تبقى قصة “مس كاري” غير واضحة تماماً، وتبقى قصة المعبد قصة منقوصة التفاصيل ومخبأة بين طيات التاريخ، والحقيقة الوحيدة هي تحويل المعبد إلى منطقة عسكرية مغلقة حتى يومنا هذا، وأن “مس كاري” قد تكون من أوائل من اتخذوا شعارات التقارب الديني – في بلادنا – وسيلةً للتطبيع السياسي.
في الصورة أعلاه ما يُسمّى “معبد مس كاري” في عين كارم في القدس، أو كما اعتاد فلاحو القدس الإشارة إليه “مسكيري”. كانت “أليس ماي كاري“، Alice May Carey، الملّقَبَة بـ “مس كاري”، مستشرقةً ومبشِّرَةً بريطانيةً زارت فلسطين خلال فترة الاستعمار البريطاني، وركّزتْ نشاطَها التبشيريّ والاستشراقيّ في القدس على وجه الخصوص.
وُلِدَت “مس كاري” في الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1879 في “سانت بيتر بورت”، St. Peter Port، في جزيرة “الجرينيزي“ الموجودة في بحر المانش ما بين فرنسا وبريطانيا، وانتقلتْ في نهاية العام 1922 للعيش في فلسطين. بعد فشل مشروعها في القدس، والذي سنتناول قصته في هذا المقال، عادت “مس كاري” إلى بريطانيا في صيف العام 1944، وتوفيت هناك في عام 1957.
أما مجيئها لفلسطين في العام 1922، فكما يتضح من المصادر القليلة[1]، فإنها جاءت متطوعةً في المدرسة الأنجليكية الثانوية للبنات على اسم “وربورتون” Warburton، وكان نطاق عملها يشمل الإشراف على القسم الداخلي فيها، ومتابعة شؤون صيانته وأمور الغسيل، كما تطوعت في تعليم اللغة الإنجليزية في مدرسة “طاليتا قومي” (كانت طاليتا قومي مؤسسة ألمانية، ولكنها انتقلت لإدارة الانجليز بعد احتلالهم لفلسطين).
لم تبقَ “مس كاري” طويلاً كمتطوعة في تلك المدرسة، وانتقلت في آذار من العام 1923 للعيش في أحد البيوت التابعة للكنيسة الأنجليكية في عين كارم جنوب القدس. وكانت عين كارم قد شهِدَت منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما شهدت القدس بشكل عام، حركةَ بناءٍ عمرانيٍّ متصاعدة ونشاطاً تبشيريّاً واسعاً، فقد بُنيت فيها العديدُ من الكنائس والأديرة، الأرثوذكسية، والكاثوليكية، وغيرها. وعدا عن الأطماع الغربية في فلسطين التي كانت ترى في الدولة العثمانية منافساً لها، فإن من مبررات هذا التوسع الكنسي أن لِعَين كارم قداسةً دينيةً مسيحيةً، إذ يُعتقد أن يوحنا المعمدان (النّبي يحيى عليه السّلام) قد وُلِد فيها، وأن مريم العذراء قد زارتْها.
وقد وصفت “مس كاري” من قبل الكاتبة “أريغن ماري اوكينهوغ” بأنها إحدى “العاملات المبجلات التي تتبع للمؤسسة الأنجليكانية، بالإضافة إلى نساء بريطانيات أخريات قدمن إلى فلسطين كجزء من المؤسسة. تصف الكاتبة أن أفكار “مس كاري” كانت “راديكالية” بالنسبة للمؤسسة، كونها أرادت أن تبني معبداً للديانات الثلاث[2].
وتنتمي “مس كاري” إلى فئة المستشرقين المُبشِّرين الذين ركزوا في رحلاتهم على الأبعاد الدينية للمكان. ومع ذلك، فقد كانت زياراتها تقع ضمن الاهتمام الأوروبي بالمناطق “الأخرى”، خاصةً الاهتمام بأرض فلسطين (“الأرض المقدسة”) من قبل الحكومة البريطانية والمجتمع البريطاني تحديداً. وقد قدم الكثير من المبشرين والجغرافيين والأثريين إلى فلسطين تحديداً كجزء من عمليات تأسيس الاستعمار البريطاني في البلاد، والتمهيد للحركة الصهيونية، ومحاولة إيجاد الرابط التوراتي مع جغرافية هذه البلاد.
