوعد الذي أطلقه قبل انسحابه من البعنة، بمهاجمة طبرية في العام القادم، انتقاماً من ظاهر العمر بالذات.
تُظهر حادثة البعنة ضمن حوادثَ أخرى أن العلاقة بين أعيان الجليل والسلطات في صيدا كانت متوتّرةً على الدوام، مُفضيةً إلى حدوث مواجهاتٍ عنيفةٍ بين الأطراف المعنية، كانت تُحسم لصالح الدولة ونخبها في مركز الإيالة بسهولةٍ، نظراً للفارق الكبير في القوة العسكرية، خاصةً في الوقت الذي تعاونت فيه إيالتا صيدا ودمشق لكبح جماح أيِّ تمرُّدٍ وتغليب كفّة أيِّ توتُّرٍ لصالحهما. وقد شكل هذا الوضع تحدياً ماثلاً أمام أيِّ طموحاتٍ بالتغيير، واكتساب مزيدٍ من الاستقلالية عن المركز العثماني ولو نسبياً، وهو تحدٍّ لم تنجح أيُّ قوىً في الجليل بمجابهته إلا خلال نهاية العقد الرابع من القرن الثامن عشر على الأقل.
(6)
نشوء “الأُمّة الفرنسيّة” في الجليل
كان التجار الفرنسيون طرفاً آخرَ وجد لنفسه موطئَ قدمٍ في السياسة المحليّة في الجليل خلال القرن الثامن عشر، [42] وقد تعزّز تأثيرهم في ظلّ انخراطهم المتزايد في الاقتصاد المحلي ولعبهم دوراً في توجيهه. وبالرغم من أن الطبيعة السياسيّة لدورهم والنفوذ المرافق له قد أخذا بالتقلّص بشكلٍ تدريجيٍّ منذ أربعينيات القرن الثامن عشر، إلا أنه كان دوراً ذا طبيعةٍ محوريّةٍ في سياق التطوّر السياسيّ والاقتصاديّ لعكا والجليل خلال فترة صعود ظاهر العمر، خاصةً أنّ ظاهر وبقية الزيادنة استطاعوا مجاراة ومعارضة هذا التأثير بفعاليةٍ، وتوجيهه من أجل تحقيق أقصى استفادةٍ ممكّنةٍ منه.
كان التجار الفرنسيون، وبفضل سياسات “جان-باتيست كولبير”، وزير المالية الفرنسي الأسبق، قد انتظموا داخل هرميّةٍ تنظيميّةٍ رعتها غرفة تجارة مرسيليا، التي حاولت ترسيخ احتكارٍ فرنسيٍّ للتجارة داخل حوض المتوسط بحلول القرن الثامن عشر، مُستغلةً انصرافَ إنجلترا وهولندا إلى الجنوب الآسيوي والخليج الفارسي، والتراجع الحادّ الذي شهده النشاط التجاريّ للجمهوريات الإيطالية في المتوسط. وأصبحت غرفة تجارة مرسيليا مرتبطةً بشكلٍ عضويٍّ بالحكومة، حيث فُرض على التجار الفرنسيين الائتمارُ بأمر قناصلهم في عواصم الإيالات، والذين كانوا يملكون سلطةً نافذةً على جميع الرعايا الفرنسيين في إيالتهم.
كانت مهمة التجار الدبلوماسية، المتمثّلة في رعاية مصالح دولتهم، تحمل طابعاً تجارياً في جوهرها، إذ كُلّف الدبلوماسيون الفرنسيون في الإيالات العثمانية برعاية المصالح التجارية الفرنسية، وحماية التجار وتسيير أمورهم، وتقديم المساعدة لهم وقتما يحتاجون إليها. وأُلقي على عاتقهم كذلك ضبطُ سلوكهم وضمانُ عدم مخالفتهم القوانينَ والقواعدَ التي حكمت تواجدهم داخل الأراضي العثمانية، خصوصاً ضمان عدم تدخّلهم في السياسة المحليّة لمنع تورُّطهم في مشاكلَ قانونيةٍ مع السلطات التي كانت تحظر على التجار الأجانب شراء البضائع وعقد الصفقات إلا داخل مباني الأسواق الرسمية التي يرعاها الموظفون العثمانيون الرسميون، بُغية ضمان تحصيل الرسوم المفروضة على جميع عمليات البيع.
كان وجود الفرنسيين في الإمبراطورية مرتبطاً بالامتيازات التي منحها الباب العالي لفرنسا في 1569، والتي أُعيد التفاوض بخصوصها مرتين على الأقل في 1673 و1740، حيث نتج عنها تخفيضاتٌ على التعرفة الجمركية ثبَّتتها عند 3% تُدفع مرةً واحدةً فقط، حتى لو تنقّلت البضائع بين أكثر من ميناءٍ عثمانيٍّ. كما منح الباب العالي الدبلوماسيين الفرنسيين الحقَّ بفرض حمايةٍ على الرعايا الكاثوليك في الإمبراطورية.
بدأ التجار الفرنسيون بالالتفات نحو ضرورة تعزيز تواجدهم في سورية الجنوبية بدءاً من عشرينيات القرن السابع عشر، بعد دعواتٍ وجهها فخر الدين المعني الثاني للفرنسيين للتجارة عبر صيدا. [43] وبعد العام 1673، بدأت أعداد التجار الفرنسيين في مدن المتوسط بالتزايد، لينتشروا خارج منطقتي حلب وإزمير. أظهر هؤلاء التجار درجةً عاليةً من التجانس، وانعزلوا كجماعةٍ عن بقية سكان المدن التي قطنوا فيها، كما تمّ تمييزهم دوماً بملابسهم ومكان إقامتهم الذي كان في العادة خاناً بقرب الميناء (كما كان الحال في عكا وصيدا).
كما اعتُبروا الرعايا الفرنسيون في الإمبراطورية أُمّةً (Nation)، وكان أغلبهم تجّاراً، بيدَ أنّ بعضهم كان يؤدي مهاماً لوجستيةً لصالح التجار والقناصل؛ أهمُّهم الوكلاء الذين كان ينتدبهم التجار لمساعدتهم في أمور الترجمة عند الحديث مع السكان المحليين، وللفصل في الصفقات التجارية. كما شملت هذه “الأُمّة الفرنسيّة” أطباءَ وطُهاةً وصانعي ساعاتٍ ومهنيّين آخرين، فضلاً عن تجّارٍ أجانب، غير فرنسيين، مارسوا التجارة تحت حماية “الأُمة الفرنسية” ورعايتها.
