في سلسلةٍ حول نموذج التعليم الشعبي في أمريكا اللاتينية، تتناول بدور حسن في هذا المقال مفهوم التعليم الشعبي وبداياته وأبرز مراحل تطوره، وتستعرض فيه أمثلةً راهنةً لمدارسَ شعبيةٍ ضمن محاولة فهم النمط الذي تتبعه، والتحديات التي تواجهها، فضلاً عن دورها في الدفاع عن الأرض وإعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية والتعزيز التشاركيّ للوعي لضرورة خلق بدائل أكثر إنسانيةً. كما ستعالج المقالات القادمة من هذه السلسلة استعادة إرث السكان الأصليين كمُضادٍّ لهيمنة الحداثة والسعي نحو الانعتاق المعرفيّ والتحرّر من منظومات السيطرة القائمة.
جذور الغضب
سبّبت السياسات النيوليبرالية التي تبنّتها الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية في سبعينيّات القرن الماضي، والتي واصلت حكومات “الانتقال الديموقراطيّ” تطبيقها في الثمانينيّات والتسعينيّات، غلياناً شعبياً وغضباً عارماً عبّرت عنه المجتمعات بتنظيم حركاتٍ اجتماعيةٍ رافضةٍ لهذه السياسات. مثّلت هذه الحركات، في بواكيرها على الأقل، قطيعةً مع مفهوم الدولة الوطنية والديمقراطية الليبرالية، وكذلك مع الاستهلاكية والرأسمالية والحداثة الغربية. كما أوجدت قواميسَ نضاليّةً خاصّةً بها، ومختلفةً بشكلٍ لافتٍ عن لغة الأحزاب والنُّخَب اليسارية القديمة.
تعرّضت بعض هذه الحركات للتدجين أو الابتلاع والمأسسة مع خلوّ الشارع ومرور الوقت، وكذلك مع فرض صعود الحكومات التقدمية أو ذات التوجّه اليساريّ خياراتٍ صعبةً عليها؛ فعلى الرغم من تبني الحكومات التقدميّة برامجَ اجتماعيةً للقضاء على الفقر وتحسين الشروط المعيشية، واصلت بشكلٍ عامٍّ تطبيقَ السياسات النيوليبرالية، وخلقت نُخبَها السلطوية والبيروقراطية الجديدة؛ ما أحدث شرخاً بينها وبين قواعدها الاجتماعية والحركات التي أوصلتها إلى الحكم.
ويمكن القول إنّ عودة اليمين إلى الحكم في كثيرٍ من بلاد أمريكا اللاتينية في السنوات السبع الأخيرة، متوّجةً بانتصارٍ ساحقٍ لليمينيّ المتطرّف “جاير بولسونارو” في البرازيل، أعادت الجيل الثاني من هذه الحركات إلى المربّع الأول الذي انطلقت منه انتفاضات الثمانينيّات والتسعينيّات.
أشكال التعبير عن الغضب
لا شكّ أن لكلٍّ من الحركات الاجتماعية التي شهدتها أمريكا اللاتينية، في عقدي الثمانينيّات والتسعينيّات وبداية الألفيّة، خصوصيّتها المُستمدّة من الشروط الموضوعية والذاتية لانطلاق أيٍّ منها. ولكن يمكن الإشارة لقواسمَ مشتركةٍ تميّزت بها معظمُ الحركات الاجتماعية المُناهضة للرأسمالية في أمريكا اللاتينية، قد تتفاوت مركزيةُ هذه العوامل بين حركةٍ وأخرى، وفترةٍ زمنيةٍ وأخرى، وبلدٍ وآخر، لكنّها حضرت في التنظيم والحشد ولجان الأحياء وتظاهُرات الشوارع، يمكننا إجمال ذلك بالتالي:
* تجذُّر الحركات في حيّزٍ جغرافيٍّ مُحرَّرٍ/ مُستعادٍ، من المصانع والشركات التي احتلّها العمال وأداروها ذاتياً في الأرجنتين منذ العام 2001، إلى الضواحي الفقيرة/الشعبيّة التي يحكمها سكّانها خارج سلطة البلديات الرسمية في تشيلي والبيرو. كذلك من الأراضي التي نجح “العمّال المزارعون بدون أرضٍ” في استعادتها واستصلاحها في البرازيل، إلى مجالس الحكم الذاتيّ للزاباتيين في تشياباس؛ إذ تتبنّى الحركات الاجتماعية، بشقّيها المدنيّ والريفيّ، استراتيجيةَ تحرير/استعادة حيّزٍ جغرافيٍّ ما، وإدارته خارج السلطة أو على هامشها، وإعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية ضمنه بشكلٍ قائمٍ على رفض مُراكمة رأس المال، والتركيز على قيمة الاستعمال؛ لا قيمة المبادلة.