“معبد مس كاري”
لم تكتفِ “مس كاري” بالعيش في المنطقة كمتطوعةٍ ومبشِّرَةٍ، بل أخذتْ على عاتقِها مشروعاً جديداً، وهو بناءُ معبدٍ دينيٍّ في عين كارم، يكون موئلاً لأبناء الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، والمسيحية، والإسلام، يجتمعون فيه ويصلون عنده.
وقد أخذت هذه الفكرةُ تتبلورُ في ذهنها في صيف العام 1933، وقد كتبتْ تَستَشيرُ عدداً من الشّخصيات الدينية المسيحية حول العالم، وخاصّةً في بريطانيا، لكن الباحث الصهيوني “إيلان” لم يجدْ في تلك الكتابات والمراسلات[3] ذِكراً واضحاً ومباشراً للدافع أو المُحرّك لهذه الفكرة.
إذاً، الدافعُ من وراء رغبتها ببناء ذلك “المعبد” غير معروف تماماً، ولكن على الأغلب كان ذلك أحد أول المشاريع التطبيعية للتقريب بين العرب والصهاينة، تحت مسمى “التقارب الديني”. وفي إحدى مراسلاتها في سياق الحديث عن عثورها على أرض مناسبة لبناء هذا المعبد، تقول “مس كاري” أنه “سيستخدم كمكان للصلاة الدائمة من أجل الصّلاة، ولوحدة العالم المسيحي، ولكل الموحّدين الذين يصلون للإرادة الأبدية”[4].
وفي هذا الإطار، يقول الباحث الصهيوني “إيلان” أن “مس كاري” قد تكون طوّرت الفكرة بعد ثورة عام 1929، التي اندلعت إثر محاولات اليهود فرض سيطرتهم وتوسيعها حول حائط البراق في القدس، واستشهاد عدد من العرب ومقتل الكثير من اليهود، كمحاولة منها للتقريب بين الطرفين.
كما يقول “إيلان” أن “مس كاري” قد تكون تأثرت ببناء جمعية الشبان المسيحية في نهاية عشرينات القرن العشرين غربيّ القدس، والتي كانت تحمل “التوحيد بين الشبان المسيحيين” كذلك، واستلهمت من فكرة ذلك المبنى وتلك الجمعية فكرة “معبدها المشترك”، أو قد يكون الأمران معاً قد أثّرا عليها[5].
وفي سياق حديثها عن مراسلاتها مع أساقفة الكنيسة الأنجليكانية في انجلترا، أكدت “مس كاري” هدفها بجمع “أبناء مختلف الديانات لأغراض تعميق السلام والتعايش”، إذ ذكرت في إحداها أن هناك استعداداً للتعاون معها من قبل ممثلين عن مختلف الكنائس، الكاثوليكية، والأرثوذكسية، والأرمنية، وغيرها. وذكرت كذلك أن “يهوداً ومسلمين قليلين عبّروا عن إرادتهم القوية في الصّلاة بجانب المسيحيين من أجل السلام ووحدة الربّ”[6].
ويذكر “إيلان” بناء على مراجعته لمراسلات “مس كاري”، أنها ادّعت فيها أن الشيخ المسؤول عن حراسة كنيسة القيامة، وأن مفتي القدس كذلك متحمسان للانضمام والصلاة إلى جانب أبناء الديانات السماوية الأخرى في معبدها. ومن بعض القراءات، يبدو أن “مس كاري” أرادت من هذا المعبد كذلك أن يكون موحّداً لكل طوائف المسيحيين، وجامعاً لأبناء الكنائس المختلفة، وأن يكون كذلك فرصةً لتجميع اليهود والمسلمين. ويبدو من القراءات القليلة المتوافرة كذلك، أنّها كانت ترى في عنوان “التقارب الديني” باباً للـ”سلام”، أيّ منفذاً للتطبيع السياسي.
مكان المعبد
تشير الدراسات القليلة جداً عن هذا المعبد وعن صاحبة فكرته، أنّه بُنيَّ على رأس جبل اسمه “جبل راس الرّب”، ويبدو أنّه اسم أطلقته “مس كاري” على المكان، وليس اسمه الأصلي. حسب بعض الخرائط لعين كارم، يتضح أن الاسم العربيّ للمكان هو “راس التوتة”، وهو ما أكده المُهجّر عبد الخالق شبيب، ابن قرية عين كارم، في محادثة هاتفية مع فريق “باب الواد”.
بُني المعبد وافتتح في تشرين ثاني من العام 1939 إذن على أراضي جبل “راس التوتة”، الواقع على أطراف عين كارم، والذي تحدّه أراضي قرية الجورة المُهجّرة، والذي وقع تحت الاحتلال الصهيوني عام 1948، وسُمّي صهيونياً بـ”هار أورا” (أي جبل أوره، سُميت المستوطنة التي بُنيت فوق الجورة “أوره”).