لفت بعضهم النظرَ إلى التشابه ما بين “الأمة الفرنسية” والأقليات العرقيّة والطائفيّة داخل الإمبراطورية، والتي كانت تنظِّم شؤونها ذاتياً، طبقاً للنظام العُرفي المعروف باسم “النظام الملّيّ” أو “نظام المِلل”. وهنا، يمكننا المحاججة بأن الفرنسيين قد شكَّلوا هويةً فرعيةً داخل الفضاء العثماني، واشتركوا مع الملل الأخرى بذات النمط من التفاعل الاجتماعي.
وبصرف النظر عن دقة هذا الافتراض، إلا أن الوقائع تدلّل على أنه قد فُرض على التجار الفرنسيين في سورية الجنوبية وغيرها، ولو جزئياً، التحرُّكُ وفقاً لاستراتيجياتٍ مشتركةٍ، والالتزام بسلسلةِ أوامرَ صارمةٍ، وعدم التصرف بما يخالف النظام التجاري المعمول به بحسب القوانين المحلية إلا في إطارٍ مرجعيٍّ يحدّده القناصلُ أنفسُهم، الذين يمارسون عملهم كذلك في ظل توجيهات السفير الفرنسي في إسطنبول، الذي أُنيطت به مهمةُ الضغط على الباب العالي لتغيير السياسات التجارية وإصدار التعليمات للنخب العثمانية في الإيالات لتذليل أيِّ عقباتٍ تواجه عمل التجار.
كان هذا الإطارَ الرسميَّ الذي حكم عمل التجار الفرنسيين في الفضاء العثماني، لكنّ الواقع في بعض الأحيان كان مغايراً للصورة التي افترض العثمانيون والفرنسيون إمكانية فرضها على الأرض، فالفرنسيون عندما واجهوا عقباتٍ في الميدان المحلي، قلّما استطاعوا الحصول على مساعدةٍ رسميةٍ من الباب العالي، لضعف قدرته على إنفاذ إرادته داخل مراكز القوى المحلية بشكلٍ عامٍّ.
اضطر الفرنسيون لإجراء تفاوضهم المباشر مع الأعيان المحليين حتى لو عنى ذلك تجاوز قناصلهم بشكلٍ مباشرٍ، في ذات الوقت الذي ازداد فيه نهمُ الصناعة الفرنسية للمواد الخام، ما أشعل تنافسيةً عاليةً بين التجار الفرنسيين أنفسهم انعكست إيجاباً على الأعيان المحليين، حيث منحهم الفرنسيون القدرة على التحكُّم بالأسعار وزيادتها بشكلٍ مهُولٍ خلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ، مقابل حصول كلِّ تاجرٍ على نصيبٍ أكبر من القطن.
كان ذلك خلافاً للانقسام الذي حصل بسبب تجّار عكا الذين اعتبروا نشاطهم مستقلّاً عن “الأمة الفرنسية” في صيدا، مُعتبرين أنفسَهم في حلٍّ من إجابة أوامر القنصل الفرنسي فيها؛ الأمر الذي حدَّ من قدرة القنصل على فرض استراتيجيةٍ موحَّدةٍ لمواجهة ارتفاع الأسعار، وتوزيع الفرص على التجار بشكلٍ متكافئٍّ.
كان شيءٌ من الفوضى قد بدأ يدبُّ في صفوف الفرنسيين في وقتٍ مُبكّرٍ من العام 1691، إذ ارتجل أحد التجار، وقرر السفر إلى صفد متحدياً جميعَ القواعد، ليعقد مُفاوضةً مع ملتزمها؛ وهو موظفٌ عثمانيٌّ يحمل رتبة الباشوية، تذكره وثائق أرشيفات غرفة تجارة مرسيليا باسم أحمد باشا، حيث اقترح عليه زيادة سعر القطن من 33 ليرةً فرنسيةً (تعادل القرش العثماني) إلى 43 ليرةً للقنطار الواحد، ليستولى التاجر وقتها على محصول صفد بالكامل من منبعه. [44]
وعند الأخذ بالاعتبار أن التاجر زاد نصيبه من القطن، وأنه سيبيعه في فرنسا بسعرٍ لن يقل عن 150 ليرةً بحدٍّ أدنى، فإن صفقته كانت رابحةً بجميع المقاييس. غير أنّ التجار ثاروا ضد زميلهم، وحاول القنصل منع تكرار هذه الحوادث، لكن ضغط السوق الفرنسي وطلبه المتزايد للبضائع أجبرا التجّار على خوض المنافسة، طبقاً لقواعدَ جديدةٍ، خاصةً أن الأعيان المحليين، والذين استفادوا أكثر من غيرهم من هذه التنافسية، استطاعوا تجاوز السلطات العثمانية في صيدا وعقد صفقاتهم الخاصة خارج أماكن البيع الرسمية في بازارات المنافذ البحرية في صيدا وعكا، وقد استقبل الملتزمون والأعيان التجار الفرنسيين في قراهم وبلداتهم، وأمَّنوا لهم وصولاً مضموناً إلى أكبر كميةٍ ممكنةٍ من القطن.
لم يكن الأعيان المحليون الطرفَ الوحيدَ الذي استفاد من الارتباك داخل “الأمة الفرنسية” في صيدا، بل كان هناك طرفٌ آخرُ؛ تاجرٌ مُستعربٌ هولنديُّ الأصل يُدعى “بول ماسهوك” ( Paul Maashouk) عمل ممثلاً للمصالح التجارية الهولندية والإنجليزية في الجليل. وقد عُرف بين السكان باسم مرزوق، وكان يُذكر حتى العام 2005 في الأبحاث الأكاديمية القليلة التي تناولته بالذكر باسم “بول معشوق”، باعتباره عربياً لا مستعرباً، يُرجَّح أن أصوله تعود إلى حلب، [45] حيث مكانُ إقامته السابق قبل انتقاله إلى إيالة عكا.
تعود أهمية ذكر “ماسهوك” في السياق الحالي إلى عاملين؛ الأول: امتلاكه لسيولةٍ ماليةٍ ضخمةٍ ضمنت قدرته العالية على التنافس منفرداً ضد تجار غرفة تجارة مرسيليا بكل ما لديهم من نقدٍ وصلاحياتٍ، وبالرغم من كل ما استحدثوه من مضارباتٍ في الأسعار، فضلاً عن تمكُّنه من استغلال الارتباك الذي حصل داخل “الأمة الفرنسية” وتوظيفه لصالحه الخاص، إذ استخدم بعض التجار الفرنسيين أنفسهم كوسطاء للحصول على المحاصيل التجارية في الجليل من قطنٍ وحبوبٍ.