* البحث عن تحقيق الحكم الذاتيّ وإدارة الحياة اليومية خارج مؤسّسات الدولة، أيّ الاستقلال عن السلطة دون الحاجة لإنتاج بيروقراطيات السلطة التقليدية، أو إنشاء دولةٍ أخرى، بمعنى آخر “تغيير العالم دون الاستحواذ على السلطة، من الأسفل وإلى اليسار”. تعتبر تجربة الزاباتيين في تشياباس والثورة التي فجّروها في 1 كانون الثاني 1994 الأكثر تقدّماً في هذا المضمار، لكنها ليست الوحيدة. كما أنّ الحكم الذاتيّ ليس إعلاناً فحسب، بلّ نمطُ حياةٍ ونضالٌ يبدأ باستعادة الحيّز وتحريره، ومن ثمّ إقامة المدارس الشعبية ومراكز الصحة الشعبية/ غير التابعة للدولة. ولمحاولات إنشاء أطُرٍ صحّيةٍ وتعليميةٍ بديلةٍ ومستقلةٍ أهمّيةٌ فعليةٌ ورمزيةٌ، وكذلك معيشيةٌ وسياسيةٌ وكفاحيةٌ.
* أشكالُ تنظيمٍ مرنةٌ وأفقيةٌ وبعيدةٌ عن الهرمية تلبّيها الحركات؛ إذ تكون الفجوةُ بين قادة هذه الحركات وقاعدتها الاجتماعية أقلَّ بكثيرٍ من تلك التي تُميّز الأحزاب التقليدية والنقابات. كما تحاول الحركات أن تبتعد عن الهرمية في تنظيم علاقاتها وصناعة القرارات بنسب نجاحٍ مُتفاوتةٍ، وتبني قراراتها على أسُس التوافق والحوار الشعبيّ الذي يسعى إلى تحويل السياسة إلى فعلٍ جمعيٍّ وتشاركيٍّ مُعاشٍ.
* حضورٌ للقيادة النسائية: تتميّز معظم هذه الحركات بحضورٍ كثيفٍ وقياديٍّ للنساء في اتخاذ القرارات وتعزيز صمود الحركات والتكافل الاجتماعيّ، والتصدّي لقمع السلطة والإشراف على المدارس الشعبية ومراكز الصحة الشعبية. ومع تصعيد الحركة الاجتماعية نشاطَها وازديادَ تأثيرها، يتلاشى دور العائلة النووية، مقابل تبلور مفهومٍ جديدٍ للعائلة؛ بوصفها المجتمعَ الجديدَ الذي يُعيد بناء وتعريف نفسه مع تطوُّر الحراك.
المشارب الفكرية للحركات الاجتماعية
تأثّرت الحركات الاجتماعية في أمريكا اللاتينية، على الصعيد النظريّ ومن حيث المُمارسة على حدٍّ سواءٍ، بأربع مدارس فكريةٍ مختلفةٍ كانت لجميعها مساهماتٌ هامّةٌ، وإنْ كانت متفاوتةً، في تشكّل ونضوج المقاومة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في القارّة. لم تولد هذه المدارس الفكرية في أمريكا اللاتينية فحسب، بلّ كانت أمريكا اللاتينية كذلك هي المنطقة الوحيدة التي يمكن فيها لهذه المدارس أن تلتقي وتتقاطع وتتكامل. كانت المشارب الفكرية على النحو التالي:
* الإرث التحرريُّ والمعرفيُّ لتمرّد الشعوب الأصلية، والذي يختلف جذرياً عن أنماط التفكير الغربيّ تحديداً؛ من حيث علاقة الإنسان بالطبيعة وبأمّنا الأرض؛ إذ يتبنّى هذا الإرث رؤيةً مناهضةً للفردية والرأسمالية بالضرورة، ويربطهما بمفاهيمَ أساسيةٍ مُستقاةٍ من حضارات وثقافات شعوب أمريكا الأصلية وتاريخها النضاليّ.
يتبنّى، كذلك، استعادة مفاهيم على سبيل التناغم مع الطبيعة واحترامها، والتشاركية في العيش وتقرير المصير، فضلاً عن استعادة رموزٍ لمناضلين تحدّوا الاستعمار الإسبانيّ خلال القرن الثامن عشر، مثل “توباك أمارو” الثاني و”توباك كاتاري” و”بارتولينا سيسا” و”ميكائيلا باستيداس”. استُعيدت هذه الرموز لتشكِّل حجرَ زاويةٍ في النضالات ضدّ سياسات الخصخصة والاستيلاء على الأراضي. تجلّت هذه الاستعادة، كما سنلاحظ في القسم الثاني من السلسلة، في بوليفيا والإكوادور، وفي النضالات الاجتماعية التي شهدتها البلدان في التسعينيّات وبداية الألفية، بينما كانت أقل تأثيراً في النضالات ذات الطابع المدينيّ.