تذكر “الموسوعة الفلسطينية” “مس كاري” في سياق الحديث عن قرية الجورة: “…وتفصل الجورة عن عين كارم هضبة صغيرة تقوم عليها “المسكوبية”، حيث توجد مدرسة “مس كيري” ومنتجع صحي”[7].
وفي كتاب “كي لا ننسى” لوليد الخالدي، ذُكِر كذلك مبنى “مس كاري”، إذ كُتب تحت فصل قرية الجورة: “وكان يفصل الجورة عن قرية عين كارم رابية صغيرة بني عليها مدرسة ويقع مصح للنقاهة”[8].
وأغلب الظن أن الكاتبين أشارا لمعبد “مس كاري” بكونه مدرسةً، أنها كانت تتواصل مع الكنيسة الإنجليكانية التي تتبع لها، طوال فترة تطوير المعبد وبنائه، لتحويل بعضٍ من مرافقه لخدمة الكنيسة وإسكان عدد من الراهبات فيه وتقديم خدمات للناس من حوله.
لم يُكتب الكثير عن “مس كاري” أو معبدها الذي سُمّي باسمها، والمعلومات عنها قليلة جداً، حتى إنّه من غير المعروف من الذي قام بتصميم وبناء المعبد. هناك روايات تقول بأن من قام بتصميم المبنى هو المهندس البريطاني “أوستين هاريسون”، Austen Harrison، الذي ترّكز نشاطه في القدس وصمم مبنى المتحف الفلسطيني (أو متحف روكفلر)، وبعض المباني التابعة لشخصيات سياسية بريطانية في فلسطين. لا توجد وثائق رسمية تثبت أنه هو الذي صمم المبنى، واعتمدت التكهنات على الحقيقة أن مس كاري كانت تربطها به علاقة ما، وأنّ شكلَ المبنى يُشبِهُ النمطَ الذي اعتمده “هاريسون” في تصميماته. وقد ذكر الباحث الصهيوني “إيلان” تفاصيل عن معمارية ذلك المعبد، وأنه يحمل في تصاميم رواقه الداخلي أشكال الرموز الدينية الثلاثة: الهلال، والصليب، ونجمة داوود.
وكانت “مس كاري” قد اشترت الأراضي التي أقيم عليها المعبد من أهالي المنطقة، وتبلغ مساحة القطع الإجمالية التي اشترتها ما يقارب 3 آلاف متر مربع، وأقامت عليها بالإضافة إلى المعبد، مبنيين آخرين استخدما كنُزل للنساء والرجال، وكانت هناك محاولة أخرى لتأجيرهما للصليب الأحمر[9].
“مس كاري” وردود الفعل
تعددت الروايات حول علاقات “مس كاري” بأهالي البلاد، وبما أن غالبية الباحثين والكاتبين عنها هم من الباحثين الصهاينة، يجب توخي الحذر في قراءتنا لكتاباتهم، فمثلاً يعتمد “إيلان” في مقاله عنها على سلسلة من الرسائل كانت ترسلها “مس كاري” لأساقفة الكنيسة الأنجليكية، وبما أنّها كانت تسوّق مشروعها من خلال تلك الرسائل وتحاول إقناع مرؤوسيها بتبني فكرتها، فمن المنطقي أو المتوقع أن تصف علاقاتها بأهالي عين كارم، حيث ستقيم مشروعها، بشكلٍ إيجابيٍّ، قد يحتمل بعض المبالغات.
وتذكر أغلبية تلك المصادر الصهيونية، أن “العرب رحبوا بها أشدّ الترحيب، بينما نظر اليهود إليها نظرة ريبة وحذر”، خاصةً أنها مُبشّرة مسيحية. وهناك من بالغ بالوصف، كالباحث “موشيه عميراف”، الذي ذكر في كتابه “عين كارم، جولة إلى قرية الرب” إنّ: “الإنجليز قد اعتبروها شخصيةً مبالِغَةً، اليهود اعتبروها شخصيةً مضطربةً نفسياً، والعرب اعتبروها قديسة”[10].
قد يكون أنّ الصورة التي يريد أن يعكسها الكاتب الصهيوني أن العرب ولـ”سذاجتهم” هم الوحيدون الذين قبلوا بوجود “مس كاري”، متغاضين عن أهدافها ومشروعها للتقارب الديني – السياسي، ومستغلين وجودها لتحقيق بعض الربح، إذ كان يعمل على حراسة مكان المعبد ومساعدة “مس كاري”، شابان فلسطينيان.