أمّا العامل الثاني فينبع من كونه أولَ من طبَّق نظام التسليف الماليّ المحليّ المعروف باسم نظام الضمان، المذكور سابقاً، على تعاملاته مع الملتزمين. [46] اقترح “ماسهوك” على الأعيان دفعَ الالتزام مُقدَّماً بشكلٍ مباشرٍ للسلطات في صيدا، على أن يملك الحقَّ الحصريَّ في الحصول على المحاصيل التي سيضمن الملتزمون الحصول عليها بدورهم من الفلاحين، وذلك في ظلِّ تزايد ضغط السلطات العثمانية في صيدا على الملتزمين لدفع أموال الميري.
إن تفحُّص أرقام صادرات القطن الخام والمغزول، حسبما توردها سجلات غرفة تجارة مرسيليا، يُظهر التأثير الذي استطاع “بول ماسهوك” إحداثه على واردات فرنسا من القطن، حيث شهدت انخفاضاً ملحوظاً خلال سنة 1703، وخلال الفترة من 1708 حتى وفاته في 1711. ذات الإحصاءات تُظهر بوضوح الارتفاع التدريجي لأسعار القطن، حتى وصلت لمستوىً قياسيٍّ بلغ متوسطه تسعين ليرةً فرنسيةً لقنطار القطن الخام، وحوالي 124 ليرةً لقنطار القطن المغزول خلال العام 1720.
وتشهد قائمة متوسط الأسعار السنوية تذبذباتٍ في الأسعار، إثر الضغط الذي مارسته السلطات على الفلاحين والملتزمين لجمع مال الميري، والذي كان يستغله التجار الفرنسيون لإجبار العناصر المحلية على بيع القطن بأسعارٍ أقلّ، خاصةً أنّ الفرنسيين انخرطوا بكثافةٍ في نظام التسليف المالي الذي رسّخه الهولندي “ماسهوك”، مُستغلين حاجةَ الأعيان المحليين في بعض السنوات لدفع مال الميري مبكراً، وفارضين عليهم أسعاراً أقلّ.
لم يُظهر الولاة في صيدا كثيراً من الاعتراض على النظام الجديد حتى العام 1729، [47] طالما كان يضمن وصول أموال الميري إلى خزاناتهم حتى قبل موعدها، بل استغلوا الأمر وفرضوا مزيداً من الضرائب، واستعجلوا في طلبها حتى قبل مواعيدها الرسمية بعد الحصاد وبيع المحاصيل. لكن المشكلة الحقيقية ظهرت عندما بدأ الفرنسيون بمراكمة مديونيّاتٍ ضخمةٍ لصالحهم على الفلاحين والملتزمين، الذين لم يتمكنوا من سدادها بسبب الضغط المتواصل للسلطات العثمانية وفساد المحصول بفعل الجفاف وندرة المياه أحياناً، أو تعرّضه للإتلاف المتعمَّد، أو السرقة على يد القبائل البدوية والمنافسين المحليين في أحيانٍ أخرى.
وبالرغم من أن القناصل الفرنسيين المتعاقبين في صيدا حاولوا مراراً منع التجار من الدفع مسبقاً للفلاحين لقاء المحصول- خصوصاً أنهم لم يملكوا أيَّ سلطةٍ تنفيذيةٍ على الأعيان المحليين لإجبارهم على الدفع في حال تأخروا بالسداد حتى مع تدخل السفير الفرنسي في اسطنبول- إلا أنّ تعليمات القناصل هذه لم تجد آذاناً صاغيةً.
(7)
احتدام الصراع السياسيّ في الجليل
تسبّب النظام الجديد بأول احتكاكٍ موثّقٍ بين الزيادنة والتجار الفرنسيين في حزيران 1730، حيث تدخّل تاجرٌ فرنسيٌّ في صيدا لصالح الشيخ سعد العمر الزيداني- أخ ظاهر الأكبر- والذي اعتقله والي صيدا في ذلك الوقت، سليمان باشا العظم، بسبب تراكم مال الميري عليه. سدّد التاجر الفرنسي جزءاً من مال الميري المتراكم على سعد العمر بقيمة 22 ألفَ قرشٍ عثمانيٍّ، وذلك بضمان المحصول التالي من القطن من قرى شفا عمرو، الطيرة وعيلبون، إلا أن المحصول لم يكن كافياً لسداد دين سعد العمر، ليضطر التاجر الفرنسي للتواصل مع ظاهر العمر باعتباره القائدَ الفعليَّ لعشيرة الزيادنة.
على إثر ذلك، عرض ظاهر العمر على الفرنسي تسديد القرض الذي أقرضه لأخيه مع فائدةٍ بنسبة 12%، غير أنّ التاجر رفض بقوّةٍ، وأصرّ على الحصول على مقابل ماله قطناً، مهدّداً إيّاه بشكلٍ مباشرٍ بالإيعاز للسلطات العثمانية في صيدا باعتقاله رهينةً حتى تسليمه محصولَه. [48]
كانت هذه أولَ وآخرَ مرّةٍ يتعرّض فيها ظاهر العمر لمثل هذا التهديد، والذي لا يُعلم بالضبط ما الذي كان مُرتكزه. كانت تلك الحادثة لتكون تهديداً مبكّراً للعلاقة بين الزيادنة والفرنسيين لو لم يكونوا مسيطرين على معظم الجليل الأدنى، بما يشمل القرى التي تنتج أجود أنواع القطن في سورية الجنوبية على الإطلاق. على أن الأمر لم يقف عند حدود الجليل الأدنى فحسب، فخلال خمس سنواتٍ فقط، كان ظاهر العمر قد وضع يده على كامل منطقة الجليل، والتزمها بشكلٍ رسميٍّ من والي صيدا.
لم يكن ذلك قطعاً بالأمر السهل، إذ احتاج ظاهر العمر قوّةً عسكريةً ضاربةً تخوِّله لوضع يده على حصون الجليل، والتخلُّص من أعدائه من منافسيه المحليين وتصفية حساباته معهم التي تراكمت لعقودٍ. وقد وجد ضالته بالفعل لدى عرب الصقر، عشيرة البدو المحاربين، القوية المتفرّعة من قبيلة عرب السردية، أنسباء الزيادنة وأخوال ظاهر العمر.