* لاهوت التحرير: كان الحراك قاعدياً، تعتمد قراءتُه المُجدّدةُ والراديكاليةُ للإنجيل على تكريس مبادئ العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان ومقاومة السلطة السياسية والنخبة الكنسيّة، ومحاربة الفقر بوصفه نتيجةً لمنظومة الاستغلال والاضطهاد. ترك لاهوت التحرير بصماتٍ واضحةً على نضال “العمال المزارعين بدون أرض” في البرازيل. لكن مع الأهمية التي اكتسبها نظريّاً، فقد تراجع تأثيره مع صعود اليمين الإنجيلي في البرازيل تحديداً.
* التعليم الشعبيّ كما عرّفه وصاغه المفكر والمُربّي البرازيليّ “باولو فريري” في مجموعات محو الأميّة التي أسّسها في حقول وأرياف البرازيل مُمارسةً، ولاحقاً ثبّتها نظريّاً في كتابه “تربية المقهورين”. يعتبر التعليم الشعبي، إلى يومنا هذا، شكلاً من أشكال الحياة اليومية في الحركات الاجتماعية والأحياء الشعبية، ومن خلاله تنجح الحركات الاجتماعية في إنتاج وإعادة إنتاج مثقّفيها العضويين.
* نضال وفكر جيفارا: لا يعني هذا بالضرورة تبنّي الكفاح المسلّح أو اتّباع أسلوب حرب العصابات، ولكنه يشترط الالتزام الأخلاقيّ والسياسيّ بقضايا الفقراء والمهمّشين اقتداءً بجيفارا.
تركّز هذه المادة على مفهوم التعليم الشعبيّ وبداياته وأبرز مراحل تطوّره، على أن تناقش المواد القادمة من هذه السلسلة استعادة إرث السكان الأصليين كمُضادٍّ لهيمنة الحداثة والسعي نحو الانعتاق المعرفيّ والتحرّر من منظومات السيطرة القائمة. هنالك حالياً آلافُ المدارس الشعبية وعشراتُ الجامعات الشعبية المستقلّة في أمريكا اللاتينية التي لن يتسنّى لنا الإحاطة بجميعها، لكن ستستعرض هذه المادّةُ أمثلةً راهنةً لمدارسَ شعبيةٍ ستساعدنا على فهم النمط الذي تتبعه، والتحديات التي تواجهها، وكذلك دورها في الدفاع عن الأرض وإعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية والتعزيز التشاركيّ للوعي لضرورة خلقِ بدائلَ أكثرَ إنسانيةً.
بدايات التعليم الشعبي في أمريكا اللاتينية: الجامعة الشعبيّة في المكسيك
“إذا لم يكن بوُسع الناس الذهابُ إلى المدرسة، فعلى المدرسة الوصولُ إليهم”، هذه هي الجامعة الشعبيّة: المدرسة التي فتحت أبوابها لتُرسل أساتذتها إلى الشوارع كي يبحثوا عن العمال في ورشاتهم وأماكن تجمّعهم. [1]
عمّت مختلفَ بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي في العقد الأول من القرن الماضي موجةٌ من الاحتجاجات والإضرابات الطلابية المُنادية بإصلاح التعليم العالي، وكسر هيمنة النخبة الأوليغارشية على الجامعات وأسلوب التعليم فيها، والمواد التي يتمّ تمريرها. تقاطعت احتجاجات الطلاب ومطالبهم مع احتجاجات العمّال المطالبين بالتعليم المسائيّ لتمكينهم من الانتساب إلى الجامعات والتوفيق بين عملهم وتعليمهم.
شهدت العاصمة الأرجنتينية، بوينس آيرس، أوّلَ محاولةٍ موثّقةٍ لإقامة جامعةٍ شعبيةٍ في أمريكا اللاتينية؛ حيث قام الحزب الاشتراكيّ الأرجنتينيّ بتأسيس جامعةٍ شعبيةٍ صغيرةٍ عام 1904 لم تعمّر طويلاً. كما كانت هناك محاولةٌ شبيهةٌ لتأسيس جامعةٍ عُمّاليةٍ في المدينة ذاتها في العام 1909، لكنها أقفلت أبوابها هي الأخرى بعد فترةٍ قصيرةٍ جداً على تأسيسها.
في الفترة نفسها، عقد طلبة أمريكا اللاتينية ثلاثةَ مؤتمراتٍ دوليةٍ حول التعليم العالي في الأوروغواي والأرجنتين والبيرو خلال الأعوام 1908 و1910 و1912 على التوالي، إذ عكست المؤتمرات الثلاثة والاحتجاجات الطلابية والعُمّالية ثقافةً جديدةً أخذت بالتشكّل بعد 100 عامٍ على حروب الاستقلال. لم تتحدَّ هذه الثقافة الجديدة نظامَ التعليم فحسب، بلّ وكما أكّدت لنا الثورة المكسيكية في العام 1910، فإنّها تحدّت كافة مكوّنات الطبقة المُهيمِنة الحاكمة وأنماط تفكيرها وتوزيع الثروات والثقافة السائدة، القائمة على الاستغلال والنفعية والتبعية.