أما صديقنا، عبد الخالق شبيب (88 عاماً)، والذي هُجِّرَ من عين كارم وعمره 18 عاماً، فيذكر وجود “مس كاري” في قريته، ويقول إنّ لوالده أرضاً مجاورة للأرض التي ابتاعتها “مس كاري”. وقد وصفها في حديثه الهاتفيّ معنا بـ “السيدة المخرفنة”، وأنها لم تكن تؤخذ على محمل الجدّ من قبل الأهالي، وذكر أن أحد الشبان “عيسى” ألقى الحجارة باتجاه أحد التماثيل داخل المعبد ذات مرة.
وهذا لا يتضارب مع ما يذكر في المصادر القليلة عن “مس كاري”، أنها بعد فشلها في مشروعها هذا مرضت وعاشت أوضاعاً نفسيّةً صعبة، اضطرتها في النهاية للعودة إلى بريطانيا.
المعبد والجيش الصهيوني
كان المعبد مشروعاً غيرَ مكتمل، ولم يُستخدم كمعبدٍ بِقَدَرِ استخدامه كموقع عسكريّ من قبل القوات الصهيونية. كما هو موثق في الموقع الصهيوني “معارك حرب الاستقلال”، جَرَتْ داخل هذا المعبد إحدى المعارك التي كانت جزءاً من الحملات التي صُنفت على يد الصهاينة بـ”معارك العشرة أيام”[11] والتي كانت ضمن آخر مرحلة من مراحل القتال في تموز من عام 1948[12]. لقد كان الهدف احتلال المنطقة والسيطرة على المساحة ما بين عين كارم وبيت جالا. سمّاها الصهاينة معركة “مس كاري”، ولم يمضِ احتلالُ المنطقة دون مقاومة القوّات العربيّة لقوات “الهاجاناه”، وجرى جزءٌ كبيرٌ من القتال داخل منطقة المعبد.
في أحد نصوصه الذي يوثّق تاريخ قرية الولجة تحت عنوان “غربة، حيث ولدت وحيث لن أموت”، كتب الشهيد باسل محمود الأعرج عن منطقة جبل راس التوتة، في سياق حديثه عن المعارك التي جرت عام 1948، كما وثّقها على لسان أجداده: “بعد 25 يوماً عاد أبي إلى البيت من المشفى، القتالُ على كافّة الجبهات ما زال مُستمِراً، بعد أسبوعين جاءت القواتُ المصرية لترابطَ في القرية، الأغلبيةُ هم من العساكر النظاميين وبعض المتطوّعين، المتطوّعون قاتلوا بشراسةٍ والنظاميون أكلوا كلّ دجاجات القرية، واستقرّت فرقةٌ تابعةٌ للجيش الأردنيّ في مقرّ الإرسالية التبشيرية المطلة على القرية والتي تُدعى مسكري (تحريف لمس كيري)”.
لقد وصف الشّهيدُ باسل الأعرج، في النص المذكور أعلاه، هذه المعركة كما سمعها من ذاكرة أجداده: “في أحد الأيام رأى أهلُ القرية [يقصد هنا الولجة] الفرقة الأردنية تنسحبُ ليلًا من موقع مسكري، فهبَّ عددٌ من المقاتلين واحتلّوا الموقع، تقدّمت العصاباتُ الصهيونية قليلًا، بدأ المقاتلون بإطلاق النار بكثافة، تفاجأت القوّةُ الصهيونية من وجود مقاومةٍ فانسحبت على الفور، في اليوم التالي عادت الفرقةُ الأردنية وطردت المقاتلين من الموقع، تكرّر الأمرُ مرّةً أخرى لكن في المرة الثالثة عندما انسحبت القوّة الأردنية ووصل المقاتلون إلى الموقع اكتشفوا أنّ العصابات كانت قد سبقتهم وتحصّنت وحسّنت الاستحاكامات ممّا يدلُّ على أنّهم دخلوا الموقع قبل انسحاب الفرقة الأردنية بوقتٍ طويل. فحدثت معركةٌ قويّةٌ كنتُ أستطيع أن أشاهدها من البيت، أبي قام من نومه وهو يسعُل وكان ما زال في فترة نقاهة، حمل البندقية وانضمّ للمقاتلين، استُشهد ثلاثةٌ من خيرة شباب القرية وبضع إصاباتٍ أيضاً”[13].