كانت القبيلة تعاني في تلك اللحظة بالذات من إنهاك الهجمات المستمرة التي نفّذها ضدهم مشايخ جبل نابلس وناحية بني صعب من آل جرار وماضي، [49] والذين حصلوا على الضوء الأخضر من دمشق لإبعاد عرب الصقر عن مرج ابن عامر للتخلّص من نهبهم المستمر للقوافل النابلسية المتوجِّهة إلى دمشق عبر طريق جسر “بنات يعقوب”.
تراجع عرب الصقر إلى الجليل، ودخلوا في حماية الزيادنة مقابل القتال معهم وقت الحاجة، رافعين عددَ المقاتلين تحت يد ظاهر العمر إلى حوالي 1500 على الأقل؛ [50] بعضهم من مليشيا عائلة الزيادنة نفسها، وبعضهم من الفلاحين المحليين، ومعظمهم من عرب الصقر. هؤلاء جميعاً ارتصُّوا في أرض المعركة خلف ظاهر العمر في قلعتي جدين وصفد، ورافقوه أيضاً أثناء السيطرة على حصن البعنة، [51] الذي كان من أقوى حصون الجليل بجانب حصني طبرية ودير حنا اللذين كانا تحت يد الزيادنة بالفعل.
واستقرّت لظاهر العمر السيطرةُ الفعليّةُ على كامل الجليل تقريباً بحلول العام 1735 أو 1736 على الأكثر. والأهمُّ من ذلك أنّ سيطرته هذه شملت الناصرة التي كانت إحدى أهمَ محطات قوافل النابلسيّة إلى دمشق وبلدة سوق ومخزن (بندر) لبضائعهم. [52] وقد طُردوا من الناصرة بسيطرة الزيادنة عليها، ليُثير ذلك ردّةَ فعلٍ نابلسيّةً عنيفةً، فضّل مشايخ نابلس تأخيرها قليلاً حتى استطاعوا استصدار إذنٍ من سلطات دمشق- التي كان جبل نابلس يتبعها إدارياً- بمهاجمة ظاهر العمر واسترداد الناصرة منه.
أسَّس النابلسيّة تحالفاً مع عرب الصقر الذين انقلبوا على الزيادنة بعد فترةٍ وجيزةٍ من الوفاق، فاتفقوا معهم على إعادتهم مرّةً أخرى إلى مرج ابن عامر مقابل القتال ضد ظاهر العمر، الذي منعهم بصرامةٍ من الإتيان بأيّ أعمال نهبٍ أو تخريبٍ داخل الجليل.
تلاقى ظاهر العمر مع النابلسيّة وعرب الصقر في أول اختبارٍ لقدراته كقائدٍ عسكريٍّ في المعارك المفتوحة، وكانت تحت إمرته مليشيا عائلته التي تكوّنت- بحلول ثلاثينيات القرن الثامن عشر- من حوالي مئتي فارسٍ على الأقل قادهم ابن عمه محمد العلي الزيداني، [53] بالإضافة إلى جيشٍ نظاميٍّ من ألف مُقاتلٍ، مُكوّنٍ في معظمه من المرتزقة المغاربة، [54] والذي شكّله ظاهر العمر، خلال الأشهر الماضية، بمساعدة قائدٍ عسكريٍّ يُدعى “أحمد آغا الدنكزلي”، كان يعمل الأخير في خدمة آل حسين في جدِّين.
انتصر ظاهر العمر في معركته ضد حلف النابلسيّة وعرب الصقر في سهل الروحة قرب مرج ابن عامر، وقُتل في المعركة الشيخ إبراهيم الجرار، كبير مشايخ الريف النابلسي. كما لاحق ظاهر العمر فلول المهزومين حتى قلعة صانور، والتي حاصرها لفترةٍ وجيزةٍ قبل أن يغادرها بعد صلحٍ مع مشايخها. [55]
ثبَّت الزيادنة أقدامهم في الناصرة بهذا الانتصار، وعززّوا موقفهم في مرج ابن عامر، وأصبحت مناطق نفوذهم تشرف على خط القوافل التجارية الرابط بين وسط فلسطين ودمشق، بل إن الخطَّ الذي تسلكه قافلة الدورة كان يمرُّ عبر أراضي الزيادنة في الجليل. كان هذا أحدَ أسباب إصرار ظاهر العمر على البقاء في طبرية، وعدم التراجع نحو صفد أو البعنة الأكثر تحصيناً بين الجبال.
لم يكن والي دمشق في تلك الفترة، سليمان باشا العظم (1734-1737 و 1742-1743)، المعروف بتصلُّبه وتشدّده، ليقبل بأن يكون الجزء الأكبر من تجارة الشق الجنوبي من إيالته تحت رحمة ملتزمٍ غيرِ خاضعٍ للسيطرة. دفعه ذلك إلى إقناع الباب العالي بضرورة مهاجمة الزيادنة والقضاء عليهم إنْ أمكن، ليحصل على الإذن بذلك بالفعل، ويهاجم طبرية في وقتٍ غيرِ محدّدٍ بدّقةٍ من العام 1737. استمرّ هجومه على طبرية لأسبوعين، وانتهى بدون نتائج، [56] تاركاً إيّاها لظاهر العمر يعيد ترميم دمارها ويزيد تحصيناتها، [57] مع وعدٍ بالعودة إليه في العام القادم.
لم يستطع سليمان باشا العودة لطبرية في العام التالي كما قطع عهداً على نفسه قبلاً، وذلك بعدما صدر قرارٌ من السلطان بعزله، وانتظر حتى ظفر بمنصب والي دمشق مرةً أخرى في 1742، ولم يألُ جهداً قبل أن يهاجم ظاهر العمر بكلِّ شراسةٍ، مُواجهاً إيّاه في 3 أيلول 1742، ومُصطحباً معه كلَّ ما أمكنه من عُدّةٍ للحصار أرسل في طلبها خصيصاً من إسطنبول. كما حصل على الدعم العسكري واللوجستي من حكّام جبل لبنان، ومتسلّم القدس، ومشايخ جبل نابلس، بالإضافة إلى قبائل بني صخر وعرب الصقر.
حصل العمر على تحذيرٍ من الجالية اليهودية في دمشق وصل إليه عبر حاخام اليهود في طبرية، حاييم أبو العافية، [58] مفادُه أن خروج سليمان باشا المبكّر لقافلة الدورة يستهدف طبرية. استعد ظاهر العمر وعوّل على إمكانية الصمود ضد سليمان باشا حتى مجيء موعد قافلة الحج، وقد نجح في مسعاه وصدَّ حصاراً استمر ثلاثة أشهرٍ، اضطر بعده سليمان باشا للتراجع لإدراك موعد القافلة بالفعل.