في المؤتمر الطلابيّ الذي عُقد في بوينس آيرس في العام 1910، عرّف المشاركون للمرة الأولى “الجامعة الشعبية” على أنها الامتدادُ الشعبيُّ للجامعة وارتباطها بالشرائح الأكثر حرماناً وتهميشاً في المجتمع؛ من خلال تقديم مساقاتٍ في القرى والبلدات وخارج أسوار الجامعات، وبناء برامجَ تعليميةٍ لا تعتمد على تحصيل ألقابٍ وشهاداتٍ جامعيةٍ، بلّ على تواصلٍ ثقافيٍ وتشارُكيةٍ في التعليم ونقديةٍ في طرح المواد، دون أيِّ تقيّدٍ بما يفرضه المنهاج الرسمي.
برزت الجامعة الشعبيّة المكسيكيّة -التي افتُتحت في 24 تشرين الأول 1912، أيّ بعد عامين على اندلاع الثورة، وأنهت أعمالها بشكلٍ كاملٍ في العام 1920- مع صعود الحكومة الانتقالية بقيادة “ألفارو أوبريغون” إلى السلطة. فيما كان للمؤتمرات الدوليّة التي عُقدت في الأوروغواي والأرجنتين والبيرو ولمخرجاتها والنقاشات التي تخلّلتها دورٌ مهمٌ في الدفع نحو تأسيس الجامعة الشعبية على يد مجموعةٍ من المثقفين والكتّاب المكسيكيين المُنتمين لتياراتٍ وتوجّهاتٍ سياسيةٍ وفكريةٍ واجتماعيةٍ مُتنوعةٍ.
كما خلق الزخم الثوريّ الشعبيّ والمُسلّح، والرفض الشامل لسياسات الرئيس المُنتخب “فرانسيسكو ماديرو” وتسلّقه على مطالب الثورة، مساحاتٍ للتنظيم والعمل بحريةٍ أكبر، أُعيد فيها تعريفُ دور المثقف ودور الجامعة والعلاقة بين الأكاديميين والعُمّال. وهنا تجدر الإشارة إلى ثلاثة كتّابٍ ساهمت كتاباتهم في التأسيس النظريّ لفكرة الجامعة الشعبية، وشاركوا فيها كمُدرّسين: المفكر الاشتراكي الأرجنتيني “منويل أوغارتي” (1875-1951)، والكاتب والمُحاضر المكسيكيّ “بيسينتي لومباردو توليدانو” (1894-1968) المعروف بـ”عميد الماركسية في المكسيك”، والمفكر الدومينيكاني “بيدرو إنريكيس أورينيا” (1884-1946).
قام معظم المؤرخين، الذين تناولوا قضية إصلاح التعليم العالي في المكسيك وتطوّره، بتكريس بحوثهم حول بداية عشرينيّات القرن الماضي ودور رئيس الجامعة المكسيكية الوطنية آنذاك “خوسيه باسكونسيلوس”، متجاهلين نشاطَ الجامعة الشعبيّة والتغييرات الفكرية والاجتماعية والثقافية التي حدثت خلال سنوات الثورة، مع أنّ الجامعة الشعبية ومؤسِّسيها وأساتذتها وطلابها تركوا الكثير من الوثائق والكتيّبات التي تشير إلى كيفية عملهم ومبادئهم وثمار جهدهم. وقد ألهمت الجامعة الشعبيّة في المكسيك إقامةَ جامعةٍ شعبيّةٍ مُشابهةٍ في بورتو ريكو في العام ،1918 وأخرى في غواتيمالا في العام 1922.
غرست هذه الجامعات بذور تعليمٍ جامعيٍّ اعتمد المسؤولية الاجتماعية للمثقف، لا الأبويّة، ومثّل ردَّ جيلٍ كاملٍ على الصراع بين النظامين القديم والحديث، جسّدت من خلاله الجامعاتُ التزامَ الطلاب والمثقفين الأخلاقيّ بالانخراط في النضالات العُمّالية، إضافةً إلى تعميم قيم العدالة الاجتماعية وإتاحة التعليم الجامعيّ للجميع. لاحقاً، أدّى تعاظم قوة الحزب الثوريّ المؤسّساتيّ واحتكاره اللفظيّ لمُنجزات الثورة المكسيكية والتفافه عليها، بالإضافة إلى التباينات والاختلافات الفكرية العديدة بين مُؤسِّسي الجامعة المفتوحة، إلى تراجع التعليم الشعبي في المكسيك، ولكنه عاد ليولد من جديدٍ ضمن سياقاتٍ مختلفةٍ وبصياغةٍ أكثر نُضجاً، كما سنبيّن فيما بعد.