“مس كاري” اليوم
تقول اللافتة في الصورة أعلاه والموجودة في منطقة المعبد: “مِس كاري. في سنوات الثلاثينات أقامت سيدة بريطانية تدعى مس كاري هذا المبنى والذي سُمي على اسمها. المبنى مقام على تلة تعلو 848م والتي تطل على القدس وتدعى جبل الرب (“هار إيلوهيم”). إنّه مبنى دينيٌّ مميّزٌ، خُصِصَ من أجل الإشارة إلى وحدة الديانات السماوية الثلاث، وليُشَكِّلَ بيتاً لجميع المؤمنين. خلال حرب الاستقلال، استولت على المعبد عصابةٌ عربيةٌ والتي قامت بإلحاق الأذى بالحارات اليهودية. في 16.7.1948، وضمن معارك “العشرة أيام” احتُل المعبد ومنطقته على يد قوات “الجدناع” و”حيل همشمار”، ومنذ ذلك الحين تحوّل المعبد إلى مبنى عسكريّ”.
وتستمر سيطرة الجيش الصهيوني على المكان حتى يومنا هذا، وهذا ما يظهر أيضاً من اللافتة أعلاه، فقد حوّلت تلك المنطقة لخدمة أحد أبرز أقسام الاستخبارات العسكرية الصهيونية وأكثرها تطوراً، ولذلك لن تسعفنا جولة على رأس الجبل في رؤية المعبد كونه مخفياً بين بنايات عسكرية. وإلى جانب تلك البنايات هناك مركز اجتماعي صهيوني يأوي “فتيات في ضائقة” باسم “مسيلاه”.
تبقى قصة “مس كاري” غير واضحة تماماً، وتبقى قصة المعبد قصة منقوصة التفاصيل ومخبأة بين طيات التاريخ، والحقيقة الوحيدة هي تحويل المعبد إلى منطقة عسكرية مغلقة حتى يومنا هذا، وأن “مس كاري” قد تكون من أوائل من اتخذوا شعارات التقارب الديني – في بلادنا – وسيلةً للتطبيع السياسي.
الهوامش:
[1] مقال “ناحم إيلان”، אילן, נחם, and Nahem Ilan. “‘Miss Carey’and the’Mountain of the Lord’/מיס קרי והר האלוהים: לתולדותיה של שליחה מיסיונרית בירושלים.” קתדרה: לתולדות ארץ ישראל ויישובה (2005): 57-94.
[2] Okkenhaug, I. M. (2002). The Quality of Heroic Living, of High Endeavour and Adventure: Anglican Mission, Women and Education in Palestine, 1888-1948. Brill.
[3] في مقاله عنها “مس كاري وجبل الرب”، وهو أحد المصادر القليلة عن نشاطها، اعتمد الباحث “ناحم إيلان” على ثلاثة مصادر لتكوين صورةٍ عنها: الصور والخرائط، والشهادات الشفوية والمكتوبة، والوثائق، وهي نوعان: وثائق من الجيش الصهيوني، ووثائق للمراسلات في أرشيف “التبشير في القدس والشرق”، في كلية “سانت أنتوني” في “اوكسفورد” في انجلترا، والتي تشمل مراسلات أُرسِلَت من وإلى المطران الأنجليكاني في القدس حول نشاط “مس كاري” ومشروعها، وهناك مجموعة وثائق باسم “مس كيري وممتلكاتها في عين كارم – مراسلات”.
[4] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق، ص 63.
[6] المصدر السابق.
[7] الموسوعة الفلسطينية، عن قرية الجورة: https://www.palestinapedia.net/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A9/
[8] الخالدي، كي لا ننسى، قرية الجورة، http://www.palestineremembered.com/Jerusalem/al-Jura/Story26647.html
[9] راجع هامش رقم 1.
[10] من كتاب “عين كارم” لـ”موشيه عميراف”، ص 84.
[11]سُميت هذه المرحلة على يد الصهاينة بـ”معارك الأيام العشرة”، لإنها كانت جزءاً من الأيام العشرة الأخيرة للقتال، وفيها احتلت القوات الصهيونية اللد، الرملة، القسم الجنوبي من القدس، ومناطق أخرى في الجليل.
[12] موقع “مواقع حرب الاستقلال” الصهيوني الذي يوثق مواقع المعارك التي جرت خلال نكبة عام 1948.
[13] نُشِر هذا المقال للشهيد باسل الأعرج في إحدى المدونات الإلكترونية خلال العام 2013، وسيعاد نشره ضمن سلسلة الأعمال الكاملة للشهيد في ذكراه السنوية الأولى.