وخوفاً من تكرار الهجوم، راسل ظاهر العمر القنصل الفرنسيّ في صيدا، وسأله أن يمرِّر طلباً للسفير الفرنسي في إسطنبول للضغط على الباب العالي لإيقاف أيِّ هجومٍ لاحقٍ لسليمان باشا. كما طلب من “حاييم أبو العافية” التدخّل لدى الجالية اليهودية في اسطنبول لممارسة ذات الضغط.
فشلت مساعي ظاهر العمر، وكرَّر سليمان باشا هجومه على الجليل بالفعل مرّةً أخرى في 30 تموز 1743، لكنه استهدف قلعة دير حنّا التي يُرابط فيها هذه المرّة سعد العمر، أخ ظاهر الأكبر، مستعيناً بكل ما استطاعت أن توفّره له النخب العثمانية في سورية من دعمٍ، بالإضافة لسفينةٍ مُحمَّلةٍ بمعدات الحصار وصلت إلى ميناء حيفا لتفريغها ونقلها برّاً إلى طبرية، غير أن موت سليمان باشا المفاجئ في مُختتم آب 1743 قرب قرية لوبية كان كفيلاً بإنهاء الحملة وتحييد خطرها على الفور، ليستتبّ الأمر لدى الزيادنة بشكلٍ كاملٍ في الجليل حتى هذه المرحلة على الأقل.
(8)
على سبيل الخاتمة
لم يكن انبثاق الجليل في القرن الثامن عشر ككيانٍ سياسيٍّ مصادفةً، ولا حدثاً معلّقاً في فضاءٍ منفصلٍ عما يحيط به من ظروفٍ موضوعيّةٍ ساهمت في خلقه وتكوينه. ظروفٌ تنوعت أسبابها ومحركاتها بين فضاءاتٍ محليّةٍ وإقليميّةٍ ودوليّةٍ. كان صعود الجليل عمليةً تراكميّةً بطيئةً سارت بهدوءٍ حتى نضجت الظروف بما يكفي، لتخلق فرصةً استغلّتها عشيرة الزيادنة التي حظيت بزعيمٍ تمتّع بصفات القيادة والمبادرة والحنكة في ميداني الحرب والسياسة، مُتمكّناً من ترجمة هذه الفرصة، في الوقت المناسب، إلى أفعالٍ منسّقةٍ على الأرض، وواضعاً الأساسَ للكيان السياسيّ المحليّ الذي سيكون له، لاحقاً، أعظمُ الشأن بين أقرانه في سورية العثمانية.
ستشهد السنوات اللاحقة استمراراً للازدهار الاقتصادي الذي بدأ خلال العقود الأولى من القرن الثامن عشر. لكن الاختلاف الجوهري في المرحلة التالية سيتمحور حول تغييراتٍ مهمّةٍ ستطرأ على هوية اللاعبين الأساسيين في المشهد السياسي، إذ سينضم لاعبون جُددٌ إلى الصورة، على أن أياً منهم لن يملك ولو قدراً ضئيلاً من النفوذ داخل الجليل الذي وقع بكامله تحت سيطرة الزيادنة، الذين امتلكوا الآن قدراً أكبرَ من الحرية لتنفيذ خطّةٍ للتنمية الاقتصادية في المقاطعة الناشئة، وقدراً أكبر من الثقة بعد أن تخلّصوا من منافسيهم المحليين، واستطاعوا تحييد سلطات الإيالة التي وقعت أراضيهم تحت سلطتها، داحرين بالحيلة والصبر وكثيرٍ من الحظ خطرَ أحد أقوى ولاة دمشق ثلاثَ مراتٍ متتاليةٍ.
أخيراً، يشكّل هذا الجزءُ من الدراسة مدخلاً للجزء اللاحق الذي سنستعرضُ فيه تاريخ المقاطعة الزيدانية، انطلاقاً من منتصف أربعينيات القرن الثامن عشر، مُوضّحين فيه خارطةَ علاقات المقاطعة الخارجية، التي اكتسبت بدءاً من هذه المرحلة، أبعاداً دوليةً وإقليميةً. كما سيناقش البنى الاقتصادية التي أسّسها الزيادنة في عكا والجليل، وتأثيراتها الاجتماعية، والصراع الذي خاضوه على جميع مستويات العمليّة التجاريّة من أجل ترسيخها وتنميتها، إلى أن تصل قصتهم إلى ختامها التراجيدي في العام 1775.
لقراءة الجزء الثاني، من هنا
*****
الهوامش:
[1] حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، لم تشكِّل فلسطين الحالية أيَّ وحدةٍ سياسيةٍ أو إداريةٍ، وكان اللفظ يُستخدم في الأدبيات النخبويّة للتعبير عن نطاقٍ جغرافيٍّ غير محدد المعالم بدقةٍ، كما لم يُذكر في أيّ وثائقَ رسميةٍ إلا في أضيق الحدود. يمكن حصر هذا النطاق الجغرافي في حدّه الأدنى ما بين حدود الجليل الأدنى وصحراء النقب وما بين أريحا ويافا، ويشمل في حده الأقصى المساحة ما بين جبال الجليل وصحراء سيناء، وما بين ساحل جنوب غرب بلاد الشام على المتوسط ونهر الفرات. ولذا، فقد ورد مصطلح (سورية الجنوبية) في الدراسة عوضاً عن (فلسطين) لدلالته الجغرافية لا أكثر. للمزيد، راجع: رافق (1990)، ص699.
[2] معمر، ص44؛ صافي، ص267-276، وقد أثار مولد ظاهر العمر كثيراً من الخلاف، لكن عند المقارنة بين المصادر المختلفة، وبالاعتماد على معلوماتٍ قدمها كلٌّ من كاتبَيْ سيرة ظاهر العمر، عبود وميخائيل الصباغ، يمكن الاستناد إلى أن ميلاده وقع في الفترة ما بين 1689 و1690 على الأكثر. للمزيد، راجع: صافي، ص56.
[3] رافق (1990)، ص705.
[4] صافي، ص288.
[5] إيالة لفظةٌ عربيّةٌ، وبحسب “المعجم الوسيط” فهي قطعةٌ من الأرض يحكمها والٍ. كانت الإيالة أكبر الوحدات الإدارية العثمانية، و تُقسَّم بالعادة إلى سناجق (ألوية)، والسنجق يُقسَّم بدوره إلى نواحٍ. كانت سورية العثمانية مقّسمةً إلى ثلاث إيالاتٍ رئيسيةٍ؛ دمشق (أكبرهنّ مساحةً،) وحلب، وطرابلس، واستحُدثت إيالةٌ رابعةٌ في صيدا في 1660. ظلَّ نظام الإيالات معتمَداً كتقسيمٍ إداريٍّ عثمانيٍّ حتى العام 1864، حيث استبدل بنظام (الولايات) في عهد السلطان عبد العزيز الأول.