واريساتا: مدرسة السكان الأصليين الأولى في بوليفيا
“خرج رفاقي إلى الحقل لكي يبنوا المدارس مؤمنين بأنّ على الفلاحين أن يبنوا بأنفسهم المدارس التي ستعلم أطفالهم. هذه كانت جريمتنا! ولذلك قرّروا تدمير المدارس والزجّ بالفلاحين وبرفاقي في السجون”. [2]
بعد إعلانها الاستقلالَ عن إسبانيا في العام 1825، تعاملت النخبة المدينيّة البيضاء الثرية في بوليفيا مع السكان الأصليين “الأيمارا والكيتشوا” على أنّهم مشكلةٌ يجب التخلّص منها؛ من خلال الاستيلاء على ما تبقّى لهم من أراضٍ، وسحق هويّتهم القومية والثقافية وابتلاعهم ضمن الهوية الأوروبية التي حاولت الدولة الناشئة استنساخها.
كما لخّصت سياسات التعليم التي انتهجتها الدولة البوليفية، بفجاجةٍ شديدةٍ، نظرةَ الجيش والحكومة للسكان الأصليين، وتعاملها معهم على أنهم ليسوا سوى كائناتٍ همجيةٍ منقوصة الإنسانية والكرامة. ليس هذا وحسب، بلّ اعتبر مجلس التعليم الرسميّ في بوليفيا جميعَ السكان الأصليين “الهنود” متخلّفين ذهنياً وغيرَ مؤهّلين لتعلّم الكتابة والقراءة.
لكن فترة الثلاثينيّات شهدت أيضاً تحرُّكاً لافتاً لإدخال المدارس إلى قرى السكان الأصليين وحقولهم برعاية بعض المثقفين الذين اعتقدوا أنّ بناء هويةٍ وطنيةٍ بوليفيةٍ مُتماسكةٍ يتطلّب “دمج” السكان الأصليين والاعتراف بهم كمواطنين متساوين، وكانت مدرسة/مجتمع واريساتا، التي وُلِدت في 2 آب 1931، النموذجَ الأشهرَ للمدرسة الريفيّة التي تعلّم فيها الفلاحون الزراعةَ الإنتاجيةَ والعلومَ الطبيعيةَ والرياضيات في صفٍّ واحدٍ.
كُتِبت الكثيرُ من القصص حول مدرسة واريساتا التي بناها السكان الأصليون “الأيمارا” في قريتهم الصغيرة بإيحاءٍ من مثقفٍ قادمٍ من المدينة، وهو “إليساردو بيرس”، وبمشاركة مُزارعٍ من واريساتا “إبيلينو سنياني”؛ إذ قدّم الأول معرفته النظرية في العلوم والرياضيات، في حين قدّم الثاني معرفته في العمل الزراعيّ والإنتاجيّ. بيْدَ أن هذه القراءة الرومانسية لتاريخ إقامة المدرسة تغفل أنّ ثمّة مكوناتٍ في النخبة الثقافية والسياسية البوليفية دعت إلى تعليم السكان الأصليين القراءة والكتابة، لا إرساءً للعدالة أو اعترافاً بحقوقهم التاريخية، بلّ لدمجهم في العملية الإنتاجية، وتسهيل استغلالهم ودمجهم في مؤسّسات الدولة المختلفة كيدٍ عاملةٍ رخيصةٍ أو كجنودٍ في جيشها.
أيّاً كان تحليلنا التاريخيّ للدوافع وراء تأسيس مدرسة واريساتا التي تعامل فيها الطلاب الفلاحون مع المدرسة والأرض كوحدةٍ واحدةٍ، وتعلّموا فيها إنشاء مشاريع صناعيةٍ وزراعيةٍ صغيرةٍ، وآمنوا بتعليمٍ يعتمد على التكامل والتبادل بين الإنسان وأرضه ومجتمعه، فإنّهم خرجوا عن النصّ المكتوب لهم سلفاً.
خلال سنوات عمرها التسع، حوّل الفلاحون واريساتا من مجرّد مدرسةٍ صغيرةٍ إلى فكرةٍ لا تزال تُلهم، إلى يومنا هذا، العديدَ من المدارس الشعبية في الأرياف؛ بجمعها بين النظرية والمُمارسة، وتعاملها مع المدرسة كمساحةٍ لإنتاج المعارف المختلفة وتحقيق الاكتفاء الذاتيّ، والاستعانة بشكلٍ أساسيٍّ بالمعارف التقليدية، والأهمّ تعبيرهم عن فخرهم بهويتهم، ليس من باب الاحتفاء الفولكلوريّ السطحيّ، وإنّما على أساسٍ سياسيٍّ تحرُّريٍ.
وحين بدا أنّ واريساتا، وغيرها من مدارس الفلاحين والسكان الأصليين التي أُقيمت في الثلاثينيّات، تقترب من إحداث تغييرٍ حقيقيٍّ يتجاوز ما كانت تتوقّعه الدولة، قام الجيش والشرطة بهدمها في العام 1940، والتهمة: أنّ هؤلاء “الهنود” لم يكتفوا بتعلم القراءة والكتابة، بلّ أصبحوا شيوعيين أيضاً، ويريدون إعلان العصيان وانتزاع الحكم، وإحياء كارل ماركس والمجيء به إلى بوليفيا، وضمّ بوليفيا إلى الاتحاد السوفييتي وطرد البيض والأوروبيين!
باولو فريري: تربية المقهورين وصناعة الأمل
من الجامعات الشعبية في المكسيك وغواتيمالا وبورتو ريكو والأرجنتين والبيرو، مروراً بمدارس السكان الأصليين في بوليفيا، حضرت فكرة التعليم الشعبيّ كمحاولةٍ لكسر الهيمنة ومُساءلة علاقات القوة في المجتمع. لكنّ مفهوم التعليم الشعبيّ، كما نعرفه اليوم، لم يكن ليتبلْوَر ويتطوّر ويكتسب انتشاره الحاليّ لولا مساهمة المُربّي والفيلسوف البرازيلي “باولو فريري” (1922-1997)، بدايةً من خلال دروس محو الأمية في حقول قصب السكر في بيرنامبوكو، ولاحقاً من خلال كتبه ومحاضراته.
يُعتبر كتابه “تربية المقهورين”، والذي شكّل عُصارة دراسات “باولو فريري” النظرية وعمله في برامج محو الأمّيّة والتعليم في البرازيل وتشيلي وغيرهما، أحدَ النصوص المُؤسِّسة للتعليم الإشكاليّ الساعي إلى دفع الطلاب والمعلمين على حدٍّ سواءٍ إلى مساءلة الثقافة السائدة وتحدّيها والتمرّد على المنظومة المُهيمِنة.
اضطر “فريري” إلى مغادرة البرازيل في العام 1964 بعد الانقلاب العسكريّ الذي استولى من خلاله الجيشُ على السلطة، مُطيحاً بالرئيس اليساريّ المنتخب “جواو غولارت” بدعمٍ مُباشرٍ من الولايات المتحدة الأمريكية. ومباشرةً بعد الانقلاب العسكريّ، قرّر المجلس العسكريّ تجميدَ برامج محو الأمّية التي كان ينظّمها “فريري” مع المزارعين، وسجنه لمدة 70 يوماً بتهمة الخيانة. انتقل “فريري” للعيش في بوليفيا لفترةٍ وجيزةٍ، ثمّ عمل مع حركة الإصلاح الزراعيّ المسيحيّة في تشيلي، حيث قام بنشر كتابه “تربية المقهورين” باللغة البرتغالية في العام 1968، عام الثورات العالمية.
اعتمد “فريري”، في كتابه، على التحليل الماركسيّ والماديّة التاريخية لتشريح القهر والاضطهاد الذي تمارسه الطبقة المُسيطرة، إلا أنه تجنّب الانزلاق في المطبّ الذي يقع فيه العديد من ماركسيّي العالم الثالث؛ إذ انسجم التحليل الماركسيّ مع السياق الاجتماعيّ في البرازيل وأمريكا اللاتينية بشكلٍ خاصٍّ، ودول العالم الثالث عموماً.
وتُركّز البرامج التعليمية التي يعرضها “فريري”، في كتابه، على عمله في أرياف البرازيل الفقيرة مع المزارعين والفلاحين تحديداً. ومن الجدير ذكره هنا أنّ أحد الإنجازات التي أكسبت “فريري” شهرةً واسعةً في البرازيل، وأثبتت نجاعة أسلوبه، كان نجاحه في تعليمه الكتابةَ والقراءةَ لنحو 300 عاملٍ في مزارع قصب السكر، خلال مدّةٍ لم تتجاوز 45 يوماً، ما دفع الحكومة البرازيلية حينها إلى افتتاح مراكزَ جماهيريةٍ وثقافيةٍ في جميع أنحاء البرازيل تتّبع أسلوبه وطريقته في التعليم.
في الفصل الأول من الكتاب، يعرض “فريري” التبريرات الأساسية لنظرية تربية المقهورين عبر تشريح عملية القهر في دول العالم الثالث، والفرق بين الطبقة المُضطهِدة/المُستعمِرة والمقهورين/المُستعمَرين. وتسعى الطبقة المُضطهِدة إلى المحافظة على البُنى الهرمية التقليدية، وضمان تبعية المقهورين للنخبة المحلية الحاكمة، والسوق الرأسمالية الخارجية التي تتحكم باقتصاديات دول العالم الثالث، بلّ وثقافتها.
وهنا، يأتي دور التعليم الرسميّ الذي يعمل على إرساء ثقافة الصمت بين المقهورين ونزع إنسانيتهم وإيهامهم أنّ الجهل والفقر والاستغلال جميعها ناتجةٌ عن واقعٍ موضوعيٍّ لا يمكن التخلص منه أو تغييره، إلى درجةٍ يستبطن فيها بعضُ المقهورين هذا الدورَ، ليصبحوا هم أنفسهم شركاءَ أو وكلاءَ في القهر، مع أنّ الوحيدين القادرين على استعادة آدميّتهم وتحرير المجتمع بأسره هم المقهورون أنفسهم؛ من خلال ممارسةٍ ثوريةٍ قائمةٍ على الجمع بين التفكير والدراسة، من جهةٍ، والعمل الثوريّ الطبقيّ الشامل من جهةٍ أخرى. وفي الفصل الثاني من الكتاب، يحلّل “فريري” إحدى الأدوات الرئيسة التي تستخدمها النخبة المُسيطرة في قهر الجماهير، وأسماها “التربية المصرفية”.