[6] دوماني، ص120.
[7] Philipp, P22.
[8] بقيت حيفا مكاناً مهملاً على مر التاريخ مقارنةً بجارتها عكا، بحكم موقعها الجغرافي الذي منحها ميزةً استراتيجيةً أمنيةً افتقدتها حيفا الواقعة على شاطئٍ مفتوحٍ. وبالرغم من أن سهل حيفا المنبسط كان أكثر مواءمةً لبناء ميناءٍ أوسع وذي قدرةٍ تشغيليةٍ أكبر، إلا أنها بقيت مكاناً يصعب الدفاع عنه مقارنةً بعكا. وقد تغيّر الوضع بعد الغزو المصري في 1831 مع استدخال وسائل النقل الحديثة على الطريق التجاري الواصل بين شاطئ فلسطين وبرّها الداخلي. للمزيد، راجع: Carmel, p1.
[9] يوحي تقسيم تاريخ الدولة العثمانية إلى حقبٍ بدرجةٍ عاليةٍ من التمايز والتباين بين كلِّ حقبةٍ وأخرى، بشكلٍ يفصل كلُّ حقبةٍ عن الأخرى في الخواصّ والميزات العامة. وبالرغم من إمكانية الجدال في صحة هذا الادعاء، إلا أنه ينفي، بدون شكٍّ، الترابط الوثيق بين جميع هذه المراحل وتشكيلها لخطٍّ تطوريٍّ مترابطٍ لا يستقيم فهم ما يلي منه إلا بفهم ما سبقه. بالرغم من ذلك، تظلّ هذه التقسيمات ضروريةً لفهمٍ أكثر عمقاً، وكما يصف ألبرت حوراني “فلكي نفكر، علينا أن نميّز، وأفضل ما يمكننا عمله هو محاولةُ إنشاء تقسيماتٍ تكشف شيئاً ذا أهميةٍ حول السيرورة التي ندرس”. حوراني، ص105.
[10] رافق (1990)، ص707.
[11] للمزيد عن ظاهرة مراكز أو جيوب القوى المحلية، راجع: دوماني، ص13.
[12] ابن طولون، ص114.
[13] تُستخدم كلمة Provincial لوصف تجمُّعٍ حضريٍّ مُكوّنٍ من مركزٍ شبهِ مدينيٍّ يحيط به تجمُّعٌ من الأرياف، تقطنه غالبيةٌ من الفلاحين المشتغلين بالأرض والخاضعين لسيطرة عددٍ قليلٍ من الأفراد يشكّلون نخبةً ترتبط بالحكومة وجهازها الإداري المركزي. تتميز المناطق البروفنسالية، عادةً، ببُنى اجتماعيةٍ وثقافيّةٍ وحركاتٍ اقتصاديّةٍ مُميزٍة تؤهلها جميعاً للاحتفاظ باستقلاليّةٍ سياسيّةٍ نسبيّةٍ عن مركز الحكم، وإنْ ارتبطت به بشكلٍ عضويٍّ، واستمدتْ نخبُها شرعيتها منه. انتشرت هذه المناطق في الفضاء العثماني، كما كانت علامةً مميزةً للتجمّعات السكانية الريفية في أوروبا. للمزيد، راجع: دوماني، ص10، وانظر أيضاً: هوبزباوم، ص51 وما بعدها.
[14] كانت قافلة الدورة تقليداً سنويّاً يخرج فيه والي دمشق على رأس قوةٍ عسكريّةٍ كبيرةٍ، ليجوب المناطق الجنوبية من إيالته بغرض جمع مال الميري اللازم لتمويل خروج قافلة الحج، وكانت بمثابة تجديدٍ سنويٍّ رمزيٍّ لهيبة الإمبراطورية وسلطتها على القوى المحلية الموجودة على طريق الحج. لتفاصيلَ أوفى عن قافلة الدورة وقافلة الحج الشامي، راجِع: رافق (1981): ص5 وما بعدها، وراجِع أيضاً: بسام ديوب (2012).
[15] كانت الجردة قافلةً تخرج بقيادة أحد ولاة أو متسلّمي الإمبراطورية في سورية (والي صيدا أو متسلم القدس في الغالب). وكان الهدف منها مقابلةَ قافلة الحج (غالباً في منطقة المزيريب) أثناء عودتها من الحجاز، إذ تُلقى على عاتقها مسؤوليةُ إغاثة القافلة وتزويدها بالمؤن. راجع: المرجعين السابقين.
[16] رافق (1990): ص708.
[17] صافي، ص17.
[18] الأول هو أسعد باشا العظم (1743 – 1755)، والثاني هو عثمان باشا الكرجي (1760 – 1771).
[19] كان هجْر القرى أمراً معتاداً في سورية الجنوبية العثمانية خلال الفترات التي انعدم فيها الأمن والسلم الأهلي وانتشرت فيها الفوضى، بسبب القبائل البدوية التي كانت تسيطر على الطرق التجارية، وتتعرض للقوافل المارّة بها، فتنهبها أو تجبرها على دفع أجر خفارة الطريق، وتهاجم القرى باستمرارٍ لدرجة أن الفلاحين كانوا في بعض المناطق يحصدون أرضهم والبنادق في أيديهم، أو يحصدون محاصيلهم قبل موعدها، ويخبئونها في أماكنَ سريةٍ تحت الأرض. للمزيد، راجِع: صافي، ص205. وقد تعرّض عبد الكريم رافق لهذه النقاط بالتفصيل أثناء حديثه عن بلدانية فلسطين في تاريخيّة العهد العثماني، للمزيد راجع: رافق (1990)، ص727 وما بعدها.
[20] رافق، ص705.
[21] من الجدير بالذكر أن دمشق امتلكت نفوذاً وصائيّاً على صيدا التي كانت أقل مساحةً وقوةً، وكان واليها المعيَّن عادةً برتبة باشا بطوخين؛ أي أقل درجةً من ولاة دمشق الذين كان يتم اختيارهم من الموظفين العثمانيين من حملة رتبة باشا بثلاثة أطواخٍ، وكانوا يمتازون عن ولاة صيدا بحملهم لقب الوزارة كذلك. وقد كان لولاة/وزراء دمشق كلمةٌ مسموعةٌ عند القوى المحلية في صيدا بالرغم من تواجدهم خارج نطاق نفوذهم الرسمي، وقد امتلكوا الحقَّ بإصدار الأوامر والتعليمات إليهم، وجباية أموال الميري منهم في حال وافق ذلك تعليمات الباب العالي.
[22] جديرٌ بالذكر أن صيدا تأسّست في البداية في 1614 عقب هروب فخر الدين المعني الثاني خارج جبل لبنان، إلا أنها تفكّكت بعد سنةٍ واحدةٍ فقط. للمزيد، راجع: صافي، ص17.
[23] Philipp, pp4.
Ibid, pp5؛ انظر أيضاً: رافق (1990)، ص815.[24]
[25] رافق (1990)، ص816.
[26] المرجع السابق.
[27] يزبك، ص7؛ رافق (1990)، ص823.
[28] صافي، ص45. ويذكر توفيق معمر، معتمداً على الذاكرة الشعبية لبعض مشايخ الجليل المعاصرين، أن وصول الزيادنة إلى الجليل وعرابة البطوف قد تم في 1680، راجع: معمر، ص26.
[29] معمر، ص29 وما بعدها.
[30] المرجع السابق، ص36.
[31] للمزيد عن النزاع القبلي بين قيس ويمان في العهد العثماني، راجع: شولش، ص226؛ معمر، ص38.
[32] Yazbak, p710; Cohen, pp 9-12; Philip, pp100.
[33] كان اختيار ظاهر العمر لخلافة والده، رغم كونه أصغر إخوته، رغبةً منهم في التخفي خلف اسمه، حتى لا تظهر أسماؤهم في سجلات الدولة، ويتعرضوا لخطر الملاحقة في حال تأخرّوا في دفع المستحقّ عليهم من الضرائب. للمزيد، راجع: الصباغ، عبود، ص24. جديرٌ بالذكر أن هذه السياسة لم تفلح كثيراً في حماية أعيان الزيادنة من سخط السلطات في صيدا، كما ستبيّن الأحداث لاحقاً.
[34] للمزيد عن الالتزام ونظم الإدارة العثمانية الأخرى، راجع: بيات، ص 73 وما بعدها.
[35] التيمار نظامٌ شبهُ إقطاعيٍّ يُعطى فيه لعسكريين تابعين للإمبراطورية الحقُّ في الحصول على العائدات الضريبية لإقطاعياتٍ مُحرّرةٍ مسبقاً؛ أيّ خضعت لإحصاءٍ سكانٍّي، ذلك مقابل تحمُّل مسؤولية إعداد وتدريب وقيادة عددٍ محدّدٍ من الجنود (يتم تحديده بحسب مساحة التيمار وعدد سكانه)، ووضعهم دوماً في خدمة السلطان وولاته، وكان الضباط الموكلون برعاية التيمارات يُدعون باسم (السباهيين). للمزيد، راجع: المرجع السابق.
[36] المرجع السابق، ص72.
[37] المرجع السابق، ص110.
[38] معمر، ص26؛ الشهابي، ص78.
[39] دوماني، ص365 (رقم 10).
[40] Van Egmont & Heyman (Vol II.), p34. وتجدر الإشارة إلى أن علاقة ظاهر العمر بالذات مع القبائل البدوية في الجليل كانت في أفضل أحوالها في فترة شبابه، وقد تربّى على فنون الحرب والقتال على يد أخواله من عرب السردية. وعلى الأرجح، فإنهم عملوا على حمايته في طبرية، وحماية قوافله التي كان يسيّرها إلى دمشق وعكا.
[41] انفرد عبود الصباغ بذكر هذه الرواية دون غيره ولم يحدّد لها تاريخاً، وأضفى عليها طابعاً ملحميّاً جعلها أقربَ إلى الخيال منها إلى الواقع، إضافةً إلى تضمينها عدداً من التفاصيل التي تثير الشك في مصداقيتها، إلا أن المؤرخ اللبناني، الأكثر مصداقيةً، حيدر أحمد الشهابي، يؤكد الحادثة بذكره لخروج والي دمشق، عثمان باشا أبو طوق، في 1721 إلى بلاد صفد لإجبار ملتزميها على دفع المكسور عليهم من مال الميري. للتفاصيل، راجع: معمر، ص47-48. من الجدير بالذكر أن فليب يرفض تحليل معمر وربطه للحدثين الواردين لدى الشهابي والصباغ مع بعضهما البعض، ويحدّد الفترة ما بين 1713 إلى 1718 كنطاقٍ زمنيٍّ حدث فيه الهجوم على البعنة وحصارها، راجع: Philipp, p31 & p237 n5.
[42] معظم المعلومات الواردة في هذه الفقرة عن التجّار الفرنسيين في عكا وسورية الجنوبية مستقاةٌ من الفصل الثالث من كتاب: Philipp, Acre (2002), pp 94-135، ما لم تتم الإشارة إلى عكس ذلك.
[43] رافق (1990)، ص815.
[44] Philipp, p97.
[45] انظر:( Schmidt and Kadı, Paul Maashouk , (2005، يحتوي هذا المقال الذي نشره إسماعيل حقي قاضي ويان شميدت على تسعِ وثائقَ مستخلصةٍ من أرشيف الحكومة العثمانية في إسطنبول، تختصّ بحصر أملاك وميراث “بول ماسهوك” بعد وفاته في 1711، وتثبت بالدليل القاطع هوية “بول ماسهوك” وأصوله الهولندية التي كانت محلَّ خلافٍ لسنواتٍ طويلةٍ، حيث أكد “أمنون كوهين” جنسيته الهولندية، طبقاً لوثائقَ فرنسيةٍ. فيما اعتبره كلٌّ من بروس ماسترز وبشارة دوماني عربياً يُدعى “بول معشوق” بسبب متانة علاقاته بجميع مستويات المجتمع العربي داخل سورية الجنوبية، فكانت علاقته متينةً مع الأعيان المحليين والملتزمين والتجار المحليين، وحتى القبائل البدوية التي استفاد منها في نقل وحماية بضائعه المنطلقة من الجليل إلى ميناء عكا. للمزيد، راجع: صافي، ص59؛ دوماني، ص365، وانظر أيضاً: Cohen, pp 12-13; Masters, p108 n10.
[46] Yazbak, p703 ff.