في نظام التعليم التقليديّ القائم على التلقين، ليس الطالب سوى حسابٍ مصرفيٍّ منزوع الإنسانية، على المُعلم “إيداع” البيانات والمبالغ التي يريدها في هذا الحساب، دون أيّ تواصلٍ إنسانيٍّ بين الطرفين! وفي مقابل التربية المصرفية، يقترح “فريري” ما يسمّى “التعليم الإشكاليّ” المبنيّ على طرح المشاكل بدل التلقين. وفي هذا النوع من التعليم، يكون كلٌّ من الطلاب والمعلمين شركاءَ في عملية صناعة المعرفة وتحريرها من قيود الحسابات الصلبة وطرح الأسئلة باستمرارٍ.
وفيما تَئِد التربيةُ المصرفيةُ الإبداعَ وترفض الحوار، وتسعى للمحافظة على الوضع الراهن وتكييف الإنسان معه بصفته قدراً حتمياً، بلّ وتُجرّد الإنسان من تاريخه، تهدف التربية التحرّرية الإشكاليّة إلى تشجيع الحوار والإبداع، وتعتبر الطالب شريكاً في صناعة المعرفة، لا تخزينها وحسب، وعضواً فاعلاً في تغيير الوضع الراهن ورفضه. كما يُعتبر الحوارَ إحدى الثيمات الأساسية التي يتناولها الكتاب في الفصلين الثالث والرابع.
إنّ أسلوب التعليم التبادليّ الذي يقترحه “فريري” يمثّل قطيعةً مع التلقين والتخزين والمناهج المُعَدّة سلفاً، مُتبنّياً الحوارَ بين الطلاب والمعلمين؛ فالطلاب أيضاً قادرون على تعليم مُعلّميهم ومفاجأتهم. ولا تقتصر أهمية الحوار على المعلمين فحسب، بلّ تشمل كذلك القادة الثوريين الذين ينبغي أن يقوموا بحوار الجماهير بدلاً من إصدار البيانات. ويستعرض هذا الفصل عمل “فريري” مع المزارعين والنقاشات الدائرة بينهم لتوضيح ضرورة الحوار في العملية التعليمية التي يلعب فيها المزارع دوراً مساوياً لدور المعلم في تحديد المضامين وتحليلها.
اقرأ/ي المزيد في ثنائية الحوار والتحرّر في التربية
وفي الفصل الرابع والأخير، ينتقد “فريري” النُّخب الرافضة للحوار، لتستعيض عنه بثقافةٍ مُضادّةٍ للحوار، مُعتمدةً بشكلٍ أساسيٍّ على إصدار التعليمات.
تكمُن الخطورةُ في هذا النوع من العلاقة بين القادة الثوريين والجماهير في كونها تُكرّس ثقافة القهر والصمت؛ فالقادة الثوريون الرافضون للحوار والمُكتفون بإصدار البيانات والتعليمات يُشبِهون الطبقة الحاكمة التي تعتمد على التربية المصرفية والتلقين وتخزين المعلومات لإرساء الوضع القائم وتكريسه.
“باولو فريري” مع حركة “البدون أرض”
في 8 كانون الأول 1980، نصب “ناتاليو” خيمةً فيما أصبحت تُعرف بمخيم إنكروزيليادا، في قطعةٍ من الأرض البور في ريو غراندي دو سول البرازيلية. انضمّت إلى “ناتاليو” عدّةُ عائلاتٍ، كلُّها كانت بلا أرضٍ، مُطالِبةً بالحياة بكرامةٍ في أرضٍ يستصلحها الفلاحون ويعيدونها إلى الحياة. كانت البرازيل حينها ترزح تحت وطأة ديكتاتوريةٍ عسكريةٍ خانقةٍ جرّمت كافّة أشكال العمل الجماعي المُنظّم، ولكن التجربة التي بدأت على قطعة أرضٍ صغيرةٍ أخذت بالتوسّع والتمدّد، إلى أن تحوّلت في العام 1984 إلى حركةٍ مُتكاملةٍ، “حركة الـبدون أرض”.
كانت هذه الحركة نتاجَ سنواتٍ من العمل الصامت والتراكميّ للمزارعين وعائلاتهم، مُنبثِقةً عن اللجنة الرعوية للأرض، والتي مثّلت التيّار اليساريّ المُتمرّد في الكنيسة الكاثوليكية والمُتبنّي لتعاليم لاهوت التحرير. رفعت حركة “البدون أرض” شعارَ الأرض لمن يزرعها، غير أنّ نضالها لم يقتصر على إعادة توزيع الثروات وتحقيق المساواة للمزارعين والفقراء، وإنّما امتدّ ليشمل بناء مجتمعٍ أكثرَ ديمقراطيةً ومساواةً.