[47] صدر فرمانٌ من الباب العالي في 1729 يجرِّم ممارسات التجار الفرنسيين الذين يشترون بضائعهم خارج أماكن إقامتهم المحدّدة، ويقضي بضرورة التزام الفلاحين والأعيان المحليين ببيع محاصيلهم للتجار الأجانب داخل البازارات والمتاجر الرسمية التي تفرض عليها الإمبراطورية رقابتها، إلا أنه لم يُنفّذ، انظر: Philipp, p99.
[48] Philipp, pp 99-100، يبدو هنا أن مكانة سعد العمر كأحد الأعيان المحليين كانت أوضح من أن يستطيع إخفاءها عن أعين السلطات في صيدا، كما كان يخطط عندما سلَّم أخاه الأصغر مهمةَ الالتزام بعد وفاة والدهم عمر الصالح الزيداني، (راجع ملاحظة 33). كما يتضح أن ظاهر العمر، وبحلول نهاية العقد الثالث من القرن الثامن عشر، قد رسَّخ لنفسه مكانةً داخل العائلة الزيدانية كقائدٍ أوحد وصاحب كلمةٍ أخيرةٍ بالرغم من كونه أصغر إخوته الذكور.
[49] الصباغ، ميخائيل، ص27؛ صافي، ص72.
[50] الصباغ، ميخائيل، ص32.
[51] صافي، ص62.
[52] المرجع السابق.
[53] الصباغ، ميخائيل، ص33؛ صافي، ص190.
[54] يزبك، ص18.
[55] صافي، ص62 وص121.
[56] رافق (1990)، ص709؛ صافي، ص90-94.
[57] يذكر الإنجليزي “ريتشارد بوكوك” الذي مرَّ بطبرية في العام 1737، وحلَّ ضيفاً على شيخها ظاهر العمر، أنه رأى أهلها يقيمون بعض المهدَّم من أسوارها، ويبنون أسواراً جديدةً لحمايتها، بعد تعرضها لهجومٍ من والي دمشق، راجع: رافق (1990)، ص769
[58] كان “حاييم أبو العافية” حاخام اليهود في مدينة إزمير في الأناضول، وقد سافر إلى طبرية، بناءً على دعوةٍ من ظاهر العمر، ووصلها في بداية أربعينيات القرن الثامن عشر، وأسّس فيها، بتمويلٍ من ظاهر العمر نفسه، معبداً لليهود ومدرسةً ومتجراً، ما شكّل نواةً للحي اليهوديّ في طبرية، راجع: صافي، ص 180.
******
قائمة المراجع
حوراني، ألبرت: الإصلاح العثماني وسياسات الأعيان، مجلة الاجتهاد، الأعداد 45 و46، شتاء وربيع 2000، ص105-142، بيروت.
دوماني، بشارة: إعادة اكتشاف فلسطين؛ تاريخ أهالي جبل نابلس (1700-1900)، ترجمة حسني زينة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الطبعة الأولى، 1995، بيروت.
ديوب، بسام: المحمل وقافلة الحج الشامي، دار الأوس للنشر، الطبعة الأولى، 2012، دمشق.
رافق، عبد الكريم: قافلة الحج الشامي وأهميتها في العهد العثماني، مجلة دراسات تاريخية، العدد 6، أكتوبر 1981، دمشق.
رافق، عبد الكريم: فلسطين في عهد العثمانيين (1)، الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني، مجلد 2، ص695-848، هيئة الموسوعة الفلسطينية، الطبعة الأولى، 1990، بيروت.
شولش، ألكزاندر: تحولات جذرية في فلسطين (1856-1882)؛ دراسات حول التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ترجمة كامل العلي، منشورات الجامعة الأردنية، 1988، عمان.
الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير حيدر أحمد الشهابي، مطبعة السلام، الطبعة الأولى، 1900، القاهرة.
صافي، خالد: حاكم الجليل في القرن الثامن عشر؛ ظاهر العمر الزيداني (1689-1775)، المركز القومي للدراسات والتوثيق، الطبعة الأولى، 2005، غزة.
الصالحي الدمشقي، ابن طولون: تاريخ الشام في مطلع العهد العثماني (1520-1544)، تحقيق أحمد إيبش، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، الطبعة الأولى، 2010، أبو ظبي.
الصباغ، عبود: الروض الزاهر في تاريخ ظاهر، تحقيق محمد محافظة وعصام هزايمة، دار الكندي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1999، عمان.
الصباغ، ميخائيل: تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني؛ حاكم عكا وبلاد صفد، تحقيق قسطنطين الباشا المخلصي، شركة نوابغ الفكر، الطبعة الأولى، 2010، القاهرة.
معمر، توفيق: ظاهر العمر؛ كتاب يتناول تاريخ الجليل خاصة والبلاد السورية عامة من سنة 1698 حتى سنة 1777، المعهد العالي للفنون وبيت الكتاب، الطبعة الثالثة، 1996، الناصرة.
هوبزباوم، إريك: عصر الثورة؛ أوروبا (1789 – 1848)، ترجمة فايز الصُيَّاغ، المنظمة العربية للترجمة ومؤسسة ترجمان، الطبعة الأولى، 2007، بيروت
يزبك، محمود: الشيخ ظاهر العمر الزيداني؛ العصر الذهبي لفلسطين في العصر الحديث، مطبعة النصر/حجاوي، الطبعة الأولى، 2017، نابلس.
Carmel, Alex. Haifa, A History of Four Centuries under Turkish Rule, Translated by Elias Friedman I.B. Tauris, 2011, London.
Cohen, Amnon. Palestine in the Eighteenth Century: Patterns of Government and Administration, Hebrew University, 1973, Jerusalem.
Kadı, Ismail Hakkı and Schmidt, Jan. Paul Maashouk: Dutch Merchant and Adventurer in Palestine (1669 – 1711), Eurasian Studies 4/1 (2005), pp 1-17.
Masters, Bruce. The Origins of Western Economic Dominance in the Middle East: Mercantilism and the Islamic Economy in Aleppo, 1600-1750, ACLS Humanities E-book (Reprint), 2008.
Philipp, Thomas. Acre, The Rise and Fall of a Palestinian City (1730-1831), Columbia University Press, 2002, New York.
van Egmont, J. Egidius and Heyman, John. Travels through Part of Europe, Asia Minor, The Island of Archipelago, Syria, Palestine, Egypt, Mount Sinai &e. (Volume two), L. Davis and C. Reymers, 1759, London.
Yazbak, Mahmoud. The Politics of Trade and Power: Dahir al-Umar and the Making of Early Modern Palestine, Journal of the Economic and Social History of the Orient, 56 (2013), pp 696-736.