وفي عملية بناء المجتمع الجديد خلال الفترة الانتقالية التي مرّت بها البرازيل بعد سقوط الديكتاتورية، اقتبس المزارعون أفكار ونظريات “باولو فريري” حول التعليم الشعبيّ، وطبّقوها في مخيّماتهم وأراضيهم وبرامج الإصلاح الزراعي وإعادة بناء علاقتهم مع الأرض والمحيط.
تأسّست أول “مدرسةٍ جديدةٍ” في مخيم إنكروزيليادا ناتالينو في العام 1984 على يد معلّمتين/مُزارعتين من المخيم. لم يكن الكثير من الأطفال يعرفون القراءة والكتابة، غير أنّ دور المدرسة الجديدة لم يكن محصوراً في تعليمهم القراءة والكتابة، بلّ امتدّ ليشمل كذلك تطويرَ معارفهم حول الأرض والزراعة والمقاومة بأسلوبٍ تشارُكيٍّ يضمن حقّ الأطفال بالفرح واللعب والمُساءلة. لكي يكون الإصلاح الزراعي مُستداماً ولكي تنجح تجربة احتلال الأراضي؛ تحتّم على الحركة إنتاجُ معرفتها بنفسها، فشكّلت آلاف المدارس التي نشأت في ظلّ هذه الحركة، وبتأثير أفكار “فريري” الرافعة الفكرية لاستمرار الحركة، رغم التغيّرات والتقلّبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البرازيل.
حذا الزاباتيون في المكسيك (كما سنرى في القسم الذي يناقش تمرّد الزاباتيين في السلسلة) حَذْوَ حركة “الـبدون أرض”، وأسّسوا مدارسهم البديلة، وبرز نمط التعليم الشعبيّ كذلك في المدارس المستقلة التي تأسّست في أحياء بوينس آيرس بعد انتفاضة كانون الأول 2001 في الأرجنتين. لكنَّ التعليم الشعبيّ في أميركا اللاتينية عانى من ثلاث مشاكل أساسيةٍ: البيروقراطية، ومحاولات التدجين، ومن ثمّ عودة اليمين إلى السلطة وهجومه على كل ما هو تحرّريٌّ وجمعيٌّ ومُتحدٍّ للسلطة.
نصبح، بذلك، أمام سؤالٍ مشروعٍ مفادُه: هل يمكن لأفكار “باولو فريري” أن تصمد في عصر “بولسونارو”، وعصر الشركات متعدّدة الجنسية وملاحقة الفقراء وشيطنة النساء؟ هل يمكن للتعليم الشعبيّ، الذي حاولت انتفاضة العام 2001 في الأرجنتين إرساءه كبديلٍ عن التعليم الرسميّ والمصرفيّ، الصمودُ في عصر “ماوريسيو ماكري” ومحاولة خنق ما تبقّى من المصانع المُدارة ذاتياً وعسكرة الفضاء العامّ وتصعيد سياسات التقشّف؟
كيف يمكن تجنُّب ابتلاع التعليم الشعبي، كما ابتُلِعت أنماط مقاومةٍ أخرى برزت في القارة خلال الثمانينيّات والتسعينيّات؟ بين النوستالجيا إلى البدايات وواقعٍ متوحّشٍ يحمل بين طيّاته إرثَ الديكتاتوريات العسكرية، ويهدّد بإعادة إنتاج قمعها بأدواتٍ جديدةٍ، هل يمكن للتعليم الشعبيّ خلقُ مساحةٍ مُستقلّةٍ للمقاومة وإنتاج كلٍّ من المعرفة والحياة؟
في المدارس الصغيرة التي بنوها في البرازيل، وبلدات تشياباس وواهاكا في المكسيك، وفي تعاونيات بوينس آيرس وليما وكيتو وسنتياغو، سيحاول الفلاحون والعمال وأطفالهم تفكيكَ هذه الأسئلة وإيجادَ أجوبةٍ تمكّنهم من البقاء ومناورة القمع. هم، على الأقل، لا يملكون ترفَ العودة إلى الوراء.
يمكنكم قراءة وتحميل المقال بصيغة (pdf) من هنا
******
الهوامش:
[1] هذه الجملةُ مُقتبسةٌ من نصٍّ للشاعر والمحاضر المكسيكي “ألفونسو ريّيس”، نشرته صحيفة الجامعة الشعبية في المكسيك في العام 1913.
[2] فلاحٌ من قرية واريساتا في جبال الأنديز ، وأحد المشاركين في بناء مدرسة واريساتا؛ المدرسة الأولى للسكان الأصليين في بوليفيا. الاقتباسٌ مأخوذٌ من ورقةٍ بحثيةٍ للكاتبة “مارتا إيروزكي” حول الديموقراطية والتعليم في بوليفيا.